آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-06:10ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. هل حان أوان طرح القضية العدنية ضمن أي حوار سياسي يمني؟

الإثنين - 19 أكتوبر 2020 - 09:32 ص بتوقيت عدن

(تقرير).. هل حان أوان طرح القضية العدنية ضمن أي حوار سياسي يمني؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول تاريخ وواقع القضية العدنية ويستشرف مآلاتها ومستقبلها..

مظالم ما بعد 1967.. لماذا أُقصيَ السياسيون العدنيون عقب الاستقلال مباشرةً؟

كيف تم الاستيلاء على رؤوس الأموال العدنية وتهجير أصحابها؟

إقصاء العدنيين منذ أكثر من خمسة عقود.. هل يعطي الحق بوجود قضية عدنية؟

ما العلاقة الحاكمة بين القضيتين العدنية والجنوبية.. وهل استغلت إحداهما الأخرى؟

هل هناك أطراف سياسية تدفع العدنيين لمواجهة القوى الجنوبية الأخرى؟

الكيانات السياسية العدنية.. لماذا ما تزال خجولة في الحديث عن مطالبها؟

إحياء الصوت العدني

تقرير / بديع سلطان:

خلال مجريات مؤتمر الحوار الوطني الشامل (سبتمبر 2013 - مارس 2014)، وقعت
خلافات حادة في أروقة المؤتمر حول الفترة الزمنية التي ينبغي أن تنطلق
منها وتتضمنها إجراءات العدالة الانتقالية في اليمن.

ويقصد بالعدالة الانتقالية، معالجة جذور الصراعات والخلافات والانتهاكات،
واسترداد حقوق المنتهكين، وجبر ضرر المتضررين، وفرض العدالة؛ تمهيدًا
للانتقال إلى عهد جديد خالٍ تماماً من مسببات أو دوافع أية صراع جديدة.

بلغ الاختلاف أوجه، فمن المشاركين من يحدد بدء الأخذ بالعدالة الانتقالية
ببدء الأزمة اليمنية الراهنة في 2011، ومنهم من يُرجعها إلى بداية الحراك
الجنوبي السلمي في 2007، والبعض يربطها ببدايات حروب صعدة مع الحوثيين
منذ 2004، وآخرون يعيدونه إلى حرب صيف 1994.

كما أن البعض يعيده إلى ذروة صراعات الرفاق في عدن خلال أحداث 1986، وما
قبلها من أحداث دموية خلال فترة تصفية واغتيال رؤساء اليمن شمالاً
وجنوباً (1977 - 1978)، وما ارتبط بها من حروب في المناطق الوسطى
ومواجهات عسكرية بين الشمال والجنوب.

غير أن اللافت في تلك الخلافات هو اقتراحٌ وُصف بأنه "غريب نوعاً ما"،
حيث كان اقتراحاً بالنسبة للكثير من المشاركين في مؤتمر الحوار جديداً
ومثيراً في نفس الوقت.

كان الاقتراح المطروح دوناً عن ما سبق من اقتراحات خاصة بالفترات الزمنية
الخاصة بالعدالة الانتقالية، يتحدث عن فترة ما بعد عام 1967 في مدينة عدن
تحديداً، دون غيرها من مناطق اليمن الأخرى، حتى أنه يستثني ارتباطها
بقضية الجنوب المجاور لها.

ظهور مصطلح القضية العدنية

وجه الغرابة والإثارة في هذا الاقتراح أنه يطرح لأول مرة في الأدبيات
السياسية اليمنية مصطلح "القضية العدنية"، ويتحدث عن معاناة وظلم تعرض
لها أهالي وسكان عدن عقب عام 1967، وهو العام الذي غادرت بريطانيا
المدينة التي احتلها 130 عاماً، وسلمتها "لغير أهلها"، بحسب وصف المتبنين
لهذه القضية.

