آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-10:00م

ملفات وتحقيقات


تحقيق : المخدرات ..خريف شباب عدن

الأحد - 09 يونيو 2013 - 11:51 م بتوقيت عدن

تحقيق  : المخدرات ..خريف  شباب عدن
في إحدى مدارس عدن القريبة من المنصورة استطاع شباب الساحة من الإمساك بأحد المروجين وفي حوزته ثلاثة كيلو حشيش واعترف بعدها إنه كان يقوم بتوزيعها لمدرسة خاصة بالبنات وقد سبق إن وزع كميات مماثلة لطالبات تلك المدرسة وتساعده في ذلك إحدى طالبات المدرسة.

تحقيق : ماجد الشعيبي

يشعر بكيل براحه بالغه بعد تناوله مادة "الحشيش" ولا يبالي بما يحدث من حوله هو ومجموعة من أصدقائه الذي يدرسون في إحدى كليات جامعة عدن     

 

 

 

 

يقضي بكيل 25عاماً - وهو من أوائل كلية الهندسة- ساعات طويلة مع أصدقائه على غير العادة وفي أكثر من مكان يومياً وبات يجمعهم "الكيف" الذي يتعاطونه بشكل يومي ويعد الملاذ الأخير لهم بعيداً عن المشاكل الكثيرة التي يقول إنها تحيط به، وللهروب منها يلجأ بكيل لتعاطي المخدرات التي تخفف عنه بعض المشاكل.

 

 

 في عدن أصبح تعاطي المخدرات بمختلف أشكالها أمراً عادياً، ولا يبالي أكثر من شخص هنا أن يصارحك بالأمر دون الخوف من العواقب، فالحشيش مثلاً والحبوب المخدرة هي الهم الوحيد  لدى شريحة كبيرة من الشباب.

المخدرات سلاح يستخدم ضد شباب الحراك والطلاب الأكثر ذكاءً يعملون في الترويج

 

 

"صاروخ، حبوب القذافي وبشار، وجونت سطلة، اليد طافي، الأخ ماهلوش".. مصطلحات مثل هذه منتشرة أوساط الشباب وهي تطلق ككنية للمواد المخدرة كالحيش وغيرها.

 

الأطفال يستخدمون كأداة لتوزيع المخدرات والبعض أصبح يعتمد عليه كمصدر رزق

 

وتشتهر مدينة المعلا والمنصورة والشيخ عثمان وأحياء في كريتر وسوق الطويلة كبؤر لتوزيع تلك المواد، وتعد الأحياء الاكثر فقراً في المدنية أكثر المناطق شيوعاً في انتشار المواد المخدرة، حيث فتحت تجارة المخدرات باب الرزق على العديد من الشباب العاطلين على العمل  وغالباً ما يستخدم "الأطفال" لترويج  لتلك المواد مقابل  المال.

 

يمكن لمجموعة من الاشخاص تعاطي الحشيش بمبلغ 2000 الفين ريال لليوم الواحد ويمكن للمدمنين أن يدفعون أكثر من خمسة الف ريال يومياً.

 

وصلنا "كاسترو" الحي الأشد فقراً في مدينة المعلا، هناك الكثير من الشباب يقفون على الطريق وتشاهد أغلبهم يتعاطون "الشمة و التمبل " وفي أكثر من حي وجوار اكثر من مدرسة تشاهد صندقات أو محلات كثيرة تبيع "الشمة و التمبل" في ظاهرة لم تكن حاضرة في السابق وأغلبها تروج للمخدرات بشكل سري.

 

"وائل" شاب عشريني خبر الترويج للحشيش وتعاطى المخدرات في السابق وحالياً يعمل على مكافحتها مع أصدقائه واشترك في حملة توعية ومداهمة لأماكن تعاطي المخدرات في المعلا.

 

"لقد استجاب  لنا الكثير من الشباب والحمد لله نحن نحافظ على الصلاة مع الجماعة ونتمنى ان يهتدي باقي الشباب".. قال وائل .

أصحاب محلات بيع الشمة والصيدليات - كما يقول - لا يملكون ضمير، ويضيف وائل وعيناه في الأرض: "إنهم يبيعون الحبوب للشباب ويستغلون حاجتهم ويجبرون بعضهم على شراء تلك المواد بسعر مضاعف ومن لا يجد ما يتشرى به يضطر إلى العنف للحصول على المال".

سرد لنا وائل قصة شاب من محافظة ابين رمى بأمه من الطابق الثاني ما أدى إلى وفاتها بعد رفضها اعطائه المال وأيضاً رمى بزوجة أخيه حينما سمعها تصرخ وكانت حامل وقد أجهضت الجنين وتعرضت لأكثر من كسر في حين أنتحر هو بعد ذلك.

