آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-12:40م

دولية وعالمية


الأرض المحروقة ..تحولات المواجهات المسلحة بين الأمن المصري والإخوان

السبت - 17 أغسطس 2013 - 08:32 م بتوقيت عدن

الأرض المحروقة ..تحولات المواجهات المسلحة بين الأمن المصري والإخوان
جندي مصري يسير وسط الحرائق التي خلفها اجتياح الجيش لمخيم رابعة

(عدن الغد)متابعات:

شهدت المواجهات الدامية بين مؤيدي الإخوان من جانب وقوات الشرطة والجيش وقطاعات المجتمع تحولات هيكلية كاشفة عن تغير تكتيكات المواجهة بين جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من جانب وقوات الأمن من جانب آخر، لتتحول إلى نمط المواجهات غير المتماثلة Asymmetric Confrontations مع انتشار العناصر المسلحة، واستهدافها لمؤسسات الدولة، ومناطق تمركز القوات المسلحة والشرطة، فضلا عن تبدل النطاقات الجغرافية للمواجهات المحتدمة منذ فض اعتصامات جماعة الإخوان المسلمين في 14 أغسطس الجاري.



خريطة الاشتباكات:

على الرغم من أن الاشتباكات الدامية لم تنقطع من مختلف أرجاء الجمهورية منذ فض اعتصامات الإخوان المسلمين في رابعة والنهضة، إلا أن بؤر التصعيد ومناطق الاشتباكات شهدت تحولات أبرز معالمها على النحو التالي:

1- تفجر المواجهات في المركز: فعلى نقيض المسلمات البديهية من أن جماعة الإخوان المسلمين عادة ما تتجنب اللجوء للعنف الكثيف في العاصمة ومحيطها خوفًا من الاشتباك مع الأهالي، والتغطية الإعلامية للأحداث الميدانية، فإن اليوم 16 أغسطس شهد تفجر مواجهات دامية في مختلف أحياء القاهرة، خاصة في محيط ميدان رمسيس الذي كان من المقرر أن يضم اعتصام مؤيدي الرئيس السابق، وأن يكون بديلا لاعتصام "مسجد الإيمان" بشارع مكرم عبيد الذي تم تفكيك الاعتصام فيه، حيث جرت محاولات مسلحة لاقتحام عدة أقسام في توقيتات متتالية، مثل: الأزبكية والدقي وشبرا والطالبية والهرم وشبرا الخيمة، وإطلاق رصاص عشوائي في محيط ميدان رمسيس ومن أعلى كوبري 15 مايو وكوبري أكتوبر وفي مختلف أحياء القاهرة، وإحراق المؤسسات العامة مثل مقر شركة المقاولون العرب، وبنك الدم، بما يكشف عن توجهات متطرفة لإشاعة العنف كأحد أبعاد خطة "الأرض المحروقة" خاصة في ظل الكشف عن أحد مخططات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لإعادة إنتاج "المشهد السوري" في مصر.

2- احتدام المواجهات في المحافظات الساحلية والدلتا: حيث شهدت المحافظات الساحلية مواجهات دامية بين مؤيدي الإخوان والشرطة والأهالي، على نحو ما حدث في الإسكندرية بين عناصر مسلحة من الإخوان المسلمين والأهالي في محيط مسجد القائد إبراهيم وأحياء الإبراهيمية والمنشية ومحطة الرمل، والتي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 16 قتيلا، بينما شهدت السويس اشتباكات بين قوات الشرطة والإخوان المسلمين في محيط ميدان الأربعين بعد اختراق حظر التجوال، كما لم تتوقف الاشتباكات المحتدمة بين الشرطة ومؤيدي الرئيس السابق في مطروح بعد اقتحام وتخريب منشآت حكومية على مدار الأيام الماضية، وقطع خطوط السكك الحديدية، ذات الأمر ينطبق على طنطا بمحافظة الغربية التي شهدت سقوط ما لا يقل عن 8 قتلى في اشتباكات بين الإخوان والأهالي والشرطة والمنوفية والدقهلية والبحيرة، بما يكشف انقضاء حذر الإخوان من التورط في مواجهات في محافظات الدلتا المعروفة بتوجهاتها السياسية المناوئة للإخوان المسلمين، فضلا عن نزوح الموالين لجماعة الإخوان من مناطق النفوذ إلى المناطق التي تحظى بتأثير إخواني أقل، بما يُحدث توازنًا وتأثيرًا انتشاريًّا في أغلب محافظات الجمهورية.

