آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-10:52م

فن


عادل إمام.. بقايا من رماد النجم الذي أحرق نجوميته

الخميس - 22 أكتوبر 2020 - 07:21 م بتوقيت عدن

عادل إمام.. بقايا من رماد النجم الذي أحرق نجوميته

(عدن الغد) الجزيرة الوثائقية:

يقول العلماء إن بعض النجوم التي نراها تتلألأ في السماء لم تعد موجودة أصلا، وإنها قد انفجرت وتلاشت منذ مليارات السنين، وما نراه ليس سوى صورتها قبل احتراقها، وإنما وصلت إلينا بعد هذه المدة الهائلة نظرا للمسافات الشاسعة التي تفصلنا عنها.

وتعد النجومية بمعناها الفني -أي التي يصل إليها الممثل- "منتجا اجتماعيا"، فضلا عن كون الممثل نفسه بشكل ما "منتجا اجتماعيا"، خاصة أن شروط النجومية تنتجها تحولات الذوق الناتجة بالضرورة عن سيادة قيم مجتمعية معينة تظهر في الأعمال الفنية التي يقدمها، سواء في النص المكتوب أو تجليه البصري عبر فيلم أو مسلسل.

 

مسيرة 50 عاما من النجومية.. زعيم بلا زعامة

إن قراءة مسار فنان كعادل إمام لا تصح أن تقع إلا عبر ربطها بالتحولات التي مر بها المجتمع المصري والعربي منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن، وهي تحولات كبيرة كفيلة بتغيرات أكبر سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي.

وذلك الربط بين الشق المجازي والعلمي ليس تعسفيا، فبقدر ما حقق عادل إمام من نجومية تحولت إلى ظاهرة في عالم السينما، فإنه بالفعل لم يعد إلا مجرد انعكاس لأضواء نجومية احترقت منذ زمن، وبقي منها ضوء خافت يراه البعض لامعا لأنه ليس هناك ضوء آخر، أو أنه لا يراد لضوء آخر أن يلاحظ.

لكن المُلفت في تلك الظاهرة تصميم الفنان على صناعة مسيرته بشكل يشير إلى أن صاحب الخمسين عاما من النجومية المتواصلة يأبى إلا أن يُنهيه مشتبكا مع الدراما التلفزيونية من جهة، ومع السياسة من جهة أخرى، وفي الحالتين يقدم مستوى أقل ما يُوصف به أنه فقدان لخفة الظل والظل معا.

ولأن المشاهد الأخيرة للأعمال الفنية تبقى في ذاكرة المُشاهد أكثر من غيرها، وتترك الانطباعات النهائية عن العمل، فكذلك حياة نجم مثل عادل إمام، ومن الملاحظ أن ثمة تآكلا لرصيد الفنان لا يُنكره سوى زخم إعلامي سلطوي.

وعادل إمام هو "الزعيم" بلا زعامة حقيقية، وهو النجم الذي لا تعرف الوسامة طريقها إليه، وهو "الحرّيف" بينما لم يُعرف عنه أنه لعب كرة القدم، وهو الظاهرة الأطول عمرا والأكثر زخما في تاريخ السينما العربية.

 

نبوءة الثورة.. رحلة من الريف إلى السينما

كان توقيت ولادة عادل إمام نبوءة بما يمكن أن يكون له من مكانة وتأثير إذا ما نجح في إثبات وجوده، إذ وُلد قبل ثورة يوليو عام 1952 بعشرة أعوام، فلم يشهد وعيه إلا زمن الحكم العسكري متمثلا في جمال عبد الناصر ومن أتوا بعده، وبالتالي كان يصادف أجواء فنية وإعلامية تفرض شروطها على من يريد النجاح والاستمرار.

وهي شروط أصبحت فيما بعد جزءا من طبيعة الاتصال الجماهيري بكل مجالاته، سواء في الفن أو الترفيه أو الإعلام، فالولاء مطلوب، والبعد عن انتقاد الحاكم فريضة، والالتزام بما يتجاوز الرقابة الرسمية بالقانون إلى رقابة رجال السلطة دون تعليمات صريحة؛ هو الطريق إلى الرضا، وبالتالي النجاح وتوظيف الآلة الإعلامية لصالح الفنان.

