آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-03:36ص

الشيخ عزرائيل

السبت - 18 مايو 2013 - الساعة 09:29 ص

عامر السعيدي
بقلم: عامر السعيدي
- ارشيف الكاتب


قبل أمس الأول كنت غارق في الخيال حد الضياع ,, وأنا أكتب قصيدة شعر لمحبوبتي العنيدة التي بدأت تمارس غواية الكتابة بأصابع ناعمة وروح شفافة في واقع بالغ الخشونة قد يحيل أحدنا من قائمة الحالمين إلى سجلات الموتى بدون مقدمات

 ..

تماما ,, كما يفعل مع أولئك البسطاء الذين يعبرون الشارع أو يجلسون القرفصاء على الرصيف ويتناولون أكواب الفرحة في نشوة الملائكة غير مبالين بقسوة الحياة  وسذاجة الوقت ..

 

للأسف قصيدتي ماتت كعروسةٍ في يومها الأول واستحالت الموسيقى الى تناهيد ساخنة في صدرٍ ضاقت عليه الكلمة بما رحبت وظن بالعمر الظنون ..

 

لقد توقفت كنقطة مرتبكة في منتصف السطر وأنا أتخيل الشاعر اليمني الكبير " لطفي جعفر أمان " وهو يتكئ على الضريح القادم ويبكي قصائد حياة ليستقبل أحفاده استقبالا

 يليق بعظمة الشهداء وبساطة الفقراء التواقين إلى مستقبل أكثر خصوبة و أوفر عطاء

أتذكر أنني كنت أصغي جيدا لعتاب بالغ الصمت .. وأهذي بكلمات ثكلى قائلا :

 

بصراحة يا سيدي .. هذه المدينة لا تحترم الحياة ولا تخجل من الجمال ولا تؤمن بالحب ولا تعترف بالأحلام البيضاء ..

إن الشعور بالخوف من المجهول ,, واحدة من أهم الصفات السيكلوجية للواقع الرخو في هذه المدينة المملوءة بالخذلان والحزن والرصاص الطائش والموت العام .

 

هكذا وبلا أدنى مشقة تستطيع ان تعرف كم هي قاسية ومتوحشة وكم هي قليلة معروف وناكرة جميل وعديمة إحساس أيضا ..  لا تحتاج فيها  للكثير من الجهد للتأكد من ذلك وأكثر .. يكفي أن تحدق قليلا في شوارعها الشاحبة التي تعكس بشاعة الداخل لهذه المدينة الصاخبة كما لو أنها عقليّة " عفط "  مفتول الشارب متسخ الروح أسود التفكير مغرور بسفالته ولؤمه ,,.

 

 طبعا ليس بالضرورة أن يكون شيخا أو نافذا من المقياس الثقيل إذ أن معيار الفهلوة في هذه المدينة هو القدرة على اللؤم والحقارة وممارسة الإنحطاط بروح راضية وضمير مطمئن وإيمان بأهمية السلوك المنحرف من أجل البقاء و  إثبات القوة والحصول على مقعد محترم في مستنقع الكبار الذي لا احترام فيه لكرامة الانسان ولا قيمة للحياة

إن الموت في هذه المدينة أسهل من الأمل في الحياة وأقرب من نظرة إلى عيون من تحب ..

قد يدهسك موكب فخم ,, أو تهشمك أعقاب البنادق كتهامي مجهول ,, أو تخترق قلبك الأخضر رصاصة فرح في موكب زفاف أحمر ..

 

هؤلاء هم أحفاد " أمان "  حيث لا أمان , يتساقطون في الشارع كأولياء ليس لأن لون وجوههم السمراء يشبه وجه عدن ، ولا لأن كرامة الجنوب تضج ملء أرواحهم الطاهرة ...

 

بل لأن الموت بالمجان في هذه المدينة المسكونة بعنجهية الشيخ وضلال القبيلة لا يستثني أحدا ولا يسأل عن الهوية أو يهتم للألوان ..

هنا يا سيدي لمجرد أن تسير بالتوازي مع موكب الزعيم او القائد أو الشيخ يجب أن تموت حفاظا على سلامة الشيطان ..

هنا قد لا تحتاج أن تخرج للسوق أو للأماكن العامة حيث قد يتواجد مرافقو عزرائيل لأن اشتباكات محتملة قد تقع في محيط منزلك لتموت في غرفة نومك أو بلكونة بيتك ..

 

هنا في هذه المدينة استراح ملك الموت من مهمته ليقوم بها المشائخ والعسكر على اكمل وجه دون مراعاة لأحزان الأم الثكلى أو مأساة الطفلة اليتيمة أو لشجن الأرملة وقلق المحبوبة ..

لا دري في ختام هذه الدمعة .. هل أنجو وأستمر إلى نهاية الأمل ؟ أم قد تخطفني رعونة الواقع المرير كأي مواطن عابر عناء ..

والمؤسف فعلا أن لا حيلة لأحد حتى يتقي الشر المحتمل .. فقد يستهدفك صاحب لحية وعمامة .. أو صاحب ربطة عنق ونظارة سوداء ..

 

لكن المؤكد أن كل هؤلاء لن يمروا ..وأن إصرارنا على الحياة الكريمة وقيام دولة القانون كفيل بإخراس أفواه البنادق وإسقاط المشيخات ورد الإعتبار  لكرامة المواطن البسيط ليكون والشيطان الأكبر سواء

التحيات والصلوات الطيبات على أرواح الراحلين

 إلى الحياة من أجل حياة أكثر جمالا