3- تراجع حدة المواجهات في الأطراف: فباستثناء تصاعد حدة العمليات الإرهابية في شمال سيناء، وسقوط ما لا يقل عن 24 قتيلا من قوات الشرطة والقوات المسلحة في مواجهات مع التنظيمات الإرهابية على مدار الأيام الماضية؛ فإن حدة المواجهات في "المحافظات الطرفية" قد هدأت قليلا مع انتشار قوات الشرطة والقوات المسلحة في بعض المحافظات التي شهدت عمليات تخريبية واسعة النطاق مثل المنيا والفيوم وسوهاج وأسيوط، والقبض على بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية المتورطين في الاشتباكات وأعمال العنف الطائفي وتدمير الكنائس. ورغم ذلك، فمن المحتمل أن تنشط بعض تحركات مؤيدي الإخوان في تلك المحافظات في الأيام المقبلة، بعد حصولها على "استراحة حرب" يمكنها أن تستأنفها بضربات فجائية.

اتجاهات الصراع:

لم يخلُ الصراع المحتدم على امتداد محافظات الجمهورية من دلالات كاشفة عن التحول في مسار المواجهات بعدما تمكن مؤيدو الرئيس السابق من تفجير أعمال الشغب، والتخريب في مختلف المحافظات، بحيث بدت أهم تلك الاتجاهات في الآتي:

1- إخفاق تنظيم الاعتصامات: تيقن مؤيدو الرئيس المخلوع وجماعة الإخوان المسلمين من أن الاعتصامات لم تعد مجدية أو ضاغطة على السلطة في ظل تصدي قوات الأمن لبؤر الاعتصامات التي حاولت الجماعة تأسيسها في ميدان مصطفى محمود، ومسجد الإيمان بمكرم عبيد، والفتح برمسيس، والألف مسكن، والمعادي، كما أن تكتيكات الحشد والمسيرات لم تعد تؤثر على شاغلي السلطة، ومن ثم بات الاهتمام الأكبر بأعمال العنف العشوائية، واستهداف قوات الأمن وأقسام الشرطة، وتدمير المؤسسات العامة والكنائس، وقطع الطرق، وخطوط السكك الحديدية، واستخدام المتفجرات والأسلحة دون تحفظ، مع محاولة نفي مسئولية الجماعة عن أعمال العنف، وهو ما انعكس على ارتفاع عدد ضحايا الشرطة لحوالي 65 قتيلا منذ فض الاعتصامات.

2- صعود جماعات القاعدة: مثَّل الظهور العلني لعناصر تنظيم القاعدة في قلب العاصمة المصرية تحولا خطيرًا في مسار الصراع بين الإخوان المسلمين والأجهزة الأمنية، حيث كشف مشهد انضمام سيارات دفع رباعي ترفع أعلام "تنظيم القاعدة" وتضم مسلحين للمتظاهرين في ميدان رمسيس عن امتداد أنشطة تنظيم القاعدة من شبه جزيرة سيناء إلى قلب العاصمة، ذات المشهد تكرر في بعض المسيرات التي نظمتها جماعة الإخوان المسلمين خاصة في السويس وشمال سيناء، بما يعكس اتساع نطاق نشاط القاعدة والسلفية الجهادية في مصر.

3- بروز المقاتلين الأجانب: تمكنت قوات الشرطة من إلقاء القبض على بعض المقاتلين الأجانب بين العناصر التي قامت بمهاجمة أقسام الشرطة، من بينهم بعض المنتمين لفلسطين وسوريا وأفغانستان وباكستان، بما يعكس تحول مصر لوجهة المنتمين لتنظيمات الجهاد العالمي في الإقليم كأحد تجليات استنجاد قيادات الإخوان المسلمين بالتنظيمات الجهادية، ودعوات الشيخ يوسف القرضاوي لنصرة الإخوان المسلمين في مصر، خاصة بعد الكشف عن أن بعض العناصر الأجنبية التي تم ضبطها قد قدمت لمصر منذ يوم 4 يوليو الماضي، وبعضها تسلل من شبه جزيرة سيناء إلى القاهرة، وانضم لاعتصامات الإخوان المسلمين في رابعة العدوية والنهضة، وهو ما يرتبط بإعلان حركة طالبان إدانتها لما أسمته العنف في مواجهة المتظاهرين، داعية إلى عودة الرئيس المخلوع للسلطة.

