آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-03:10م

في ذكرى ثورة أكتوبر الخالدة .. الإنصاف لله ثم للتاريخ

الثلاثاء - 13 أكتوبر 2020 - الساعة 06:06 م

نايف محمد المدوري
بقلم: نايف محمد المدوري
- ارشيف الكاتب


 

 

*يحتفل شعب الجنوب العظيم بالذكرى ال 57 لثورة أكتوبر الخالدة في ذاكرة الأجيال ، بعد مرور 5 عقود ونيف من انطلاق شرارتها من على جبال ردفان الشماء ، والذي سطر خلالها الثوار أروع الملاحم البطولية ضد أعتى امبراطورية عرفها التاريخ بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس آنذاك ، في معركة غير متكافئة العتاد والسلاح أو ما يعرف بالتوصيف الحديث التفوق العسكري ، واللوجستي ، والسياسي للطرف الآخر ، ولكن إرادة الشعوب لا تقهر ، فانتصرت ثورة الجنوب المجيدة .*

 

*انطلقت ثورة أكتوبر في عام 1963م مع إدراكنا وأيماننا المطلق بالثورات التحررية التي انطلقت ضد المستعمر قبل ذلك العام ، والتي استهدف على إثرها الطيران البريطاني منازل السلاطين في محافظتي لحج وأبين في خمسينيات القرن الماضي ، وسيأتي اليوم الذي يكتب فيه التاريخ بإنصاف دون مداهنة ، وليس لصالح فصيل سياسي محدد أيا كان هذا الفصيل الذي يريد أن يجير التاريخ حسب هواه ، على العموم ، استمرت ثورة أكتوبر زهاء 4 أعوام تكللت بالنصر العظيم في 30 نوفمبر 1967م بخروج آخر جندي بريطاني من عدن بعد أن ظل فيها ما يربو عن 129 عاما بسلبياتها وإيجابياتها .*

 

*ولكن عند الحديث عن الثورة والاستعمار يجب أن نكون منصفين حتى مع أعدائنا ، فالحديث عن الاحتلال البريطاني إذا تم مقارنته بالاحتلال الفرنسي للجزائر ، والإيطالي لليبيا ، والأمريكي في عصرنا الحاضر للعراق ، وأفغانستان ، والاحتلال اليمني للجنوب ، فهو احتلال بنآء ، وليس احتلال هدام مع أن الاحتلال هو احتلال ، ولكن لم يعمد إلى تغيير اللغة العربية كما فعل الاحتلال الفرنسي ، ولم يتدخل البريطانيون في المجال الديني في تغيير المعتقدات أو في العادات والتقاليد ما يعرف بالموروث الشعبي ، بل ما نؤكد عليه في مقالنا هذا أن الحكومة البريطانية كانت أكثر حرصا على الهوية ، والتاريخ للأمة الجنوبية من أولئك الثلة الذين ذهبوا للتفاوض عشية الإستقلال حاملين معهم مشروع التفريط بالهوية والتاريخ ، وغرس بدلا عنها هوية أخرى " اليمننة "، ومثل ذلك بداية الاختراق للجنوب الأرض والإنسان أو نستطيع بأن نوصفها بالنكبة الجنوبية ، وكذلك ما قام به البريطانيون من بناء المدارس ، والمستشفيات ، والجسور ، وتعبيد الطرقات ، ومعظم مشاريع البنية التحتية في العاصمة عدن تم تنفيذها في عهد الاستعمار البريطاني إلى جانب ما أحدثه من ازدهار علمي ، وثقافي ، وفكري مما جعل العاصمة عدن ثغر الجنوب الباسم مركز إشعاع ، وتنوير للوطن العربي ، وللعالم أجمع ، بعكس الاحتلال اليمني الذي جثم على صدور أمة الجنوب العربي 30 عاما ، وما زال إلى يومنا هذا يجرع فيها شعبنا شتى صنوف العذاب ، والحرمان ، والجوع ، والجهل والمرض ، وبعنجهية وغطرسة لم يشهد لها التاريخ مثيلا في امتهان كرامة الإنسان الجنوبي ، وأي امتهان أكبر ممن لا يريد أن يعترف بحقك في العيش الكريم ، وبوطنك ، وهويتك ، وتاريخك اطلاقا ، بل يعمد إلى قتلك باسم الدين تارة بالكفار الملحدين والشوعيين ، وتارة أخرى بالمتشددين القاعدة والدواعش ، وباسم الوطن في عامي 1994 -2015م مدعيا بأنها حربا أهلية ، وغيرها من الخزعبلات ، وهي في حقيقة الأمر حرب سافرة ، واحتلال صريح بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، ترافقه عملية تجريف للهوية ، والتاريخ ، والتغيير الديمغرافي للأرض الجنوبية ، نحن نتحدث لله ثم للتاريخ يرضى من يرضى ، ويغضب من يغضب ، لا يهمنى ذلك ، بقدر ما يهمنا إظهار الحقائق التاريخية كما هي ، والتي لم يقترب منها إلا المنصفون هذا أولا .*

 

*ثانيا إلا يكفي أن نقف وقفة جادة مع الذات في هذه الذكرى الخالدة التي مر من عمرها 57 عاما ، نسأل أنفسنا أين كنا ؟ وأين صرنا ؟ ، وكيف كان حال البلدان الأخرى التي تحقق استقلالها بالفترة الزمنية لاستقلال وطننا الغالي ؟ يزيد أو ينقص بضع سنوات ، كانت تحاصرها الرمال ، وتحلم القيادة السياسية لتلك البلدان ، بأن يكون لعواصم بلدانهم شارعا يتم بناؤه بالطريقة الحضارية ، كالشارع الرئيسي لمدينة المعلا ، ولكن هل استسلمت تلك القيادات لذلك الوضع المزري الذي كانت تعيشه بلدانهم ، لا وألف لا ، بل عملوا على استقرار بلدانهم سياسيا ، واجتهدوا في النهوض بأوطانهم ، وخلال فترة وجيزة نهضت بلدانهم اقتصاديا ، وسياسيا ، وثقافيا ، واجتماعيا ، وعلميا ، وأصبحت أكثر ، رخاء واستقرارا ، وتقدما ، أما نحن فقد عدنا الى الوراء 50 عاما ، هل كانت الأخطاء التاريخية التي ارتكبت عشية الاستقلال قاتلة ؟ بالطبع نعم ، مهدت لذلك الانحدار مما أوصلت الأمور إلى قرار الوحدة الاندماجية الذي تم اتخاذه في عام 1990م دون استفتاء شعبي ، ودون دراسة حقيقية للطرف الشريك الذي سوف تتوحد معه ، فكانت جميعها طعنات مسمومة في خاصرة الجنوب جعلته يتاخر كثيرا عن مصاف الشعوب .*

 

*لقد آن الأوان بأن ندعو القيادة السياسية الجنوبية إلى قراءة التاريخ بتمعن ، والاستفادة من الإيجابيات ، المتعلقة بالأمن ، والنظام ، والقانون ، والنزاهة في الفترة السابقة ، والابتعاد عن الأخطاء القاتلة كالشعارات الجوفاء ، وأن يكونوا أكثر واقعية مع شعبهم ، وصرامة في الحفاظ على الأرض والهوية ، لا وطن بدون هوية ، ولا هوية بدون وطن ، فشعب الجنوب ليس حقل تجارب ، لسنا فئران ، لقد سئمنا ونريد أن نعيش على أرضنا بكرامة وحرية كبقية شعوب العالم .*