آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-02:37ص

صنعاء... حزب الإصلاح ومنطق محاباة القوة

الإثنين - 01 ديسمبر 2014 - الساعة 08:55 م

ميساء شجاع الدين
بقلم: ميساء شجاع الدين
- ارشيف الكاتب


حزب الإصلاح التحالف القبلي – الإخواني- السلفي والرقم الأقوى في المعادلة السياسية اليمنية حتى شهور مضت تلاشى كذرة ملح في ماء، هكذا بمنتهى البساطة رغم كل مقومات القوة التي يمتلكها الحزب ولا تحظي بها أي قوة سياسية إخوانية بالمنطقة.

آثر الحزب التراجع بكل مكوناته العسكرية سواء من خلال حضوره بالجيش اليمني أو ميلشياته التابعة لجامعة الإيمان في قتال الحوثيين بصنعاء، لأنه شعر بميزان القوة العسكرية ليس لصالحه. كذلك اعتقاده إن هناك موجة إقليمية ودولية معادية لحركة الإخوان اكبر منه سواء من دول الخليج بسبب قلقها من الربيع العربي أو دولياً بسبب التقارب الغربي الأخير مع إيران على خلفية مكافحة الإرهاب، لذا قرر الانحناء للعاصفة، وهو قرار يبدو تكتيكي وعملي لكنه في الواقع يعبر عن أزمة داخلية بحكم الطبيعة السلطوية للحزب ومحاباته للقوة.

مع الحوثيين

فهو لم يكتف بموقف المتفرج للتوسع الحوثي بل تصرف احيانا بتواطؤ حيث دخل بوساطات لوقف القتال بين الحوثيين والقبائل، مثلما جرى في مديرية يريم بمحافظة إب، وهي وساطة تصب لصالح الحوثيين لأنهم واجهوا مأزق حرج في محافظة إب عندما انفتحت ضدهم أكثر من جبهة، وبالطبع شعرت القبائل بالخديعة لأنه حسب الاتفاق كان يفترض أن ينسحب الحوثي ليحل محله الحرس الجمهوري لكن ما حدث كان التفاف على الاتفاق ودخل الحوثيون بغطاء من الحرس الجمهوري.

هذا التراجع للحزب يتعلق بطبيعة الاحزاب اليمنية التي ترتبط بالسلطة وتنتكس عند الابتعاد عنها مثل حالة حزب البعث العربي بعد خروج الرئيس الإرياني عن الحكم عام 1974 ثم الحزب الناصري بعد مقتل الرئيس الحمدي عام 1977 واخيراً الحزب الاشتراكي بعد هزيمته اثر حرب 1994.

انتهازية الموقف

حضور حزب الاصلاح بالسلطة أمر له علاقة بتقسيمات الحرب الباردة بين شطري اليمن قبل الوحدة بثمانينات القرن الماضي، كان الإصلاح شريك الرئيس صالح في الشطر الشمالي باليمن لمحاربة الشيوعية وخطرها بينما كانوا مضطهدين بالشطر الجنوبي يفرون للشمال.

لهذا كان للإخوان حضورهم القوي داخل المؤسسات التعليمية والأمنية والعسكرية وكذلك في الحزب الوحيد وهو الحزب الحاكم حزب المؤتمر الشعبي العام ، حيث كانوا رأس الحربة في مواجهة اليسار. وبعد الوحدة عام 1990 واعلان التعددية الحزبية تأسس حزب الإصلاح حسب اعترافات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بموجب اتفاق مع الرئيس علي صالح ليرفع سقف المعارضة ضد الحزب الاشتراكي لأن الرئيس صالح شريكهم بالوحدة.

بالطبع لعب الحزب دور جوهري في هزيمة الحزب الإشتراكي بحرب 1994 لكن بعد ما اصبح الاخوان كيان سياسي مستقل ورحيل شبح اليسار بدأ الرئيس صالح التخلص منهم للانفراد بالحكم وهكذا سعي للفوز بهيمنة في انتخابات مجلس النواب عام 1997 حتى ينفرد بتشكيل الحكومة، لكن اللافت إن الخلاف بين الرئيس صالح والحزب ظل محصوراً بالإعلام وكوادر حزب الإصلاح، بينما ظلت القيادات في حالة ود حقيقي مع صالح خاصة مع اشتراك المصالح الاقتصادية اضافة للارتباطات القبلية.

لم يتغير الوضع وتتصاعد الأزمة السياسية إلا عندما بدأ سيناريو التوريث عام 2001م مما اغضب قائد الجيش علي محسن وحلفاء صالح القبليين بالحزب مثل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر حيث قاد ابنه حميد حملة المعارضة ضد الرئيس صالح في انتخابات الرئاسة عام 2006.