4- تصدي الشرطة والأهالي للإخوان: واجه مؤيدو الرئيس السابق مقاومة صلبة من قوات الشرطة والأهالي على امتداد محافظات الجمهورية بما يمثل تحولا في أداء الشرطة، خاصة مع صدور أمر بالتصدي لمحاولات اقتحام الأقسام بالرصاص الحي، فعلى نقيض اليومين الماضيين واقتحام مؤيدي الرئيس السابق للكنائس والمؤسسات العامة وتدميرها، واجهت حشود المتظاهرين مقاومةً مستميتة من الشرطة والمتظاهرين خلال محاولة اقتحام كنيسة مارجرجس في مطاي بالمنيا، وكنيسة العذراء بالمسرة في شبرا، وكنيسة مارجرجس في كوتسيكا، وكنيسة القديسة دميانة في كفر الشيخ، بما أدى إلى إخفاقهم في اقتحامها، ذات الأمر ينطبق على أقسام الشرطة التي صمدت أمام هجوم متواصل شهد استخدامًا للمولوتوف والأسلحة الآلية والقنابل اليدوية، خاصة أمام أقسام الأزبكية والطالبية والهرم، ولعل لجوء الإخوان للاعتصام في رمسيس قد أدى إلى تأجيج المواجهات مع قاطني الأحياء الشعبية ومالكي المتاجر، ممن لديهم القدرة على التصدي لاعتداءات الجماعة، بما أسهم في إخفاق نوايا الإخوان في الاعتصام، والتي بدأت مؤشراتها تتضح من المسيرات المختلفة للميدان حتى عصر أمس.

أسباب التحول:

ترجع تحولات مسار الصراع في مصر واتجاهه إلى نمط المواجهات غير المتماثلة إلى عدة عوامل رئيسية، أولها التحول الفكري في قناعات قيادات الجماعة وكوادرها إلى توظيف الأفكار القطبية الراديكالية في تحويل المواجهة من استعداء الدولة ومؤسساتها إلى مناوأة قطاعات مختلفة من المجتمع، خاصة في ظل تصاعد الرفض المجتمعي لممارسات الجماعة وقياداتها، فيما يعرف بـ"الاستعداء المزدوج"، بما جعلها أقرب إلى التنظيمات الجهادية التي انتزعت زمام المبادرة في تصدر المشهد، خاصة في محافظات الصعيد وشبه جزيرة سيناء.

بينما يتمثل العامل الثاني في تآكل التعاطف الشعبي مع جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، على الرغم من التوظيف الكثيف لصور ضحايا فض اعتصامات النهضة ورابعة العدوية، ومحاولة اجتذاب تأييد بعض التيارات الثورية، ودفعهم للانضمام لمظاهرات الجماعة ضد القوات المسلحة والشرطة، إلا أن نخبوية وضعف تأثير تلك التيارات والسخط الشعبي المتصاعد ضد الجماعة وحلفائها، خاصة في ظل استقوائها بالخارج ومحاولات إعادة إنتاج النموذج السوري؛ لم يؤدِّ لإحداث الحشد الذي كانت ترغبه الجماعة، خاصة بعد ظهور مسلحين ضمن المسيرات التي نظمتها الجماعة، وإطلاقهم الرصاص العشوائي على المارة وقوات الأمن.

في حين يتمثل العامل الثالث في تقلص فرص إعادة دمج الجماعة كفصيل مجتمعي بفقدانها أسس القبول الشعبي لدورها الدعوي والخيري، كما أن توظيفها المتصاعد للعنف يضعها في نطاق الحظر القانوني الذي لم تكد تتمكن من الخروج من أسره عقب ثورة 25 يناير 2011، ولعل بيان مجلس الوزراء الذي وصف أنشطة جماعة الإخوان المسلمين الأخيرة في مصر بالإرهاب يكشف مدى التحول في رؤية القائمين على السلطة للجماعة، بما أدى لانهيار أي أمل لدى قيادات الجماعة في انتزاع تسوية تحفظ البقاء السياسي والوجود المجتمعي للجماعة وحلفائها من التيارات الإسلامية، بما أدى للنزوع المتصاعد لاستخدام العنف وأعمال التخريب ضد الدولة والمجتمع.

وإجمالا يمكن القول إن المسار المرجح للاشتباكات الراهنة هو التصعيد الكامل، واستمرار المواجهات الدامية التي تجسدها معادلة أساسية "نفور الإخوان واستنفار أجهزة الأمن" على الأقل في الأمد القريب، مع تراجع حادٍّ في أنشطة الحشد ومحاولات الاعتصامات التي لم تتمكن الجماعة من استكمالها، والتعويل على أعمال العنف العشوائي ضد المؤسسات العامة والكنائس ووسائل المواصلات، وربما اللجوء للتفجيرات المباغتة، أو العمليات الإرهابية الخاطفة، في إطار المواجهات العسكرية غير المتماثلة، بما يعني ضرورة انتشار القوات المسلحة بكثافة إلى جانب قوات الشرطة لتأمين المنشآت الحيوية، واللجوء للردع الاستباقي لأعمال العنف من خلال حصار القيادات المتورطة في التحريض على العنف، وخاصة أمناء الحزب وأعضاء المكاتب الإدارية في المحافظات، والعناصر المسلحة الداعمة لهم، والقبض عليهم دون انتظار تنفيذهم لأعمال التخريب والعنف، بالتوازي مع استمرار استمالة بعض شباب الجماعة إلى مسار المصالحة الوطنية، ونبذ العنف.

 

عن/ المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية