آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-01:25ص

دولية وعالمية


أسباب تأجيل السلطات المصرية فض اعتصامات مؤيدي مرسي

الجمعة - 09 أغسطس 2013 - 09:33 ص بتوقيت عدن

أسباب تأجيل السلطات المصرية فض اعتصامات مؤيدي مرسي
استغل المعتصمون تأجيل الداخلية لفض الاعتصام في تعزيز التحصينات الأمنية على مداخل ومخارج مناطق الاعتصام من خلال بناء حواجز مرتفعة

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

على الرغم من تعدد الفعاليات الاحتجاجية التي شهدتها الميادين المصرية منذ ثورة 25 يناير، لم يحدث أن أثار اعتصام لنشطاء سياسيين هذا القدر من التوافق حول ضرورة إنهائه مثل اعتصامات مؤيدي الرئيس السابق في رابعة العدوية والنهضة؛ إذ تكاد تتطابق مواقف مختلف الأطراف السياسية وشاغلي السلطة وقطاعات واسعة من المواطنين حول حتمية فض تلك الاعتصامات نتيجة ما تنطوي عليه من تهديدات أمنية، بيد أن الجدل لا يزال محتدمًا حول كيفية وتوقيت فض تلك الاعتصامات لتجنب سقوط ضحايا، فضلا عن أسباب تأخر الداخلية في اتخاذ إجراءات مواجهتها على الرغم من تعهداتها المتكررة بالتدخل الحاسم.

 

توافق سياسي

أضحى إنهاء تجمعات مؤيدي الرئيس السابق في رابعة العدوية والنهضة شبه محسوم في ظل تأكيدات الرئيس المؤقت عدلي منصور ورئيس الوزراء حازم الببلاوي على التهديدات التي باتت تمثلها تلك الاعتصامات، وتفويض صلاحيات التدخل من جانب مجلس الدفاع الوطني لوزير الداخلية لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بفض تلك الاعتصامات، وتحييد التهديدات الأمنية التي تتضمنها.

ويكاد يحظى هذا التدخل المرتقب لقوات الشرطة بأوسع توافق سياسي على فض اعتصام منذ قيام ثورة 25 يناير، وهو ما تؤكده نتائج استطلاع رأي المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) التي أشارت إلى رفض حوالي 71% من المصريين استمرار الاعتصامات في رابعة العدوية والنهضة، والمطالبات المتتالية من جانب شباب حركة تمرد وجبهة 30 يونيو ومختلف الرموز السياسية والأحزاب وعدد من التنظيمات الحقوقية لتدخل الشرطة في مواجهة تلك الاعتصامات التي وصلت إلى حد تهديد بعض الأطراف بالتدخل في مواجهة الاعتصامات إذا لم تستجب الشرطة لمطالباتها على غرار حركة بلاك بلوك والمعتصمين في التحرير وبعض الأهالي في محيط مناطق تمركز المعتصمين، وتكمن أسباب هذا التوافق المتصاعد في الآتي:

- الاشتباكات الدامية في محيط الاعتصامات مع الأهالي وقوات الشرطة التي شهدت استخدام المعتصمين للأسلحة الآلية، خاصة في بين السرايات والمنيل والجيزة بما أدى إلى سقوط عشرات القتلى في هذه الأحداث، واستنجاد الأهالي وأصحاب المصالح التجارية بالشرطة للتدخل وإنهاء هذه الاعتصامات، أو على الأقل حصارها أمنيًّا.

- محاولات تمديد الاعتصامات لتشمل ميادين جديدة لشل الحركة المرورية بالعاصمة، على غرار تمديد معتصمي رابعة العدوية النطاق الجغرافي لتمركزهم إلى طريق النصر والألف مسكن، ومحاولات قطع كوبري أكتوبر وطريق صلاح سالم بصورة متكررة، في مقابل قيام معتصمي النهضة بقطع الطرق في ميادين مصطفى محمود والجيزة ورمسيس، اعتقادًا منهم أن هذه الممارسات تمثل ضغوطًا على السلطة.

- شكاوى قاطني مناطق الاعتصامات في رابعة العدوية وطلاب جامعة القاهرة من الحصار الذي يقوم به المعتصمون، بما يتضمنه من ضغوط على مصالحهم وتهديدات متصاعدة، مما دفع أهالي رابعة للجوء للنائب العام لإلزام رئيس الوزراء ووزارة الداخلية بفض الاعتصام، بينما لجأ طلاب جامعة القاهرة لتنظيم مظاهرات للمطالبة بنقل اعتصام النهضة بعيدًا عن الحرم الجامعي.

