آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-09:24ص

من يحكم اليمن؟

الخميس - 14 يوليه 2011 - الساعة 05:20 م

Jeb Boone
بقلم: Jeb Boone
- ارشيف الكاتب


Jeb Boone

في 3 يونيو، أصيب الرئيس علي عبد الله صالح الذي يحكم اليمن منذ زمن طويل في هجوم شنه مجهولون. و بدا للكثيرين أن مغادرته صنعاء إلى مستشفى عسكري في المملكة العربية السعودية قد  حلت أخيرا المواجهة الطويلة بين نظام الرئيس صالح الذي يستعد للحرب ومجموعة متنوعة من منافسيه السياسيين. و لكن الأسابيع الماضية لم تقرب اليمن إلى الخروج من عدم اليقين السياسي.


 
المحتجون المناهضون للحكومة بدأوا بنصب الخيام في مدن مثل صنعاء وتعز و تدريجيا أخذ زعماء القبائل بالخروج عن طاعة حكومة صالح والتعبير عن دعمهم لحركة الشباب و بدأ نظام المحسوبية القبلية الهش ينهار و أخذت الفوضى تعم مختلف أنحاء البلاد، و لم يبقى لصالح سوى قطعة أرض صغيرة في بين جبال الشمال ليحكمها. و مع وجود صالح في المملكة العربية السعودية و عدم وجود بديل في الأفق يبرز سؤالا... من الذي يحكم اليمن؟


 
في ظل الفراغ الناشئ عن غياب الرئيس صالح، تُرك نائبه مشلولا سياسيا و كأنه مضيف لمقعد صنعاء الخالي من السلطة. و بعد أيام من رحيل الرئيس الغير مخطط ، تولى ابنه أحمد صالح الإقامة في القصر الرئاسي، و قام بتوجيه رسالة إلى المتظاهرين ورجال القبائل المناوئين بأن إرادة والده ستسري من خلال ممثله. وفي الوقت نفسه سيطرت المعارضة السياسية في اليمن المتمثلة في أحزاب اللقاء المشترك، على القيادة في مخيم ساحة التغيير الاحتجاجي، في محاولة لترسيخ تأثيرها السياسي في أي حكومة جديدة. في الوقت الذي يحضر فيه مقامرو السلطة في صنعاء أنفسهم لشغل مقاعد في السلطة ، فقدت الحكومة اليمنية السيطرة الكاملة على بقية البلاد.


 
ونادرا ما كانت المناطق القبلية الوعرة شمال اليمن تحت حكم مباشر من قبل الرئيس أو الإمام ، أو المستعمر الأجنبي حتى مجيء علي عبد الله صالح إلى السلطة في عام 1978. و قد تعلم صالح من الفشل الأليم للعثمانيين و نجح بعد فشل خمسة رؤساء سبقوه، اثنان منهما اغتيلا، واتبع نهج أكثر دقة وحساسية لحكم المنطقة الممزقة. و بدلا من حكم القبائل عن طريق القوة أو الهيمنة العسكرية المحضة، بدأ صالح باستمالة القبائل و إشراكهم في الحكومة اليمنية من خلال نظام المحسوبية. و هكذا فإن بعض المشايخ  يستلمون رواتب من الحكومة في حين يتقلد آخرون مناصب سياسية وعسكرية بارزة.


 
طوال معظم حياته السياسية، حافظ صالح على سيطرة محدودة و لكنها مستقرة على الجمهورية العربية اليمنية ، المعروفة باسم اليمن الشمالي. و في عام 1990، أصبح أول حاكم على كامل المنطقة التاريخية في اليمن (باستثناء المناطق الشمالية الواقعة حاليا تحت سيطرة المملكة العربية السعودية) منذ ملكة سبأ. و على الرغم من الحرب الأهلية في عام 1994 استمر صالح في السيطرة على شمال و جنوب اليمن معا في دولة واحدة.


