آخر تحديث :الجمعة-17 مايو 2024-06:08م

عن الانتخابات المصرية .. وإنقاذ الربيع العربي

السبت - 16 يونيو 2012 - الساعة 08:59 ص

أحمد نبيل
بقلم: أحمد نبيل
- ارشيف الكاتب



لا نبالغ ان قلنا أن الامة العربية باسرها تنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية بترقب، وأن تلك النتائج سوف يكون لها تأثيرها العميق على المستقبل العربى. فبعد ان انتهت الجولة الأولى من الانتخابات بتقدم مرشحين رئيسيين ، نستطيع ان نقول ان الشعب المصري اصبح اليوم امام الاختبار الاصعب، وهو اختيار المرشح الانسب للمرحلة القادمة من بين مرشحين اثنين، الاول ينتمي الى النظام السابق ويعتبر امتداداً له ويمثل الشريحة التي رفضت التغيير، والثاني يمثل التيار الإسلامي بألوانه المتعددة .

 

يراهن البعض ان تقدم شفيق المفاجئ في الجولة الأولى من الانتخابات، اتي جراء اسباب عديدة منها أن انقسام مرشحي الثورة أدى إلى تفتيت الأصوات في جهات مختلفة، بالإضافة إلى أن التصويت في الانتخابات كان في أغلب الأحيان وفقاً لمبدأ "النكاية بالطرف الآخر" الى جانب التسويق لشفيق على أنه رجل الدولة الحازم القادر على استعادة الأمن والدفاع عن الجيش. ايضا إن إثارة فزاعة الإسلاميين أدت إلى تخويف الأقباط ودفعت بقطاع كبير منهم ومن المسلمين ايضا إلى اختيار شفيق بهدف الحد من انتشار التيار الإسلامي .

 

الجدير بالذكر أن فلول النظام السابق فضلا عن تشكيلة لا يستهان بها من عبيد الخوف وعبيد البيادة تتكتل و تتجند لخدمة شفيق من خلال "غرف سرية" تُخطط السياسات وتقود الحملات الإعلامية. تعمل في الخفاء لإعادة تنظيم وتجميع انصار النظام السابق، وتحقيق مُصالحة بينهم وبين التيار الليبرالي والعلماني على ارضية العداء للإسلام السياسي، وذلك خوفا على مصالحها وخشية من الوقوع تحت طائلة المحاسبة في حال وصول مرشح آخر إلى سدة الحكم .

 

هناك شريحة كبيرة من الناس تفاعلت وتتفاعل مع الانتخابات المصرية على اُسس ايديولوجية  وحزبية حتى التبس الأمر على البعض و تصوروا أن الصراع فى مضمونه بين الإسلاميين والعلمانيين، بدلاً من إدراك ان هناك في الاصل صراع بين معسكرين الاول يمثل (الثورة) والثاني يمثل (معسكر الإنكسار والتبعية). إتضاح هذه النقطة يُملي اليوم اهمية ان لايكون هناك صراع بين ( اخواني او ناصري او ليبرالي او علماني او حتى ثوري) في انتخابات الإعادة .. بل يتوجب على جميع القوى السياسية انقاذ البلد من (انياب العسكر) الذي حكموا مصر (ومازالوا) .. وأن تستوعب الموقف وتفتح أعينها جيدا بحيث تفرق بين ما هو صراع رئيسى، وبين ما هو هامشى او ثانوي .

 

قبل ايام قليلة اصدرت المحكمة الدستورية  المصرية حكمين على درجــــة كبــــيرة من الخطــــورة، وهما تثبيت ترشـــيح الفريــــق احمــــد شفيق في انتـــخابات الرئاسة وحل مجلس الشعب المصري.هذه الخطوة  تنذر بمشهد سياسي قاتم وربما مأساوي، وتثبت بان نظام مبارك مازال يحكم من خلال المجلس العسكري الذي بدا وكأنه يدبر انقلابا عسكريا ناعما على الثورة المصرية .. هذه الحيل ليست من صنيعة المجلس العسكري، بل صنيعة الدول التي تحرك المجلس العكسري ذاته، وتربطها مصالح سياسية وامنية تتعلق ببقاء نظام مبارك .

 

لا مجال اليوم سوى توحيد الصف الوطني الثوري وترتيبه، بدلاً من النقد والتفضيل. فلم تعد المشكلة بين الإسلاميين والقوى الحزبية او الإيدلوجية الاخرى، بل اصبح هناك صراع  اشرس و ربما اكثر كلفة بين قوى الثورة وما تبقى من معسكر (الفلول). مالم فان هذا  قد يؤدي الى تبخر الثورة  في الصندوق الانتخابي " المقبرة الأنيقة والفاخرة " و يشكل مشهداً مرعباً بالنسبة لمؤيدي ثورات الربيع العربي، لان فشل الثورة المصرية  قد يصيب ثورات الربيع العربي بالوعك والتأزم، وانقاذها يفتح الأبواب امام استمرارية الربيع وإصلاحاته .


من جهة اخرى فان فشل الثورة المصرية  قد يشكل مشهداً مشجعاً ومحفزاً لبقايا الأنظمة الديكتاتورية الساقطة، وخصوصاً في اليمن التي مازالت تعاني من تمركز شخصيات مُقربة من الرئيس السابق (صالح) ومحسوبه على نظامه في اركان الدولة  الحالية. حينها سيبداء هؤلاء بوضع الإعتبارات  والتجهيزات لتكرار المشهد المصري واعادة صناعة النظام البائد عبر استخدام الانتخابات الرئاسية القادمة في 2014. والجدير بالذكر انه في حالة اليمن سيكون شراء الاصوات والذمم  والتسويق للمرشح  والاحتشاد له اسهل بكثير من القيام بنفس الشئ في مصر او اي دولة اخرى، نظرا لفقر الوعي الديمقراطي للمواطن اليمني، ووصول قطاع لا بأس به من اليميين إلى الضجر والنفور من الثورة بسبب الأزمات المعيشية التي تم تصويرها كنتائج لها – اي للثورة - .

 

ما يمكن قولة اخيرا، أن كل القوى السياسية في مصر من إسلاميين أو ليبراليين أو قوميين أو ثوار عليها التصرف بحكمة وعقل في مواجهة الانقلاب العسكري "الناعم"  والذهاب الى صناديق الاقتراع للتصويت لمرشح الثورة احمد مرسي .. لان مقاطعة الانتخابات تحت حجة عدم الرضا على اي من المرشحين طعن للثورة .. والامر الاخر هو أن تعلم القوى السياسية في مصر الان مدى صعوبة سيطرة تيار واحد أو قوة سياسية واحدة على الحكم، فلا بديل عن الإنفتاح والتوافق لتحقيق الديمقراطية وإقامة دولة النظام والقانون والحريات .. وهذا ايضا ما يجب ان يتعلمه ويدركه كل القوى السياسية في اليمن، لأن الصراع الحقيقي هو بين الثورة وخصومها من أركان النظام السابق وأعوانه لذلك يتوجب عليها ان ترتقي من مرحلة الحزبية الإيديولوجية الى مرحلة "التيار" الممثل لتطلعات الامة  واهدافها جمعا، الذي يعتمد على قوة "الفكرة الوطنية" وتعزيزها، وجهد الأمة  وتمكين الناس وإشراكهم .