كانت المصادفة الأولى في حياة عادل إمام هي انتقاله من القرية الصغيرة بمحافظة الدقهلية في مصر إلى القاهرة، وهي الخطوة الأولى التي أتاحت له أن يكون مرئيا في مجتمع يصعب عليه رؤية المقيمين في الريف، فعاش الطفل والمراهق والشاب عادل إمام بجوار دور العرض وفي مناخ منفتح على ثقافات مختلفة، فكانت الأفلام الأمريكية التي تعرضها سينما "وهبي" القريبة من منزله ملجأ له.

 

كلية الزراعة.. تفتق الموهبة الفنية على خشبة المسرح

التحق عادل إمام الشاب بكلية الزراعة، كما التحق بفرقة التلفزيون المسرحية ولمعت موهبته في كلية الزراعة، وسرعان ما أصبح رئيسا لفرقة التمثيل بها بعد أن اكتُشف سريعا كممثل جيد في فرقة التلفزيون المسرحية، وفاز بأدوار صغيرة في مسرحيات مثل "أنا وهو وهي" عام 1962.

وكانت محطة التحول إلى ممثل من عالم الكبار عام 1973 ناجحة في فيلم "البحث عن فضيحة" المأخوذ عن الفيلم الأمريكي "دليل الرجل المتزوج" (A Guide for the Married Man)، وهو من إنتاج عام 1967، وقد قدمه عادل إمام مع الممثلة ميرفت أمين وحقق نجاحا كبيرا، واعتُمِد من خلاله ممثلا مضمون النجاح.

 

حقبة السادات.. خلافة الكبار على عرش النجومية الشعبية

يقترب عادل من النجومية مع اقتراب حسني مبارك -الرئيس المصري فيما بعد- من مقعد نائب رئيس الجمهورية، واقتراب أنور السادات -رئيس الجمهورية في ذلك الوقت- من عقد معاهدة كامب ديفيد عام 1978.

كانت التحولات التي نتجت عن الانفتاح الاقتصادي الذي أطلقه السادات عام 1971 قد أنتجت طبقة جديدة تُقبل على الأفلام السينمائية والمسرح من جهة، وتُنتج الأفلام السينمائية من جهة أخرى، وتشكلت هذه الطبقة عبر أعمال الوساطة والسمسرة وتجارة "الشنطة"، بالإضافة إلى مجموعات الحرفيين ونسبة لا بأس بها من تجار المخدرات وموزعيها الذين راجت تجارتهم، وضمت نسبة لا بأس بها من الشباب الطموح للمال السهل.

ورافق تلك الظروف انسحاق الموظف المصري والمواطن بشكل عام، مما أسفر عن الانتفاضة الشهيرة عام 1977، إذ خرج المصريون عن بكرة أبيهم إلى الشوارع احتجاجا على ارتفاع الأسعار، لكن هذه الانتفاضة قُمعت بقسوة، وتولى الإعلام التشهير بقياداتها وتصفيتهم معنويا.

وبين هزيمة لشعب خرج محتجا وانسحاق اجتماعي واقتصادي؛ كان لا بدّ للنموذج الكوميدي أن يتغير، ورُشح عادل إمام لخلافة فؤاد المهندس ونجيب الريحاني وإسماعيل ياسين وعلي الكسار، وظهر الممثل الجديد لنموذج المصري الساخر في أفلام عدة، فظهر حاملا بعض ملامح كوميديا إسماعيل ياسين، والكثير من بؤس نجيب الريحاني، وجزءا من خفة فؤاد المهندس، لكنه استخدم كل هذا في سياقات لم تقترب إلا من سطح الهمّ وبساطة الوعي، فقدم الموظف البسيط الذي لا يريد سوى الحياة بعيدا عن المشكلات.

