آخر تحديث :الثلاثاء-28 مايو 2024-12:59ص

في ذكرى رحيله ..أحمد بن أحمد قاسم قامة فنية كبيرة على مدى الأزمان

الخميس - 07 أبريل 2011 - الساعة 11:12 ص

لبنى الخطيب
بقلم: لبنى الخطيب
- ارشيف الكاتب


لبنى الخطيب

الأول من إبريل  يوم من أيام السنة الميلادية وما يميزه بعض الناس يتخذوه لإشاعة الكذب  والضحك والقصص المفتعلة بينهم  ، وهناك من يعمل حسابه بان لا تنطلي عليه ( كذبة إبريل ) ، وشاءت الأقدار أن يرتبط الأول من ابريل 1993م في ذاكرة أهل عدن واليمنيين ومحبي الفنان الكبير احمد بن احمد قاسم بذكرى رحيله لدار البقاء ،  و تمنيت ومحبيه خبر وفاته حينها سوى  مزحة ثقيلة تناقلها الناس  بسرعة البرق للمكانة الكبيرة التي يحتلها احمد قاسم وسط من عرفوه وتذوقوا فنه ،  وهي    مشيئة الله و لا اعتراض على حكمه ، وفاضت  روحه الطاهرة في محافظة ذمار  بحادث مروري أثناء عودته من  صنعاء لمسقط رأسه عدن.

 

و مؤرخ ميلاد الفنان احمد قاسم 11 مارس عام 1938م، وسكن  بحافة «الشريف» والقريبة من حوافي (الزعفران ،العجائز ،القاضي) في منطقة  كريتر المميزة وحاملة عبق الحياة والتاريخ  وسكنها الكثير من الفنانين والشعراء .

 

ترعرع وعاش احمد قاسم  في عدن و أحبها كثيرا ،  و درس في عدد من مدارسها ،والدته آملت فيه قارئا للقران وأرسلته لتعلمه وحفظه ، ولكن الولد احمد فضل ممارسة هوايته في الغناء والتحق بمدرسة الفنان الموسيقار يحى مكي و لعشقه للموسيقى تعلم العزف على أله العود على يد أستاذه يحى مكي  .

 

الموسيقار  احمد قاسم أبرز الأسماء في تأريخ الأغنية اليمنية الحديثة، وأحد أهم روادها ،وشغل محبيه بصوته وأعماله الرائعة  و روحه الطيبة وحبه للآخرين ، و يعد رائد التحديث للأغنية اليمنية   وأول من أدخل الآلات الموسيقية الحديثة على الأغاني ، وقام بتأسيس فرقة موسيقية أطلق عليها (فرقة أحمد قاسم التجديدية للموسيقى)  ، وهو  احد ممن أسهموا في تأسيس (ندوة الموسيقى العدنية ( مع زملائه  من رواد الأغنية العدنية ( خليل محمد خليل ،سالم أحمد بامدهف ، محمد سعد عبد الله ، أبو بكر فارع ، ياسين فارع والشاعر محمد عبده غانم وحسين خدابخش واخرين ).

 

ويعد الفنان أحمد قاسم قامة فنية كبيرة ظهرت في عدن  في بداية الخمسينات من القرن العشرين الماضي ، و اختط لنفسه لونا من الغناء ميزه عن آخرين في الساحة الفنية الغنائية في عدن ولحج وبشهادات الكثيرين ، و ارثه الموسيقي يشهد عليه معجبيه ، وهو من تغنى بكلمات صاغها  عدد من الشعراء  ومنهم  ) ، لطفي جعفر أمان،سعيد الشيباني، أحمد شريف الرفاعي ،محمد سعيد جرادة، فريد بركات، عبدالله عبدالكريم، والقرشي عبدالرحيم سلام، نزار قباني، أحمد الجابري، د. محمد عبده غانم ، أحمد رامي، علي عبدالله أمان، مصطفى خضر ، محمد عبدالله بامطرف ، سعيد نايف ،جعفر عبده ميسري  ،علي لقمان و حسين محمد البار)،  و وفق احمد قاسم تلحيناً و آداً   لتلك الكلمات  ، واصطبغت الأغاني  بعبق الفلكلور الموسيقي من اللون العدني واليمني وبلهجاته المختلفة ، و بعضها ممزوجا بالنكهة الغنائية   المصرية ، وتفرده  مداعبا أوتار عوده الحبيب  بأصابعه الذهبية و كثيرا ما  تجرحت و"أدمت حتى  التقيح" حامله  الحب للحبيبة و اليمن ولعدن منها (صيرة وساحل أبين و أمواجه والبحر والرملة) .

 

 

 حرص احمد قاسم  لتطوير  موهبته وصقلها بالدراسة الأكاديمية للموسيقى ،و صنف حينها ضمن الدرجة  الممتازة للموسيقيين والملحنين  اليمنيين  لجمعه بين الكلمات  والغناء    والعزف وتأليف  أعذب الألحان وحرصه على  التوزيع الفني السليم و ألا يخرجوا العازفين  عن مساق لحن  الأغاني .

