آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-12:03ص

المقامرة بالوطن

الثلاثاء - 28 أبريل 2020 - الساعة 02:40 ص

علي البكالي
بقلم: علي البكالي
- ارشيف الكاتب


 

 


حينما تغدو الأوطان ومصائرها لغة للإبتزاز وأدوات لإنتصار الأنانيات، وفاتورة للبيع في المزاد، فأعلم أنك تقف أمام طفوليات سياسية لم تبلغ بعد حد المراهقة.

ثمة فارق جوهري واضح بين المراهقة السياسية التي قد نلحظها في بعض سلوكيات القوى السياسية في العالم الثالث، وبين سلوكيات النخب اليمنية الراهنة، فمظاهر الصراع الداخلي والتمرد والانفراد بالرأى، ومحاوله إظهار الاستقلالية في كل الشعوب، لا تأتي على ثوابت المجتمعات وعوامل وجودها التاريخية مهما بلغ مداها.

إن كمية التغيرات العضوية " الفسيولوجية " والنفسية " السيكولوجية "التي صاحبت ظاهرة المراهقة السياسية في اليمن تضعنا أمام ظاهرة غريبة من نوع آخر، ربما لم تسبق لها نخب العام الثالث بعد، إنها ظاهرة الانتقام من الوطن وثوابته وعوامل وجوده.

إن سيادة التفكير الانفعالي المدفوع بأحلام الثيوقراطية والعنصرية، وجنوح القوة المفرطة، والرغبة الشديدة في سفك الدماء، وبعثرة الاشلاء، في ظل سكرة العنف، واستحضار صراعات القرون الماضية، والعيش بأفكار الموتى، وخرافات الزمن، والجنوح للخيال اللاواعي، والمنطق التعصبي المشفوع بالأنانيات الضيقة، ومحاولة فرض ذلك واقعاً سياسياً، لهو من أكثر الظواهر غرابة في تاريخ الشعوب قديما وحديثاً.

يصف الباحثون ظاهره المراهقة السياسية أو الطفولة المتأخرة بالبيئة القابلة، ويقولون أنها توظف عادة بفعل خارجي فيما ضد الشعوب والدول والمجتمعات، حيث يتم الدفع بهذه المرهقات لإحداث فوضى أو عنف، تكون نهايته التقسيم، أو تمزيق النسيج الاجتماعي، وتفكيك الجغرافيا.

إن واقع الحال في اليمن لا يضعنا أمام مراهقة من نوع واحد، بل أمام مراهقات عدة لم يعد المراقب البصير قادراً على التمييز بين مظاهرها المتعددة، ولا بين أشكالها الفوضوية.

إننا في الحقيقة نقف اليوم على أعتاب زمن رديء، ولحظة مزدوجة بين المراهقة والتخريف والفشل، تصدر فيها زعماء الفوضى واللامسؤلية مواقع العمل السياسي فجأة، وهم أنفسهم دومًا لا يتغيرون ولا يعقلون، وكلما دخل في إعتبارنا أنهم سيغادرون مربع المراهقة والفوضى، وسيبلغون سن الرشد السياسي، بعد وجبة دروس من دم الشعب وحقوقه واشلاءه، نراهم في حالة انتظار للوجبة التالية.

عقد من النقص والحرمان تكثفت على صفحة الأنا الغرائزية فشكلت مظهرا سياسياً خادعاً، أخذ يدفع المجتمع دفعاً إلى الوراء، حيث نفايات الزمن ومخلفات المقابر، غير آبه بالأجيال الحاضرة والقادمة، فقط أن ينتصر لأنانياته المفرطة.

مقامرات طفولية لا تعي معنى الوطن ولا التاريخ ولا الجغرافيا ولا الهوية ولا السيادة، ولا تضع للشعب وحقوقه أدنى اعتبار، كل ما تفكر فيه فقط أن تنتصر لأنانياتها المفرطة، ولو كلفها ذلك لإبادة جيل، وتمزيق شعب وتضييع وطن.

إن الوطن ليس ملكاً لحفنة من هواة اللعب بالاشلاء، ولا وقفاً لزعماء الفوضى والدمار، وليس كل من له رغبة في الانتقام من غيره مخول بتقسيم اليمن وتفكيكه حسب رغبته وأنانيته، فالشعب اليمني لم يعط أي من دعاة العنف والطائفية والتمزيق الاجتماعي صفة تخويل لفعل ما يريد.

يا هؤلاء لا يزال الشعب اليمني حياً وفي أوردته تتدفق دماء الحرية والكرامة والعزة والإباء، ولسوف يأتي اليوم الذي يقول الشعب كلمته، وكلمته الفصل، فهونوا على أنفسكم وعلى الشعب هذا الصراع، وهذه الدماء والاشلاء، وأعتذروا لشعبكم قبل أن يتجاوزكم الزمن، فلستم سوى أدوات كان، وللمستقبل أدواته الجديدة.