آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:48ص

توفير النفط الخام للمصفاة ضرورة ملحة لضمان السيولة في عدن

الخميس - 13 أكتوبر 2016 - الساعة 08:25 م

ناصر محسن شايف
بقلم: ناصر محسن شايف
- ارشيف الكاتب


 

تواصلاً في الحديث عن شركة مصافي عدن  وتاريخها الذي يجهله الكثير من أبناء هذا الجيل،، نود أن نوضح بإن  مدينة البريقة  ارتبط بناءها  بالاساس مع بناء مصفاة عدن من قبل شركة الزيت  البريطانية بي بي في عام 1952م، حيث قامت الشركة البريطانية في ذاك الوقت بالتعاقد مع العديد من الشركات منها بكتل  ويمبي وسي سي سي   لبناء البريقة  كمدينة مصغرة، أطلق عليها عدن الصغرى، وقامت بنقل السكان الأولين  الذين كانوا يقطنون فيها   إلى منطقة الخيسة  .

 

ومنذ ذالك الوقت ارتبطت حياة الناس والسكان في مدينة البريقة بمصفاة عدن، وأصبحت هناك العديد من الرموز والعادات التي ألف الناس عليها وإعتادوا على معايشتها منذ الخمسينات وحتى الآن ومن هذه الرموز  التي ارتبطت بالمصفاة واستمرار عملها هي : أولا : صوت الزيتي  ( وهو كصوت  صفارة الإنذار و يطلق في المصافي  لتحديد مواعيد الدخول والخروج وأوقات الإستراحة للعمال  ويطلق اربع مرات في اليوم وكذا يتم اطلاقة  بالمناسبات الدينية إحتفالا بإستقبالها ك  عيد الفطر وعيد الاضحى واستقبال شهر رمضان المبارك ) ..  والرمز الآخر والأهم هي (شعلة المصفاة )  التي وكما أذكر عندما كنا صغار نسمع من الأباء والكبار  أنه إذا إنطفاءت هذه الشعلة فستحصل كارثة، فكان يتبادر إلى أذهاننا أن هذه الكارثة قد تكون إنفجار كبير أو حريق  .. الخ  وكنا نصف هذه الشعلة بالرئة التي تتنفس منها المصفاة وإنطفاءها يعني حصول إنفجار وكارثة في البريقة  .

 

ولكن عندما كبرنا وتعلمنا  عرفنا حقيقة هذه الشعلة وأن إنطفاءها يعني توقف النشاط الإنتاجي للمصفاة ؟ وهو ما سيؤدي إلى الإفلاس والعجز ،وبالتالي حصول الأزمات الإقتصادية، وهو ما عايشناه فعلاً خلال العامين الماضيين اللذان شهدا إنطفاء شعلة المصفاة وما تلاه من أزمات إقتصادية مختلفة .

 

ويستحضرني هنا، قصة حصلت في أواخر الثمانينات في عام 1987م  عندما تم إكتشاف النفط في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أنذاك ، وجرى نقل أول شحنة من حقول النفط إلى المصفاة بالقاطرات، وعلى طول الطريق من محافظة شبوة  إلى عدن كان المواطنين يخرجون إلى الشوارع فرحين وسعيدين بهذا الإنجاز ويرددون الأهازيج "يا شعلة أيش بيطفيك يا شعلة شبوة   ترويك" والمقصود أن شعلة المصفاة لن تنطفي مادام حقول شبوة سوفا تمدها بالنفط الخام الذي تم اكتشافة حينها  ...