الملاحظ إن الحزب لم يدخل في صراع ضد الرئيس صالح بسبب فساده وتدهور الاوضاع الاقتصادية حيث لم يشارك الحزب في كل الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت الشارع اليمني بسبب غلاء الاسعار في اعوام 1992 و 1997 و2003، بل بسبب مشروع التوريث الذي ازعج مراكز القوى المقربة من السلطة. أي إن الحزب يرتب أولوياته حسب قياداته وليس حسب مصالح كوادره وتوجهاتها الأقرب لبقية ابناء الشعب اليمني.
        

إخواني قبلي

من المهم هنا معرفة إن حزب الإصلاح يتمتع بميزة قوية وهي ارتباط كوادره بالمجتمع اليمني، بشكل يغاير معظم الحركات الاخوانية بحكم طبيعتها المغلقة وهيكلها التنظيمي الذي يحرص على بناء مجتمع داخلي مصغر ومنعزل. هذا له علاقة بالطبيعة المحافظة للمجتمع اليمني المتسقة مع طبيعة الجماعات الدينية المحافظة اجتماعياً وكذلك لأن الحزب لم يعان من اضطهاد دفعه للتقوقع على ذاته.

اضافة لطبيعة النسق الاجتماعي القوي والمتسع في اليمن سواء من خلال القبيلة أو الأسرة الممتدة مما يحافظ على روابط الكادر الإخواني ببقية المجتمع دونما عزلة ضمن الأسرة الصغيرة – الإخوانية بالغالب- وهكذا تظل رابطته الأسرية الأصلية قوية رغم فكرة تكوين الأسر داخل جماعة الإخوان بهدف تقوية ولاء الافراد للجماعة بشكل انساني وشخصي ليس فقط سياسي.

هذه الميزة الاجتماعية لم يستثمرها الحزب في التعامل مع أي حراك شعبي أو حتى التحرك في اطار أي تحرك شعبي بدون رغبة هيمنة كما اتضح بقوة في ثورة عام 2011م حيث اتجه الحزب للسيطرة على ساحة التغيير وادارتها أمنياً خاصة بعد انضمام الجنرال علي محسن للثورة، حيث اعتدى جنوده على ناشطات في الساحة واقامت عناصر الحزب سجناً حيث كانت تلقي القبض على من يخالفونها. هذه التصرفات نفرت بقية العناصر الحزبية والمستقلة من حزب الإصلاح الذي عوضاً عن التعويل على الحراك الشعبي لإسقاط النظام، قرر استخدام هذا الحراك كورقة ضغط ليس إلا وبشكل يتناسب مع مراكز القوى التقليدية المتحالفة معه مثل علي محسن وآل الأحمر لكي يسقطوا الرئيس صالح وأسرته أي مشروع التوريث وليس نظام صالح بكل مكوناته السياسية الفاسدة والتي تشكل قيادات الحزب أحد مكوناتها.

بعد الثورة استمر الحزب في نظرته للقوة كسلطة بما فيها من مال وسلاح وربما مشيخة وليس للشعب ولم يكترث لسخط الجماهير بسبب تحيزه الواضح والصريح لمصالح هذه القيادات، فهو يدعو لعودة سلطة الدولة بمحافظة صعده بينما يغض الطرف عن ميلشيات ال الأحمر في بعض احياء العاصمة، ويتحدث عن هيكلة الجيش وتوحيده لكنه يخشى المساس بنصيبه من الجيش الموالي لحليفه علي محسن.

وأكثر ما أضر به هو رفعه لسقف التوقعات الجماهيرية بحديثه عن محاربة الفساد لكنه لم يفعل شيء بهذا الخصوص وهذا طبيعي بحكم ارتباط بعض قيادات الحزب بشبكة الفساد الواسعة بالبلد، كما لم يحقق الحزب أي خطوة حقيقية نحو العدالة الانتقالية بسبب مشاركته بحرب 1994 وغيرها .

طبيعة لا ديمقراطية

هذا له علاقة بالطبيعة اللاديمقراطية لتنظيم حزب الاصلاح حيث تحتكر قيادته مجموعة من السياسيين لم يتغيروا منذ تأسيسه عام 1990م، كما لا يوجد تواصل طبيعي مع الكوادر التي تربيت على مفاهيم الولاء والطاعة وليس مجرد الالتزام الحزبي.

لذا صعود الحوثيون هو نتاج طبيعي للمأزق الداخلي للحزب السلطوي في زمن متغير ضمن حراك شعبي واسع حيث لم تستطيع قياداته الانفتاح على كوادر حزبهم، ناهيك عن بقية القوى السياسية والشرائح الاجتماعية المختلفة ، وظلت أسيرة نمط عملها التقليدي الذي لم ينظر للحراك الشعبي بل للصراع على السلطة.

وضمن هذا الصراع على السلطة نجح الحوثيون في استثمار اخطاء حزب الإصلاح والتحالف مع اعدائه على الاخص علي صالح، كما رجحت له كفة موازين القوى بسبب تغير الوضع الاقليمي، اضافة إلى طبيعة الحوثي كقوة شابة صاعدة في مواجهة قوة تعاني من شيخوخة في القيادة والتفكير.

 

* نقلاً عن " ميدل إيست اونلاين"