آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-01:34ص

أخبار وتقارير


النهج الدولي إزاء الحرب في اليمن: هل حان الوقت لتغييره؟

الجمعة - 23 أكتوبر 2020 - 01:07 م بتوقيت عدن

النهج الدولي إزاء الحرب في اليمن: هل حان الوقت لتغييره؟

بيتر سالسبوري-مركز السياسات اليمني

 

 

 اكتوبر ٢٠٢٠ 

للمجتمع الدولي وساطات بخصوص الحرب في اليمن، وهي ترجع في زمنها إلى بدايات اندلاع الصراع. ومع أنّ تلك الجهود قد أسفرت عن بعض النتائج، فإنَّ أيا منها لم يؤدِ إلى خفض دائم لوتيرة التصعيد للعنف أو إلى تقدُّمٍ حقيقيٍّ في إيجاد حلٍّ سياسي. في هذه المقالة نتعرّف على الأسباب الواقفة وراء فشل النهج الدولي وما الذي يمكن تغييره لجعل المقاربة الدولية في اليمن أكثر فاعلية.

في ديسمبر 2018 أظهر صنّاع سياسات غربيون ودوليون ما كان اليمنيون يبدون شكوكهم حوله منذ أمدٍ طويل؛ وهو أنَّهم إنْ وجدوا التحفيز اللازم، على سبيل المثال تطورات على الأرض أو من طرف دولهم، فإنه سيكون بإمكانهم التوصُّل إلى (بعض) النتائج الدبلوماسية، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية عندما ضغطت على المملكة العربية السعودية وبالتبعية على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا حتى تقبلا اتفاق ستوكهولم.

وهنا أشير إلى أنَّ اتفاق ستوكهولم، الذي حال دون وقوع معركة الحديدة المدينة/ الميناء الواقعة على البحر الأحمر، هو قصة النجاح البارزة التي أفضى إليها توقيع دبلوماسي منذ بداية الحرب اليمنية عام 2014 حتى هذه اللحظة. غير أنّه بالنسبة لأطراف الحرب، وبالنسبة لمراقبين يمنيين ودوليين، يرمز، أيضا، ومن جهة مقابلة، إلى محدودية أفق الوساطة الخارجية في حلِّ هذا الصراع؛ فالضغط الدولي استطاع أن يجبر الأطراف على المصادقة على الاتفاقية وليس على تنفيذها.

وبعد ما يقرب من عامين من اتفاق ستوكهولم، فإن الفرصة العابرة التي أتاحها الاتفاق من أجل إنهاء الحرب قد ذهبت أدراج الرياح. فالملحوظ الآن أنَّ التصعيد آخذ في التعاظم. وعلاوة على ذلك، فإنَّ النهج الذي تتبعه السياسة الدولية في سبيل إيجاد حل للوضع يبدو ” مكبل اليدين” بقيد اختزال الحرب في طرفين، وهو تأطير فاقد للصلاحية؛ بل إنَّ هذا الأمر حتى الآن لم يفعل شيئًا يذكر من أجل التخفيف من حدة عاملين أساسيين على الأرض لا يزالان يحولان دون حل للصراع، وهما: تمكُّن الحوثيين وتشرذم الحكومة. وحتى يتم تحقيق التقدم وإنهاء الصراع، فإنَّ هذا النهج بخصوص الوساطة في كليته ينبغي أنْ يخضع للتغيير. وبصورة أكثر تحديدا، فإنه يجب أن يُوسّع إطار المحادثات ليشمل أطرافا يمنية أكثر، كما ينبغي على صناع السياسات الدوليين أنْ ينسقوا جهودهم بصورة أوثق وأنْ يقسموا العمل فيما بينهم بصورة أوضح.

الطريق إلى السويد: التدخل السعودي والقرار الدولي 2216

قبل اتفاق ستوكهولم بأربع سنوات، وبالتحديد في سبتمبر 2014، سيطر الحوثيون، أو أنصار الله كما يفضلون تسمية أنفسهم، على العاصمة اليمنية صنعاء. وبحلول شهر مارس التالي، وجد الرئيس الانتقالي اليمني، عبد ربه منصور هادي، نفسه لائذا بالحماية في مدينة عدن الساحلية الجنوبية.

لقد مثل الهجوم الحوثي على مدينة عدن في ذلك الشهر نفسه استفزازا صارخا لجارة اليمن المملكة العربية السعودية التي شرعت في تدخل عسكري ليلة 26 مارس 2015. وبعد شهر من ذلك، دفعت السعودية باتجاه استصدار قرار دولي، وقد حصلت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي أكّد كون عبدربه منصور هادي الرئيس الشرعي وفارضا حظرا للسلاح على الحوثيين، وقد استخدم ذلك السعوديون بوصفه مسوِّغا لفرض حصار ذي فاعلية على الموانئ والمطارات التي تقع تحت سيطرة الحوثيين.