 

وكم تغنى  احمد قاسم  بالعديد من  الأغاني الوطنية والحماسية التي ألهمت الكثيرين في حب الوطن والتحرر والتوحد في يمن واحد ، وهو من أوائل الفنانين الذين تغنوا بالوحدة اليمنية وغنى للعمال في جنوب وشمال اليمن ، كما وصف  طبيعتها و(حقول البن ،من العدين ). 

 

وكم أسعد أنا  ومحبيه للاستماع لأغانيه ، و أجهزتنا الإعلامية المسموعة والمرئية تبخل كثيرا  علينا في بث أغانيه ، إلا ما نذر أو تكرارها  لبعضها فقط ، رغم إن مكتبتهم الموسيقية تضم قائمة طويلة من أغانيه التي سجلها للإذاعة والتلفزيون في صنعاء وعدن و أخرى سجلت في القاهرة أو الكويت .و سعدت جدا  في احد أيام يناير  المنصرم بث برنامج (استراحة المساء )من إذاعة عدن العريقة ضمن فقراته  أغنية (أنا قلبي إليك ميال)  بصوت أحمد قاسم من كلمات مرسي جميل عزيز و ألحان محمد الموجي  وهي الأغنية المعروفة التي غنتها الفنانة المصرية فائزة احمد ، و باستماعي للأغنية لأول مرة ، اتصلت لحظتها اشكر معدة البرنامج الزميلة سهام عبدالحافظ و ردت بان الأغنية من اختيار  الزميل أبوبكر الجفري مخرج الحلقة،  وحرصت  اشكره لأنه اجتهد وفتش في أرشيف الإذاعة الموسيقي ،للصوت والنغم الجميل ، وكم نحن أحوج للاستماع لموسيقى تغذي الروح وتسموا بها في زمن الإيقاع السريع والكلمة الغير موزونة نطقا ولحنا .

 

 لقد وفق أحمد قاسم كثيرا في أدائه وعزفه  و إتقانه للهجة المصرية ، وكما سجلت بصوته العديد من الأغنيات لكبار عمالقة الغناء  المصري العربي( فريد الأطرش  ، أم كلثوم  ومحمد عبدالوهاب)

و  في شهر رمضان ضمن برنامج (لو كنت صاحب القرار ) ألمسابقاتي من (إذاعة عدن ) حلقة للنقاش في قضية القات ومشاكلها الاقتصادية والاجتماعية على الوطن والمجتمع والفرد  أذيع مقطع( كل يوم يأكل عقارة وما يحس أبدا خسارة )  من أغنية   (الأسرة) وهي أول أغنية لثنائي (دويتوا) على مستوى الغناء في  اليمن أداها  احمد قاسم وشقيقته نجاة 1963م ، إن المكتبة الإذاعية في إذاعة عدن وأكيد أختها  إذاعة صنعاء لديهم العديد من التسجيلات ، أتمنى ألا يبخلوا في إسماعنا بين فترة و أخرى  لما يكتنزوه  من إرث فني موسيقي لأغاني لأحمد قاسم وفنانينا الكبار الآخرين .

 

و لا يفوتني هنا ذكر ما أتحفنا به الشاعر و الإعلامي الكبير محمود الحاج السنة الماضية في ذكرى رحيل احمد قاسم السابعة عشر باجتهاده وبحثه في أرشيف مكتبة تلفزيون قناة اليمن الفضائية  ،للقاء أجراه مع احمد قاسم قبل أشهر من وفاته ، كان أجمل وفاء من بن الحاج ،  و حرصه لبث اللقاء  ، لحظتها  الكثيرون  حرصوا على متابعته بالتواصل هاتفيا لإخبار بعضهم لمشاهدة اللقاء الممتع والوثائقي لجزء من مسيرة احمد قاسم الفنية  ، و تمنيت إعاده للحلقة ثاني يوم ، و الأستاذ محمود الحاج استحق الشكر لنبش شريط اللقاء من بين الركام ، ونطلب من قنواتنا الإعلامية إذاعة وبث  المخزون في جعبة أرشيفهم الموسيقي للإرث الفني الجميل لفنانيينا الكبار من رحلوا عن عالما أو أحياء الله يمدهم بطول العمر والصحة ، وعلى صحفنا ومواقع اليكترونية تسليط الضؤ على الإرث الفني والثقافي  خوفا من الاندثار وتعريفه للأجيال الشابة .

