آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-10:52ص

الرغبة في عدم الفهم!

السبت - 19 ديسمبر 2015 - الساعة 09:40 ص

محمد الرميحي
بقلم: محمد الرميحي
- ارشيف الكاتب


أعرف أن المصالح في كثير من الأوقات تتغلب على الحقائق الموضوعية، خاصة في السياسة الدولية، لكن إْن كانت الحقائق ظاهرة للعيان، وتتحدث عن نفسها أمام أنظار العالم، وليس في غرف سياسية مغلقة، فإن تغيير الحقائق وعكسها يدل إما على عدم الفهم، وإما عدم الرغبة في الفهم. 

الأسبوع الماضي تحدث الرئيس فلاديمير بوتين أمام عدد كبير من العسكريين الروس والصحافة، وقال بما لا يدعو إلى الشك إن «روسياُتسلح الجيش السوري الُحر»! كان التصريح خارًجا عن السياق.

بعد ذلك حاولت موسكو أنُتعدل من ذلك التصريح، بإعطاء تفسيرات مختلفة! لكن الأمر بالنسبة للمتابع يشير إلى أن القيادة الروسية إما غيرُمطلعة على مجريات ساحة تخوض فيها حرًبا حقيقية، وإما أنها لا تسمع من الحقائق الموضوعية على الأرض إلا ما تريد أن تسمع.

لو كانت المسألة حادثة غير مكررة لهان الأمر، إلا أن ذلك يذكرنا مرة أخرى بخوض السوفيات حرًبا مشابهة في أفغانستان قبل أكثر من ربع قرن.

وقد ترك لنا المؤرخ السوفياتي (الروسي) ألكسي فاسيليف قصة تشبه قصة بوتين الأخيرة. يقول فاسيليف: «إنه مع بداية الصراع في أفغانستان في نهاية السبعينات من القرن الماضي، أُبلغ وزير الدفاع وقتها بالاحتمالات السلبية الممكن تطورها في ذلك البلد، فقال: (إذا سلحوا الطبقة العاملة الأفغانية)»!! والكل يعرف أنه لا طبقة عمالية في أفغانستان، فجلهم من الفلاحين! إلا أن المقارنة هنا واجبة، فالسيد وزير الدفاع الأسبق ومثله الرئيس اللاحق يبدو أن معرفتهما بالأرض التي يخوضان الصراع فيها يسيرة، إن لم تكن منعدمة، والأخطر أن كلتا الهيكليتين السياسيتين في السابق واللاحق لم توفر من الفرص هامًشا يسمح بأن تقال لها الحقائق كما هي، وإن ضاعت الحقيقة في أي صراع ضاع القرار المناسب الذيُيفترض أنُيتخذ، وُبذرت بذور السفه والفشل السياسي.

على مقلب آخر، نجد أن القيادة الإيرانية والقيادة الروسية كلتاهما متمسكة ببشار الأسد، ليبقى على رأس السلطة في دمشق، وكلتا القيادتين لم تصل إلى الحكم في بلدها إلا بعد أن قام الشعب بالتخلص من شكل من أشكال الديكتاتورية المطلقة والمقيتة، التي كانت في معزل عن شعبها. شاه إيران كان في معزل عن شعبه إلى درجة أن نقل لنا عنه غازي القصيبي، وقد كان المرافق للشاه في زيارته للسعودية: «لو كان محمد رضا بهلوي يعرف عن شعبه ما يعرفه عن صناعة النفط، لكانت الأمور قد تطورت إلى شكل آخر من الأحداث»..

كما لا يعرف السيد فلاديمير بوتين كيف تتغير الأمور من تحت رجليه، لأنه يحيط نفسه برجال يقولون له ما يريد أن يعرف، لا ما يجب أن يعرف، بدليل قوله إنهُيسلح «الجيش الحر»! كيف يمكن إقناع القيادة الإيرانية والقيادة الروسية بأن ما قام به النظام السوري بقيادة بشار الأسد غير مسبوق في التاريخ الحديث؟ حتى نيرون، تقول لنا قصص التاريخ إنه أحرق جزًءا من روما، وكان بعض قادته من الحصافة بأنهم لم يلحقوا الضرر بكثير من تلك المدينة.

بشار أحرق معظم مدن سوريا وبلداتها، في عصر لاُتنقل فيه الأخبار بالسماع، ولكن تنقل من خلال كاميرات مقربة، تتابع هذه المحرقة الإنسانية