آخر تحديث :السبت-18 مايو 2024-09:34ص

جنوبيكست

الأربعاء - 30 ديسمبر 2020 - الساعة 05:14 م

عبدالقوي الشامي
بقلم: عبدالقوي الشامي
- ارشيف الكاتب


بداية، ليسمح لي المستَعْمِرُ الأول "بريطانيا" وهو يُغَادِرُ الأتحاد الاوربي، دون أسف، أن أستعير منه التسمية (بريكست) لأسقطها على واقعنا في الجنوب، ونحن نعيش مرحلة إنتقالية، للخروج من براثن الـ"مُسّْتَعْمِرُ الثاني". ليكن التعريف الـ(موديرن) لـ فك الأرتباط هو (جنوبيكست). فنحن وانتم (رفاق) الخروج الآمن. من وضعين، لم يطق الأغلب الأعم من أبناء شعبينا العيش فيه!!  

لقد خضتم، أيها الرفاق البريطانيين، مفاوضات شرسة وشاقة، مرهقة ومعقدة، مع بروكسل (عاصمة الأتحاد الأروبي)، ولكم أن تقارونوا بين بروكسل وصنعاء، وكم سنه ضوئية تفصل بينهما. لتدركوا مدى صعوبة الوضع الذي يتجرعه الشعب في الجنوب العربي، للعودة الى ما كان عليه يوم غادرتموه في 30 نوفمبر 1967.. لقد تحقق لكم الخروج الذي أقترعه 51.9% من أبناء مملكتكم المتحدة، بعد ما يقرب من نصف قرن من التوحد الإرادي، وبعد  ثلاث سنوات ونصف، وصفت بـ (الوزاج المضطرب)..

أما نحن في الجنوب العربي، فقد خضنا حرباً ضروساً لصد العدوان على الأرض والعرض، العام 94، تواصلت لـ 64 يوم، شربنا خلالها من البحر، حتى لا نستسلم لجحافلٍ تكالبت علينا من كل إتجاه. حربٌ جاءت بعد (توحد مضطرب)، كان خياراً حزبياً، ولم يكن خياراً شعبياً، لم يدم أربعة أعوام، أعقبه (توحيد قسري) بقوة العدة والعدد، رغماً عن أعم الإرادة الجنوبية.

وبعد حراك شعبي سلمي تواصل حتى العام 2015، واجهنا خلاله كل ما لا يخطر ببال: من عنف مادي ومعنوي بصدورعارية. وعندما وجدنا أننا أمام عدو يستنسخ نفسه بصور(عسكرية ــ قبلية ــ أخونجية ــ مذهبية) عدو لا يفهم سوى لغة القوة، أُضطررنا مُكْرَهين حمل السلاح، لفرض إرادتنا وإستعادة هويتنا..

أردتم أيها الرفاق، البريطانيين، الخروج من الأتحاد الأروبي، رُغم أن بروكسل لم تصادر لكم ماضٍ، ولم تفرض على حاضركم إرادتها (المتخلفة). كما لم ترسم خطوطاً حمراء على مستقبلكم.. أما نحن في الجنوب، فقد رسمت وحدة (كوز سنحان وجحلة ظليمة) ــ عفاش ولحمر، رسمت خطوطها الحمراء على أعتاب كل بيت جنوبي، وفرضت إتاوات على كل حركة من حركات أصحاب البيت، وقيود على كل نَفَسٍ لا يتفق مع أرادة (الكوز) أو توجهات (الجحلة).. صحيح إنكسر الأول وتهشمت الثانية لكنهما خلفا لنا (كَتَاَليّْ) و(مطايب) صغيرة الحجم، بسعات غير متناهية وبعضها لا يُرى بالعين المجردة. أدواتٍ متنقلة جاهزة للغرف من كل الإتجاهات، التهمت كل ما تبقى في الجنوب، خارج الكوز والجحلة، أكان فوق الأرض الجنوبية أو تحتها..