 

عموماَ، ما أريد توضيحه ، أن الإستقرار الإقتصادي والتنموي لعدن خاصة والمحافظات الأخرى عامة، إرتبط بنشاط مصفاة عدن، وهو ما يجعلنا في هذه السطور نطالب السلطة المحلية والحكومة والقيادة السياسية  ودول التحالف بالعمل على إعادة تشغيل مصفاة عدن وتمكينها من إستعادة وضعها السابق، من خلال توفير النفط الخام سواء من داخل البلاد او خارجها  وتنفيذ مشروع التحديث الجزئي ل محطة الكهرباء ووحدة الإنتاج وميناء الزيت  الذي توقف نتيجة الحرب  ، وإعادة العمل بالآلية السابقة مابين المصفاة وشركة النفط ، فالاعتماد على نظام المناقصات الذي يتم حالياً فيه الشراء بالريال اليمني، لن يؤدي الى استقرار الإقتصاد بل سيفاقم ازمة السيولة بصورة مستمرة لسبب بسيط هو أن أي تاجر يقوم بتوريد المشتقات النفطية سيستلم قيمة الشحنة بالعملة المحلية وسيقوم بسحبها او بتحوليها إلى أي حساب آخر في  خارج المحافظة ودلك بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية .. الخ   وبالتالي خسارة هدة السيؤلة و لن يستفيد البنك المركزي عدن من  توفير السيولة النقدية   إلا من نسبة الربح من بيع المشتقات النفطية  الذي يعتبر في الوقت الحالي مناسب لان اسعار النفط عالمياً منخفضة ولكن في حال إرتفاع الأسعار سيفاقم من هذه المشكلة مع العلم وبحسب المعلومات  أن أكثر من ثمانين بالمائة من إيرادات البنك المركزي عدن اليومية  حاليا يتم تحصيلها من بيع المشتقات النفطية ، ولذلك فانة من الأفضل ولضمان توفير السيولة النقدية بصورة منتظمة أن يتم العمل بما كان يتم سابقا   فمن سابق كان يتم شحن النفط الخام المحلي  أو شراء المشتقات النفطية الجاهزة من الخارج  عبر الدولة وتمثلها شركة مصافي عدن، وكان يتم المقاصة والمحاسبة  بين المؤسسات العامة المصافي  والنفط والكهرباء والمياه والمالية دفترياً أي أنه لا تستخدم السيولة النقدية وبالتالي لم تكن هناك أي مشاكل في توفير السيولة  ..

 

سيقول البعض أن هناك خلل في المصفاة وأن عدد عمالها وموظفيها كبير جداً ؟؟  وهنا دعوني أوضح للجميع أن المصفاة بالفعل بحاجة إلى إعادة هيكلة وإصلاح الخلل الذي أصابها خلال الفترة الماضية، ولكن هذا الأمر يتطلب الإستعانة بشركة عالمية متخصصة في هذا الشأن وهو ما ليس ممكناً في الوقت الحالي، مع العلم أن عملية الهيكلة ستؤدي هي الأخرى إلى توفير فرص جديدة للعمالة الشابة بعد تاهيلها ،  وهذا لإن مصفاة عدن تعتبر المصفاة الوحيدة تقريبا  التي تمتلك بنية تحتية يكاد يصل بها إلى شكل مدينة أن لم يكن دولة مصغرة، فالمصفاة تختلف عن باقي مصافي العالم  التي يتلخص دورها في عملية الإنتاج والتكرير فقط ، في حين تستعين بشركات مقاولات  لتوفير خدمات الصيانة والكهرباء والحماية الأمنية والسلامة المهنية والصحة والترفيه والتخزين ووسائل نقل بحري وميناء للتصدير ومراكز لفحص العينات الخ، في حين أن مصافي عدن تمتلك ورش صيانة ومحطة كهرباء وعدد كبير من الخزانات لمختلف المشتقات النفطية  ودوائر متخصصة بالسلامة المهنية (الإطفاء) والأمن وكذا مستشفى وعدد من الأندية المختلفة   ومركز للتدريب ومختبر متخصص  لفحص العينات وميناء خاص يضم ستة مراسي وعدد من السفن وتيجان وإدارة متخصصة في تمؤين البواخر في ميناء عدن وانابيب تمتد إلى محطات الكهرباء الحسوة والمنصورة  وأراضي شاسعة .. الخ   وهو ما جعل العمالة كبيرة وتصل إلى قرابة أربعة الاف عامل وهذا يعود إلى سياسة النظام الذي كان قائماً في العام 1977، عندما تسلمت حكومة اليمن الديمقراطي  إدارة المصفاة من شركة بي بي البريطانية، فالنظام في ذلك الوقت لم يكن يسمح بإستقدام شركات خاصة لتوفير هذه الإحتياجات، فأضطرت المصفاة إلى توظيف متخصصين ليقوموا بهذه المهام .