- الملاحقات الجنائية لبعض المعتصمين خاصة قيادات جماعة الإخوان المسلمين في رابعة العدوية المتهمين بالتحريض على العنف والإرهاب، وتورط المعتصمين في قضايا اختطاف وتعذيب وقتل بعض الأهالي، والتخلص من جثثهم في محيط الاعتصامات، وحشد الأطفال من المناطق الفقيرة والملاجئ للتظاهر بالأكفان، ناهيك عن خطاب الكراهية والتحريض على الاشتباك مع القوات المسلحة والشرطة الذي تطلقه منصات مراكز الاعتصام، والنزوع للاستقواء بالخارج وتدويل القضايا الداخلية.

أسباب الامتناع

لم تدفع هذه التهديدات المجتمعية وزارة الداخلية لحسم مصير اعتصامات مؤيدي الرئيس السابق، بما أجج الجدل حول أسباب امتناع السلطات الأمنية عن ممارسة صلاحياتها وفق تفويض رئيس الوزراء لإنهاء الاعتصامات، وهو ما يرتبط بعدة أسباب رئيسية:

1- استنفاد محاولات الوساطة: إذ اتجه شاغلو السلطة إلى تأجيل فض الاعتصامات لتهيئة المناخ لنجاح محاولات الوساطة مع قيادات الإخوان لفض الاعتصامات سلميًّا، خاصة تلك المحاولات التي يقودها بعض القيادات السلفية والأزهر الشريف، خاصة مع تحفظهم الكامل على فض الاعتصامات بالقوة المسلحة لما سيؤدي إليه من سقوط ضحايا، في ظل وجود نساء وأطفال ومدنيين بين المعتصمين.

2- حسابات التكلفة: استغرقت الشرطة والأجهزة الأمنية فترة زمنية غير محدودة لإعداد خطة متكاملة لفض الاعتصامات بأقل عدد من الضحايا، إلا أن وجود أسلحة لدى المعتصمين، واستعداد البعض منهم للتضحية في سبيل بقاء جماعة الإخوان؛ سيؤدي إلى رفع تكلفة فض الاعتصام، فضلا عن إمكانية الإضرار بقاطني المناطق المحيطة بالاعتصام من خلال التفجيرات أو اختطاف بعض الأهالي كرهائن.

3- تحجيم الحشد: قد تنتظر الداخلية لتراجع الزخم في تكتيكات حشد الإخوان لمريديهم وحلفائهم مع مرور الوقت، وثبات المسار الانتقالي، واستنفاد استحقاقات انتقال السلطة، خاصة تعديل الدستور، بما يؤدي لانصراف عدد كبير من مؤيدي الرئيس السابق من ميادين الاعتصام، فيصبح فض الاعتصام أقل وطأة، وهو ما يرتبط برسائل الداخلية المتكررة للمعتصمين حول ضمانات الخروج الآمن من الاعتصام، وعدم الملاحقة الأمنية.

4- تهيئة الجماهير: تسعى السلطات الأمنية لاحتواء تكتيكات جماعة الإخوان المسلمين في اجترار التعاطف الشعبي معهم مع سقوط ضحايا في مواجهات مع الشرطة لإعادة إنتاج أحداث 28 يناير، والاستهداف الشعبي للشرطة، ومن ثم تتحسب السلطات الأمنية من استهجان المواطنين لسقوط ضحايا من المعتصمين في شهر رمضان، ولذلك قد يتم إرجاء فض الاعتصام إلى ما بعد عيد الفطر المبارك مراعاة لسيكولوجية المصريين، وربما انتظارًا لتراجع أعداد المعتصمين.

5- المواءَمات السياسية: تخشى السلطات الأمنية من تفكك التحالف المدني الداعم لخارطة الطريق، إذ إن سقوط ضحايا خلال فض الاعتصام والتغطية الإعلامية التحريضية قد تدفع بعض المشاركين في العملية السياسية للانسحاب، والانضمام لجبهة المعارضة، خاصة حزب النور والأزهر الشريف وبعض الرموز والتيارات المدنية مثل د. محمد البرادعي نائب الرئيس للشئون الخارجية الذي تمثل مواقفه السابقة في التنديد بالانتهاكات الحقوقية من جانب جماعة الإخوان قيدًا طاغيًا على مواقفه السياسية من المشهد الراهن، بحيث ينسب إليه البعض عرقلة جهود فض الاعتصامات.

