آخر تحديث :السبت-04 مايو 2024-02:48ص

حينما يصير الجنون أمنية ..

الجمعة - 06 نوفمبر 2020 - الساعة 11:07 م

عبدالعزيز الحمزة
بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب


جلست اليه في إحدى المقاهي ، هو في العقد الستين من عمره ، تبدو عليها آثار الزمان وخطوب الدنيا ، طلبت كأسين من الشاهي ، ودفعت اليه باحدها ، شكرني بابتسامة تكلفها ، ليمحو بؤسا متشبثا بصفحة وجهه .

بدأ يحتسي رشفات من الشاهي ، واتبعها بتنهيدة عميقة ، وقال اجمل شيء ان يصير الإنسان مجنونا ، وضحك بشكل هستيري ، ضحكة اقرب الى البكاء .
قلت له مالك الأمور طيبة ، وأكيد غدا اجمل وستفرج بإذن الله .
رمقني بنظرة عتاب وفيها ملامح اشفاق ، وقال منذ أكثر من خمسين سنة وانا اسمع هذه الجملة (غدا اجمل ) ولم يأت هذا الأجمل.
ثم أردف يقول تعرف ان المجنون هو الوحيد المرتاح في هذه الحياة لا يهم أكل ولا لبس ولا نوم ... المجنون هو الوحيد الذي تجاوز أزمة الأمس ومشكلة اليوم ومصيبة الغد .
يا أخي إيش باقي معنا في هذه البلاد لا راتب لا حكومة لا رئيس لا أمن لا صحة لا تربية لا كهرباء لا مياه لا احترام .. ولا باقي معنا شيء .

وتابع حديثه قائلا : تعرف احسن اناس هم الذين يدخلون المخدرات . نعم المخدرات ، هؤلاء هم الذين سيحققون لنا أمنية الوصول إلى الجنون بصورة آمنة .

قاطعته قائلا مالك يا فلان ، ألست أنت الذي كنت اكثرنا حماسة لمقاومة مليشيات الحوثي ، وانضممت الى المقاومة ، وكنت حريص على تثبيت الأمن والاستقرار في منطقتنا ، والحمد لله خرج الحوثي .
فقاطعني قائلا ، نعم خرج الحوثي وجاء ألعن منه ، ثم قال والدموع تغرورق في عينيه . يا اخي انا عسكري واب لسبعة أبناء وراتبي ستين الف تنقطع استلم مرة كل ثلاثة أشهر، والقائد يخصم عشرين الف من راتبي ، وانا كما ترى حالتي لم أعد أستطيع العمل العضلي أبدا، وعندي أمراض وزوجتي مريضة وأولادي صغار ، ويحتاجوا طعام ولباس ومدارس وحاجات كثيرة ، ثم انفجر بالبكاء ، وقال بصوت تخنقه العبرات ، ما في حل غير أن الواحد يجنن . من فين اجيب لاولادي مستلزمات الحياة .
لما الواحد يكون مجنون ما حد يلومه على شيء ، ورفع رأسه ورأني وانا ابكي لحالة ، وقام بسرعة وانصرف ، وانا مازلت جالسا مكاني ، أعالج الدموع التي تتساقط من عيناي .
وبعد فترة زمنية بسيطة خرجت من المقهى ، وانا افكر في وضعنا وما صرنا فيه ، هذه ليست الحالة الوحيدة بل هي ظاهرة ومنتشرة ، صار الجنون أمنية، للهروب من الواقع المرير الذي نعيشه .
هل يدرك الرئيس ونائبه ورئيس والوزراء والوزراء الحال الذي آلت إليه الأمور في هذه البلد ، هل يحس سكان الفنادق ألآم المواطن المغلوب على أمره في هذا الوطن ، هل يدرك التحالف العربي الذي اغرق البلاد بأدوات وعصابات ومرتزقة الموت ، أنين الفقراء وآهات الأرامل.
يكفي عبثا بهذا الوطن ، يكفي الرقص على جراحات المواطن ، اطقم ومدرعات ورشاشات وراجمات قذائف وصواريخ ومتفجرات .
يكفي زراعة للموت في وطني ، يكفي ، دمار ودماء وأشلاء، يكفي جوع وتشريد ، يكفي امتهان بكرامة الوطن والمواطن .
ألا يكفيكم هذا ، صار الجنون أمنية ، إلى أين تريدون ان تصلوا بهذا الوطن ، إلى أين؟.

والأدهى من هذا كله ، ان من يصرخ في وجه هذا الطغيان ، يعاقب ويعزل ، وتسلط عليه كلاب العملاء والمرتزقة، ويترك وحيد ويتخلى عنه ..

رسالة بلا تحية الى
الرئيس هادي ونائبه
رئيس الوزراء والوزراء
رئيس مجلس النواب والنواب
القادة العسكريين والامنيين
إلى قادة الأحزاب السياسية
إلى بطانة كل من ذكرنا
هل عرفتم لقد صار الجنون أمنية !!

عبدالعزيز الحمزة
الجمعة ٦ نوفمبر ٢٠٢٠م