آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-06:31م

شعبآ وفيٱ يودع فارسه الطماح ... وتربة وطن تحتضن جسد الطهر

الإثنين - 14 يناير 2019 - الساعة 09:24 م

سعدان اليافعي
بقلم: سعدان اليافعي
- ارشيف الكاتب


لم أشهد من قبل وداعا حزينا ، ممزوجا بالشموخ والفخر والاعتزاز ، ولم أرى هناك تقاطر ودائعي لكل فئات شعب ، من كل محافظات الوطن وبكل توجهاتهم وانتمائتهم ، قيادات متنوعة بين سياسية وأمنية وعسكرية ومدنية تتزاحم في موكب جنائزي مهيب ، لم يشهد الجنوب مثله من قبل ، كل الوطن من أقصاه إلى أقصاه تألم بل شاركنا المأساة في صلاة وداعه الاخير وموكب يتدفق خلاله مئات الآلاف من محبيه وأصدقائه وأنصاره الوفية ، سيول بشرية طمرت منصورة عدن ، ووقفت الحركة فيها ، وعاش الكل لحظة سكون الحزن، لمرور جثمان الطهر وفارس الجنوب الذي ترجل عن جواده دون عودة ...

الشهيد القائد الجنوبي الكبير والاب الروحي للبساطة والقيم ، اللواء ركن ( محمد صالح طماح) القائد الثوري الجنوبي الهمام ، وقائد الاستخبارات العامة ؛ بكى الوطن كله اليوم ، في وداعه المحزن ، الذي شاركه الشعب الجنوبي الوفي ، بكل فئاته ردا للوفاء بالوفاء ، والصمود لقيادي صامد ، لم تزحزحه مراحل الحياة منذ احتلال الوطن .. شعب حضر وحمل جثمانه المسجي بعد الصلاة عليه في جامع الفردوس بالعاصمة عدن الذي أكتض بجنباته وشوارعه الممتدة منه وإليه بالمصليين ..

اوجه شاحبة ، وعيونا مبكية ، وأحوال حزينة ، ناظرتها في جموع القيادات الحاضرة للصلاة وانصار الشهيد القائد ، وأهات القهر والنحيب لكل من شارك التشييع ، ركنا عسكريا جنوبيا تهاوى ثم رحل ، ومعه سقط الحلم ، رحل وفي جعبته الكثير والكثير من العطاء لعصارة فكر عسكري طويل وحنكة سياسية هادفة وقيادة رزينة فذة ، لم يرحل الشهيد اللواء طماح عن أهله وحسب أو قبيلته ومنطقته يافع ، بل خسر الوطن كله لهذا الرحيل الأليم والمفجع والمفاجئ ، الذي سيترك فراغا كبير لن يعوض أو يملئ ،، غادرنا في أحلك الظروف الحساسة التي يمر بها الوطن ، ويحتاجه الجنوب الان..

في مقبرة أبو حربة بالعاصمة عدن وقبل الرحيل الاخير أنتزعت تلك الألوف المألفة بكل حب وشوق ولهفة جثمانه الطاهر من مركبة نقل الموتى لتحمله على الاعناق ، وفوق الرؤوس بشموخ وفخر واعتزاز بقائدها الذي لطالما عاش معها أصعب اللحظات بمراحل ثورية بكل حب وصدق ، واخلاص ، وبساطة.. قريب من الكل يجالس الجميع ويستمع إليهم .. ،

مع خطوات الدنو نحو المحطة الأخيرة لدنياه الفانية كانت تلك الجماهير تطلق صيحات وداعه بشعارات جنوبية صرفة معهودة من أفواه الثائرين ولقائدهم المترجل اليوم الذي كان يرددها معهم عند كل رحيل في هكذا مواقف جنوبية .، معاهدينه وكل شهداء الجنوب بالسير على الدرب حتى استعادة الوطن الجنوبي وبنائه الذي كان ينشده اللواء طماح وأستهدف على أثره شهيدا ..

دموع أمتزجت بتربة ينقلها أصدقائه على حافة القبر لردمه ، وأهات تخرج من أحشاء الجماهير ، بمعية قيادات مخلصة وفية للشهيد ، وهي تناظر جسده في قعر اللحد .. لم اتمالك نفسي من مشهد حزين ساتخيله كل ثانية لوزراء وقيادات امتلئت عيونها بالدموع وسالت على وجنتيها ، وهي ترمي التراب على قبره وتودعه الوداع المصيري الاخير ذرفت دموع الحزن والالم لرحيل قيادة من الطراز الرفيع ، عاشوا معها أجمل اللحظات الثورية وأصعبها ..

عدت بعدها مع تلك الألوف أندب حضنا ندما على ما أصاب الجنوب من رحيل قياداته واحد يلو الآخر ونحن نكيل لبعضنا الشكوك والاتهامات والعدو يستهدفنا بكل شيء ونخسر بعضنا ووطنا الجنوبي بحاجة للجميع ولن يعود الا بالجميع ،، مثل تلك المشاهد المحزنة العظيمة في نفس الوقت تجعلنا أكثر تماسكا وقبولنا لبعضنا متوحدين تجمعنا القواسم المشتركة التي دائما كان ينحاز إليها شهيدنا القائد من أجل الجنوب ..

في يوم تصالحنا وتسامحنا الجنوبي 13 يناير 2019 رحل الشهيد اللواء طماح.. وفي موكب تشييعه اليوم ، كل الجنوب وقيادته بمشاربها المتنوعة كانت على الموعد وشاركت الحدث ، في مشهد يبعث الفخر بأن أبناء الجنوب يجمعهم الالم ليجسدوه في لم اللحمة الجنوبية الواحدة كي نصل للهدف المجمع عليه ( الجنوب) فهل نجعل من مشروع الشهيد اللواء طماح وحدث استهدافه بمعية قيادات جنوبية ، وكذا موعد التشييع الكبير المتنوع الذي حضي به جثمانه اليوم شعار لحوار جنوبي وتقارب قيادي نحو الأهداف الاستراتيجية المنشودة ، ام أننا نحزن ونتأسف ونشييع ، ونعود من حيث بدأنا ونجلد ذاتنا وقيادتنا ، ولن نعرف قيمتها ومكانتها الى بعد الرحيل ،،،

ام سنضل بعنترياتنا وقلة حيلتنا ونقص دهاؤنا بغباء اسيرين لقاعدة المثل الشعبي ( أكلت يوم اكل الثور الابيض )!

رحل الشهيد طماح ورحل معه الحلم الذي كان يسكن روحه النقية وجسده الطاهر ... رحل طماح ورحلت معه البساطة والبشاشة والخلق والقيم ... نبكيك شهيدنا وابينأ الشهيد طماح وانت تغادرنا وفي أول ليلة ليس بين أوساطنا بل في عالم برزخيا اخر .. سنضل نندب وننحب لرحيلك الكبير ولجرح غائر لن يندمي في قلوبنا وفي الجنوب ككل ..