آخر تحديث :الثلاثاء-07 مايو 2024-02:59ص

الشرعية الغائبة ( أعادة احيائها) الجزء التاني

الثلاثاء - 21 أبريل 2020 - الساعة 06:25 م

وائل لكو
بقلم: وائل لكو
- ارشيف الكاتب



كنا قد اوضحنا في الجزء الاول طريقة عمل الادارة بشكل تراتبي يراعى فيه احترام القرارات والاوامر الصادرة من اجهزة الدولة العليا وكيفية تنفيذها من قبل اجهزة الدولة الدنيا، وبينا شروط وجود الشرعية .
وفي هذا الجزء سنتحدث عن كيفية احياء دور الشرعية لما لها من فائدة تعود بالنفع عليها وعلى المواطن وتحميه من تغول الادارة وفسادها.
فلاعادة احياء شرعية أي نظام لابد من وجود دستور يمنح الشرعية لنظام الحكم يبين عمل هذا النظام وشكل العلاقة بينه وبين المحكومين، ولعل أبرز ما يحيط هذه العلاقة (1- الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم،2- القبول الشعبي الذي يمنح الثقة للحاكم ،3- التزم الحاكم بعدم الخروج عن رغبات وتطلعات الشعب.)
والاصل ان تنشأ الدولة سابقة لوجود الدستور، فالجماعة السياسية الحاكمة من موقع سلطتها هي من تمنح الحق لشرعنة دستور ينظم شكل الدولة ويعكس فلسفة نظام الحكم ورؤيته السياسية، الا ان هذا الشرط ليس الزامياً فبالامكان وضع دستور بالتزامن مع نشأة الدولة كما حصل عند التوقيع على اتفاقية الوحدة اليمنية.
وبما ان نظام الجمهورية اليمنية أعلن عن اجراء حوار يفضي الى وضع دستور جديد للبلد بعد التوقيع على المبادرة الخليجية العام 2011 فان حوار القوى السياسية افضى الى وضع دستور اتحادي يعمل على تقسيم اليمن الى اقاليم متحدة لها ما ينظمها من قوانين خاصة تسمح لها بادارة مواردها المحلية وكيفية انفاقها وادارة شؤنها وفقاً للتطلعات ابنائها، الا ان هذا الدستور ورغم ما يحتويه من إيجابيات كان سبباً في انطلاق الحرب المدمرة التي عصفت بمنظومة الحكم وغيرت مجرى الاحداث بسيطرة جماعة الحوثي على اجزاء واسعة من محافظات شمال اليمن وطرد السلطة الشرعية الحاكمة من العاصمة اولاً ومن ثم ملاحقتها وطردها من كامل اليمن ،الأمر الذي استدعى تدخل دول الاقليم الراعية للمبادرة الخليجية و وقوفها بجانب شرعية الرئيس اليمني التي اوجدتها المبادرة الخليجية.
وقد اوجدت هذه الحرب قوى لم تكن ممثلة بشكل فاعل في مؤتمر الحوار المفضي للدستور الاتحادي، كما ان الحرب وماخلفته من مأسي جعلت من أمر استمرار دولة الوحدة بين الشمال والجنوب أمراً مرفوضاً عند كثيراً من ابناء بعض المحافظات اليمنية، الأمر الذي يتطلب معه سرعة إيجاد حلاً يرضي أبناء اليمن ويحفظ أخوتهم ويحقن دمائهم.
ان الحل الامثل ان نأخذ من تجارب الدول التي تعرضت لمشاكل وهزات شبيها بما يحدث لنا وان نبتعد عن النظريات العقيمة التي تكرس نهج الاستعلاء وتكرار الوجوه المكررة والعمل على احترام رغبات الشعب.
فالمبادرة الخليجية نصت على توافق اليمنيين في وضع دستور لهم وما افرزته الحرب اظهر لاعبين جدد يمتلكون شعبية قد تفوق على شعبية ما تملكة الشرعية باحزابها المتعددة، وهناك تجارب عديدة في كيفية انشاء الدساتير التوافقية وهي :
1- اعطاء الحاكم حق اصدار الدستور وفقاً لوثيقة يتم التوافق عليها من قبل القوى الفاعلة على الارض.
وهذا الامر يفترض اجراء حوار بين اطراف الازمة يفضي الى هذه الوثيقة التوافقية التي تعطي الحق للقوى المتحاورة حق تنظيم نفسها وترتيب وضعها لحين اجراء استفتاء شعبي يحدد شكل الدولة في المناطق التي تسيطر عليها القوى المتنازعة على الحكم . وهذا شبيه بما مرت بها الدولة اللبنانية الحديثة بعد اتفاق الطائف.
2- انتخاب جمعية توافقية تنتخب من قبل الشعب لوضع دستور وتنحل بعد انتهاء عملها.
ودورها ينحصر في صياغة دستور للبلد اما ان يعرض على الشعب للموافقة علية او ان تكون الصلاحية مطلقة لاقراره من قبل الجمعية.
وهذا الاسلوب تم العمل به عقب استقلال بعض الدول مثل الهند وباكستان وبعض الجمهوريات التي تتكون من عرقيات مختلفة كيوغسلافيا سابقاً وتشكوسلوفيكا سابقاً والملاحظ ان مثل هذه الدساتير تعمل على احياء او المحافظة على شكل الدولة الواحدة أو انفصالها.
3- عرض الدستور للاستفتاء الشعبي وهو ما لا يتوفر لليمنيين في الوقت الحالي لتنازع الرغبات و كثرة المكونات السياسية وتباعد مصالحها.
4-تعديل الدستور، وبما ان الدستور اليمني الحالي معطلة بموجب المبادرة الخليجية والقرارات الاممية الصادرة بعد الحرب، فان العمل على تعديلة يتطلب مشاركة جميع القوى اليمنية السابقة على الحرب والقوى التي افرزتها الحرب للعمل على تعديل الدستور ،وهي قوى متنافرة في ايدلوجيتها ورؤيتها للحل ولن يكون التوافق متوازناً خاصة وان الحرب افرزت لاعبين جدد يتمتعوا بشعبية تفوق بعض القوى .
كل هذه الاشكال التي يمكن من خلالها احياء الشرعية استخدمتها دول واجهت الكثير من العثرات الا انها استعادت عافيتها وعادت الى طبيعتها في ادارة شؤنها، والحل السليم والطبيعي للازمة اليمنية يتطلب الارادة والشجاعة لدى اطراف الازمة اليمنية والاستعانة بالخبراء القانونيين بعيداً عن الاملاءات الاقليمية غير المدروسة او التجارب الحزبية ( الدينية أو القومية) التي عفى عليها الزمن ولم تعد صالحة في وقتنا الراهن كما ان بقاء الشرعية بهذه الوضعية الضعيفة دون تحديد سقف لانتهائها كفيل بتدخلات اقليمية جديدة تعيق الحل وتسمح بإطالة امد الحرب ما يتسبب بالاذى ليس لليمنيين فحسب بل ولدول المنطقة عموماً.