 
وبدأ التصدع يظهر في هيمنة صالح الهشة على شمال اليمن في عام 2004 عندما قامت مجموعة من رجال القبائل، تطلق على نفسها اسم الشباب المؤمن، بتمرد مسلح ضد حكومة صالح. و في حين ادعت الحكومة اليمنية أن الشيعة الزيدية في محافظة صعدة الشمالية تسعى إلى إعادة حكم الإمامة، أعلن المتمردون أنه تم تهميشهم و ممارسة التمييز ضدهم من قبل الحكومة. خاض هؤلاء المتمردون الحوثيون، نسبة إلى زعيمهم حسين بدر الدين الحوثي، سلسلة من ستة حروب ضد الجيش اليمني، انتهت الأخيرة منها في 2009. ومن المفارقات، أن أكثر المناطق التي مزقتها الحرب في اليمن ، هي الأكثر أمانا الآن. في الوقت الذي تُركز فيه معظم  الوحدات العسكرية على الحفاظ على سيطرتها على المدن الكبرى التي احتشد فيها محتجون مناهضون للحكومة ، أتيحت الفرصة للحوثيين لإعادة بناء مناطقهم والعيش في غياب كامل لسيطرة الدولة.

 

صنعاء: معقل صالح الأخير

تعد صنعاء واحدة من المعاقل الأخيرة للحكومة في اليمن.  فعلى الرغم من ذهابه إلى السعودية لتلقي العلاج من جراح أصيب بها جراء اعتداء على قصره فأن ابنه أحمد ، قائد الحرس الجمهوري، و أكبر أبناء أخيه ، يحيى، قائد قوات الأمن المركزي، قد حافظا على السيطرة على المدينة. نقاط التفتيش العسكرية لا تزال منتشرة في المدينة، وأكثر ما ينذر بشر مستطير، أن جنود الأمن المركزي، القوة العسكرية اليمنية الوحيدة التي ظلت بالكامل موالية للرئيس صالح ، لا يزالون يجوبون الشوارع. على طول الطرق الرئيسية في المدينة و يقوم رجال يحيى بالتحديق بإمعان في عربات النقل ، و يراقبون المارة من وراء متاريس الرشاشات الروسية الثقيلة التي تنصب في الجزء الخلفي من شاحنات صغيرة مطلية و مموهة.

 

مناطق الشمال: أرض استقلالية القبلية

المناطق القبلية في اليمن لم تكن في يوم من الأيام متقبلة لفكرة الخضوع لحكم مركزي سواء من سلطة أجنبية أو قيادة يمنية. و قد تمكن إتحاد قبائل حاشد ، أقوى القبائل في البلاد ، من نقل المعركة إلى عقر دار صالح في العاصمة مؤخرا. فقد اندلعت اشتباكات في صنعاء بين القبليين بقيادة صادق الأحمر وشقيقه الأصغر حميد، وهو رجل أعمال ملياردير وشخصية سياسية معارضة ، و قوات الحرس الجمهوري استمرت 13 يوما. و بعد أن نجحت الوساطة السعودية في التفاوض على وقف لإطلاق النار بدأ القتال في معاقل قبائل عدة مثل قبيلة أرحب، على بعد بضعة أميال فقط من صنعاء. و مع استمرار القتال لا يزال رجال القبائل لم يظهروا أي نية بالعودة تحت مظلة حكومة صالح مرة أخرى.

 

محافظة مأرب: منطقة الفوضى في اليمن

تشهد محافظة مأرب ، شرق صنعاء ، فوضى عارمة منذ وفاة جبر الشبواني، نجل الشيخ البارز علي الشبواني، الذي قُتل في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في مايو 2010. وفى محاولة للثأر لمقتل ابنه، دمر الشيخ علي واحد من أكبر خطوط أنابيب النفط في اليمن، مما أدى إلى ضياع مليارات الدولارات على خزينة الحكومة اليمنية. و مع انتشار الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تجتاح البلاد ، صعد علي ورجال قبيلته حملتهم ضد البنية التحتية للحكومة. و قد تم تفجير أنابيب النفط مرات عدة و تم البدء بمهاجمة محطات توليد الطاقة ولا يزال القبليون يسيطرون على الطريق المؤدي إلى صنعاء و يمنعون عنها المشتقات النفطية.

 

تعز : محور ثورة الشباب

في فبراير الماضي ،  بدأ محتجون بنصب الخيام في مدينة تعز عاصمة اليمن الفكرية والصناعية. منذ ارتفاع الخيمة الأولى على الإسفلت، تم قمع المتظاهرين هناك بشكل أعنف من أي مدينة أخرى في البلاد. و خلافا للمناطق الأخرى في اليمن قاتل رجال القبائل ضد قوات الأمن في مدينة تعز. وقد أعلن الشيخ حمود المخلافي، وهو عضو سابق في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم  التابع لصالح ، بأنه وقبيلته سوف يدافعون عن ثورة الشباب. و أصبحت معارك الشوارع أمر شائع في هذه المدينة المتنازع عليها حيث يحاول صالح وأقاربه الاحتفاظ بالسيطرة على ثاني أكبر مدينة في اليمن.