 لقد أستعدتم أيها الرفاق هويتكم البريطانية المتمثلة: السيطرة على أموالكم، حدودكم، قوانينكم وتجارتكم.. فبقدر ما نهنيكم على هذا الأنجاز التاريخي، الذي تحقق لكم عشية اعياد الميلاد، بقدر ما ندعوكم الى الوقوف الى جانب شعب الجنوب الذي تركتموه العام 67، نهباً للأيدلوجيا يميناً حيناً، ويساراً حيناً آخر. تركتموه دون أن تشترطوا: ضوابط ومحددات إنتقالية، وترتيبات كتلك التي ضمنتموها إعلان إستقلال (هونج كونج) أو (ماكاو) أو غيرهما من مستعمراتكم السابقة. فعدن كانت تاج مستعمراتكم، ومع ذلك غدرتم بها في نهاية المطاف، ولم تؤمنوا لها خروج آمن..

خروجكم الآمن من الأتحاد الأوربي عند منتصف ليل 31 ديسمبر 2020 تنفيذاً "لإتفاق عادل ومتوازن" وكما وصفته رئيسة المفوضية الأوروبية (أورسولا فون دير لاين) "أنه الشيء الصحيح والمسؤول لكلا الجانبين"، هذا الوصف الموضوعي، يدفعني للتساؤل: هل كان أتفاق إستقلال الجنوب عادل ومتوازن ومسؤول لكلا الطرفين، الجنوبي والبريطاني؟؟؟ الجواب واضح..

 فقد كنتم تدركون بأن المجموعة التي تفاوضكم، لم تكن مخولة من الشعب الجنوبي. كما وكنتم تدركون أن البعض من أفرادها لم يكن جنوبياً في الأصل. والدليل أنهم كانوا يتفاوضون معكم بأسم الجنوب العربي، والنية مبية لأعلان الدولة بإسم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية. لقد كان المفاوض البريطاني على علم بذلك، وإلا لما كانت بريطانيا العظمى، من أوائل الدول التي أعلنت إعترافها بالجمهورية الوليدة!!!

المطلوب منكم اليوم أيها الرفاق: أن تكفروا عن خطيئة، تأمينكم خروج آمن لجنودكم من الجنوب، دون أن تؤمنوا خروج آمن لشعب الجنوب. فقد سلمتوا مصيره لمجموعة من مراهقي السياسة.. وإن كانوا وطنيين، فوطنيتهم تلك لا تنفي أنهم كانوا أسرى شعارات "لا تسمن ولا تغني من جوع". والدليل أنهم، دشنوا الحكم للدولة الوليدة بقررات دمرت الأقتصاد. تلك التي أسموها: تأميم المرتفعات الأقتصادية.. لتحل الكارثة بشعب الجنوب، الذي ما زال يدفع أثمان ذلك الشطط الأيديلوجي حتى اليوم.

فجريمة كتلك التي  شاركتم في إقترفها العام 67م، يمكنكم اليوم، التكفيرعنها، بالوقوف في مجلس الأمن، دون موآربة ولا مخاتلة، لجهة حق تقرير المصير لشعبٍ، هيمنتم على مصيره لـ 129 عام. فواجبكم التاريخي قبل الأخلاقي، يحتم عليكم المساعدة في تأمين (جنوبيسك) لشعب الجنوب. خروج آمن وصاية المرشد الأعلى للجماعة الأخوانية، التي تتدثر الأسلام ظلماً، ومن وصاية المرشد الأعلى، الذي يتدثر الثورة الأسلامية عدواناً. فهل أنتم فاعلون؟

لقد شاء القدر أن يتزامن خروجكم أيها الرفاق البريطانيين، من عضوية الأتحاد الأروبي، مع اقلاع الدولة الجنوبية. إقلاعٌ وان بنصف المقاعد، يأتي رغماً عن المطبات التي ما أنفك فيروس الوحدة المتحور، والذي يستنسخ نفسه مرة بصورة مخاليف، وأخرى بصورة اقاليم.. إقلاعٌ كله عزيمة وإصرار، على أستكمال المشوار حتى منتهاه. وستتذكر الاجيال القادمة ان العام 2020 كان عام الأقلاع من الجنوب الجغرافي الى الجنوب العربي. (جنوبيكست) من التبعية الى السيادة الوطنية.