كما أن ما جعل هذه القضية مثاراً للغرابة أنها تختلف عما دونها من
القضايا المرتبطة بتصفيات دموية واغتيالات وصراعات مسلحة وحروب بيت شطري
اليمن، خلفت الكثير من المآسي، والاختطافات والإخفاء القسري، والقتل خارج
القانون، وتداعيات ما زالت آثارها مستمرة إلى اليوم.

إلا أن من يتبنى هذه القضية، يرى أن مدينة عدن لم تكن بمنأى عن آثار
المآسي والمعاناة التي طالتها بعد تسليم المدينة لغير أبنائها، من
المنتمين للسلطنات والمشايخ التي كانت تجاور عظن وتحيط بها شمالاً
وشرقاً، وبمجرد خروج الإنجليز سيطروا على كل مقدرات المدينة.

لذلك فهم يطالبون بالحصول على الإنصاف الحقيقي والعادل، وسبق وأن طالبوا
خلال مؤتمر الحوار الوطني بشمول قضيتهم ضمن الفترات الزمنية التي من
المقرر أن تعالجها العدالة الانتقالية في اليمن عموماً، وهو المؤتمر الذي
شهد ظهور مصطلح "القضية العدنية".

وتوارى هذا المصطلح خلال السنة الأولى من حرب 2015، لكنه ظهر مؤخراً- ولو
بشكل مخجل- خلال السنوات الخمس الماضية، لكنه بدأ يتصاعد شيئاً فشيئاً
بالتزامن مع المشاورات والمفاوضات التي تشهدها العاصمة السعودية الرياض
حالياً بين الأطراف اليمنية.

وكغيرها من القضايا، تنطلق القضية العدنية من خلفيات ومطالب حقوقية،
لكنها تسعى للفوز بامتيازات سياسية في المقام الأول؛ حتى تستطيع استعادة
حقوقها المسلوبة، وفقاً لتوصيف روادها.

خلفيات القضية العدنية

تتحدث أدبيات الحركات السياسية التي تبنت القضية العدنية، ومنذ وقتٍ مبكر
عن تاريخٍ من الانتهاكات والحقوق الضائعة لأبناء عدن، ويمكننا أن ننقل في
ما يلي من سطور بعضاً من تلك الإشارات.

في عام 1967 ترك الإنجليز مدينة التي احتلوها عام 1839، وقاموا بتسليمها
لغير أهلها ممن زحفوا بجحافلهم من المناطق المجاورة، ليبسطوا سيطرتهم على
المدينة ومقدراتها ومؤسساتها وشركاتها، وحتى منازل مواطنيها وممتلكاتهم.

ويشير منظرو القضية العدنية منذ عقود إلى أن القادمين من السلطنات
والمشايخ والإمارات المحيطة بعدن، بعد أن تسلموا المدينة والجنوب برمته
من الإنجليز، سعوا إلى القضاء على كل ما يميز مدينة عدن عن قراهم
وجبالهم.

حيث لم يستطيعوا الموائمة بين ما كانوا يعيشونه من بؤس وفقر تحت حكم
مشايخهم، وبين ما كانت تتمتع به عدن من تنوع حضاري ورفاه اقتصادي وشوروية
سياسية، وتعدد اجتماعي خلاق.

ومضوا إلى تدمير كل ميزات عدن، عبر حكم المدينة بالحديد والنار، تحت مسمى
الأيديولوجية المنغلقة التي أغلقت أهم موانئ العالم، وطاردت رؤوس الأموال
ورجال الأعمال والتجار، واعتقلت كل من يخالفها، على العكس تماماً من قيم
التعايش والقبول بالآخر التي تعودت عليها عدن.

وينظر رواد القضية العدنية إلى تلك الأعمال بأنها عملت على تدمير عدن،
وقتل رجالها وسحل علمائها وفقهائها، ونهب جميع ممتلكاتها ومؤسساتها
وشركاتها، وتأميم أراضيها ومساكنها وثرواتها، تحت مبرر أيديولوجي بذريعة
النهج الاشتراكي، بينما في الحقيقة تعرضت للنهب، وتم تشريد أصحابها في
شتات العالم.

