آخر تحديث :الخميس-30 مايو 2024-12:18ص

ظاهرة الغش.. كارثة تدار برعاية رسمية ممنهجة

الخميس - 18 يوليه 2019 - الساعة 12:53 ص

فهد حنش
بقلم: فهد حنش
- ارشيف الكاتب


أضحت ظاهرة الغش في الإمتحانات تمارس في بلادنا بشكل علني فج ، وباعتراف رسمي ، وبتقنيات حديثة ، وتسهيلات كبيرة ، فيحصل معظم الطلاب على معدلات عالية بالرغم من عدم توفير لكثيرا منهم خلال العام الدراسي الكتاب المدرسي ، والمعلم المتخصص ، والوسائل التعليمية .. الا ان بعضا من خريجي الثانوية العامة يحتاجون إلى إعادة تأهيل في صفوف محو الأمية..

ترافق سنويا إمتحانات انهاء شهادة الثانوية اصواتا واقلاما حريصة على التعليم تنادي بمحاربة ظاهرة الغش التي تعتبر احد المظاهر لعددا من العوامل التي أفسدت العملية التربوية والتعليمية وافرغتها من أهدافها الوطنية ومحتواها الحقيقي ، فيدعو البعض الى عسكرة المراكز الامتحانية للقضاء على ظاهرة الغش معتقدين ان ظاهرة الغش في الإمتحانات هي السبب المباشر لتدني مستوى التحصيل العلمي ، فهذه نظرة سطحية وقاصرة لا تنسجم مع فلسفة السبب والنتيجة.

لمحاربة اي ظاهرة والقضاء عليها يتم تحديد اسبابها بدقة وموضوعية ، ويتم معالجة تلك الأسباب وفق معايير علمية .. بينما اللجوء الى التعاطي مع نتائج الظاهرة والسعي إلى معالجتها بمعزلا عن اسبابها يعد هروبا من الاعتراف بالمشكلة ، فيتم الرضوخ لها والتعايش معها كأمر واقع.

من خلال الغوص في اسبار وأغوار ظاهرة الغش ، وتدني مستوى التحصيل العلمي ، ومن خلال الدراسة والتحليل العلمي سيتبين للجميع ان ظاهرة الغش ما هي الا نتيجة طبيعية لسلسلة مترابطة من حلقات الغش والفساد الممنهج الذي يمارس من اعلى هرم السلطة الى ادنى موظف في وزارة التربية والتعليم بكل مؤسساتها وقطاعاتها ومرافقها ، وان الطلاب في مختلف المراحل التعليمية ما هم الا ضحايا لعملية فساد تدار برعاية رسمية ممنهجة.

لقد عملت السلطة السياسية من خلال احزابها الحاكمة على إفراغ السياسة التعليمية من محتواها الحقيقي ، وكرست سياسة أحزابها في السياسة التعليمية ، ووظفت برامجها الحزبية في المناهج التعليمية ، وسيطرت على المؤسسات التعليمية ، والقطاعات المختلفة في وزارة التربية والتعليم ، والإدارات التربوية والمدرسية ، وحولت كل الإمكانيات المادية والبشرية الى ادوات حزبية ، فلا يعتمد معيار الكفاءة في شغل المناصب الإدارية بل يعتمد معيار الولاء الحزبي بعيد عن المعايير والاهداف الوطنية ، كما تم تجيير التشريعات والقوانين واللوائح التربوية والتعليمية وتفصيلها على مقاس تلك الأحزاب.

مازالت الدولة العميقة بكل فسادها وعبثها وقبحها قائمة ، وستستمر طويلا وباوجه متعددة في ممارسة الفساد ، وانتهاج أساليب الغش في السياسة التعليمية ، والغش في التعيينات في المناصب الإدارية ، والغش في التوظيف، والغش في المناهج التعليمية ، الغش في التخطيط ، والغش في التدريب والتأهيل ، والغش في التسويات وحقوق المعلمين ، والغش في تقويم العام الدراسي ، والغش في الدوام المدرسي ، والغش في نصاب المواد الدراسية من الحصص ، والغش في جدول الحصص الاسبوعي ، والغش في زمن الحصة الدراسية ، والغش في أداء الحصة الدراسية ، والغش في المتابعة اليومية لانشطة الطلاب ، والغش في قطع المقررات الدراسية ، والغش في آليات التقويم والاختبارات ، والغش في نظام المتابعة والاشراف الفني ، والغش في نظام الامتحانات .. ليأتي في الاخير الغش في الامتحاتات النهائية ثمرة طبيعية لما سبق ذكره من عمليات الغش.

لذا فان الاختلالات الكبيرة التي تشهدها العملية التربوية والتعليمية تعد اكبر كارثة تشهدها البلاد ومصدرا لكل المشاكل والأزمات في مختلف المجالات.

لا يمكن لأي بلاد في العالم ان تستقر ، وتحل كل أزماتها ، ومشاكلها ، وتزدهر تنمويا ، ويعيش أبناءها بسلام وأمان واستقرار .. الا متى ما جعلت العملية التربوية والتعلمية في مقدمة اولوياتها ، وسخرت لها جل إمكانياتها المادية والبشرية.

لإصلاح العملية التربوية التعليمية ، والقضاء على ظاهرة الغش ، ورفع مستوى التحصيل العلمي في بلادنا لابد من ان تتشكل منظومة إصلاح مارشالية متكاملة لمجابهة منظومة الفساد القائمة ، وذلك لن يتأتى الا متى ما توفرت الإرادة السياسية لتحييد العملية التربوية والتعليمية وإبعاد اداراتها ومؤسساتها عن العمل الحزبي على ان توكل ادارة العملية التربوية والتعليمية إلى هيئة وطنية مستقلة وكفوة توفر لها كل الإمكانيات المادية البشرية اللازمة ، وتعمل على صياغة سياسة تعليمية حديثة تلبي الأهداف الوطنية وتواكب متطلبات العصر والتنمية ، وتحافظ على قيمنا الأخلاقية والانسانية والدينية .. كما يتطلب اعادة النظر في التشريعات والقوانين واللوائح ذات الصلة بالعملية التربوية والتعليمية ، كما يجب إعادة الاعتبار للمعلم من خلال توفير له حياة كريمة تليق بوظيفته التي قدستها التشريعات الدينية والدنيوية ، ومعالجة الأضرار النفسية التي لحقت به جراء إهانة كرامته من خلال ممارسته خارج وظيفته التربوية اعمالا مهنية أسقطت هيبته كمعلم ..
كما يتطلب تحديد معايير التوظيف في سلك التربية والتعليم ، وإعادة تأهيل المعلمين العاملين في الميدان وفق برامج علمية واقعية ، كما يتطلب مراجعة آليات الابتعاث الخارجي للمنح الدراسية لطلاب الثانوية والعامة ونظام القبول في الجامعات ، ولرفع مستوى التحصيل العلمي ومحاربة ظاهرة الغش يتطلب أيضأ توفير كل المتطلبات التعليمية من مناهج ووسائل وتقنيات تعليمية مختلفة ومعلمين متخصصين بداية كل عام دراسي وتفعيل الانظمة الرقابية والاشرافية وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب بكل صرامة.