كان ذلك القرار بمثابة مؤشر رسمي وغير رسمي على الموقف العام للقوى الغربية إزاء القضية اليمنية: لقد رأوا أنّ هادي هو الرئيس السيادي الشرعي لليمن وأنّ استيلاء الحوثيين على مقاليد الحكم في صنعاء هو انقلاب مدعوم من إيران. و الأهم من ذلك أنهم قدّموا ترضية للسعودية عن طريق استعراضٍ للدعم تزامنا مع “خطة العمل الشاملة المشتركة” التي تضمنت الصفقة بين إيران والقوى الدولية بخصوص المشروع النووي، والتي وجدت طريقها إلى التنفيذ في يناير 2015م. وقد تسببت تلك الصفقة في إثارة الذعر والانزعاج في طول الخليج وعرضه، حيث يعتقد المسؤولون العرب أنها وفرت لطهران طريقا لتطبيع العلاقات مع الغرب دون الحد من طموحاتها في تحقيق نفوذ سلطوي إقليمي. لقد كان القرار 2216 أحادي الجانب، فهو يطالب في صورته التطبيقية باستسلام كامل من طرف الحوثيين وفقا للتنبؤ السعودي بذلك. وبدلا عن حدوث ذلك، فإنَّ الصراع قد انحدر إلى مستنقع يستلزم حلاً عن طريق الوساطة ويقوم على تسوية أكثر توازناً بين الأطراف.

بعد عدة جهود متعثرة قام بها مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد شيخ أحمد من أجل عقد محادثات، تم التوصُّل، في ابريل 2016م، إلى إجراء محادثات في الكويت بين كل من حكومة الرئيس هادي من جهة وتحالف الحوثيين وأتباع الرئيس السابق علي عبدالله صالح في صنعاء، ممثلين بوفد حوثي و آخر من حزب المؤتمر الشعبي العام. تفاوض الطرفان على جوهر اتفاق يكون بموجبه تسليم الحوثيين وحلفائهم السلاح والأراضي مقابل دور الأقلية في حكومة ائتلافية جديدة في صنعاء.  وفي نهاية المطاف، فشلت المحادثات وفشل ما تلاها من جهود أخيرة لإنهاء الحرب ونعني هنا تلك التي بذلها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري؛ ويرجع ذلك إلى الفجوة التي لا يمكن ردمها بين أنصار الله الحوثيين وحكومة هادي حول تسلسل الإجراءات السياسية والأمنية والمواقف التي يتوقعها كل جانب في المرحلة الانتقالية وحو قضايا الحكم والترتيبات الأمنية العسكرية.

وكما هو الأمر بالنسبة للقرار 2216، فإنّ الاتفاقية التي صاغتها الأمم المتحدة في الكويت قد غدت، رغم إخفاقها، بمثابة إطار عمل لمبادرات الوساطة اللاحقة التي تقودها الأمم المتحدة؛ أي تلك المحادثات بين الطرفين حول ترتيبات وقف إطلاق النار والتدابير الأمنية المؤقتة التي يليها تشكيل حكومة ائتلافية مؤقتة مبنية على الثقة، ويتخلل ذلك إجراءات البناء التي  تسير على طول طريق هذه العملية.

المرور عبر إسطنبول: صالح، والحديدة، وجمال خاشقجي

 لقد تغيّر الكثير منذ محادثات الكويت؛ وهو الأمر الذي جعل الإطار الدبلوماسي المعتمد موضع شك. وبحلول أواخر عام 2017م وصل النزاع إلى طريق مسدود، ووجهت الأطراف المتحاربة انتباهها إلى مكان آخر؛ فحكومة الرئيس هادي وحلفاؤها دخلوا في صراع مفتوح مع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي الآن نفسه، وبعد أشهر من التوتر المتصاعد في صنعاء، قتل أنصار الله الحوثيون الرئيس السابق علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017م وهو الأمر الذي جعلهم القوة الوحيدة المسيطرة على الشمال. بدت الفرصة سانحة لمنافسي أنصار الله الحوثيين كي يشنوا عليهم هجمات في معظم ساحات القتال. استطاع أنصار الله الحوثيون التعامل مع تلك الهجمات وكبحها، غير أنهم، منذ أكتوبر من العام نفسه، قد بدأوا في فقدان أراضي تقع على ساحل البحر الأمر لصالح القوات المدعومة إماراتيا والتي استطاعت تطويق الحديدة المدينة التي تمثل موانئها شريان حياة اقتصادي وعبرها تمر المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله الحوثيون.

