آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-08:54م

دولية وعالمية


ما بعد (الكيميائي)...كيف تشن الولايات المتحدة حربًا ضد الأسد؟

الأربعاء - 28 أغسطس 2013 - 04:20 م بتوقيت عدن

ما بعد (الكيميائي)...كيف تشن الولايات المتحدة حربًا ضد الأسد؟
الأسلحة الكيميائية وحدها لا تصلح أن تكون سببًا للجوء للقوة، بحسب كوردسمان، فالولايات المتحدة غير قادرة على تحديد مخازن تلك الأسلحة، وبالتالي تدميرها، فضلا عن احتمالية أن يكون الأسد قد قام بإعادة نشر وإخفاء تلك الأسلحة. ويفترض الكاتب قدرة الولايات المتحدة، بطريقة ما، على تدمير الأسلحة الكيميائية، غير أن الدور العسكري سيكون هامشيًّا، علاوة على أن الأسلحة التقليدية تخلف جروحًا منظورة لا تخلفها الأسلحة الكيميائية.

(عدن الغد)متابعات:

  كتب/ أنتوني كوردسمان

يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها صاروا قاب قوسين أو أدنى من التدخل العسكري في سوريا، في أعقاب تصريحات وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا المؤكدة لاستخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وهو ما يراه ورطة أو مأزقًا وضع الجميع أنفسهم فيه، في مراهنة على دقة تقديرات كل طرف للموقف.

فمن ناحية أعلن الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" عن خط أحمر تتدخل الولايات المتحدة بموجبه عسكريًّا في سوريا حال تخطيه، وهو استخدام "السلاح الكيميائي"، اعتقادًا منه أنه بوضع هذا الشرط فإنه يكون قد اتخذ موقفًا أخلاقيًّا يُحسب للولايات المتحدة وإدارته من جهة، وسيعمل الأسد على عدم تخطيه من جهة أخرى، خصوصًا أن الولايات المتحدة عملت جاهدة لفترة طويلة لتجنب التدخل العسكري، أو دعم قوى المعارضة المسلحة لأسباب تتعلق بطبيعة القوى المسلحة على الأرض في سوريا، فضلا عن الكُلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمثل هذا التدخل.

وعلى الجانب الآخر؛ يبدو أن "بشار الأسد" قد راهن على صعوبة اتخاذ أوباما قرارًا بالتدخل في بلاده في ضوء رفض غالبية الشعب الأمريكي التدخل العسكري، فضلا عن أن الكونجرس الأمريكي بتركيبته الحالية لن يكون داعمًا قويًّا لأوباما في هذا السياق، وعليه يكون بشار الأسد قد راهن على إحراج الولايات المتحدة وحلفائها. هذا فضلا عن الدعم الروسي لنظام بشار الأسد عسكريًّا وسياسيًّا على المستوى الأممي، بيد أن تصريحات وزير الخارجية الروسي بأن "روسيا لن تقاتل دفاعًا عن دمشق" قد يبدد من آمال الأسد.

وفي هذا السياق؛ يطرح "أنتوني كوردسمان"، المحلل العسكري وأستاذ كرسي أرليج بورك في الشئون الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، رؤيته في مقال بعنوان "How to Wage war Against Assad"، في موقع "Real Clear World".

ويناقش المقال فكرة أساسية تتعلق بالتدخل الأمريكي في سوريا رغم تأخره، حيث لا يجب أن يستهدف الأسلحة الكيميائية فقط، بقدر ما يستهدف إنهاء معاناة واحتراب وقهر السوريين، وخدمة مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في نفس الوقت. بعبارة أخرى يرى الكاتب أن التدخل العسكري يجب أن يرتكز على عاملين أساسيين؛ الأول: يتعلق بخدمة المصالح الاستراتيجية الأمريكية، أما العامل الثاني: فيتعلق بتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب السوري.

توقيت متأخر

يعتقد "كوردسمان" أن الولايات المتحدة قد ضيعت التوقيت المناسب للتدخل في سوريا عندما كانت المعارضة المسلحة "المعتدلة" في موضع قوة، وفي ظل ضعف نظام الأسد، الأمر الذي كان من شأنه إزاحة الأسد، وتجنب تقسيم سوريا وفقًا للخطوط الطائفية والعرقية.

