آخر تحديث :الثلاثاء-14 مايو 2024-05:18م

دولية وعالمية


في تونس... فلتان أمني يصحبه فلتان إعلامي يُغضب الحكم والمعارضة

الجمعة - 02 أغسطس 2013 - 08:55 ص بتوقيت عدن

في تونس... فلتان أمني يصحبه فلتان إعلامي يُغضب الحكم والمعارضة
مبنى التلفزيون الرسمي التونسي بالعاصمة

تونس ((عدن الغد)) إيلاف

يتفق سياسيون في الحكم والمعارضة في تونس، على أنّ الاعلام بشقيه العمومي والخاص، انحدر منذ حادث اغتيال المعارض محمد البراهمي الى الدرك الاسفل من التحريض والتنكّر لقواعد المهنة الصحافية وعلى رأسها التحلي بالموضوعية والحياد في تغطية الأحداث، ناهيك عن هتك الاعراض والحرمات، ومزج الرأي بالخبر، وسط أنباء تشير الى تدخّل "فجّ" من السياسيين في عمل الصحافيين خاصة في التلفزيون الرسمي.

 

ومع تعزز الانقسام في تونس بين الاسلاميين والعلمانيين، انقسم الاعلام بدوره الى شقّ موال للحكومة المؤقتة، وشقّ آخر يدعم المعارضين.

 

صور صادمة

حملت التغطيات الاعلامية لاغتيال محمد البراهمي، وحادثة مقتل الجنود الثمانية وذبحهم على أيادي ارهابيين في جبل الشعانبي، صدمة للمتابعين، وكان بثّ صور جثث الجنود التي تم تشويهها والتنكيل بها، حافزا لتوالي ردود الفعل المنددة بعدم احترام حرمة الموتى وعائلاتهم.

 

وقال نوري اللجمي رئيس الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السمعيّ والبصريّ، في بلاغ له إنّ الهيئة لاحظت أنّ بعض القنوات التلفزية بثّت صورا حول حادثة الشعانبي الأخيرة وقد تضمّنت مشاهد لجثث جنود تونسيين ملطّخة بالدماء وعارية ومنكّل بها، وهو ما يعدّ إخلالا بحقوق الإنسان وفقا لمقتضيات العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 وللفصل 5 من المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا للاتصال السمعي والبصريّ.

 

ودعا اللجمي القنوات التلفزية إلى الامتناع عن بثّ صور صادمة للجمهور مطالبا هيئات التحرير باحترام كرامة الإنسان في تغطية جميع الأحداث والدامية منها خصوصا.

 

وكان ارهابيون على الحدود التونسية الجزائرية قتلوا 8 جنود ونكلوا بجثثهم، بعد أيام قليلة من اغتيال سياسي ذهب ضحيته المعارض محمد البراهمي، وهو الاغتيال الثاني من نوعه في ظرف 6 اشهر.

 

انقسام سياسي وإعلامي

بدت الصحف التونسية والقنوات التلفزيونية خلال الأيام الأخيرة مرآة تعكس بأمانة درجة الانقسام الذي آلت اليه البلاد بعد سنة من حكم الاسلاميين.

 

وبدا التباين في التغطية واضحا منذ أحداث مصر الاخيرة التي انتهت بالإطاحة بالرئيس الاسلامي محمد مرسي، إذ كانت التغطية الاعلامية بين الموالين للإسلاميين والموالين لمعارضيهم متباينة للغاية، فالإسلاميون وإعلامهم لا يرون في المشهد المصري غير اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، في حين لا يرى خصومهم غير الجماهير في ميداني التحرير وقصر الاتحادية.

 

وتحول ذات التباين الى تغطية الشأن التونسي مع الاحداث الاخيرة وانطلاق اعتصامين متزامنين أمام المجلس الوطني التأسيسي، واحد يطالب برحيل الحكومة والتأسيسي ويشرف عليه معارضون، واعتصام آخر يدعم الشرعية وتحرّكه حركة النهضة الاسلامية الحاكمة.

 

وخلال البث المباشر للقنوات التلفزية لأجواء الاعتصامين، لا يبدو أنّ الطرفين مهتمان بما يجري على الطرف المقابل، فالصورة عادة ما تصل للمشاهد أحادية وتحمل لونا واحدا.

 

ويقول متابعون إنّ المال السياسي هو الذي يحدّد حاليا طريقة عمل الاعلام، فغالبية وسائل الاعلام تقف ورائها أحزاب وسياسيون.

 

فوضى غير خلاقة

وفي واقع الأمر، لا تبدو الفوضى الاعلامية التي تعيشها البلاد وليدة الأحداث الأخيرة، فرغم مرور أكثر من سنتين على ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011 التي أطاحت بحكم بن علي، مازال المشهد الإعلامي يعيش الفلتان والتخبّط والفوضى مع غياب القوانين المنظمة للقطاع والذي شهد هامشا واسعا للحريات حصل عليها بعد سنين طويلة من القمع والترهيب وتكميم الافواه، إذ كان حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي من أكثر الانظمة عداء للصحافة في العالم، بحسب تقارير منظمات دولية تعنى بالحريات الصحافية.

 

السياسيون يدخلون المعترك

كشف الفاهم بوكدوس رئيس وحدة "رصد" التابعة لمركز تونس لحرية الصحافة في تصريحات لـ"إيلاف" عن تدخل سياسي وإداري وصفه بـ"الفج" في عمل الإذاعة والتلفزة الرسميتين.

 

وقال: "عبرت السّيدة محرزيّة العبيدي نائبة رئيس المجلس التأسيسي الخميس لطاقم من التلفزيون الرسمي عن عدم رضاها عن تغطية التلفزة الوطنية لنشاط النّوّاب غير المنسحبين معتبرة إيّاها "انقلابية وتخصّص وقتا أكبر للمعارضة" حسب قولها، وطالبته بتصوير كامل الجلسة الاستشارية التي عقدها النواب رغم أن الفريق الصحفي قد أكمل جمع المادة التي يحتاجها لإعداد تقريره الإخباري".

 

العبيدي بحسب الفاهم بوكدوس، تدخّلت أيضا في طريقة استعمال الفريق الصحفي لمصدحه، بل وصلت حدّ مخاطبته بنبرة مهدّدة "تحملوا مسؤوليتكم لأنّنا سنقوم بمراجعة ميزانية التلفزة".

 

وقد ساندت النائبة بالمجلس التأسيسي عن حزب "حركة النهضة" يمينة الزغلامي زميلتها العبيدي في التهجم على الفريق التلفزي مهدّدة  بعرض ملفات التلفزة على المجلس التاسيسي  وقالت "سوف نهتمّ بكم الآن".

 

وندد بوكدوس بـ"التدّخل الفجّ للعبيدي والزغلامي في العمل الإعلامي الذي لا يليق بنائبتي شعب"، محذرا من "تخويف الإعلاميين وابتزازهم بغاية توجيههم لخدمة أجندا سياسيّة".

 

وتعرضت إيمان بحرون المدير العام لمؤسسة التلفزة الرسمية – والتي كانت تحسب على نظام بن علي - الى انتقادات من الحزب الحاكم (النهضة) على خلفية تغطية القناة الرسمية للأحداث الاخيرة.

 

وقال الكاتب العام للنقابة الأساسية لأعوان الإدارة والإنتاج والتقنيين بالتلفزة الوطنية محمد السعيدي في تصريح لموقع "حقائق أون لاين" الاخباري، ان المؤسسة باتت محل تجاذبات وانتقادات من جميع الأطراف السياسية سواء كانت داخل المعارضة أو تلك الموجودة في السلطة موضحا ان ذلك يعزى بالأساس إلى وجود أخطاء مردها غياب هيئة تحرير تسهر على احترام الضوابط المهنية سيما في البرامج الحوارية ونشرة الأخبار.

 

وأضاف السعيدي أنّ البرامج الحوارية على وجه الخصوص سجلت حدوث أخطاء عديدة لم تخرج عن دائرة اجتهادات الصحافيين والمعدين والمنشطين الذين سعوا إلى تقديم مادة إعلامية متميزة نافيا كل الاخبار الرائجة في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية حول تدخل الرئيس المدير العام للتلفزة الوطنية إيمان بحرون في عملية اختيار الضيوف وزوايا طرح المواضيع.

 

واستنكر السعيدي بثّ صور جثث الجنود المشوهة في نشرة الانباء على القناة الرسمية، واصفا المسألة بـ"الخطأ المهني الكارثي الذي لا يمكن القبول به".

 

ومضى الفاهم بوكدوس الذي يترأس وحدة "رصد" التي تسهر على كشف الاعتداءات ضدّ الاعلاميين قائلا: " في حادث غير مسبوق تدخّل مدير الإذاعة الوطنيّة التونسيّة السيد عمر برّيمة يوم الأربعاء 31 يوليو الماضي لفرض تعديلات على برنامج إذاعي أثناء البثّ.

 

وقد صرّحت المنشطة ومقدمة البرامج بالإذاعة سعيدة الزغبي لوحدة الرصد بمركز تونس لحرية الصحافة أنّها لما كانت تقدّم حصتها الإذاعية الدورية "مع الناس" والذي كان مفترضا أن تستمر من الساعة 11 صباحا إلى الثانية بعد الزوال، فوجئت بعد 50 دقيقة من بداية البرنامج بتدخّل بريمة بتوتّر شديد لائما على تمريرها لتصريح أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة منّوبة مصطفى التواتي  يُحمّل فيها الحكومة مسؤوليّة أحداث العنف و الإرهاب التي تشهدها البلاد، وقد فرض برّيمة على الزّغبي تحوير فقرات برنامجها وتعويضها ببرنامج مسجّل ب40 دقيقة وجملة من الأغاني على مدار ساعة كاملة".

 

ودعا بوكدوس في إفاداته لـ"إيلاف" كلّ المعنيين بالقطاع الإعلامي إلى "رصّ الصفوف لمواجهة مثل هذه الممارسات البائسة"، محملا مدير الإذاعة التونسيّة مسؤوليّة هذا الانتهاك الخطير لأخلاقيات المهنة ودعاه لتقديم استقالته.