آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-07:06م

رمضان ومعانة المواطن

الأحد - 28 مايو 2017 - الساعة 04:59 ص

بشار الطيب
بقلم: بشار الطيب
- ارشيف الكاتب


في اليوم الأول من رمضان يحار المرء ماذا يكتب وعلى أي معانة ننقلها لكم عن الحروب عن الحصار عن النازحين هنا عن النازحين هناك .

عن إنقطاع الرواتب في بعض المدن ، عن الفقر والجوع والمرض .. ماذا نكتب ؟.

يأتي رمضان هذا العام وقد خلا من المسرّات الصغار . من دون نافذة أمل ، ولا قناديل مضاءة ، ولا خبر مبهج . تقاليده الشعبية تكاد تندثر . خفتت أصداؤها . حتى أغاني أطفاله مثقلة بنبرة مهمومة . كانوا يستمعون إليها في سعادة وانبهار . أصوات المدافع الثقيلة  في بعض المدن تطغى على مدفع الإفطار . مائدة الإفطار تطبخ على وهج مواقد من نار الخيبات وسياط الشمس الملتهبة  تهوي بسياطها على الظهور . أطفال حفاة يسيرون على حصاة مدبّبة كالزجاج . كل أم حزينة تبكي بالدموع الغزار وتصرخ من أعماقها بما يشبه نواح الندابات ، والصائمون يبلّلون ريقهم بشربة من الماء الآسن فلا تبتلّ العروق .

يأتي رمضان هذا العام عاتباً غاضباً ، خاليا من اللهفة ، لا يُطفئ ظمأ ولا يشبع جوعاً . مثلما كان في الأزمنة الخوالي حافلاً بالحكايات الحلوة والقصص المشوقة حتى نجمة الفجر . إننا نتحرّق بشهية لممارسة أشواقنا . إننا نختنق في نوبة يأس وكآبة وملل . كلما لاح في عيوننا شعاع نور طوّقنا الظلام . وكلما تشبّثنا بالأمل وجدنا أنفسنا نغرق في صمت المآتم ووحشة القبور . لا مكان لصور الشهداء والجرحى  . لا مجال للذكريات والشحنات العاطفية . كان اليمني  يفرح من كل قلبه حين يطعم جاره من مائدة الإفطار . اليوم كثير من العائلات تقيم في خيم  في العراء  لا تحميها سلطة ولا تشملها رحمة . عندما لا تجد إلا قبضة من تراب في يديك يصبح الوطن لديك سراباً في التيه .

يأتي رمضان والمواطن ما يزال مرتحلاً بعمره ، مبثوثاً في الريح . تائهاً بين الأوهام والظلام . خيمته جواز سفره . حاملاً فراشه فوق رأسه ، ووطنه في حقائب صغيرة ، لا يعرف من أين .. ولا يعرف إلى أين ؟. فأين يمضي وكل المدن انفرطت من يديه ؟ وأين يمضي ولا بيت يأوي إليه ؟.

يوماً كنّا نخبّى أشواقنا في سلال الورد وندسّها في موجة عابرة .. ويوماً كنا  محاطون بدرعاً من الفولاذ بواحد من أجمل الأوطان وأحلاها . ثم أصبحت المسافات بينهم بعيدة . كان المواطن المقيم في هذه الحافة  يتنفس ريح أخيه  القادمة من الحافة المجاورة .. فمن أين نشترع مواسم سعادة وفرح ، ونحن نجمع نثار صور من ذكريات حزينة ، ممزقة ؟!.

يأتي رمضان هذا العام مغترباً موحشاً بلا حنين إلى عشيّات السمر ، ولا شوق إلى بيوتنا في القرى  المكللة بدخان التنانير عندما تنحدر الشمس إلى مغيب .يأتي رمضان والمواطن في وطني  مقيم مسافر . نازح  مهاجر . يغصّ بلقمة يابسة مريرة منقوعة بالذل في ذروة العذاب الإنساني لكنه لا يملّ الانتظار ، فتظل عيناه ترقبان باللهفة باباً قد يطرقه حبيب يأتي ، أو غائب ربما يعود .

يأتي رمضان هذا العام ومصائر الأوطان تندفع في عملية انتحارية في وداع أخير . والخريطة تناوشتها المشارط والمقصات منادية مستصرخة . مدن من خرائب وأطلال تدعوك للبكاء ، وشعب تحول إلى قوافل من النازحين  في كل بقعة وزاوية وركن  . تبددت جميع أحلامنا . واستحالت أيامنا ركضاً وراء سراب . جنازة هنا وجنازة هناك . نحن نختنق .