ثم أطلق بعد ذلك سلسلة أفلام بدأها بفيلم "رجب فوق صفيح ساخن"، ثم "شعبان تحت الصفر" و"خط الصعيد" وغيرها، ليطرح النموذج المتخيل لصعيدي أو فلاح لا علاقة له بالواقع، فقط مجرد نماذج متناقضة لشخصيات تبرر المواقف الكوميدية المتتالية، لكن الشعب البسيط المسحوق والمنهزم اقتصاديا واجتماعيا وثوريا رأى أن عادل إمام يمثله نظرا لحالة جلد الذات التي عاشها ذلك المواطن بعد عجزه عن تغيير واقعه السياسي أو الاقتصادي وبالتالي الاجتماعي.

 

نقلة من الكوميديا إلى التراجيديا.. طموح لا تحده السماء

هكذا إذن تربع عادل إمام على عرش النجومية الشعبية منفردا، بينما تجاهله إعلام السلطة تماما وتجاهلته المؤسسة الرسمية، حتى إن بعضا من أفلامه كانت تُرفض في المهرجانات المصرية نظرا لعدم لياقتها للعرض، ومن بينها فيلم "شمس الزناتي" المأخوذ من الفيلم الأمريكي "العظماء السبعة" (The Magnificent Seven)‏.

أما لماذا تجاهله إعلام السلطة ونقادها، فهو ذلك الشكّ في كونه يمثل الطبقات الشعبية البسيطة، فلجأ إلى الثلاثية الشهيرة "بخيت وعديلة" التي قدّم فيها تكرارا لكل ما أضحك به الجمهور خلال سنواته السابقة، لينتقل إلى المحطة الأكثر أهمية في حياته، وهي محطة الالتزام بشروط السلطة.

كان عادل إمام حتى هذه اللحظة ضمن أكبر نجوم الكوميديا في الوطن العربي، باستثناءات بسيطة في التلفزيون والسينما، ويعرف الممثل المخضرم أن النوع الكوميدي من التمثيل يتعرض مع التكرار للتآكل ويفقد صلاحيته وتتجمد ملامح الجمهور الذي كان يضحك بالأمس، وتتحول الضحكة إلى ابتسامة مجاملة لن تستمر كثيرا خاصة أن الحركات المضحكة يصعب على الممثل أن يجددها أو يخترع غيرها.

يعرف هذا الممثل أن عمره طويل مقارنة بغيره من ممثلي الكوميديا في مصر، لكنه أقصر من أن يقبله بطموحه الذي لا تحده السماء، ومن هنا قرر أن يتحول من كوميدي إلى ممثل تراجيدي من الطراز الأول، وإلى فتى شاشة في تحد مباشر لشروط الوسامة التي لا تقترب من الانطباق عليه لا وجها ولا جسدا، ونجح عادل إمام في تنويع أدواره والانتقال من الكوميديا إلى الدراما والاحتفاظ بالقمة.

 

"اللعب مع الكبار".. مرحلة التزلف إلى البلاط

لم يكن هناك مفر من احتواء غضب الإعلام الرسمي من عادل إمام وتقديم فروض الولاء والطاعة، فكان أن قدم "اللعب مع الكبار" للسيناريست وحيد حامد، ويحكي الفيلم عن حسن بهلول (الممثل عادل إمام) كنموذج للإنسان البسيط الذي أجبرته ظروف الحياة على أن يعيش حالة البطالة، فهو لا يعمل ولا يستطيع حتى الزواج من خطيبته (الممثلة عايدة رياض).

يحاول حسن بهلول أن يعيش حياته التي يصبغها بعبثية جميلة معتمدا على قدراته وخبراته في الحياة، ورغم أنه كان ذا واقع مظلم وآمال محطمة، فإنه يملك قدرا كبيرا من الحب والإحساس بالمسؤولية تجاه وطنه.

يجري حسن اتصالا بجهاز أمن الدولة، ويتحدث إلى الضابط (حسين فهمي) ليبلغه عن توقيت حريق سيحدث في أحد المصانع في اليوم التالي، وعندما يسأله الضابط عن كيفية معرفته بذلك، يبلغه حسن بأنه شاهد الحادث في الحلم، وبالفعل يقع الحادث لتبدأ علاقة من نوع خاص بين حسن والضابط.