ويشهد الكثير من الشاب أن مادة مخدرة توضع على "التمبل " الذي يتعاطاه غالبية شباب عدن ومنهم من يكتشف إنه مدمن بعد فوات الأوان.

 

 

وأنت تتجول في حي "كاسترو " تلاحظ الفقر على أوجه الناس ونظرات عيونهم، فثمة شباب قالوا أثناء حديثي معهم أن هناك مروجين للحشيش وهناك متعاطين لا يجدون ما يفعلونه وقد أصبح الأمر عادياً عند الكثيرين، فحي كاسترو هو أشد الأحياء فقراً وهناك أسر لا تجد قوت يومها ومن السهل استقطاب العشرات من الشباب للعمل  في تجارة الحشيش. 

 

 

بكيل يقول  ان  السلطة الحاكمة سهلت بيع تلك المواد لتمييع شباب عدن والقضاء على  مستقبلهم، فسابقاً لم يكن للمخدرات تواجد بهذا الشكل المهول، وقال بنبرة صوت تحمل الكثير من الحزن:" الكثير من خريجي الجامعات لا يجدون أعمال و طريق الانحراف صار هو المخرج الوحيد".

 

لقد انتشرت الجريمة في عدن بشكل واسع وبشكل يومي تسمع عن مصرع أحدهم دونما أسباب ومؤخراً أوسع شاب شقيقته طعناً ومثلها بالسابق انتحرت أكثر من فتاة وهناك أكثر من أب  تحدث لوسائل إعلام عدنية عن اختفاء إحدى بناته وغالبيتهم أسر فقيرة ويبدوا ان المخدرات في تشق طريقها بسهولة للوصول إلى كل منزل في المدينة.

 

أول عيادة لمعالجة الادمان   

في جولة الجمهورية بخور مكسر زرنا الدكتور عبدالله سالم هادي وهو أول دكتور في مدينة عدن يفتتح عيادة لمعالجة المدمنين وأثناء الحديث معه قال: هناك ما بين 3 – 5 حالات يومياً  يتراوح أعماره معضهم  بين 20 و25 عاماً يزورون العيادة حديث النشأة.

 

ويقول عبدالله سالم أن الدولة لا توفر علاج خاصة بالإدمان وأن كل ما يقوم به هو علاج اولي لمساعدة المدمنين على  التعافي وان المدمن يحتاج للكثير من الخطوات للمتعالج، ويؤمل أن يكون هناك فرصة لمعالجة المدمنين.

 

عبدالله قال لنا انه غادر عدن قبل سنوات ولم تكن المخدرات منتشرة وحين عاد تفاجأ من توسع انتشارها وقرر أن يفتح عيادة  لمعالجة المدمنين لعله يساعد في  إنقاذ حالات ما تزال حديثة الادمان.

 

ويرجع الدكتور سالم سبب انتشار المخدرات بين الشباب إلى غياب دور الأسرة في عدن، ويقول إن المدمنين الذين لا يجدون في أحيان كثيرة مواد مخدرة يشرعون إلى ارتكاب الجريمة وهو ما يحصل يومياً في عدن حيث يتم تهديد أصحاب المحلات التجارية والمحطات الوقود بقوة السلاح.

ومؤخراً تم السطو على أكثر من صراف، وقال لنا الدكتور عبدالله ان حالات كثيرة تم الكشف عليها في عيادته تحدثت له عن قيامها بأعمال مماثلة، كما لاحظنا نحن محلات صرافة قامت مؤخراً بالتشديد من دور العاملين في الحراسة المسلحة خشية من عمليات السطو المتواصلة في المدينة منذ فترة.

 

الحشيش والطالبات     

القبض على مروج حشيش بحوزته ثلاثة كيلو كان يوزعها لأحدى مدارس البنات

 

 

في إحدى مدارس عدن القريبة من المنصورة استطاع شباب الساحة من الإمساك بأحد المروجين وفي حوزته ثلاثة كيلو حشيش واعترف بعدها إنه كان يقوم بتوزيعها لمدرسة خاصة بالبنات وقد سبق إن وزع كميات مماثلة لطالبات تلك المدرسة وتساعده في ذلك إحدى طالبات المدرسة.

 

وفي إحدى المدارس الثانوية تحدث مدرس إنه أمسك ب4 من التلاميذ وهم يدخنون مادة الحشيش في المدرسة  وانه قد تم فصل أكثر من طالب في مدينة عدن ثبت إنه يتعاطى ماده مخدرة.