 

يقال  إن العقول الخاوية والحاقدة لا تبني الاوطان بل تزرع الكراهية والحقد ،،، والهجوم غير المبرر من البعض على مصفاة عدن وعمالها تحت مبرر عمالتها الكبيرة لا يخدم المصلحة العامة للوطن المنشود، فالمصفاة كانت ولازالت قوية وعملاقه ببنيتها المادية والتحتية التي ذكرناها من سابق، وأثبتت في كل المراحل أنها رقم صعب في إستقرار الإقتصاد الوطني، وتعتبر أحد الأضلاع الثلاثة الذين ترتكز عليهم مدينة عدن إلى جانب الميناء والمطار، أستطاعت قبل أعوام توجيه ضربة موجعة لأزلام النظام السابق وأدواته المختلفة التي كانت تسعى إلى جعلها تنهار ليتم خصخصتها كما تم خصخصة عشرات المصانع والشركات التي كانت ناجحة في المحافظات الجنوبية  وشرد الأف العمال الذين كانوا منتسبين إليها ...

 

نتفق مع من يقول أن هناك أخطاء ومشكلات تحتاج إلى التصحيح والمعالجة في مصفاة عدن ؟؟ ولكن البلد حالياً في وضع حرب مما يصعب  إجراء أي تصحيح في منشآة عملاقة مثل مصفاة عدن لأن ذلك سيتطلب -كما ذكرنا سابقاً- الإستعانة بشركات أجنبية متخصصة في هذا المجال، وهذا غير ممكن في الوقت الحالي لأنه لن تخاطر أي شركة في أرسال خبرائها إلى بلد لازال مضطرباً ويعيش حالة حرب ...

 

كما أن التفكير في بناء مصفاة جديدة ضرب من الخيال في الوقت الحالي للتكاليف الباهضة لمثل هذه المشاريع، وحتى لا نذهب بعيداً لناخذ مشروع بناء مصفاة كربلاء في العراق، الذي جرى توقيعه في 10 مارس الماضي، بلغت تكلفته ستة مليار ونصف المليار دولار، هذا لبناء الوحدات الإنتاجية فقط وبطاقة إنتاجية تصل إلى 140 الف برميل يومياً فقط  أي تقريبا نفس الطاقة الإنتاجية لمصفاة عدن حاليا  التي تصل إلى 140  الف برميل يومياً .

 

نجدد التأكيد على ضرورة مساعدة مصفاة عدن لتستعيد وضعها السابق من خلال تزويدها بالنفط الخام بصورة مستمرة سواء من حقول شبوة وحضرموت أو عبر دول التحالف  حتى يستقر الإقتصاد في عدن وتنتهي مشكلة السيولة النقدية، فالبلد في حالة حرب ومطلوب من الجميع المساعدة في إصلاح المؤسسات القائمة حالياً والتي منها مصفاة عدن وتمكينها من القيام بمهامها بدلاً من مهاجمتها وإطباق الحصار عليها ومنعها من القيام بنشاطها وحتى تتمكن من رفد الإقتصاد الوطني وكذا إصلاح الأضرار التي خلفتها الحرب على منشآتها خاصة وأنها لم تتلقى أي تعويض حكومي جراء هذه الخسائر .

 

والله من وراء القصد  ،،،،