آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-07:13ص

بائعة الورد ..

السبت - 17 مارس 2018 - الساعة 05:55 م

عيظة بن ماضي
بقلم: عيظة بن ماضي
- ارشيف الكاتب


كذلك الحي الذي ترعرعت في جنباتة هي المنزوية خلف معروضاتها البسيطة في الشكل العالية في القيمة الروحية لمرتادي بسطتها المكتظة بمشغولاتها اليدوية التي تحمل في طياتها عبق تلك الأنامل العاكفة على إنتاجها بمختلف الإشكال والمسميات ، عكفت تلك العفيفة التي لم يكن يعرف عنها شي سواء " أم أسعد " الملتحفة بتلك الثياب العفيفة البسيط في نوعها الغالية في مذلولها المحتشم ، تردد عليها كل سكان الحي والمارين بجوارها منهم المشتري لمعروضاتها والمتفكر لإبداع صنيعها وعفة نفسها .

مضاء الوقت مسرع حولها وهي لاتزال عاكفة على ماهي عليه رغم محاولة البعض بأن يدلو بدلوه راجي منها تغيير ماهي عليه بحجة التطور والانفتاح الا ان ردها كان ذاك الصمت المعروف عنها لكل من عاشرها ، تسارع الوقت حولها وتغير جُل سكان الحي وبداء الوافدون الجدد في تغيير تلك الواجهات التي كانت تكسو منازل الحي العتيق الذي احتواها واحتوى سكانه عبر العصور ، توالت تلك الإغراءات عليها وترددت على مسامعها الكثير عن الحداثة والتطور والمواكبة بمختلف مسمياتها العذبة والتي لايكاد يمر يوم الا وتسمع عن وجود ذاك التغيير ووجوب التغيير الا انها ابت ان تسمح ولو لمجرد التفكير في تلك المتغيرات المغرية التي تطوف حولها .

رغم عنها امتد التحضر والتمدن إلى زاويتها تلك التي احتوتها عقوداً من الزمن واجبرها ذاك الامتداد الي تغيير مقرها بحجة هدم المنزل الذي كانت تستضل به مرغمة على التوجه للجهة المقابلة لها على امتداد ذاك الشارع الجديد في نظرها والمتطور في حداثته الأنيق في مرتاديه ، اتخذت كسابق عهدها من احد الزوايا بسطة متواضعة كمثل التي عاشت حياتها خلفها في موطنها السابق ان صح التعبير .

عرضت بضاعتها التي طالما تفاخرت بها في تلك الزاوية واستمرت في ذاك المنوال على عهدها كل صباح الي المغيب ، كأي مرحلته تصاحب التحول لم تكن هناك أيدي تمتد إلى  معروضاتها الا القليل وفي غالبها للتفكر والاطلاع دونما شراء او نية في ذلك ، نظرت حولها متمعنة ماذا يحدث فوجدت مجتمع مغاير عما تعودت علية منذ انخراطها في هذه الحياة الموسومة بالكفاح والمثابرة ، مراراً وتكرار تردد على مسمعها الا يوجد لديك ورد ... نعم الا يوجد لديك ورد للببع !!! توالت تلك الأسئلة عليها كثيراً حتى فكرت لما لا اغير بضاعتي بتلك الأغصان التي تكرر السؤال عنها .

أصبحت في ذاك اليوم المشرق وقد وضعت على استحياء بعض من تلك الأغصان باحد الزوايا المتوارية عن الأنظار ، مر اليوم ولم تبع شي من الأغصان حتى المغيب نظرت اليها فوجدتها قد ذبلت بشكل اختلف معه ذاك الجمال الصباحي لها وكان مصيرها حاوية المهملات ، وقررت بان تستمر غدا في جلب تلك الأغصان مع تغير موضعها لعلها لم توفق اليوم بحكم موقعها الحالي .

بكرت في الصباح التالي لتعرض ورودها في اعلى زاوية حيث كانت تعرض انفس ما تشغله أناملها .... مرت الساعات ولم يسأل عنها احد وفي لحظة رأت احد المارة من الذين كانوا يسألوها مرارا عن تلك الأغصان وهو يقترب اليها محدق بتلك الورود الباسقة في الزاوية وما ان وصل حتى باشرها بالقول ... ماهكذا يباع الورد نعم ماهكذا يباع الورد ، ترددت كثيرا قبل ان تنطق ولعلها اول كلمات لها في موطنها الجديد ، ماذا افعل وكيف ابيع اذا لم يكن هكذا ..... اتاها الرد سريعاً ان الورد يحتاج لمنادي بعيداً عن الصمت القاتل لتلك البتلات  .

تسمرت في زاويتها محدقة بذلك المتحدث ، كيف لي ان افعل هذا ولما كل هذا ولما انا أقحمت نفسي في هذا ، هذه الكلمات كانت تحاور بها نفسها ، نعم تلك النفس التي تملكتها العفة طوال تلك الحياة .

استمرت بعدها في عرض الورد بشكل أوسع وأصبحت تردد بعض العبارات المتناقضة في مجملها عما تعوده عليه لانها اختارت مواكبة الحضارة المحيطة بها حتى وصل بها الحال ان نست اهل موطنها الاول وكذا تناست مسماها " أم اسعد " وأصبحت شهرتها  "بائعة الورد" ، واستمرت في ترديد تلك العبارات  المصاحبة لمعروضاتها مع البداء في تغيير ملامحها المعتادة ، وتغير الرواد المحبين لأصالة المعروض الى محبي الترنم بمعسول الكلام ومنظر البتلات  .

اصار هذا مفهوم الحياة لهم بتلك الأماني العابرة المواكبة للحظات السعادة المؤقتة ... فإلى بائعة الورد سلام.