آخر تحديث :السبت-23 نوفمبر 2024-10:41ص

القضاء على القضاء

الخميس - 19 ديسمبر 2019 - الساعة 08:07 م
رواء عبدالله مجاهد

بقلم: رواء عبدالله مجاهد
- ارشيف الكاتب


 

 

 

القضاء على القضاء مهمة يقوم بها مجلس القضاء الأعلى بنجاح منقطع النظير ، فقد عمل المجلس على إصدار القرار رقم 18و 19 لسنة 2019 م بتعيين أكثر من أربعمائة قاض دون أي سند قانوني ، و إنما كان جلَّ ما تحجج به المجلس لإصدار هذا القرار هو الحكم الدستوري الذي بموجبه تم تعديل قانون السلطة القضائية ، و أن هذا التعديل يُعد بمثابة القانون اللاحق الذي الغى العمل بالقانون السابق و هو قانون المعهد العالي للقضاء . 

 

و المجلس بسلوكه هذا النهج تعامل مع أعضاء السلطة القضائية باعتبارهم رعاة بقر - و اعتذر لنفسي و لمنتسبي القضاء على هذا التعبير - و لم يحترموا الحد الأدنى من عقولنا أو ذكائنا ، ذلك لأن القول بأن هناك قانون لاحق الغى العمل بالقانون السابق لا يكون إلّا عند وجود (( التعارض القانوني )) . و هنا لا يوجد أي تعارض قانوني بين قانون المعهد العالي للقضاء و قانون السلطة القضائية للقول بأن هناك قانون لاحق الغى العمل بالقانون السابق . فقانون المعهد العالي للقضاء معني (( بالتأهيل )) و قانون السلطة القضائية معني (( بالتعيين )) . لذلك فإن مدخلات السلطة القضائية لا تكون إلّا عبر المعهد العالي للقضاء بإعتباره البوابة الوحيدة لعضوية السلطة القضائية في المحاكم والنيابات . و لا محل للقول اطلاقا بالغاء العمل بنصوص قانون المعهد بقانون السلطة القضائية . 

 

و ما تذرع به مجلس القضاء الأعلى بأن خريجي المعهد يكون تعينهم بدرجة قاضي جزئي و ان تعيين المساعدين يكون بقرار من مجلس القضاء هو قول لا أساس له من الصحة ، إذ لم ينص قانون المعهد على أي تعيين كونه قانون معني بالتأهيل فقط و أحال أمر التعيين لقانون السلطة القضائية . 

 

و إذا افترضنا جدلا - و الجدل غير الحقيقة - بأن هناك مصلحة عامة في التعيين و ان هناك قانون اُلغي بقانون بحسب ادعاء المجلس فكان حريا بهم ان يعملوا على تعيين خريجي الدفعة 21 و التي لها أكثر من ثلاث سنوات بدون تعيين و تليها الدفعة 22 و هم دفعات مؤهلة و حائزة على كل الشروط القانونية في التعيين ! فأي افتراء هذا الذي جاءوا به لتبرير انتهاكاتهم ؟ 

أفقروا القضاء بتعينات خارج الضمانات الدستورية و الأطر القانونية و التنظيمية للتعيين في السلطة القضائية عبر إدخال أشخاص لا تنطبق عليهم الشروط القانونية بالتعيين في وظائف السلطة القضائية ، و جعلوا الاداريين كقميص عثمان وذروا الرماد في العيون بدعوى الحاجة ليمنحوا الاقارب و العقارب درجات قضائية .

 

 ان ما ذكر من وجوب توفر الشروط القانونية للتعيين لا يخل بحق موظفي السلطة القضائية في الحصول على حقهم في التدريب و التأهيل في المعهد العالي للقضاء و وفقا للقوانين المنظمة لذلك ، لا سيما و أن هناك من الموظفين الاداريين اللذين تتلمذ القضاة على أيديهم . بل أني أربأ بالاداريين ان تتخذ من تعيناتهم حجة لإدخال أشخاص لا يمتوا للقضاء بصلة و اعتساف تطبيق النصوص القانونية .  

 

إن أعضاء مجلس القضاء الأعلى ساداتنا و كبرائنا و لكنهم اضلونا السبيلا . فتعديلات قانون السلطة القضائية المبنية على الحكم الدستوري بالقانون رقم (27) لسنة 2013 م جاءت في الأساس لتكرس مبدأ استقلال القضاء و الحفاظ على الضمانات الدستورية ، باعتبار أن هذه التعديلات تعتبر اثر مباشر للحكم ، و بالتالي فلا يمكن بأي حال من الأحوال اتخاذها وسيلة مبتكرة من قبل المجلس لانتهاك الضمانات التي قررها الدستور لأعضاء السلطة القضائية في تعينهم و ترقيتهم و عزلهم . استغلوا حالة الفوضى التي يُعاني منها الوطن ليمرروا قرارات تنتهك مبدأ استقلال القضاء ، و اجروا تعيينات قضائية مستحدثة وفقا لعناصر الولاء و القُربة . 

 

اعلموا ان هذا القرار باطل بطلانا مطلقا متعلق بالنظام العام ، و سيتم الغاؤه لا محالة . لذا فمن زين لهم سوء عملهم سيكون وبال و حسرة عليهم جميعا عند العرض على رب العالمين . و إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء . 

 

أناشد كل فرسان العدالة قضاة ، محاميين ، قانونيين ، و منظمات المجتمع المدني ، و الاعلاميين ، و النشطاء و كل وطني شريف بالوقوف أمام هذه الانتهاكات و ان يعملوا على رفض جميع التعيينات القضائية المستحدثة ما بعد 2014 م سواء الصادرة من مجلس قضاء عدن أو مجلس قضاء صنعاء فكلهم بالجُرم سواء لإنقلابهم على الدستور و القانون و انتهاكهم الصارخ لمبدأ استقلال القضاء و مساسهم المباشر بالحقوق و الحريات العامة .

 

القاضي.د/ رواء عبدالله مجاهد