ويضيف الكاتب أن سوريا الآن أضحت أكثر انقسامًا، سواء بين مؤيدي الأسد ومعارضيه، أو داخل المعارضة المسلحة التي تتسم بالتشرذم الشديد، فضلا عن تزايد قوة العناصر الإسلامية المتطرفة، علاوةً على الاستقطاب الذي أضحت عليه سوريا بين العلويين والعلمانيين من جهة، وبين الكتلة السنية العربية من جهة ثانية، وبين الأكراد السوريين من جهة ثالثة، الأمر الذي لا يمكن معه القول بأن التدخل الأمريكي العسكري قد ينجح في إزاحة الأسد، والحيلولة دون إمساك المتطرفين الإسلاميين بزمام الأمور، أو الحيلولة دون تفكك الدولة لكتل علوية وسنية وكردية على نحو أثبتت الأحداث أنه أكثر عنفًا وامتدادًا مما عانته العراق من قبل.

الأسلحة الكيميائية

يختلف "كوردسمان" مع الإدارة الأمريكية في مسألة تسويغ التدخل العسكري؛ إذ يرى أن أوباما قد أخطأ في تحديد "الخط الأحمر" فيما يتعلق بسوريا، لأن المسألة، وفقًا للكاتب، لا تتعلق بالسلاح الكيميائي، وإنما تتعلق بمقتل ما يزيد عن 120 ألفًا، وأكثر من 200 ألف جريح، إضافة إلى تشريد حوالي 20% من أصل 22.5 مليون سوري داخل وخارج سوريا، فضلا عن فقدان ثلاث سنوات من التنمية الاقتصادية، علاوة على حرمان أغلب الأطفال السوريين من تلقي تعليمهم في بلد يمثل فيه الأطفال أقل من 14 سنة أكثر من الثلث.

إن الأسلحة الكيميائية وحدها لا تصلح أن تكون سببًا للجوء للقوة، بحسب كوردسمان، فالولايات المتحدة غير قادرة على تحديد مخازن تلك الأسلحة، وبالتالي تدميرها، فضلا عن احتمالية أن يكون الأسد قد قام بإعادة نشر وإخفاء تلك الأسلحة. ويفترض الكاتب قدرة الولايات المتحدة، بطريقة ما، على تدمير الأسلحة الكيميائية، غير أن الدور العسكري سيكون هامشيًّا، علاوة على أن الأسلحة التقليدية تخلف جروحًا منظورة لا تخلفها الأسلحة الكيميائية.

وفي هذا السياق، يضيف "جورج فريدمان"، رئيس مركز ستراتفور للاستخبارات الدولية، أن مخازن الأسلحة الكيميائية قد تتواجد بالقرب من مناطق يقطنها مدنيون، مما سيجعل كلفة تدميرها أكبر من قدرتها التدميرية ذاتها، فضلا عن احتمال استخدام الأسد لتلك الأسلحة قبل تدميرها في حال تيقن من هزيمته بشكل كامل.

استراتيجية التدخل

يذكر الكاتب الولايات المتحدة بتدخلها غير المفيد في سوريا في 1983 بقصف معاقل الدروز في سوريا بدون سبب، ما أدى لتعرض قوات المارينز الأمريكية والفرنسية للقنص والتفجير في لبنان، مما آثار جدلا في البنتاجون آنذاك، فضلا عن شنها هجومًا جويًّا على سوريا في أعقاب اعتداء الدفاع الجوي السوري على طائرة استطلاع أمريكية، ما نتج عنه خسارة طائرتين أمريكيتين، ووفاة طيار، وأسر آخر.

وعليه يؤكد كوردسمان أنه إذا كان التدخل في سوريا خيارًا، فلا بد من وجود معنى استراتيجي لمثل ذلك التدخل، بحيث يجلب ذلك الاستقرار لسوريا، ويحد من نفوذ إيران وحزب الله، فضلا عن وقف تصدير الصراع السوري لدول الجوار، علاوة على التعامل مع الأزمة الإنسانية في سوريا.

ويحدد كوردسمان عددًا من الخطوات اللازمة لتحقيق ما سبق:

•     ربط التحرك الأمريكي بدعم الحلفاء: العمل مع بريطانيا وفرنسا وتركيا والدول العربية المحورية مثل الأردن والسعودية والإمارات، بما يعطي غطاء دوليًّا للتحرك الأمريكي قبل اتخاذ الولايات المتحدة قرار التدخل العسكري الفعلي.

•     التركيز على الأهداف التي تتخطى مواقع الأسلحة الكيميائية، والتي تستهدف مواقع سياسية وعسكرية رئيسية: مثل استهداف قصر الأسد في دمشق، والمقر الرئيسي للمخابرات السورية والبوليس السري، بالإضافة إلى قواعد تدريب القوات السورية، ومواقع القواعد الجوية والإمداد الميداني، أو قد تكتفي الولايات المتحدة بضربات عسكرية محدودة لإظهار قدرتها على التصعيد في حال لم يلتزم الأسد بضبط النفس.