 

"الزعيم".. ظِل الحاكم في السينما

وصل عادل إمام إلى طريقة العمل التي يمكن أن يرضي بها السلطة، وبدلا من الإضحاك فقد جنّد أفلامه التالية للإيهام بعلاقة غير حقيقية بين نظام وشعب هي في الحقيقة أقرب إلى الجوار السيء منها إلى التعاون والودّ اللذين صورهما في "اللعب مع الكبار" و"النوم في العسل" و"أمن دولة" وغيرها من الأفلام التي نتجت عنها هالة من القدسية أحيط بها في الإعلام الرسمي، وتكريمات لم تصادفه طوال سنوات ما قبل الستين من عمره، وجوائز لم يكن يوما ضمن المرشحين لها.

أصبح عادل إمام بعد تحديه للإرهاب في أوائل تسعينيات القرن الماضي بمصر وذهابه بمسرحية الزعيم إلى محافظة أسيوط للعرض في إحدى القرى التي تعرضت لعملية إرهابية؛ زعيما يُشار إليه بالبنان، بل أصبح الظل الشعبي لمبارك أو رئيس جمهورية السينما.

 

"الإرهابي".. بداية تهاوي الشعبية والتهديد بالقتل

وقد تمادى في حربه على الإرهاب حين قدم فيلم "الإرهابي" عام 1993 الذي كتبه لينين الرملي، وهو ما جعله مستهدفا ومهددا بالقتل، بل جاء على رأس قوائم الاغتيالات، لكن ذلك لم يثنه عن عزمه في مكافحة التطرف، وأصبح جزءا لا يمكن فصله عن النظام السياسي.

ولم يكن غريبا أن تَصدر تصريحاته ضد المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، ثم تصريحاته ضد مقاومة حماس للاحتلال الصهيوني، فقد صار المتحدث الرسمي الفني باسم النظام، وهو ما جعله على رأس القائمة السوداء للإعلاميين والفنانين التي قدمها ثوار يناير 2011.

وكانت ثورة جمهور عادل إمام قد سبقت ثورة الشعب على مبارك ونظامه بسنوات عشر، حيث أزيح من عرش الكوميديا عبر موجة شبابية أطلقها الممثل "محمد هنيدي"، وسادت في السنوات الخمس الأولى من الألفية الثالثة، وكان عادل قد قدم سلسلة من الأفلام التي فشلت على المستويين النقدي والتجاري وبينها رسالة إلى الوالي وبوبوس وحسن ومرقص وغيرها، واعتقد الجمهور أن الرجل انتهى كممثل نجم، ودار عليه ما يدور على غيره.

 

ثورة الربيع العربي.. سقوط بتهمة خيانة أحلام الجماهير

جاءت ثورة يناير لتؤكد أن السينما لم تعد بحاجة لعادل إمام، ليس فقط لأنه لم يعد يملك جديدا ليقدمه ولكن لأنه خان أحلام الجماهير، وقدّم رصيده الجماهيري هدية إلى أفلام تداعب السلطة وتصنع تطبيعا مستحيلا بين السلطة والشعب.

لذلك كان من الطبيعي أن ينتقل للدراما التلفزيونية محتفظا بمنظومته القيمية التسعينية في السينما، وقدم مسلسلات تنافس نفسها كل عام في التواضع منذ "فرقة ناجي عطا الله" عام 2013، وحتى "عوالم خفية" عام 2018، والأخير هو المحطة نفسها التي توازي "اللعب مع الكبار"، إذ قدم شخصية صحفي متخيل لم يوجد يوما ما ومنظومة عمل صحفية لم يعرف الصحفيون لها وجودا إلا في خيال مؤلف المسلسل، وينشر الصحفي تحقيقات تتسبب بإقالة نصف الحكومة، ومن دون أن يقدم عادل إمام أي كوميديا فإن الجمهور ضحك على العالم الموازي الذي يعيش فيه.

وتعلن مسلسلات عادل إمام الرمضانية بكل وضوح أن ما يؤمن به كإبداع درامي هو نفسه ما قدمه في السينما، تبدأ بالتعاطي مع أفكار الأفلام التي قدمها سابقا ليقدمها في صورة مسلسلات، وانتهاء بنسخ مشاهد كاملة أحيانا من أفلامه في مسلسلاته، كما نسخ عددا كبيرا من الأفلام الأمريكية وقدمها بعد تمصيرها.