 

ولم يصدر حتى الآن كتاب يظم سيرته وإعماله الكثيرة ونحن نعيش ذكرى رحيله الثامنة عشر  ، رغم  ترحيب واستعداد من  وزير الثقافة المفلحي (في حكومة تصريف الأعمال الآن ) ومدير مكتبها في عدن باكدادة لولادة هذا الكتاب ، لا اعرف لماذا هذا التأخير وأسرته قبل خمس سنوات سلمت الأخ علي محمد يحى كونه خير صديق لأحمد قاسم وحرصه الكبير حينها وباتفاق مع نجاة شقيقة احمد قاسم بانجاز صدور الكتاب وسلمته الوثائق والنوتات وبخط يد احمد قاسم وكل أرشيفه من صور ومذكرات خاصة به ، وشهادات لأكثر من شاعر غنى له احمد  أو من زاملوه في إذاعة عدن أو عن قرب  في ساحة الغناء وهم كثر  ، و كل تلك الوثائق لا تزال بين أيادي الأخ علي محمد يحى وكل عام يوعد بان الكتاب قريبا سيصدر ومرت السنين ولا اعلم متى يرى النور هذا الكتاب ؟، رغم تواصلي المستمر معه وكذا نجاة ، و هناك من الخيريين والمحبين لأحمد قاسم  أبدوا استعدادهم لتحمل   كلفة إصدار الكتاب ، إلا أن أسرته مصرة وزارة الثقافة هي المناطة بإصدار الكتاب، لا اعلم كم بيطول الانتظار وكل الوثائق النادرة مع علي محمد يحى   وهو من وثقت به  أسرة احمد قاسم  ، وإصدار الكتاب  طلب بسيط  نسعى ونحرص عليه جميعا للحفاظ على ارث  احمد قاسم  ولإنعاش ذاكرة  من عاصروه وأحبوه، ولتتعرف  عليه الأجيال الجديدة واللاحقة ، واتمنى في القريب العاجل يصدر الكتاب  .

مقتطفات من سيرة احمد قاسم :

أحضر الإخوان حسن وحسين خدابخش إلى عدن 1955م الفنان فريد الطرش لتقديم حفلات فنية، وحرصا  الأخوان خدابخش لحضور أحمد قاسم إلى منزلهم وطلبوا من الفنان فريد الأطرش أن يستمع لموهبة جديدة في عدن ، غنى أحمد قاسم آنذاك أغنية فريد الأطرش ( دمعك على الخدود سطرين) أعجب فريد الأطرش بصوته وأداه وأخبر الأخوان خدابخش بضرورة الاهتمام بهذه الموهبة الجديدة وإرساله إلى مصر لصقل إمكانياته الغنائية الكبيرة في معهد للموسيقى.

وخدمة احمد قاسم  الصدفة  وعمل بنصيحة  الفنان فريد الأطرش وحصل على  منحة دراسية من وزارة المعارف في حكومة جنوب اليمن  و تلقي تعليمه في المعهد العالي للموسيقى 1957- 1960م
و بعد تخرجه  عمل مدرساً للموسيقى في المدارس الحكومية بعدن حتى بداية عام 1963 م.
 و قام بتسجيل  أول فيلم سينمائي يمني- مصري  من  إنتاجه وصديقه أنور حامد عام 1963 م.
تم عرض فيلم (حبي في القاهرة) للفنان أحمد قاسم عام 1965 م ، وشاركه البطولة   الممثله المصرية زيزي البدراوي والمُمثل الكبير محمود المليجي،إلى جانب عدد من النجوم عبدالمنعم إبراهيم، وتوفيق الدقن  والأخير ساعده في التعرف على المخرج عادل صادق الذي اخرج الفلم.

درس الموسيقى في باريس عام 1970 حتى نهاية 1973 م، وقدم  استطلاع موسيقي في هوليوود بين عامي  1979م - 1980 م.

وعندما أفتتح معهد جميل غانم للموسيقى بعدن مطلع السبعينيات سارع إليه أحمد قاسم لتدريس الموسيقى للفانين المنخرطين فيه.
 و واصل أحمد قاسم علاقته الأكاديمية مع الموسيقى في المعهد العالي للموسيقى في موسكو 1980-1982،كما قدم  استطلاع موسيقي في لندن 1983 - 1984 م.

بعض  من أغانيه
( أجيت يا ليل - الحلم - الله اكبر- اسمر وعيونه- أتعلم يا فاتني – اللي  نسأنا  خلاص- في جفونك – غريب وبعيد  - غصب عني - حبيبي روحي - خايف من الأيام - كلما تخطر ببالي - تهجر وتنساني - تقاسيم على العود - صدفــة - يا عيباه – أبتدينا ياحبيبي  - يا حبيبي طال غيابك - ياحلو طال البعاد - عدن عدن مسير يوم  - حقول البن - أحببتها  وأحلى الليالي - حبيبي وفاء وعده - من العدين يالله - قالت لي - راح الهوى يا حبيب ، عمال عمال في جنوب و شمال  – الوحدة اليمنية – كبير حبك يا وطني – خطوة خطوة – شبكني الحب بسارة – صدفة التقينا - ياقحطان يا حبيب الشجعان  و أوبريت يامزهر الحزين وعدد من ألأغاني للأطفال ).

 

وللحفاظ على الملكية الفنية الخاصة لأحمد قاسم على  الجهات المختصة أن تحمي تراثه من العبث وسرقة ملكيته الفكرية في الألحان والكلمات من ينسبها لأشخاص آخرين .

والحديث يطول ولن يكفيه مقال واحد في سرد وتوثيق المحطات المضيئة من إبداع الموسيقار احمد قاسم
وهو جزء من الذاكرة والوجدان الموسيقي والغنائي للإنسان اليمني.