آخر تحديث :الأحد-05 مايو 2024-10:27ص

قضية الجنوب بين الواقع والتجاهل والاهمال

الإثنين - 21 نوفمبر 2016 - الساعة 06:08 م

خالد عمر العبد
بقلم: خالد عمر العبد
- ارشيف الكاتب


هناك اطراف دولية تحمل مشروع تدميري للأمم الواقعة على الرقعة الجغرافية المسماة "الشرق الاوسط"، وقد تحدث الكثير منهم عن ذلك المشروع، فتارة يسمونه مشروع الشرق الاوسط "الجديد" وتارة اخرى يسمونه الشرق الاوسط "الكبير" .

وحتى تتمكن تلك الاطراف التي يبدوا ان لها نفوذا قوي على ما تسمى مؤسسات الشرعية الدولية، فقد وضعت الأسس التي ترى انها كفيلة في تنفيذ مشروعها القذر، حيث تم تحديد آلياته وادواته التنفيذية؛ فأما آليته التنفيذية فقد حُدِّدت بالفوضى العارمة التي اسموها "الفوضى الخلاقة" ، حيث ستدخل الشعوب المستهدفة في صراع أساسه الاختلاف في العرق، والطائفة، والمذهب، والجهة، والمنطقة و.. ..الخ . واما ادواته التنفيذية فهي الجماعات والتنظيمات والأفراد الباحثين عن السلطة والطامحين اليها. 

وبما ان بلاد اليمن جزء من المنطقة المستهدفة، والأمة اليمنية هي احدى الامم المستهدفة، فقد جرى فيها على الناس ما جرى على غيرهم في البلدان المستهدفة الاخرى رغم ان ما يمكن لنا ان نسميها الحكمة اليمانية كانت حاضرة في بعض محطات الفوضى الخلاقة، حيث جرى تسليم للسلطة، وتم اجراء حوار وخرج بنتائج غير ملبية بالقدر الكافي  بطموحات اليمنيين في الشمال والجنوب، الا انه وضع الحلول في أشكالها الدنيا التي لربما جنبت الامة اليمنية الحروب التي جرت ومازالت تجري، وراح ومازال يروح معها الكثير من الناس وتسيل الدماء بشكل يومي ليس الٌا  من اجل السير في فلك الفوضى الخلاقة لا من اجل فرض الحلول او فرض الامر الواقع كما تتوهم الاطراف ، فضلا عن التدمير الذي طال اغلب البُنى التحتية للبلاد، واحدث جروح غائرة، لا يمكن لها ان تندمل، في نفوس واجساد كل افراد الامة اليمنية . كل ذلك لان هناك اطراف دولية تدير العملية ولا يمكن ان يروق لها حالا ما لم تنفذ فينا كل ذلك واكثر .

وما خارطة المبعوث الاممي الى اليمن اسماعيل ولد الشيخ الاخيرة التي أسماها خارطة الطريق لحل الازمة بين اطراف الصراع اليمني الّا خير دليل على ان اطرافا دولية تسعى الى جر البلاد والمنطقة الى مزيد من الفوضى، والقتل، والدمار، لان ولد الشيخ بهكذا عمل يهدف الى القضاء على المرجعيات المتفق عليها والمعترف بها دوليا واقليميا، وهي القرار الدولي 2016 والقرارات الدولية ذات الصلة بالشأن اليمني، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني. 

وحتى لا تجد الاطراف الدولية الداعمة للفوضى الخلاقة في اليمن فرصتها في جر البلاد والعبادة الى مزيد من القتل والدمار، فانه ينبغي على الجميع، في الشمال والجنوب على السواء، تحمل مسئولياتهم حتى لا تعطى تلك الاطراف الفرصة في القضاء على المرجعيات المعتمدة للعملية السياسية في اليمن؛ فانه في اعتقادي، يتوجب على الرئيس هادي التعامل الحقيقي مع الجنوب واهله واجراء تحالف حقيقي مع القوى الجنوبية الحقيقية المؤثرة والعمل معها على ضرورة الالتفاف حول المرجعيات الثلاث وأهمها مخرجات الحوار الوطني مع ضرورة، واؤكد (ضرورة) اعادة النظر في عدد الأقاليم، وكذا اعادة النظر في بنية المؤسسات الضامنة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وهي (الدستور، الهيئة الوطنية لمراقبة مخرجات الحوار الوطني، والحكومة، ومجلس الشورى)، وهذا ما اكدت عليه وثيقة السلم والشراكة ووقعت عليها كل الاطراف وبرعاية دولية واقليمية، مالم فان ولد الشيخ ومن وراءه، سيجدون حجتهم في القضاء على المرجعيات واحدة بعد أخرى بدءا بمخرجات الحوار الوطني بذريعة الانقلاب عليها شمالا، والرفض لها جنوبا.  وما احب التأكيد عليه هنا الّا خوف على الجنوب من مخرجات الحوار الوطني الٌا  من عدد الأقاليم، ومسودة الدستور التي لربما خرجت عما أكدت عليه نصوص الحلول المتفق عليها في وثيقة مؤتمر الحوار الوطني كموجهات دستورية ومحددات قانونية. كما ان وثيقة مؤتمر الحوار الوطني ضمنت للشعب في الجنوب حق تقرير المصير حيث نصت على: "ان للشعب في اليمن - (ولم تقل للشعب اليمني كاملا) - الحق في تحديد مكانته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه العبارة لا تعني سوى الحق في تقرير المصير مهما حاول البعض التلاعب بالألفاظ، وفي حال لم يتم اعادة النظر في عدد الأقاليم فقد نصت وثيقة الحوار الوطني على انه يحق لأقليمين او اكثر بالاندماج في إقليم واحد بعد موافقة أغلبية كل من البرلمانين المحليين كل على حدة، ثم موافقة البرلمانين المحليين بأغلبية في اجتماع موحد .

ونظرا لتغييب الجنوب وعدم تحضيره في كل المبادرات والتسويات، وتعمد تغييب قواه المؤمنة بعدالة قضيته والحاملة لرايتها، ولأنه كما يقال: ان السياسة فن الممكن، وحتى لا تضيع هذه الفرصة كسابقاتها من الفرص وتزداد معها التعقيدات؛ فانه بات لزاما على القوى السياسية، عدم إهمال الفرصة والتفاعل الايجابي مع المرحلة وواقعها ومعطياتها والبدء في الفعل السياسي انطلاقا من المرجعيات المعتمدة دوليا واقليميا ما لم فاعتقد - وهذا ما لا نتمناه - ان مصير قضيتنا (قضية الجنوب) امام واقع ومعطيات اليوم سيكون كحال القضية الفلسطينية امام "كامب ديفد" وشعارات "فلسطين كل فلسطين" .