آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-02:26م

أخبار وتقارير


توابع الأزمة والتسوية السياسية في اليمن يدفع ثمنها الفقراء

الجمعة - 16 مارس 2012 - 01:20 م بتوقيت عدن

توابع الأزمة والتسوية السياسية في اليمن يدفع ثمنها الفقراء
ألقت الأزمة السياسية بظلالها على الوضع الإنساني، وتزيد مخاوف الناس يوما عن يوم، من اندلاع حروب صغيرة وأعمال عنف، كما يخافون الفوضى والاضطرابات

دار الخليج

 

يواجه اليمن أزمات مزدوجة وشديدة التعقيد، فاستمرار التوتر السياسي والتدهور الاقتصادي والانفلات الأمني، ينذر بكارثة إنسانية . فقد شهد العام الجاري اتساع المأساة الإنسانية نتيجة المواجهات المسلحة بين الجيش وتنظيم القاعدة في محافظة أبين، جنوبي البلاد،والقتال في صعدة (شمال) وفي حجة (شمال غربي البلاد)، بين جماعة الحوثي وقبائل من التيار السلفي .

 


وأجبرت المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية ومسلحي القاعدة عشرات الآلاف من سكان أبين على النزوح إلى مدينتي عدن ولحج، حيث يعيشون ظروفاً قاسية، ولا يجدون الطعام الذي يسد رمقهم . وفي الشمال نزح الآلاف بسبب القتال الدائر في محافظة حجة، ولا يزال عشرات الآلاف من نازحي صعدة يعيشون في مخيمات معتمدين على المساعدات ولا يستطيعون العودة إلى بيوتهم .

 


ووفقاً لتقارير دولية فإن الاشتباكات المسلحة في مختلف مناطق اليمن أسفرت عن ارتفاع ملحوظ في عدد الضحايا (1500 قتيل وأكثر من 20000 جريح)، كما أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان (حيث ارتفع عدد النازحين إلى أكثر من 000 .460 شخص، ودخل في عداد النازحين داخلياً خلال الشهر الماضي حوالي 000 .144 شخص)، فضلاً عن ذلك أدت الأزمة السياسية إلى توقف حركة النشاط التجاري والاقتصادي في البلاد، وسرحت مصانع القطاع الخاص آلاف العمال والموظفين، ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة .


وحذر برنامج الأغذية العالمي من انعدام الأمن الغذائي في اليمن والذي بلغ فيها مستويات تنذر بمجاعة في ظل تقديرات إحصائية بعدم قدرة نحو خمسة ملايين نسمة على إنتاج أو شراء الغذاء . وقال بيان أصدره البرنامج إن معدلات الجوع تشهد تزايداً في اليمن بينما بدأت ظاهرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالتزايد والتي تلقي بآثارها على العديد من العائلات، موضحاً أن دراسة أجريت بالتعاون مع “اليونيسيف” كشفت معاناة 22 في المئة من اليمنيين من الانعدام الحاد في الأمن الغذائي .


ويؤكد مسؤول في الأمم المتحدة أن “نحو أربعة ملايين نسمة سيتضررون من جراء الأزمة في اليمن في 2012 وسيحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة” . وقال ينز تويبرغ فرانزن، منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، إنه “رغم التطورات السياسية البارزة في اليمن مازال كافة اللاعبين الرئيسيين يتوقعون أن تتدهور الحاجات الإنسانية أكثر خلال الشهور ال12 القادمة” .


وتواصل المنظمات الدولية إطلاق نداءات لتفادي كارثة إنسانية وشيكة في اليمن، حيث حذرت صندوق الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” من تفاقم أزمة سوء التغذية في أوساط أطفال اليمن، خصوصا مع ارتفاع الأسعار التي رافقت الأحداث الأخيرة، مقدرة نسبة الذين يعانون فعلاً من سوء التغذية بنحو (705000) طفل بينهم (500) ألف طفل يواجهون خطر الموت أو التعرض للإعاقة العقلية والجسدية .


وتعتبر مؤسسات مهتمة بالطفولة، أن التداعيات السلبية للصراعات السياسية باليمن، تؤثر بشكل مباشر في الأطفال، وقالت منسقة حالات الطوارئ في اليونيسيف، هيلين قادي، إن “أعمال العنف كان لها أثر على الأطفال، مائة وثلاثة وثمانون طفلا قتلوا وثلاثمائة جرحوا وملايين آخرون يعانون نفسيا من الخوف أصبحوا بشكل مباشر أو غير مباشر شهدوا على أعمال العنف” .


وحذرت منظمة الاغذية والزراعة “فاو”، من حدوث فجوة غذائية في اليمن، ودعت إلى توفير الغذاء ل 5 .3 مليون نسمة يعانون من أزمة غذاء . واعتبر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن معدلات سوء التغذية في اليمن ما زالت مثيرة للقلق .


ووفقاً لوكالات الأمم المتحدة المتخصصة، فإن نحو 750 ألف طفل يعانون من سوء التغذية، ونصف مليون طفل يواجهون خطر الموت ما لم يتم توفير المساعدات اللازمة” .


وتزداد الأوضاع الإنسانية في اليمن تدهوراً، وقد تصبح مأساوية إذا استمر تجاهل الحكومة اليمنية للأزمة الإنسانية التي تستفحل كل يوم .


وعبر ممثل اليونيسيف في اليمن جيرت كايبلري، عن استغرابه لعدم معرفة المسؤولين اليمنيين لحجم المشكلة في بلادهم، فيما عبرت المديرة الإقليمية لمنظمة اليونيسيف ماريا كاليفس، عن مخاوفها من تصدر الملفات السياسية والأمنية قائمة أولويات حكومة الوفاق الوطني في اليمن على حساب الأزمة الإنسانية التي لا تجد الاهتمام المطلوب .


الخياطي . . نموذج لكارثة قائمة


سليمان عبدالله (48 عاماً)، واحد من المواطنين اليمنيين الذين أثرت فيهم الأزمة القائمة في البلاد، فقد كان الرجل يملك معملاً للخياطة ومعرضاً لبيع الملابس، يقع محله عند تقاطع شارع الزبيري “تحت سيطرة قوات موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح” وشارع هائل “تحت سيطرة قوات الفرقة المنشقة عن نظام صالح” .


كانت أعماله وتجارته مزدهرة، وكان يفكر بالتوسع وإضافة ماكينات جديدة لتغطية الطلب المتزايد . يقول الخياطي: “مع انطلاق الثورة ضد نظام صالح مطلع العام ،2011 تراجعت حركة البيع والشراء قبل أن ندخل مرحلة ركود وتتوقف أعمالنا تماماً” . أدى هذا التوقف إلى تسريح عمال المحل وعددهم ثمانية، كل عامل يعيل أسرة كاملة، يشرح الخياطي بألم كيف تخلى عن عمال يعرف جيداً أن أطفالهم وأسرهم يعتمدون عليهم بشكل أساس لكي يعيشوا مستورين، ويقول: “حينها كان الأهم هو سلامة أرواحنا وأن لا نذهب ضحايا لرصاص طائش في مواجهات عبثية لا طائل منها” .


خمسة أشهر بدون عمل، استنفذت كل مدخراته، ليعود بعدها باحثاً عن عمل، واليوم، المعلم صاحب ال 20 سنة من الخبرة في مجال الخياطة، يعمل خياطاً بالأجر اليومي في أحد محلات الخياطة التي استمرت لكونها بعيدة نسبياً عن مناطق الصراع الساخنة .


آلاف اليمنيين اختبروا أياما قاسية كتلك التي يمر بها الخياطي، عشرات الآلاف عاشوا ظروفاً قاسية بسبب الركود التجاري والاقتصادي، وقد تحملوا المعاناة بصبر كبير، حرموا أنفسهم من كل شيء ومعظم الأسر كانت تعيش على وجبة واحدة فقط في اليوم .


عقاب جماعي


فوق ذلك عانى الناس كثيراً من سياسة العقاب الجماعي التي حولت حياتهم إلى كابوس، لقد عاش السكان في العاصمة صنعاء كمثال، أسوأ فترات حياتهم طوال العام الفائت، مع انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وعدم توفر المياه وانعدام المشتقات النفطية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهناك أزمة مياه، والمواطنون يضطرون لشراء الماء بأسعار مرتفعة لأن المياه الحكومية لا تصل منازلهم إلا مرة واحدة كل ثلاثة أشهر، وفي مناطق عديدة لاتصل أبداً .


خلت العاصمة لشهور من الحركة، توقفت الأعمال، ولازم الناس منازلهم، في حالة انتظار وترقب دائم، حاول السكان التكيف مع الوضع، لكن المعاناة اليومية فاقت كل احتمال .


في مدينة تعز حيث تعرضت المدينة لقصف عنيف، عاش الناس أياماً صعبة، وأصبح الوضع الإنساني كارثياً .


لقد ألقت الأزمة السياسية بظلالها على الوضع الإنساني، وتزيد مخاوف الناس يوما عن يوم، من اندلاع حروب صغيرة وأعمال عنف، كما يخافون الفوضى والاضطرابات، ويضحي الناس بوظائفهم وأعمالهم ويعيشون أوضاعاً قاسية، مقابل بقائهم على قيد الحياة .

*من فاروق السامعي