 

ولم تسلم جامعة عدن من التعاطي والترويج لتلك المواد فقد ازدهر تعاطي الحشيش أوساط الطلاب داخل الكليات؛ فكلية التربية مثلاً والعلوم الإدارية والحقوق مليئة بالشاب المتعاطين وأغلبهم يتعاطون داخل كلياتهم حتى أن عميد إحدى الكليات تحصل على قطعة من الحشيش في ساحة الكلية وعلم لاحقاً انها مادة "الحشيش" فقدها أحد الطلاب دون أن يدري.

 

لقد استطاع مروجي المخدرات استقطاب شريحة واسعة من الشباب والشابات للتعاطي والبعض يقع ضحية اصدقاء السوء، وفي الوقت الذي تفتح فيه الحديث عن المخدرات تجد من حولك يحدثونك عن قصص تحدث يومياً وهناك من يحدثك عن مروجين تتغاضى عنهم الجهات المختصة.

 

أحد الشاب العاملين في التوعية من المخدرات قال : لقد أصبح الحشيش والحبوب مصدر رزق للمئات من الشباب ولكنه دمر حياة جيل كامل، فبعض الشباب يتقاضون في اليوم مبلغ قدره ثلاثة ألف ريال أو ألفين وفي السابق لم يكن يحلم أحدهم إنه سيحصل على مبلغ كهذا، ودور البعض يقتصر على  توصيل الكميات للزبائن.

 

سعاد علوي :لا توجد أية إحصائيات حول المخدرات وهناك كميات كبيرة تدخل عدن

تعمل سعاد علوي في التوعية من خطر المخدرات منذ عامين، وقد استقطبت العديد من الشباب للعمل معها، وحالياً تعمل في أكثر من مكان وتعطي محاضرات توعويه من مخاطر المخدرات.

 

قررت سعاد فتح مركز توعوي للتوعية من مخاطر تعاطي المخدرات، وحاولت أن تؤسس شقة خاصة بمركز أسمته " مركز عدن للتوعية من خطر المخدرات "، ولكنها ظلت شقة خالية من كل شيء ولم تجد من يساعدها أو يمول مشرعها الصغير الذي قد يكون له أثر في انقاذ العديد من الشباب من الإدمان.

 

تقول سعاد علوي: "الوضع أصبح لا يحتمل، وأن المخدرات "الحبوب، والحشيش " تنشر بكل مكان وصارت تباع للناس بشكل عادي بعد أن يتم استقطابهم بطرق أحياناً ما تكون خارجة عن إرادتهم".

 

"لا وجود لإحصائيات حقيقية سواءً للمنظمات المدنية أو الحكومية عن حجم المخدرات التي تصل عدن"، قالت سعاد وهي تعلم أن حجم دخول المخدرات إلى عدن يصل "بالكونتيرات " بالأطنان، "فقد وجدت تلك المحرمات ترويجاً كبيراً".. قالت سعاد بحسرة.

خطباء المساجد بدورهم خلال الفترة السابقة ركزوا خطبهم على التوعية من المخدرات وأثرها على المجتمع وهو الأمر الذي يدل على أن المخدرات أصبحت أمراً شائعاً.

 

اتهامات: الجهات الحكومية  متورطة في رواج المواد المخدرة

على مدى أكثر من شهر ونحن نراقب ظاهرة رواج المخدرات وتأكدنا أنها تتوفر بصورة كبيرة، وأن هناك عمل منظم  وان ما يحدث  ليس عملية عشوائية فحسب كما يقول أبناء مدينة عدن فهناك عصابات متعددة تعمل في تجارة المخدرات.

 

ويقول فيصل الدقم  وهو ناشط في ساحة المنصورة أنهم توصلوا إلى أن جهات حكومية أغلبها تعمل في السلك العسكري متورطة في قضية توزيع المخدرات عبر تسهيلات كبيرة تمنحها للتجار مقابل مبالغ طائلة يحصلون عليها من المهربين.

 

بعز الشمس ودن ادنى رقابه حكومية يقول الدقم أن المواد المخدرة تباع بصورة عادية ويقول تجارة المخدرات للكبار فقط حسب قوله  .

 

استهداف شباب الساحات

وتأكيداً لما قاله فيصل تقول سعاد علوي إن المخدرات والترويج لها انتشرت بكثرة خصوصاً بعد العام 2011م ، وإنه تم استهداف شباب الساحات "الحراك" بعد تولي الإصلاح حكم المحافظة، وتقول أن الهدف من هذا هو تمييع الجيل والشباب في الساحات وتمييع شباب الجنوب بشكل عام  بهدف تشويه صور الحراك وإلصاق تهمة المخدرات من أجل اقتحام الساحات.

