آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

دولية وعالمية


المناعة الفكرية....احتمالات الانشقاق في صفوف الإخوان المسلمين بمصر

الخميس - 05 سبتمبر 2013 - 10:40 ص بتوقيت عدن

المناعة الفكرية....احتمالات الانشقاق في صفوف الإخوان المسلمين بمصر
الفرد الإخواني بعد اقتناعه بالميثاق الفكري لجماعة الإخوان المسلمين, ليست لديه القدرة أو حتى الرغبة في الخروج من الجماعة، وإذا فعلها يكون خروجه كمن يخرج من جلده، فلا يخرج غالبًا إلا بقطيعة وصدام عنيف بقدر العنف الذي يولده إحساس الإنسان بالرفض للمجتمع الذي نشأ به، وهو رفض لا بد أن يكون متبادلا!.

(عدن الغد)متابعات:

كتب / علي بكر

إن الأزمة الحالية التي تمر بها جماعة الإخوان المسلمين، هي أخطر الأزمات التي مرت بها الجماعة على الإطلاق, لأنها تهدد كيان الجماعة وفروعها المنتشرة في العديد من الدول, الأمر الذي ظن معه الكثيرون أن الجماعة على وشك الانهيار، وأن الانشقاقات سوف تتوالى داخل الجماعة، وهو ما لم يحدث، رغم أن الظروف الحالية تدفع في هذا الاتجاه، لكن يبدو أن المناعة الفكرية لدى الأفراد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين عالية بدرجة كبيرة؛ حيث تبدو قدرة الجماعة فريدةً في الاحتفاظ بتماسكها الداخلي، ومواجهة خطر الانشقاق، على الأقل مقارنةً بالأحزاب والتنظيمات السياسية وحتى الأيديولوجية الأخرى، وذلك يعود إلى تحصين الجماعة لمنهجها من الناحية الفكرية والفقهية والشرعية لدى أفرادها.


جماعة الإخوان.. الأقل انشقاقا والأكثر تنظيما
    
ورغم وجود مناعة فكرية عالية لدى أفراد جماعة الإخوان المسلمين، فإن ذلك لم يمنع حدوث انشقاقات داخل الجماعة، بدأت مع انشقاق الرجل الثاني في الجماعة بعد مؤسسها الشيخ حسن البنا، وهو أحمد السكري، ومرورًا بحالات انشقاق أخرى مثل حالة الانشقاق التي حدثت في عهد مرشدها الثاني حسن الهضيبي، وقد بدأت بخروج عدد من قادة النظام الخاص رفضوا قيادة المرشد ودبّروا لإقالته، كما عانت الجماعة انشقاقًا فكريًّا وليس تنظيميًّا أثناء محنة تنظيم 1965، بعد انشقاق عدد من أفراد الجماعة بعد تأثرهم بأفكار سيد قطب، وانتهاجهم النهج التكفيري. وفي عقد التسعينيات لم يستطع البناء التنظيمي القوي والمتماسك منع انشقاقات تنظيمية مؤثرة كان أهمها خروج ما يزيد على المائة من إخوان جامعة الأزهر واستقلالهم عن الجماعة.

وفي بداية عهد مرشد الجماعة الخامس "مصطفى مشهور" شهدت الجماعة انشقاقًا تنظيميًّا مدويًا، وهو خروج مجموعة كبيرة من جيل الوسط بقيادة أبو العلا ماضي ومحمد عبد اللطيف وصلاح عبدالكريم، وهم الذين تبنوا مشروع حزب الوسط. ثم شهدت الجماعة في الفترة التالية لذلك انشقاق عدد من الرموز المعروفة في الإخوان، من أمثال كمال الهلباوي، ومختار نوح، وثروت الخرباوي.
    ولكن رغم كل حالات الانشقاق السابقة، تبقى جماعة الإخوان التنظيم الأقل انشقاقًا، والأكثر قدرة على الحفاظ على تماسكه التنظيمي في مواجهة التحديات، وذلك يرجع إلى أن المناعة الفكرية لدى الأفراد ساهمت كثيرًا في الحد من آثار هذه الانشقاقات وتداعياتها.

ويقصد بالمناعة الفكرية قوة "التأسيس المنهجي للجماعة من الناحية الفكرية والفقهية، بحيث تصبح الجماعة مردافًا للإسلام, والإسلام مرادفًا للجماعة". وبالتالي فإن أي خروج عن الجماعة يمثل خروجًا على الإسلام. وقد مثل هذا التأسيس المنهجي حماية كبيرة للجماعة من آثار الانشقاقات والانقسامات، لذلك أنتجت الجماعة تراثًا عريضًا من الأدبيات التي تؤسس لوجوب العمل مع الجماعة، والحفاظ عليها من الاختلاف أو الانقسام، حيث أسقطت جماعة الإخوان على نفسها كل النصوص الدينية التي تتعلق بوحدة جماعة المسلمين، ورفض فرقتها، وتؤكد مبدأ السمع والطاعة لقيادتها، وعدم الخروج عليها، بحيث صارت محمية شرعًا وفكرًا بكل الحمايات الدينية التي كانت لجماعة المسلمين، كما صاغت الجماعة عددًا آخر من الأدبيات التي تُعلي من شأن البقاء فيها، وتنال من فكرة الخروج عليها أو منها.