لقد أفضت الحسابات والاعتبارات المتعلقة بالآثار الإنسانية للقتال في الحديدة إلى تعرّض المبعوث الدولي المعين بعد ولد الشيخ، مارتن جريفيث، إلى ضغوط تدفع نحو التفاوض على هدنة لوقف القتال حول المدينة. والجدير ذكره أن الزخم وراء مفاوضات ستوكهولم لم يكن من ثمار دبلوماسية الأمم المتحدة، بل إنه جاء في أعقاب مقتل الصحفي والمعلق الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول في أكتوبر 2018 على يد مسؤولين أمنيين سعوديين. لقد دفعت احتجاجات الكونجرس في الولايات المتحدة الأمريكية والتهديدات بإلغاء صفقات أسلحة مع المملكة العربية السعودية وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إلى إجراء مكالمة استدراكية في اللحظة الأخيرة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لضمان المضي قدمًا في مفاوضات ستوكهولم.

وحتى مع الدعم القوي من الولايات المتحدة لتلك المفاوضات، فسرعان ما تعثر الاتفاق. كان لدى أنصار الله الحوثيين ولدى الحكومة تفسيرات مختلفة جذريًا بخصوص بنود الاتفاقية التي وقِّعَت على عجل؛ ومن هنا واجه الطرفان صعوبة في إيجاد الأرضية المشتركة اللازمة لتنفيذ خطة لنزع السلاح من الحديدة والمناطق المحيطة بها على الوجه المطلوب. ففي حين اعتبر الحوثيون أن الصفقة تحافظ على سيطرتهم على ميناء الحديدة، اعتبرتها الحكومة بمثابة استعادة لسيادتها المشروعة على المنشأة. أمّا المحادثات حول تبادل الأسرى والهدنة في تعز، فقد وصلت إلى طريق مسدود. ومن هنا يصح القول إنَّ الضغط الخارجي كان كافياً لحمل الأطراف على إبرام اتفاق، غير أنه لم يكن كافياً لفرض تطبيقه.

الاتجاه نحو تصحيح المسار؟ المنظورات الدولية الحالية

لقد تغيرت الوقائع على الأرض بصورة أكبر منذ 2018. ففي أغسطس 2019، أحكم المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، سيطرته على عدن العاصمة المؤقتة لحكومة الرئيس هادي، وهذا يعني ظهور الانقسامات الداخلية إلى العلن بين كلٍّ من حكومة الرئيس هادي، والجماعات المنافسة المضادة للحوثيين، والإمارات العربية المتحدة؛ وهو الأمر الذي يعني إبطال دعوى وجود كتلة موحدة ضد الحوثيين. لقد أجبر هذا المنعطف من الأحداث السعودية على أنّ تسعى إلى عقد صفقة، عرفت فيما بعد باتفاق الرياض ديسمبر 2019، يكون من شأنها الحيلولة دون اندلاع حرب أهلية داخل الحرب الأهلية المستعرة مسبقا ويكون طرفاها حكومة الرئيس هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي.

تعثرت الصفقة المدعومة سعوديا مع مرور الوقت، بطريقة شبيهة بتلك التي حدثت بخصوص اتفاق ستوكهولم. في هذه الأثناء، بالتحديد نهاية العام 2019، جاءت فترة هدوء توقف فيها الحوثيون عن إطلاق الصواريخ وتسيير الطائرات التي بلا طيار عبر الحدود ضد السعودية والإمارات، كما شهدت إعادة فتح محادثات عبر قناة خلفية بين الحوثيين والرياض؛ وقد أدى هذا إلى تهدئة على الأرض، غير أنّ معارك جديدة اندلعت في الشمال في يناير 2020 ؛ وذلك عندما عمد الحوثيون إلى شن حملة جديدة على محافظة مأرب الغنية بالنفط والمكتظة بالسكان، والتي تُعدَ المعقل الأخير للحكومة في الشمال.

في بدايات العام 2020 سعى المبعوث الأممي مارتن جريفيث إلى التوسط من أجل إيقاف إطلاق النار على مستوى البلد كلها، واستشهد جريفيث بالمخاطر المحدقة بالجميع بسبب  جائحة فيروس كورونا، ودعا إلى جمع الحوثيين والحكومة على طاولة محادثات، إلا أن ذلك لم يسفر عن نتائج تُذكر. شعر الحوثيون بأنّ النصر يلوح أمامهم في مأرب تزامنا مع رفض الحكومة لشروطهم التي تتضمن هدنة تفضي إلى فتح مطار صنعاء، وتخفيف القيود المفروضة على المواد المستوردة عبر الحديدة، وإنشاء آلية مشتركة من أجل دفع المرتبات لموظفي الدولة في كل أرجاء البلاد. وترى الحكومة أنّها، من حيث المبدأ، لا ترفض أيّا من هذه الإجراءات؛ وإنّما ترفض الطريقة التي قدِّمت بها من طرف الأمم المتحدة حتى الآن. أمّا الثقة التي لدى الحوثيين في هذا المنعطف، فمتأتية مما أصاب المجموعات المعادية لهم من انهيارٍ في وحدة الصف ومن ضعفٍ في الروح المعنوية مع ما تطور لدى صناع السياسات الدوليين من سخطٍ متزايدٍ على حكومة الرئيس هادي.

سبيل من أجل المضي قدما

لقد أصبح واضحا أنَّ الدبلوماسيين الذين يتولّون ملف اليمن يشعرون بالحنق نتيجة تعنُّت الأطراف اليمنية المعنيّة، ويجدون أنفسهم في حالة إحباط بسبب تراجع مصداقية حكومة الرئيس هادي، كما يرون أن جهودهم معرضة للإعاقة نتيجة افتقارهم إلى الأدوات التي من شأنها أن تسرّع في دفع الأطراف، وعلى الخصوص جماعة الحوثيين، باتجاه استقرار سياسي. ومع أنّه كان بالإمكان في عام 2018 التخفيف من العدوان العسكري من خلال النداءات الغربية لصانعي السياسات الإماراتيين والسعوديين، فأما اليوم، فلا توجد طريقة سهلة لدى هؤلاء الدبلوماسيين الدوليين يمكن أن يكون من شأنها إكراه الحوثيين على -أو إقناعهم بـ -وقف حملتهم الموجهة ضد مأرب، اللهم إلا تلك التنازلات الاقتصادية التي ماتزال الحكومة ترفضها حتى هذه اللحظة. ونحنُ لا نقول هنا بإنَّ التسوية في اليمن مستحيلة، غير أننا نرى أنها تقتضي تغييرا في النهج المتبع من أجل التوصل إليها.

إنَّ الإجماع آخذ في التزايد في بعض الدوائر الدبلوماسية على أنّ التأطير المتعارف عليه للوضع في اليمن لم يعد يعكس الحقائق على الأرض، وقد لا يكون قادرًا على إنهاء الحرب وبناء السلام. كان تحالف الحوثي-صالح، من جهة، وحكومة هادي، من جهة مقابلة، متكافئين نسبيًا في عام 2016 ، أمّا بعد أنْ قتل الحوثيون صالحا، فقد أصبحوا أشد قوة، وفي الوقت نفسه لم يعد بإمكان هادي الادعاء بتمثيل غالبية الكتلة المناهضة للحوثيين.

وحتى لو توصل الحوثيون وهادي إلى اتفاق، فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت الجماعات المسلحة والسياسية المختلفة التي تسيطر على مناطق مختلفة من تلك التي لا يسيطر عليها الحوثيون ستدعم تنفيذ ذلك الاتفاق. أضفْ إلى ذلك أنَّ الحوثيين سيكونون هم المستفيد الأكبر من أية محادثات تجري مع طرف ليس متكافئا معهم في وضعه التفاوضي ولا يحظى إلا بقدر ضئيل من الشرعية بين الجماعات الرئيسية التي تتوزع السيطرة على الأرض. وفي هذه الأثناء، دأب الدبلوماسيون الدوليون المتكفلون بالملف اليمني على العمل، في كثير من الأحيان، بصورة يغلب عليها انعزال بعضهم عن بعض، واعتمدوا بشكل كبير على الضغط الأمريكي أو على الأمم المتحدة أو على الرياض من أجل إقامة اتصال مع الحوثيين أومن أجل حل بعض المشكلات المستجدة مثل الاقتتال الداخلي الذي اندلع بين القوات المناهضة للحوثيين، هذا مع أنه كان من الممكن أن يكون لهؤلاء الدبلوماسيين تأثير جماعي أفضل. وإذا قررت الأمم المتحدة حلحلة الأمور، فإن ثمة شيئين يمكن أن يُحدِثا فرقًا، وهما: توسيع المشاركة اليمنية وإنشاء فريق اتصال دولي جديد.

