آخر تحديث :الخميس-23 مايو 2024-04:00ص

إقرأ.. يا حِمار!

الثلاثاء - 26 يناير 2016 - الساعة 10:50 ص

عبدالقوي الشامي
بقلم: عبدالقوي الشامي
- ارشيف الكاتب


حُكي عن إمرأةٍ (أميّة) إحتاست بفك الخط، فلجأت الى رجلٍ معممٍ، كان يمتطي حماراً، وبتلهف طلبت منه قراءة رسالة إبنها المهاجر. لكن الرجل اعتذربكونه (أميُّ) هو الأخر. وببراءة بنت القرية تسّْاءَلت المرأة: كيف تضع عمامةً على رأسِك وأنت لا تستيع القراءة.؟

تساؤًلٌ، أستفز الرجل، فما كان منه إلاّ أن قامَ بخلعِ عمامتهِ ليضعها على رأسِ حماره، وهو يردد قائلاً: إقرأ يا حِمار، ما دامت العمائم هي التي تقرأ. وكان رد المرأة بما معناه: لاعليكما فكلنا (حمير).

هذه الحكاية الواقعية التي حدثت في إحدى القرى الفلسطينية، تلخص واقع الحال الذي أوصلنا اليه مشروع وحدة النفق موديل 90م.. ففي الوقت الذي كدنا نقترب فيه من محو أمية القراءة والكتابة قبل العام 86م في قرى الجنوب النائية قبل مدنه، ها نحن اليوم نكاد نقترب من حال تكاد تكون فيه الأمية للجميع.

حال متردية، لم تك صدفة، أو نتاج لتراكم أخطاء فنية، أو لوجستيه، في العملية التعليمية، وإنما كانت إستراتيجية حاكمة، تهدف إدخالنا في سبات عقلي، وشيوع مناخٍ من التخلف العلمي والثقافي، مناخُ يمهدنا للتقاتل والتناحر الداخلي، بما يمكنهم من إذلالنا وبالتالي تركيعنا لإرادتهم.

من التعليقات المتداولة في شبكة التواصل الأجتماعي، فقرة ساخرة تقول: بعد عقدٍ من الزمن إذا قادك حظك العاثر لطبيب أو مهندس إسأله قبلاً: أنت خريج سنة كم؟ فإن أجابك بـ 2015 فأحذر منه، وتنتهي تلك السخرية بالقول: اللهم إني بلغت.. اللهم فأشهد..

هذه السخرية تذكرني بمقولةٍ لزعيم إخوان تونس، الشيخ/ راشد الغنوشي، تقول: "لقد تشكلت أجهزة التلقي في أمتنا على نحوٍ يجعلها لا تستجيب الأ لنداء العلماء".

معطيات أجهزة التلقي، التي قصدها الغنوشي، أثمرت جهلاً محضاً، وحالة من الإبادة الجماعية لكل ما له علاقة بالعلم والثقافة، وفي المقدمة منها المؤسسة التعليمية.. وإذا تأملنا جدول أعمال الجماعة، سنجد إن السيطرة على العملية التعليمية و"لهدفٍ في نفس يعقوب" تأتي في أولى أولوياتهم.

 وبالنتيجة  تحولت المدرسة من محراب للعلم الى ملجأ للنازحين والهاربين، من معطيات تلك الأجهزة التي يعرفها الغنوشي بـ(العلماء) أجهزة تدعوا الى: التخلف بديلاً عن التقدم، والى الموت بديلاً عن الحياة، والى الجهل بديلاً عن العلم حتى أوصلونا الى حالة لم يعد فيها فرق بين من درس وتخرج ومن لم يدرس ولكنه بتفوق تخرج أيضاً.

تحضرني واقعة حدثت بعد احتلال الجنوب في 94م، إذ كنت في زيارة لأحد المعارف وإذا به (طاير) من الفرح كون إبنه الفاشل في (التاسعة الإبتدائية) قد حصل على شهادة الثانوية العامة بتقدير جيد جداً.. حينها لم أتمالك نفسي من هول الصدمة، ليس لإن الولد لم يدرس بعد فشله في إنهاء المرحلة الإبتدائية، وإنما لأن الشهادة كانت معمدة من قبل وزارة الخارجية. والـ(شملول) على حد تعبير أخواننا المصرين ذاهب الى إحدى دول الخليج في عقد عمل يشترط الثانوية العامة.

فمعطيات أجهزة التعليم المعممة بالجهل هو: الهاء الشعب بعملية تربوية مؤدلجة، دون أي مظهر من مظاهر التحصيل العلمي، وبالتالي حشر السواد الأعظم من الشعب، تحت خطي الفقر، والفقر المدقع، بما يجعل الجميع، في دوامة الحاجة لسد الرمق.. وهنا يبرز الدور قليل الخير، للجمعيات الخيرية الموجهة، في تلميع رأس الحكم المعمم.. ومن تحت العمامة تخرج كذلك لحمة العيد، وكسوة العيد، والشنطة المدرسية، وحق إبن علوان، وحق إبن هادي، الى آخره من وسائل الإذلال والمهانة..

 وإتساقاً مع القول المأثور (الجهل ظلام) تجرأ البعض على بيع أنفسهم إما لإرهابي متعطش للدماء أو لسياسي متعطش للمال والسلطة. وهذه هي المعادلة التي تتحكم بنا، منذ أن سلمنا أمرنا لرجل معمم ركب حمار الوحدة، تعشمنا فيه القدرة على قراءة أمآلنا وطموحاتنا ليتضح أنه ومطيته لم يكونا سوى في مهمة شيطانية لنشر الجهل وزرع الفرقة والفتن.