آخر تحديث :الجمعة-17 مايو 2024-11:37ص

توكل كرمان ... لوثر كنج هذا الزمان

السبت - 15 أكتوبر 2011 - الساعة 07:21 م

أحمد نبيل
بقلم: أحمد نبيل
- ارشيف الكاتب


أحمد نبيل

لم أزل أتذكر حين كنت اخط كلمات سطوري لمقال بعنوان ( امرأة ... تهز عرش الرئاسة) كتبته دفاعاً عن توكل كرمان حين اعتقلتها أجهزة النظام قبل الثورة بأيام . كانت ذاكرتي حينها تراودني بتشابه سيرة توكل بالمناضل الأمريكي مارتن لوثر كنج الرجل الذي دعا إلى الحرية وحقوق الإنسان و حلم بمساواة البيض والسود و بإنهاء التمييز العنصري ضد بني جلدته ومات من اجل ذلك الحلم .فلكل منهما نضال سلمي وشجاعة فائقة لاسترداد حقوق أمته ,وكل منهما حاز على نفس الجائزة ( جائزة نوبل للسلام ) رغم صغر سنهما , ولا ننسى تأثر توكل كرمان بسيرة ذلك المناضل الجسور .



توكل كرمان كانت بالأمس تتقدم الصفوف بشجاعة معرضة نفسها للبطش والتنكيل ,فلم تحتمل هذه المرأة التي شهدت أصناف الظلم الذي يعيشه أبناء اليمن .. فإذا بها تصرخ أمام الناس و تغضب غيرةً على اليمن , إذا أراد أحد تخريب الوطن دون عقل .. لله درها هذه المرأة الأصيلة أنها أشرف وأشجع من رجال يعملوا لصالح أعداء اليمن , باسم اليمن ويدنسوا حاضرنا ومستقبلنا .

فكما قال الشاعر :

فلو كان النساء كمن ذكَرْنا *** لفضِّلت النساء على الرجال
وما التأنيث لأسم الشمس عيب *** ولا التذكير فخر للهلال

توكل كسبتها اليمن فكسبتها العالم الإنساني كله إلى أخر الزمان وصنع بها السلام والسلم أعظم وأفخم ما تصنعه قدرة وبناء وإنشاء حيثما كانت قدرة بناء وإنشاء .

نظرت الأمم إليها فرأت كيف تعلموا النفس الإنسانية حتى يحار فيها الإنسان وهو ريشة في مهب النوازع والأشجان . رأت كيف يصبح العدل والحق "طبيعة حياة" وكيف يصبح مخلوق من اللحم والدم وكأنه لا يأكل طعامه ولا يروي ضماه, ولا يصحو ولا ينام , الا ليسعى للعدل ويُعرف الحق ويهتف لهما بأعلى صوت , وأيضا كأنه لا يتنفس الهواء الا ليمتنع الظلم عن الناس ودحر دولة الباطل وكأنما العدل والحق دين عليه يُطالب به ألف غريم , وهي وحدها توكل  كانت الأقوى في المطالبة بهما من ألف غريم  .

لقد كانت هذه المرأة المجيدة تبغض ان يُظلم غيرها اشد من بغضها ان تُظلم هي ,وهذه منزلة في الأنفة لا تطاولها المنازل لأنها منزلة الأبطال وإننا نعلم كم حز في قلبها الكريم ان يضرب بريئا على دين الحق كلما رجعنا إلى أيامها الأولى قبل الثورة , وهي أيام لاتنسى في تاريخ البطولة والأبطال فما شغلها أمر عن إعلان الحق والتصدي للظلم الا ان تخرج وتثور حقا ضد كل مغتصب له.

لقد كان في تحديها للنظام الفاسد عد ان "شجاعتها وعشقها لعدل السماء " فما كانت شجاعتها في هذا التحدي بأظهر من عدلها ولا كان عدلها أظهر من شجاعتها , إذ الشجاع الحق مطبوع على الأنفة من الظلم لأنه شديد الإحساس بذله , ومن كان كذلك فهو شديد الإحساس بقوة العدل أيضا من طريق واحد , وقلما اغضب العادل الشجاع شأ كاستطالة الظالم وظنه ان المظلوم لا يستطيل عليه , فذلك هو التحدي الذي يثير الشجاعة ويثير النقمة على الظلم أو يثير حب العدل في وقت واحد , وأن الموت لأهون من الصبر على هذا التحدي المرذول وهذا الصلف القبيح .وما الشجاعة ان لم تكن أولى بالجرأة على الموت كلما وجب الاجتراء عليه .. وأي امرئ أولى بالجرأة من الشجاع الذي يعلم ان الحق بين يديه .

" السنا على الحق أخي الثائر ان حيينا أو متنا ؟"...فعلى الحق إذن فلنمت ولا نعيش على الباطل , فالباطل كريه والجبن كريه , وذلك ملتقى العدل والشجاعة في قلب الثائر الشجاع . فان شجاعة توكل من أجرئ الشجاعات في النفوس الآدمية لأنها الشجاعة وحدها التي تواجه بها ( تهمة العمالة ) وهذه التهمة  أرذل من الموت عند الشجعان فكما قال العقاد رحمة الله (دين المرء القوي الشجاع الذي ينتصر  بالحق في ميدان الحياة)

أَنَا إِنْ عِشْتُ لَسْتُ أَعْدَمُ قُوتًا *** وَإِذَا مِتُّ لَسْتُ أَعْدَمُ قَبْرَا
هِمَّتِي هِمَّةُ المُلُوكِ وَنَفْسِي *** نَفْسُ حُرٍّ تَرَى المَذَلَّةَ كُفْرَا
وَإِذَا مَا قَنَعْتُ بِالقُوتِ عُمْرِي *** فَلِمَاذَا أَخَافُ زَيْدًا وَعَمْرَا
الشافعي رحمه الله

ومضة ختام :  لكل شخصية إنسانية مفتاح صادق يسهل الوصول إليه , اويصعب على حسب اختلاف الشخصيات .. وهنا أيضا مقاربة في الشكل والعرض من مفاتيح البيوت .. فرب بيت شامخ عليه باب مكين يعالجه مفتاح صغير , ورب بيت ضئيل عليه باب مزعزع يحار فيه كل مفتاح , فليست السهولة والصعوبة هنا معلقتين بالكبر والصغر , ولا بالذكورة والأنوثة ( فرب شخصية عظيمة سهلة المفتاح , ورب شخصية هزيلة ( مثل شخصية صالح ) ومفتاحها خفي أو عسير . فمفتاح شخصية توكل كرمان هو بساطتها والتزامها بحشمتها وعفتها واعتزازها بدينها ووطنها أولا . وهذه الخصائص هي من أسباب تقبل المجتمع اليمني لتلك المرأة التي شاركت الرجل في ميدان الحياة بكافة جوانبه. .

 

لنوجد يمن يتسع للجنوبي والشمالي على حد سواء, يمن لا توجد فيه منطقة أو عرق أو مذهب أو قبيلة ما في البلد تمتلك الحق ألحصري في إنتاج الرجل الأول في البلد (الرئيس)