•     تحديد خطوط حمراء للمستقبل، بهدف ردع الأسد عبر خطط فرض حظر جوي وحظر تحرك محدود: عن طريق تهديد سوريا بفرض مناطق حظر جوي وحركي إذا ما أقدمت قوات الأسد على شن هجمات صاروخية أو كيميائية على مناطق قوات المعارضة، بما يوضح للأسد أن هناك قيودًا على الأهداف التي يمكنه مهاجمتها في المستقبل، والتعاون في ذلك مع الحلفاء المحوريين بوضع خطط طوارئ لذلك الغرض، ما يظهر الولايات المتحدة بموقع القيادة، وأن الولايات المتحدة جادة في التعامل مع اعتداءات الأسد، وذلك في ظل دعم دولي مناسب.

•     العمل على توفير دعم دائم للمعارضة المسلحة: عن طريق دعم الفصائل المعتدلة ببعض الأنظمة المتقدمة من الأسلحة، وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة، والأسلحة المضادة للدبابات، ومدافع الهاون، والمدفعية وغيرها، وذلك عبر الولايات المتحدة مباشرة أو حلفائها من الدول العربية كالأردن والسعودية والإمارات، تحت إشراف الولايات المتحدة.

•     مشروطية الدعم: وهو ما يقتضي اختبار قدرة المعارضة المسلحة المعتدلة، وأثر الدعم المقدم لهم، فضلا عن مساءلتها عن أنشطتها، وطلب مقاطع فيديو لعملياتها لضمان استخدام السلاح بشكل صحيح، ومن الممكن نشر عدد محدود من عملاء الاستخبارات المركزية الأمريكية لمراقبة الأوضاع.

•     تنظيم الجهود الإنسانية الدولية: بحيث لا تسعى لحل مشكلات اللاجئين فقط، وإنما تسعى لاتخاذ إجراءات استباقية لتنظيم الجهود الدولية لدعم اللاجئين السوريين داخل المناطق التي يسيطر عليها مسلحون معتدلون داخل سوريا، والعمل مع الحلفاء الأوروبيين والعرب في الخليج وكذلك الأردن، والعراق، وإقليم كردستان العراق، وتركيا، لإنشاء جهد جماعي لتخفيف المعاناة. كما يمكن اعتبار هيئة المعونة الأمريكية USAID مكونًا أساسيًّا في الجهد المدني العسكري في سوريا، وإمدادها بالدعم المالي الكافي.

ويشدد "كوردسمان" على أن هذه الخيارات يجب أن تكون محددة بالتزامات الحلفاء بمشاركة الولايات المتحدة فيها، وأضاف أن الولايات المتحدة عليها الأخذ في الحسبان الاعتبارات التي أعلنها رئيس الأركان الجنرال "ديمبسي" بخصوص سوريا، وأن على إدارة أوباما أن تعمل وفق بيان "ديمبسي" الذي أرسله لعضو مجلس النواب الديمقراطي "إليوت إنجل"، في 19 أغسطس، والذي جاء فيه: "أعتقد أننا يمكننا تقديم المساعدة في مجال الأزمة الإنسانية على مجال أوسع وفعال، ويمكننا -إذا طلب منا- أن نزيد جهودنا لتطوير معارضة معتدلة، والقيام بذلك بالتضافر مع التوسع في جهود بناء القدرات مع الشركاء الإقليميين، وباستثمارات مؤثرة في تطوير معارضة سورية معتدلة، فإن ذلك سيؤدي إلى أفضل إطار لاستراتيجية أمريكية فعالة تجاه سوريا".

المفاوضات

يرى "كوردسمان" أن على الولايات المتحدة أن تعلنها صراحة أنها لا ترفض أية مفاوضات قد تؤدي لصيغة تسوية يُتفق عليها، توفر الحماية للعلويين والأكراد في سوريا، بالإضافة إلى تأمين دور لروسيا في سوريا، مما يمكن من التحرك في مسار حل أممي، فضلا عن إمكانية تأمين خروج آمن للأسد، أو حتى التوصل لصيغة ما لوقف إطلاق النار.

وبالرغم من إقرار "كوردسمان" بالمحدودية الشديدة لنجاح مسار المفاوضات؛ فإنه يرى أن بذل الولايات المتحدة جهودًا على مستوى عالٍ قد يمهد الطريق في النهاية لصيغة مصالحة وطنية، حتى وإن لم توقف الاقتتال على المدى القصير. غير أن من المهم التركيز على الجهد الجماعي، وإيجاد حلول وسط بين الفصائل السورية التي لديها فرصة للتوصل لتسوية طويلة الأمد توفر الاستقرار والأمن لسوريا.