6- الضغوط الدولية: حيث أدى تواتر زيارات المسئولين الدوليين مثل كاثرين أشتون مفوضة الاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية، ونائب وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز، وممثلي الكونجرس الأمريكي جون ماكين وليندسي جراهام، إلى تأجيل فض الاعتصام، خاصة في ظل المطالبات الدولية بالإفراج عن المنتمين لجماعة الإخوان، ومحاولات الوساطة بين الجماعة وشاغلي السلطة لفض الاعتصامات طوعًا. وعلى الرغم من تأكد تعثر هذه المحاولات فإن تأجيل التدخل الأمني جاء بمثابة سد للذرائع، ولتأكيد استنفاد كافة السُبل التفاوضية.

ضغوط الإرجاء

لن يؤدي تأجيل فض اعتصامات رابعة العدوية والنهضة لتهدئة الأوضاع، أو تقليص ضحايا التدخل الأمني، في ظل تشدد مواقف قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ورفضها أي تسوية تفضي إلى إنهاء الاعتصامات طوعًا، وفرض بعض قيادات الجماعات الجهادية قيودًا على أي تنازلات تقدمها الجماعة لتسوية الأزمة الراهنة، بما يقلص من احتمالات نجاح جهود الوساطة الحالية.

بينما استغل المعتصمون تأجيل الداخلية لفض الاعتصام في تعزيز التحصينات الأمنية على مداخل ومخارج مناطق الاعتصام من خلال بناء حواجز مرتفعة، وتصنيع متاريس معدنية تحيط بالمعتصمين للتصدي لمحاولات فض الاعتصام، وتكثيف عمليات تخزين الأسلحة داخل الاعتصام، والتي تمكنت السلطات الأمنية من ضبط بعضها مع الوافدين للاعتصام من الأقاليم، إضافة إلى ذلك لم تكف الجماعة عن محاولات السيطرة على ميادين أخرى، أو توسيع النطاق الجغرافي للاعتصام لنقل المواجهات مع السلطات الأمنية بعيدًا عن مناطق التمركز الرئيسية، وإنهاك قوات الشرطة في حال محاولة فض الاعتصام بالقوة.

على مستوى آخر فإن تكتيكات كسب الوقت لن تُجدي في تفكيك الاعتصامات تلقائيًّا، لأن أغلب كوادر جماعة الإخوان المسلمين تجد في استمرار الاعتصام قوام البقاء السياسي للجماعة، واعتبار بعض المعتصمين المرابطة في الميادين والتصدي للشرطة أحد أنماط الجهاد ومناصرة الشريعة، في ظل خطاب التحريض الديني لمنصات رابعة العدوية والنهضة، ومخاوف من عودة الملاحقات الأمنية بعد إعلان وزير الداخلية عن عودة أقسام النشاط السياسي بالأمن الوطني، وإعادة بعض كوادره لمواقعهم السابقة.

بينما قد يؤدي افتقاد الحسم في تعامل السلطات الأمنية مع المعتصمين إلى تآكل ثقة الجماهير التي احتشدت في الميادين في 26 يوليو الفائت لتفويض القوات المسلحة والشرطة في مواجهة العنف والإرهاب، وقد يتصاعد هذا الغضب الشعبي إلى ردود فعل عدائية، في ظل افتقاد إجراءات ملموسة، عبر محاصرة مقرات الاعتصام، والتحكم في حركة المعتصمين ومسيراتهم التي تتسبب في قطع الطرق الرئيسية والميادين.

والخلاصة أن تدخل السلطات الأمنية لفض الاعتصامات قد يتجنب ردود الفعل المتسرعة، ويراعي التدرج نتيجة الاعتبارات المعقدة سالفة الذكر، وقد يتطلب استنفاد عدة إجراءات أولها فشل كافة جهود الوساطة والتفاوض، وكشف تعنت قيادات الإخوان ورفضها التسوية، ونزوعها نحو العنف. وثانيها يتمثل في ضمان تماسك التحالف الداعم للمرحلة الانتقالية، وموافقة مختلف الأطراف على ترتيبات تدخل الشرطة، أما الإجراء الثالث فيتمثل في الحصول على مسوغات قانونية مثل تفويض النائب العام للشرطة بالتدخل، أو صدور حكم قضائي بفض الاعتصام، أو الحصول على تفويض مكتوب من مجلس الدفاع الوطني للشرطة، بما يكفل تحصين الشرطة والمشاركين في فض الاعتصام في مواجهة المساءلة القانونية.