سعت المملكة العربية السعودية في اتفاق الرياض إلى تجميع الأطراف المناهضة للحوثيين إلى جانب السلطات المحلية تحت مظلة الحكومة، وكانت تلك محاولة منها في أن تجعل حكومة هادي شريكًا تفاوضيًا أكثر مصداقية في مواجهة الحوثيين. غير أنّ ذلك الجهد قد تعطل أيضا.

وإذا شارك المزيد من الأطراف اليمنية مع ما يتبعها من فئات ذات صلة، بما في ذلك الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بشكل مباشر في المحادثات، فلعل من شأن ذلك أنْ يحفِّز الحوثيين والحكومة، على حد سواء، لبدء عقد صفقات مع الأعداء المحليين والحلفاء، على حد سواء،  وسيكون ذلك سعيا منهما في سبيل تحسين القوة التفاوضية الكلية لكل طرف منهما أمام الآخر. وعندها سيتعين على الحوثيين أن يأخذوا على محمل الجد الكتلة المنافسة التي تشكلت نتيجة لهذه العملية. ومن جهة أخرى، فإنه يمكن للأمم المتحدة أنْ توسع من دائرة المشاركة في المفاوضات التي تخص وقف إطلاق النار وكذلك في المحادثات السياسية. فالمعلوم أنَّ القرار رقم 2216 يسمح بمشاركة رسمية موسّعة، غير أنَّ الممانعة السياسية لهذا الأمر من طرف حكومة هادي كما هي، أيضا، من طرف الحوثيين والمملكة العربية السعودية قد جعلت هذه المهمة شبه مستحيلة على مبعوث الأمم المتحدة.  وفي ضوء هذه المعطيات، فإنه قد يتوجّب على مجلس الأمن الدولي أن يتخذ خطوة عملية يوضح فيها أنّ المحادثات حول إنهاء الحرب يجب أن تكون شاملة لجميع الأطراف والفئات المختلفة، وأنْ يخلق المساحة اللازمة للمبعوث الأممي مارتن جريفيث كي يعتمد نهجا جديدا في مقاربة الوضع في اليمن.

لقد ظلت الجهود الدولية لإنهاء الحرب تتسم بحالة من التشتت الشديد. وفي حال تبنى مبعوث الأمم المتحدة نهجًا جديدًا-وحتى إنْ لم يفعل ذلك-، فإنّ بإمكانه أن يطلب مساعدة الولايات المتحدة في تشكيل فريق اتصال دولي جديد من أجل دعم جهوده. ويجب أن يتخذ هذا النادي، الذي يتألف منه الفريق، موقفًا أكثر استباقية من تلك المواقف التي لمجموعة عمل السفراء الحالية المؤلفة من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أيْ الصين، وفرنسا، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة) – والتي اتسمت مواقفها بالإعاقة نتيجة الحذر، والانقسامات الداخلية، وعدم وجود قنوات اتصال مع الحوثيين والجهات اليمنية الرئيسية الأخرى. ويمكن أن يتكوّن الفريق الجديد من الدول الخمس دائمة العضوية، وأعضاء مجلس التعاون الخليجي (ويأتي على رأس هؤلاء في الأهمية الكويت، وعُمان، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة)، والاتحاد الأوروبي. وسيكون من شأن مكتب مبعوث الأمم المتحدة أن يرأس فريق الاتصال الدولي هذا، الذي قد يتفق على عقد اجتماع كل أسبوعين لتنسيق العمل بشأن الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية. وسيتوجب على الفريق أن يعمد إلى تقسيم العمل بين أعضائه؛ وذلك من أجل تعزيز الهدف الأساسي المتمثل في تحديد الخطوات التي من شأنها أن تزيد من فرص المفاوضات الشاملة بقيادة الأمم المتحدة حتى تنجح في إنهاء الحرب اليمنية.

عن الكاتب: يعمل بيتر ساليسبوري، في الوقت الراهن، خبيرا متقدما في تحليل شؤون اليمن لدى مجموعة الأزمات الدولية؛ وهي عبارة عن منظمة غير حكومية تعتمد على الأبحاث في عملها وتُعنَى بمنع وقوع الصراعات وحلها. وقد كان في فترة سابقة زميلا استشاريا متقدما في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية، تشاتام هاوس. ولدى بيتر، بوصفه صحفيا وباحثا في الاقتصاد السياسي، أكثر من 13 عاما من الخبرة المكثفة في ميدان الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية.

 

المترجم : عبدالسلام الربيدي

المحرر: روبن سورات

تصوير: ايمن بدر

المانح: وزارة الخارجية لجمهورية ألمانيا الاتحادي