ملامح المناعة الفكرية عند الإخوان:

يوجد عدد من السمات التي توضح شكل المناعة الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تعتبر إحدى السمات الواضحة للجماعة في أوساط الحركات الإسلامية والسياسية، ومن أهم هذه المؤشرات:

مناهج الإخوان ومقرراتهم التربوية وأدبياتهم المتواترة ممتلئة بنصوص شرعية تؤكد على أهمية البيعة للمرشد، وحرمة الخروج على الجماعة، مثل الأحاديث النبوية: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"، و"يد الله مع الجماعة"، و"عليكم بالجماعة"، و"اسمعوا وأطيعوا ولو تولى عليكم عبد حبشي"، و"من أطاع أميري فقد أطاعني". وتم توظيف ذلك في التأسيس لبناء الجماعة أولا، وفي ضمان استمراريتها دون الخروج عنها تاليًا.

كما صاغت الجماعة عددًا آخر من الأدبيات التي تُعلي من شأن البقاء فيها، وتنال من فكرة الخروج عليها أو منها، فقيمة الأخ مهما علت في التزامه الجماعة (الجماعة به وبغيره وهو بها وليس بغيرها)، وإذا فكر في الخروج فإن (الجماعة تنفي خبثها).

الفرد الإخواني بعد اقتناعه بالميثاق الفكري لجماعة الإخوان المسلمين, ليست لديه القدرة أو حتى الرغبة في الخروج من الجماعة، وإذا فعلها يكون خروجه كمن يخرج من جلده، فلا يخرج غالبًا إلا بقطيعة وصدام عنيف بقدر العنف الذي يولده إحساس الإنسان بالرفض للمجتمع الذي نشأ به، وهو رفض لا بد أن يكون متبادلا!.

صمود جماعة الإخوان المسلمين ولعقود في وجه الأزمات أو الانشقاقات التي حدثت على مدار تاريخها الطويل، ورغم هذه الانشقاقات فإنها لم تستطع أن تهدم بنيان الجماعة، بسبب المناعة الفكرية العالية لأفرادها، والتي عصمتهم من الانجراف خلف هذه الانشقاقات.

الأزمة الحالية واحتمالات انشقاق الإخوان:

إن الأزمة الحالية التي تمر بها جماعة الإخوان المسلمين تختلف عن كل الأزمات السابقة التي مرت بها الجماعة من قبل، حيث إن الجماعة لأول مرة في تاريخها تجد نفسها في مواجهة قطاعات عريضة من الشارع, بخلاف الأزمات السابقة التي كانت تجد نفسها فيها في مواجهة النظام, مما كان يخلق تعاطفًا شعبيًّا معها، لاعتقاد الناس أنهم مظلومون (فكرة المظلومية), لذلك فإن الأزمة الحالية ستترك عددًا من التداعيات الخطيرة التي سوف تؤثر على تماسك الجماعة ووحدتها، منها:

(*) الأزمة الحالية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن هناك انفصالا كبيرًا عند الجماعة بين الشعارات والتطبيق، وخاصة لدى القيادات، وقد ظهر ذلك جليًّا بعد القبض على بعض قيادات الإخوان, وفي ظل هذا الانفصال سيبدو أن من الصعب أن تلعب المناعة الفكرية دور حائط الصد في الحفاظ على بنيان الجماعة دوت تصدعات أو انشقاقات.

(*) كما أن التطورات الأخيرة على الساحة, وخاصة فيما يتعلق بصدام الإخوان مع الدولة, ستؤدي لا محالة إلى الإطاحة بالقيادات الحالية في الجماعة, الذين أدخلوا الجماعة في هذا النفق المظلم, بحيث أصبح بقاء الجماعة واستمرارها في مهب الريح، مما سيجعل الكثير من أفراد الجماعة يعيدون النظر في مسألة "قدسية القيادة", مما سيمهد الطريق أمام الإطاحة بهذه القيادات، وظهور قيادات جديدة, مما سينتج عنه حدوث انشقاقات في صفوف الجماعة في الفترة المقبلة نظرًا للانقسام حول هذه التيارات.

(*) التجربة الأخيرة ستفرض على الجماعة لا محالة مراجعة أفكارها، وهذه المراجعة سيتبعها خروج العديد من أفراد الجماعة، فمن المعروف في تجارب المراجعات الفكرية أن المراجعات تتبعها خلافات ثم انشقاقات.

وأخيرًا، فإن من الواضح أن المناعة الفكرية للجماعة لن تصمد طويلا أمام الأزمة الحالية، خاصة وأن الجماعة تتعرض لهجمات فكرية شرسة، من قبل الدولة من ناحية، ومن قبل التيارات الإسلامية المعادية للإخوان من ناحية أخرى، حيث تحمل الجماعة مسئولية تردي أوضاع الحركة الإسلامية، وكراهية قطاعات من الشارع لها، وبالتالي، فالمناعة الفكرية ربما تنهار في الفترة الحالية، مما قد يؤدي إلى حدوث شروخ وتصدعات في بنيان الجماعة في الفترة القادمة.

عن/ المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية