آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. لماذا تصاعد النزاع بين محافظ شبوة والإمارات مؤخرا؟

الأربعاء - 21 أكتوبر 2020 - 10:20 ص بتوقيت عدن

(تقرير).. لماذا تصاعد النزاع بين محافظ شبوة والإمارات مؤخرا؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول أبعاد وتداعيات تصريحات محافظ شبوة الأخيرة بشأن التواجد
الإماراتي في منشأة بلحاف

مطالب بن عديو بإخلاء منشأة بلحاف.. هل هي مشروعة؟

لماذا يجب خروج القوات الإماراتية من بلحاف.. وهل هذا المطلب مدعوم شعبياً؟

لماذا تتمسك الإمارات بمنشأة بلحاف وترفض إخلاءها حتى اليوم؟

هل يسعى بن عديو لتحويل سواحل شبوة إلى منصة لتوغل تركي وقطري إلى اليمن؟

القسم السياسي (عدن الغد):



لا جديد في علاقة محافظ محافظة شبوة، محمد صالح بن عديو، بالقوات
الإماراتية المتواجدة في نطاق محافظته جنوبًا، وتحديداً في منشأة بلحاف
الغازية.

فالعلاقة ما زالت مشتعلة، وما زاد من إشعالها، التصريحات الأخيرة التي
خرج بها بن عديو مؤخراً، بعد مقابلة تلفزيونية مع قناة حضرموت الفضائية
قبل نحو أسبوع.

فقد هاجم محافظ شبوة في تصريحاته تلك دولة الإمارات العربية المتحدة، على
خلفية صراع الطرفين على منشأة بلحاف، المنفذ الرئيسي لليمن لتصدير الغاز
إلى العالم.

التصريحات الجريئة لرجل الحكومة اليمنية، ومحافظ شبوة الغنية بالنفط،
أثارت جدلاً واسعاً، من حيث توقيتها ودلالتها السياسية، وانعكاسات ذلك
على مسار العملية السياسية في جنوب اليمن، المتمثلة بـ"اتفاق الرياض".

كانت اتهامات بن عديو للإمارات العربية المتحدة، تتركز حول اتهام أبو ظبي
بتحويل المنشأة النفطية إلى "ثكنة عسكرية للقوات الإماراتية" في الوقت
الذي تحتاج فيه اليمن- بحسب عديو- إلى تشغيل هذه المنشأة "الاستراتيجية"
المتوقّفة منذ اندلاع حرب 2015.

محافظ شبوة حمّل الإمارات مسئولية الوقوف خلف تعثر العمل والتصدير في
المنشأة الغازية، واستئناف تشغيلها، وهو ما كان يردده بن عديو مراراً
وتكراراً، منذ سنوات.

لماذا الصراع على منشأة بلحاف؟

صراعات الفرقاء السياسيين في اليمن حول شبوة، لم تكن وليدة اليوم، أو
بسبب التواجد الإماراتي في المحافظة.

لكنها ارتبطت منذ اكتشاف الثروات الطبيعية في شبوة في عام 1987، وحينها
تحولت محافظة إلى "حصالة"، بسبب ما تستخرجه من غاز ومشتقات نفطية، بينما
بقي المجتمع فيها والمواطنون محرومون من أية مشاريع تنموية.

وبعد تحقيق الوحدة اليمنية، لن يتغير وضع شبوة، وبقيت ترزح تحت ظل
الحرمان التنموي، حتى مع اكتشاف الغاز الطبيعي المسال فيها، وبدء تصديره
قبيل نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة.

وكانت الدولة حينها حريصة على إنشاء ميناء تصديري خاص بالغاز الذي يلهث
خلفه العالم، شرقاً وغرباً، فكانت "منشأة بلحاف".

ومنشأة بلحاف لتسييل وتصدير الغاز الطبيعي تقع في منطقة "عين بامعبد"
بمحافظة شبوة، وهي منشأة استراتيجية أنشأتها شركة "توتال" النفطية
الفرنسية بالشراكة مع الحكومة اليمنية، خلال حكم علي عبد الله صالح،
بمبلغ يصل إلى 5 مليارات دولار، تملك فيها توتال ما تصل نسبته إلى أكثر
من 40% من الأسهم.

