آخر تحديث :الإثنين-06 مايو 2024-02:32ص

الفريضة الغائبة

الثلاثاء - 05 نوفمبر 2019 - الساعة 10:06 ص

عبدالله محمد الجفري
بقلم: عبدالله محمد الجفري
- ارشيف الكاتب


 

خلق الله سبحانه وتعالى الناس مختلفين لا تكاد تجد اثنين منهم يتماثلان في كل شئ وهذا قانون من قوانين الله وسننه في الخلق اي في الجبلة التي خلق الناس عليها يقول تعالى :(( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم رپك ولذلك خلقهم ))
والتكليف الشرعي هو أن يتفقوا وإن يسعوا الى عدم الفرقة والتنازع والشقاق وان يتعاونوا على البر والتقوى وهي من اجل وأعظم العبادات والغرائض في نظري لأنها من مقومات بناء الذات والممجتمعات البشرية فلا تنهض أمة اذا كان الصراع والتنازع والشقاق سائد فيها ومنتشر بين أبنائها .
وهي فريضة لان الله سبحانه يقول :(( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )) ويقول في كثير من الآيات مثل قوله تعالى (( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )) :(( أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ )) (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) ولكي يقوم الناس بهذا التكليف .. تكليف القيام بالبر والتعاون والعمل المشترك والعيش بسلام وتآلف ورحمة بينهم .. عليهم أن يجدوا طريقة لمعالجة هذا الاختلاف الذي في الفطرة ويعلموا على التعاون معا لايجاد طريقة او اسلوب يحترم الاختلاف ويحوله الى فرصة وفائدة لتعزيز وتحسين وتطوير العيش المشترك والفهم الجماعي عن بعضهم البعض . وهذا لن يتم إذا أراد كل واحد منا أن يحمل الآخر على اتباع قناعاته والالتزام بنفس الرأى والموقف والرؤية التي هو عليها بفرضها عليه بالقوة أو الحكم عليه وتجهيله وتسفيهه ومقاطعته ومشاتمته والتحذيرات منه وهحره أو الدخول في صراع وتنازع معه .. وهذا المنهج أو الطريقة هي التي تحدث التنافر والتنازع بين الناس وتذهب بالأمة الى الفشل والانحطاط والتردى وذهاب ريح الأمم والشغوب كم تؤدي إلى عصيان الله تعالى لأننا لم نتبع منهجه ولم نقم بالتكليف الذي أوجبه الله علينا لذلك لا معونة ولا بركة تتنزل من الله علينا يقول تعالى (( ولو آمن أهل القرى واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض )) ومن المعروف أن المعصية خروج عن كمال الإيمان ونقص منه لذلك علينا أن نجد منهج يسمح لنا الاستفادة من الاختلاف الذي خلقنا الله عليه .. فالفقهاء يعدون الفقيه من يعرف الاختلاف بمعنى انه عندما ينظر في اختلاف الفقهاء يزداد علما بزوايا النظر التي نظروا من خلالها وبالادلة التي اوردوها وكيف فهموها الى آخر ما يمكن أن يقدمه اتساع نظر المختلفين ... ولله سبحانه وتعالى منهج سار عليه انبياؤه
يقول تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام (( قال يا قومي أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وانتم لها كارهون )) فنوج لا يكتفي بعدم إلزامهم أتباعه بل يبين وجه الخلاف بينه وبينهم ويجد العذر لهم فيه .. وهو أن الحقيقة عميت عليهم ... لم يفهمونها حق الفهم . وكم من حقيقة نعمى عنها أو لا نستطيع إدراكها لبعض الوقت فإذا كان ديدن المرء معرفة الحق والعدل فيه فتح الله عليه وأعانه وهداه إليها وإن كان مجرد معاند متعصب لا يهدف للحق ولا يسعى إليه ترك لشانه وغابت عنه هداية المعونة فالهداية من الله سبحانه هدايتان هداية دلالة وهداية معونة أما هداية الدلالة فهي عامة لكل الناس إذ وعدهم الله بها قال تعالى :(( .. فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) وانا دلالة المعونة فلا ينالها الا المؤمنون بالله سبحانه يقول تعالى ،:(( والذين اهتدوا زدناهم هدى ))

وإذا عدنا الى تاربخ الصحابة سنجد أنهم حولوا الاختلاف الى ثراء في العلم والمعرفة والخبرة بشؤون الحياة و لم يلزم احد احدا منهم صاحبه بوجوب أتباعه والالتزام بما هو عليه ولم يقهر أحد أحدا والشوهد كثيرة منها : أن تدرك الصلاة شخصين منهم مثلا ولا يجدوا ماء فيتيمم أحدهم ويبقى الآخر بدون صلاة حتى يجد الماء فلا ينكر أحدهما على صاحبه ولا يشتمه ولا يتهمه ولا بهجره والشاهد الشهير في هذه المسألة قول النبي :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر الا في بني قريضة ,.. فادركتهم الصلاة في الطريق فمنهم من صلى على وقتها ومنهم من التزم بحرفية كلام النبي عليه السلام ولم يصل الا في بني قريضة .. اختلفوا ولمن لم يحمل أحد منهم صاحبه على وجوب اتباعه وتقليده .
ومع كثرت اختلاف الصحابة لم يقطعوا الصلة بينهم ولم يهجر أحد أخاه ويقطعه أو يبدعه أو يفسقه
فلماذا لا نتعلم من تجربتهم في كيف نحترم اختلافنا ولا يعلو او يتطاول أحدنا على الآخر وأن يساعد أحدنا صاحبه ليفهم عنه فإن لم يفهم اليوم فهم غدا وإن لم يفهم غدا لا ضير المهم اننا لم نشتم بعض ولم نهجر بعض فوق ثلاث ولم نتهم بعض أو نسمح البغضاء والكراهية أن تغزو قلوبنا ونفوينا ووعبنا .. ونتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضنا في ما اختلفنا فيه .. ولا يحاول أحد منا حمل صاحبه على أتباعه وتقليده عنوة واىغامه على لزوم فهمه والوقوف حيث يقف بالقوة أو بالقهر والغلبة ، أو يكيد له . لان المجتمع الإسلامي وقتئذ لن يكون كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "
إن قانون الابتلاء والامتحان من آكد القوانين واكثرها دورانها في المجتمعات البشرية وهويتكرر مع كل جيل ويبتلي الله به المؤمنين بعضهم ببعض وهو هنا يتجلى في أظهر صوره يتجلى بين الفطرة التي خلقنا عليها وهي الاختلاف وبين التكليف والفرض علينا بأن نتفق ونتعاون ونتوحد وأن نكون مثل الجسد الواحد أو كالبنيان المرصوص ولن نكون كذلك إلا أن وجدنا طريقة لتحويل الاختلاف الى ثراء وفرصة في الفكر والعلم والتفاهم بيننا وفي العيش المشترك بسلام وأمن وأمان ..
إنه امتحان بين الفطرة والتكليف فهل يمكننا النجاح كما نجح الصحابة رضي الله عنهم ؟!
هذا ما نأمله وما دام الصحابة بشر مثلنا فما المانع إذا تركنا التعصب والمغالبة على بعضنا أن ننجح كما نجحوا ؟ وعندما نقول إنه صراع بين الفطرة والتكليف فهذا يعني أنه صراع في داخل الإنسان الفرد فلكي يصنع مجتمعا يعمه السلام يحب أن يصنع ذاته ونفسه فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .