وردت هذه النثرية في مقدمة الطبعة الأولى لديوان الشاعر الأمير القمندان :" الأغاني اللحجية" الصادر عن مطبعة الهلال ــ عدن عام 1938م ، والذي وسّعه وأسماه:"المصدر المفيد في غناء لحج الجديد" وصدر عن مطبعة فتاة الجزيرة ـ عدن عام 1943م.
هل أتاكم نبأ الخزائن المطلسمة المخفية ، والدفائن المحروسة المحمية؟ أدريتم كيف استولى عليها الجان ، وأخفاها عن الإنسان. هل سمعتم عن خزائن (الرعارع)، وعن الريالات المربعة، والصناديق المسلسلة وأنها من آثار آبائنا الكبار الذين ننعتهم بالكفار ، ولا نحزن بخلودهم في حريق النار ، وعذاب الأدهار؟! نحتقرهم ونكفرهم ونتمنى لو يسمح لنا القضاء والقدر بشيءٍ من ذخائرهم المجوهرة، وذهبانهم المجمهرة، وأساطيرهم المبعثرة التي طلسمها الجان وأخفاها الشيطان .. فمن يا ترى هؤلاء الجان المتغلبون على خزائن آبائنا ، ودفائن أجدادنا ، عاد وارم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد.
أيها الجان الموجود المعدوم ، المعروف المجهول ، الساكن في الهواء والجلاء ، أفما آن الأوان وسمح الزمان أن تكشف لنا يا أيها الجان عن تلك الآثار لنقرأ فيها أساطير آبائنا الأولين فتتجلى عظمة القحطانيين قائلة: إن آثارنا تدل علينا، فانظروا بعدنا إلى الآثار؟
أي أيها الجان ، إن كنت أخفيت الخزائن ، وسترت الدفائن ، طلسمت وعميت ، فقد جنيت على نفسك وفضحت أمرك ، فأنت الجهل. الجهل إذن هو الجان ، والطلسمات، والشيطان له دولة وصولة وأنصار أقوياء يشهرون السيوف، ويقطعون الرؤوس لحمايته، يعتلون المنابر ، يتعصبون للضلالة ويحاربون الهدى ، ويتأولون للسخافات. عدو الجهل عندهم كافر ، خاسر ، ملحد ، ضال ، مضل ..!
ـــــــــــــــــــــــ
الكاتب: الشاعر الأمير أحمد فضل بن علي محسن العبدلي الملقب بـ (القمندان) (1885 ــ 1943). ولد في مدينة الحوطة محافظة لحج ـ اليمن، هو أبو الغناء اليمني ورائده في كل جزيرة العرب بلا منازع. شاعر عامي فحل، وكاتب مجيد ومؤرخ ثقة. كتب الشعر العامي فتسلل إلى قلوب الناس إذ وجدوا في أغانيه تعبيراً عن مشاعرهم وما تلتهب به أفئدتهم من لواعج الغرام. غلبت على شعر الأمير بساطة المزارع وفرحة الفلاح ؛ فالأرض والزرع والخضرة والريحان هي غاية متعته، بل كانت المرأة وسيلته للتمتع بالفاكهة والرياحين أو مكملاً ضرورياً لذلك.
ترك الأمير القمندان ديوان شعر عنوانه: "الأغاني اللحجية" صدر عن مطبعة الهلال ـ عدن عام 1938م ، ثم وسّعه وأسماه:"المصدر المفيد في غناء لحج الجديد" وصدر عن مطبعة فتاة الجزيرة ـ عدن عام 1943، ثم عن دار الهمداني ـ عدن مرتين في 1983و1989م، وفي بيروت عام 2006 . وفي التاريخ ترك كتاب "هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن"(ثلاث طبعات)، وله أربع مقالات:"فصل الخطاب في تحريم العود والرباب" و"لمن النصر اليوم: لسبول الذرة أم لطبول المجاذيب؟"و"الخزائن المطلمة"و "وداع بيت على أكبار"، يجادل في الأولى السيد الحضرمي صاحب كتاب "رقية المصاب بالعود والرباب" ، ويدعو في الثانية والثالثة إلى التخلي عن الشعوذة وخرافات القرون الوسطى والسير نحو العلم والعمل والتحرر، وفي الرابعة يودع داراً استئجرها من هندي بعدن إبان الإحتلال العثماني للحج في الحرب العظمى. زاره الأديب الكبير امين الريحاني في لحج وأسماه في كتابه (ملوك العرب):"شاعر لحج وفيلسوفها" ووصفه بـ"سلك الكهرباء في لحج".