أُنشئت هذه المنشأة بغرض تسييل وتصدير الغاز الطبيعي المُستخرج من
محافظتي شبوة ومأرب، وهي أكبر مشروع اقتصادي عرفته البلاد، وأحد أهم
المشاريع الاقتصادية بالإقليم.

وتعرضت منشأة بلحاف لعمليات نهب وصفقات فساد كبيرة في عهد الرئيس اليمني
الراحل، شملت ذلك بيع نسب ضخمة من حصة اليمن من الغاز إلى شركات كورية،
وبتنسيق شخصيات نافذة ومشايخ قبليين ورجال أعمال مقّربين من النظام
السابق.

بعد حرب 2015، وتحرير المحافظات الجنوبية، تسلّمت دولة الإمارات العربية
المتحدة- إحدى دول التحالف العربي إلى جانب السعودية- مهمّة حماية وتأمين
المنشأة، وأنزلت الإمارات وحدات عسكرية فيها لهذا الغرض.

في أغسطس 2019، وبعد متوالية من الأحداث السياسية والعسكرية المتسارعة،
كان أهمها سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على العاصمة عدن وطرد الحكومة
اليمنية منها، استطاعت قوات الحكومة اليمنية إحكام سيطرتها على شبوة وطرد
قوات النخبة الشبوانية الموالية للإمارات.

ورغم هذه التطورات، استمرت القوات الإماراتية والنخبة الشبوانية بالتواجد
والسيطرة على منشأة بلحاف النفطية، ومنذ ذلك الحين يعتبر محافظ شبوة أن
هذا التواجد يُعطلُ أهم منشأة اقتصادية في البلد، التي تشهد تدهوراً بعد
آخر.

مطالبات بن عديو

وجهة نظر محافظ شبوة، تتمحور حول إسهام إعادة تشغيل منشأة بلحاف في رفد
الاقتصاد الوطني "المتدهور"، الذي يعاني من "أزمة انهيار العملة"، الأمر
الذي رآه البعض دافعاً للمطالبة بخروج القوات الإماراتية من المنشأة
النفطية الهامة.

ويرى كثير من المتابعين أن ما يقوم به بن عديو من مطالبات، تهدف إلى
استئناف العمل وتشغيل ميناء بلحاف، بدلاً من بقاءه عاطلاً عن العمل، هي
في الأساس مطالبات طبيعية ومشروعة، باعتبار أنه يمثل الدولة التي تقع على
أرضها هذه المنشأة وهذا الميناء.

بالإضافة إلى حاجة الاقتصاد الوطني في اليمن لإعادة إحياء عمليات
الاستيراد والتصدير للمشتقات النفطية، بعد استئناف استخراج النفط والغاز،
والذي توقف منذ بداية الحرب في 2015.

وهي سياسات حكومية تسعى إلى إحياءها من جديد، بالإضافة إلى دعوات خبراء
الاقتصاد التي تؤكد ضرورة استئناف تصدير الغاز والنفط، لمواجهة التدهور
الحاد في العملة الوطنية، وارتفاع أسعار صرف العمليات الأجنبية، مما
انعكس على الوضع المعيشي والاقتصادي المتدهور في البلاد.

ويشير مراقبون إلى أن هذه المطالبات تجد لها آذان صاغية من قبل المجتمع
والشعب اليمني، الذي يؤيد مثل هذه المطالبات باستئناف تصدير النفط
والغاز، لدعم الاقتصاد الوطني المتردي، الأمر الذي يؤكد أن هذه المطالب
مدعومة شعبياً.

ليس فقط في شبوة، ولكم هذا الدعم يشمل كافة المحافظات الجنوبية، وحتى تلك
المحررة في مناطق الشمال، والتي ستستفيد جميعها من استئناف تصدير الغاز،
باعتباره أحد المقومات الأساسية للاقتصاد الوطني.

ولا سبيل لتحقيق هذا الهدف الوطني- بحسب بن عديو- إلا خروج القوات
الإماراتية من بلحاف، وتسليم المنشأة النفطية للقوات الحكومية، حتى تتمكن
من إعادة تشغيله، فليس هناك أي مبرر لبقاء الإمارات هناك في ظل استقرار
الأوضاع الأمنية.

شكوك حول الدور الإماراتي

تزامن حديث بن عديو مع حملات واسعة ضد الدور الإماراتي في اليمن، قادتها
قنوات وصحف ومواقع تابعة للحكومة اليمنية، بالإضافة إلى شخصيات يمنية من
صقور الشرعية.

واتهمت هذه الحملات الإمارات بالتوسّع في اليمن وخصوصاً في أرخبيل سقطرى،
عقب سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على الجزيرة، والتحكم بالجزيرة
حالياً بشكل مطلق دون رقيب أو حسيب، وهو ذات الأمر الذي تقوم به في
بلحاف، بحسب أنصار الحكومة.

وهو ما تنفيه أبوظبي التي تؤكد أن تواجدها في مختلف المنافذ والموانئ
اليمنية يأتي في إطار التحالف العربي الذي تدخل في اليمن لدعم الشرعية،
بمعنى أن دورها الحالي لا يتعارض مع توجهات الحكومة اليمنية، لكنه يتناقض
مع ادعاءات صقور الشرعية تجاه الإمارات.

الإمارات.. لماذا تتمسك ببلحاف؟

يعتقد مراقبون أن ثمة أهداف كثيرة تقف وراء التواجد الإماراتي في بلحاف،
خاصةً وأنها منشأة ذات أبعاد اقتصادية جوهرية، وتعني الكثير للدولة
اليمنية؛ لتقوية اقتصادها "المريض".

فالإماراتيون ومن يوالوهم يؤكدون أن الهدف الرئيسي من تواجد قواتها في
المنافذ البحرية والموانئ اليمنية يكمن في منع انتشار وتوسع التنظيمات
الإرهابية في المحافظات الجنوبية المحررة، ومنعها من النفاذ عبرها إلى
الداخل اليمني.

وهي بذلك تحمي الجنوب من عودة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة التي تواجدت
في حضرموت وأبين قبل سنوات عديدة، بالإضافة إلى أن أهدافها تشمل منع توسع
نفوذ وسلطة جماعة الإخوان المسلمين، التي تتهتم محافظ شبوة بالانتماء
إليها.

كل هذه الأهداف تسعى الإمارات والوحدات الأمنية والعسكرية التي تواليها
كالمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات النخبة الشبوانية من تأكيدها والترويج
لها. بينما ثمة رأي مغاير تتبناه الحكومة اليمنية ومن يواليها، يناقض ما
تقوله الإمارات.

ما حقيقة الدور القطري والتركي

يرى بعض السياسيين والمراقبين أنّ مزاعم دعم الاقتصاد اليمني التي
يتبناها محافظ شبوة بن عديو، ومن وراه الحكومة اليمنية، وعبر شخصيات
حكومية موالية لها، ما هي إلا "قميص عثمان"، الذي تطالب به الحكومة وبن
عديو.

وتهدف تلك المزاعم إلى تثبيت موطئ قدم تركية وقطرية في شواطئ بحر العرب
عبر السيطرة على أهم منشأة في البلاد والمنطقة المحيطة بها من سواحل أبين
وشبوة الاستراتيجية.

كما يشير هؤلاء المراقبون إلى أن هذه هي غاية وهدف الدوحة وأنقرة، في ظل
تنافسهما وصراعاتهما مع المنافس الإماراتي اللدود، في المنطقة اليمنية،
في ظل صراع المحاور والاستقطابات الخارجية.

وما يعُزّز هذا الرأي، ضبط القوات الموالية للإمارات عمليات التهريب
المتكررة للأسلحة التركية إلى سواحل محافظتي شبوة وأبين، طيلة الشهور
الماضية، ويعتقد أنّها تصل من السواحل الصومالية المقابلة، حيث تمتلك
تركيا هناك قاعدة عسكرية استراتيجية.

وهو ما ذكرته مصادر إعلامية تابعة لقوات الدعم والإسناد بمحافظة أبين،
قيامها بإفشال صفقة تهريب أسلحة في منطقة "أحور" بمحافظة أبين المجاورة
لشبوة، كانت على متن سفينة "زعيمة" ينتظر تسلّمها عناصر مسلحة في محافظة
شبوة، وعلى علاقة مباشرة بالسلطات المحلية وقيادتها هناك، قبل أن تشتبك
معهم قوات الدعم والإسناد.

وهو ما يتبناه إعلاميون وقياديون في المجلس الانتقالي الجنوبي، الموالي
للإمارات، حيث تتفق تصريحات عدد كبير وتؤكد أن شبوة وثرواتها أصبحتا في
خطرٍ محدقٍ عبر سعي بن عديو إلى تسليم المحافظة ومقدراتها وموانئها
للموالين إلى قطر وتركيا.

وهي اتهامات صريحة من مناهضي بن عديو، الذين يشيرون إلى تورطه في محاولات
جعل شواطئ شبوة منصة لتوغل تركي وقطري إلى اليمن، خاصة وأن الدولتين
تسعيان إلى إيجاد موطئ قدم لهما بالقرب من المنطقة الجنوبية، بحسب
الموالين للإمارات.

وهو ما أشار إليه المقدم محمد سالم البوحر، قائد النخبة الشبوانية، الذي
حمّل محافظ شبوة محمد صالح عديو مسؤلية تدمير النسيج الاجتماعي الشبواني
من خلال فتح أبواب المحافظة على مصراعيها لمليشيات الاصلاح واحتضان
الإرهابيين، حد وصفه.

كما كشف البوحر في برنامج (الصحافة تقول) من قناة (الغد المشرق) قبل
أيام، في ردٍ على تصريحات بن عديو التلفزيونية، عن مخطط "إخواني حوثي"
برعاية المحافظ بن عديو يستهدف ثروات شبوة، وتسليمها لقوى معارضة للتحالف
العربي.

وأكد البوحر أن إعلان المحافظ الحرب على النخبة الشبوانية؛ يأتي بسبب
قيام النخبة بقطع دابر الأعمال الإرهابية في المحافظة، وأعمال التهريب
التي يتبناها بن عديو وإعادة الأمن والاستقرار إلى شبوة.

كما كشف البوحر في سياق حديثه عن علاقة المحافظ بن عديو بوصول طائرات دون
طيار تركية عبر ميناء قنا، ولقاءاته بمسؤول تركي جهاراً نهاراً، بحسب
قوله.

كما لفت إلى توصيل المعدات والأسلحة المهربة، ومنها الطائرات التي تم
تفجيرها في شقرة، كما اتهم البوحر عددا من القادة العسكريين التابعين
للحكومة اليمنية باستلام المعدات والأسلحة، في جبهة شقرة التي تسيطر
عليها القوات الحكومية.

بالإضافة إلى اتهاماته بعداء السلطة المحلية في شبوة للتحالف العربي،
وموالاتها لقطر وتركيا، والعمل لصالح تنفيذ أجندات الدوحة وأنقرة في
الجنوب، وفقاً لتصريحاته.

هل ستنسحب الإمارات من بلحاف؟

يرى متابعون سياسيون أن انسحاب الإمارات من بلحاف غير وارد حالياً، رغم
مطالبات بن عديو النارية، وذلك وفقاً لاعتبارات عديدة.

أهم تلك الاعتبارات علاقة الإمارات الوثيقة- حتى الآن- بالمجلس الانتقالي
الجنوبي، بالإضافة إلى تداخل لاعبين دوليين في شأن تصدير النفط والغاز
اليمني، وهم شركاء تاريخيين في هذا المجال.

ويأتي ذلك بسبب حصول فرنسا على نصيب الأسد من منشأة بلحاف الغازية،
والإمارات هي التي تقوم بحماية مصالح عدد من الدول المؤثرة في المنطقة،
بحسب متابعين.

كما أن المواجهة بين أنقرة والدوحة من جهة، وبين الرياض وأبوظبي تحتم
بقاء القوات الإماراتية والتحالف العربي في هذا الموقع الاستراتيجي
الهام، حتى وإن استمر تعطيل تصدير النفط والغاز من الموانئ اليمنية.

وهو الأمر الذي من المرجّح، ألا تقبل به أبوظبي ولا حليفتها باريس، كما
لا ننسى أن الأخيرة تخوض حرباً من نوعٍ آخر مع تركيا على ضفاف البحر
الأبيض المتوسط، جنوب شرق أوروبا.