 

تقول سعاد أن ضابطاً يعمل في مكافحة المخدرات أخبرها بكل وضوح إنهم سبق وأن قبضوا على مروجين وإنه تم الزج بهم بالسجن ليلاً وأن اتصالات تأتي من شخصيات كبيرة ويتم بناء عليها الأفراج عنهم صباحاً.

 

لا يمكن لإدارة الحصاء معرفة كم هي الكميات التي تدخل عدن حتى جهاز المكافحة لا يملك إحصائيات دقيقة للكميات التي يضبطها وأحد العاملين بالجهاز أخبرني حينما أصررت على مقابلته إن هناك كميات كبيرة تدخل عبر مهربين يملكون قوة وحماية، وأحياناً كثيرة تتجاوز قوتهم قوة الدولة، مشيرا الى أن المخدرات تأتي دائماً عبر سوريا تركيا اليمن وتذهب لاحقاً للسعودية وتصل إلى عدن عبر المهرة وحضرموت.

 

هناك 6 قضايا خلال سنة 2013 و25 خلال العام 2012 تم إحصائها وهي مثبته لدى الجهات المختصة كما يقول ضابط في مكافحة المخدرات وهي إحصائية ضئيلة مقارنة بالانتشار الواسع للمخدرات.

 

ويضيف في حديث خاص للصحيفة إنه في حالة وجود معلومات وإحصائيات دقيقه فإن عدن قد تكون الأكثر عربياً تهريباً للمخدرات وأن ضعف عمل الأجهزة الحكومية هو أمر مدبر للسماح للمهربين باستمرار تجارتهم فهذه التجارة تدري بالربح الكثير وهي تجارة لا يخوض غمارها سوى الأقوياء.

شباب المنصورة في مواجهة مروجي المخدرات

في ساحة المنصورة وأثناء نزولنا قابلنا الكثير من الشباب كلهم قالوا إن الساحة كانت مكان للترويج للمخدرات وقامت اللجنة الأمنية بالقبض على أكثر من مروج وتسليمة للأمن ولكن الأمر المستغرب كما يقولون هو أن من كان يتم تسليمه للأمن كان يفرج عليه في اليوم التالي.

 

أطلعنا أحد شباب الساحة على كشف مليء بالتعهدات من قبل الشباب الذين كان يتم القبض عليهم وعليها توقيعاتهم بالتعهد أنهم لن يعودوا للتعاطي مرة أخرى ولا للترويج.

 

وقال شباب في المنصورة إنهم سلموا قسم من أقسام الشرطة العديد من المروجين وأن أغلبهم كان يفرج عنهم بعد أيام من القاء القبض عليهم.

 

وفي رده على شباب المنصورة قال أحد الضباط في مكافحة المخدرات -فضل عدم ذكر اسمه-: "هناك تعاون من الشاب في المنصورة ومشكلتهم الوحيدة إنهم لا ينسقون معنا قبل القبض على المروجين وهو الأمر الذي لا يثبت الجريمة أو تثبت الواقعة مع صاحبها متلبساً الأمر الذي يجعل من الجهات الحكومية تفرج عن الكثير نتيجة عدم وجود الأدلة الكافية الدالة توفر شروط الجريمة.

 

وأضاف: "هناك صفقات كبيرة  سعت لإضعاف دور جهاز مكافحة المخدرات في مدينة عدن ولا ندري لمصلحة من".

 

واثناء تجولنا على أكثر من منطقة بعدن يكشف المسؤول الامني أن هناك توجه حكومي لنشر المخدرات أوساط الشباب، وقال أن المخدرات تستخدم كسلاح ضد نشطاء الحراك الجنوبي باعتبارهم المستهدف الاول من كل هذا- حد قوله.

 

وللعلم فإن الجمهورية اليمنية ليست عضوة في أي منظمة دولية للتوعية من خطر المخدرات كما ليس لها أي عضوية أو برتوكول رسمي ينص على مكافحة المخدرات ومعالجة الإدمان".

 

للتذكير فقط.

قبل أشهر قادت مجموعة من الصحف الإصلاحية منها "الأهالي" حملة منظمة للتشهير بالحراك الجنوبي وتتهم أنصاره وساحاته بتعاطي المخدرات.. الآن فقط ظهرت علامة ذلك ويبدو أن تلك الصحف تملك تواصل كبير مع تجار تلك المواد المحرمة، وللعلم أن الصحفيين الإصلاحيين  الذين كتبوا عن الظاهرة كانوا متواجدون في صنعاء دون النزول لتقصي الأمر في عدن..

 

 

تحقيق : ماجد الشعيبي  

[email protected]