 

عدن : عاصمة اليمن الجنوبي سابقا

عانت الحركة الانفصالية في اليمن الجنوبي التي تأسست في عام 2007 حملات اعتداء عنيفة للغاية ، و اعتقالات سياسية. و أعلنت الحركة أنهم (أي الجنوبيون) يقعون تحت احتلال النظام القبلي الشمالي، و خرجت الحركة الجنوبية من الظل و أخذت تعمل في العلن في ظل غياب واضح للعسكريين الموالين لنظام الرئيس صالح في عدن. على عكس العاصمة اليمنية حيث توجد لافتات مناهضة للحكومة وعلامات بالقرب من جامعة صنعاء فقط ، فإن مدينة عدن الساحلية تعج بالشعارات المناهضة للحكومة على الجدران والمحلات وحتى على الأسوار الأمنية العالية للمباني الحكومية الفارغة الآن. علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، الدولة السابقة في اليمن الجنوبي ، صار رمز عام مرسوم في جميع أنحاء المدينة.

 

محافظة أبين : تحت سيطرة القاعدة

في الشهر الماضي ، نزل مسلحون من الجبال المحيطة إلى مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين. و قد تمكن المسلحون من السيطرة على المدينة والقرى المجاورة بكل سهولة، وفقا لسكان أبين و الشهود الذين قالوا بأن قوات  النخبة اليمنية التي دربها الأمريكان لمكافحة الإرهاب و لسبب غير مفهوم انسحبت من المنطقة قبل ساعات من الهجوم على المدينة. و منذ الاستيلاء على المنطقة من قبل من تزعم الحكومة أنهم يتبعون تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP) ، تم تدشين حرب استنزاف على يد الجيش اليمني من خلال الضربات الجوية والقصف المدفعي المستمر. وقد فر الآلاف من سكان أبين بسبب العنف الشديد.


و مع خروج الجنوب عن نطاق سيطرة الحكومة و  انزلاق الشمال إلى الفوضى القبلية و السياسية تُظهر الكيانات اليمنية المختلفة بعض من بوادر الائتلاف.  في حين أن العديد من القبائل، بما في ذلك المتمردون الحوثيون واتحاد قبائل حاشد، أعربت عن تأييدها لثورة الشباب عدا عدد قليل من الناس، إن وجدوا أصلا، فإنهم من ضمن قيادة الشبكة القبلية الواسعة التي يستخدمها صالح ببراعة. و إلى جنب القبائل الشمال المتباينة ، ففد أعرب العديد من اليمنيين الجنوبيين عن الرغبة في الانفصال عن الشمال تماما بغض النظر عمن يكون في السلطة في صنعاء.

 

آفاق المستقبل

إن أي حكومة تنتج من الصراع الدائر حاليا في اليمن،في حالة تكونت حكومة أصلا، فإنها ستواجه مهمة مستعصية تقريبا في إعادة إنشاء دولة من المناطق و الأقاليم المتناثرة التي خرجت عن السيطرة. و مع الاقتصاد الذي يتراجع تدريجيا و يقترب من السقوط حر، أخذت القبائل القوية على عاتقها مهمة تزويد صنعاء بالبنزين والضروريات الأساسية الأخرى، وزيادة الإيرادات الشخصية وترسيخ سيطرتها على معظم الطرق الرئيسية. اليمن الذي يستورد معظم احتياجاته من القمح والأغذية الأساسية الأخرى، تراجعت قدرته على توزيع الوقود على الشاحنات لجلب الطعام إلى المدن الرئيسية. إن أي دولة جديدة تولد من خضم الاضطرابات السياسية في اليمن سوف يتحتم عليها مواجهة هذه القبائل كمنافس قوي للحكومة المركزية.


 
مع سيطرة القبائل على الاقتصاد في الشمال و ترك جنوب اليمن يعاني من عواقب ما أصبح بالفعل أزمة اقتصادية مؤثرة خارجيا ، و مع استمرار الكراهية للشماليين و التي تستفحل بوتيرة سريعة مع استمرار الصراع ، قد يجد الجنوبيون أنفسهم على غرار ما حصل في أرض الصومال مدفوعين للانفصال لتجنب معاناة لا داعي لها.