ويرى منظرو القضية العدنية أن ممارسات حكام عدن الجدد بعد الاستقلال كان
هدفها طمس الهوية العدنية، وتكلل هذا الهدف من خلال تحالفهم مع النظام
السوڤييتي الشيوعي، الذي عطل ميناء عدن، وعمل على نهب ثروات الجنوب على
مدى أكثر من عشرين عاماً.

كما أن المراجع التي تتحدث عن القضية العدنية، تناولت الزج بمدينة عدن
والجنوب برمته في وحدة وصفتها بأنها "غوغائية" وغير محسوبة العواقب، مع
ما أسمته نظام قبلي عسكري في الشمال، لم يختلف كثيراً عن الأنظمة القبلية
العسكرية التي كانت تحيط بعدن وتجاورها قبل الاستقلال، وحكمتها بعد
الاستقلال.

كل ذلك السرد التاريخي، والخلفية المطلبية، التي توحي بوجود مظالم تعرض
لها أبناء عدن، تؤكد أنه حان الوقت لأن يتم طرح القضية العدنية وبقوة على
أصحاب الشأن، لإنصاف العدنيين.

أرقام وإحصائيات

تتطرق العديد من مقالات الكتاب العدنيين، والمؤرخين اليمنيين إلى
انتهاكات كثيرة شهدتها عدن، تسببت في تحويل المدينة التي كانت مركزاً
للتنوير الحضاري نهاية ستينيات القرن الماضي، إلى مجرد مدينة أشباح عقب
الاستقلال.

حيث تؤكد المعلومات أن الفترة ما بين عامي 1967 - 1973، شهدت الكثير من
الممارسات التي ترتقي إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة، مثل مقتل ما يزيد
على 1700 عدني من الرجال والشيوخ، وقتل وسحل العشرات من العلماء
والفقهاء.

بالإضافة إلى سجن ما يزيد عن 20 ألف عدني وإخفاء العديد منهم قسرياً،
وتشريد ما يربو على 100 ألف عدني في بلدان الشتات حتى يومنا هذا، خلال
الفترة المذكورة من السنوات الست.

كما تصف المقالات التاريخية عمليات التأميم الأيديولوجية في عدن، بأنها
لم تكن سوى ممارسات "نهب" لأكثر من 23 ألف منزل عدني، وتمليكها للأتباع
القادمين من خارج عدن، بالإضافة إلى الاستيلاء على ما يزيد على 500 شركة
ومؤسسة عدنية، تساوي بحسابات اليوم مليارات الدولارات.

ولم ينسَ المؤرخون الإشارة إلى فترة ما أسموها "العمالة" للنظام
السوڤييتي، الذي سيطر على الجنوب ونهب ثرواته، وأدخل البلاد في صراعات
داخلية، وصراعات أخرى مع جيرانها ومحيطها، وتهديد السلم العالمي في منطقة
مهمة من العالم.

إقصاء العدنيين

ضجت عدن، بداية الأربعينيات من القرن الماضي وحتى أواخر الستينيات، بحركة
علمية وثقافية وعمالية وفكرية كبيرة، دفعتها لتكون مركزاً تنويرياً في
الجزيرة والخليج، وما ساعد على ذلك أن عدن كانت مركزاً تجارياً
واقتصادياً محورياً في الشرق الأوسط.

وتلك الحركة الفكرية والتعليمية أخرجت العديد من الأسماء والشخصيات
والأسر والعائلات العدنية الرائدة في الكثير من المجالات الثقافية
والحقوقية وحتى السياسية.

ويمكن أن نذكر بعضاً من تلك العائلات، من بينها عائلة لقمان، بيومي،
باهارون، بيت خليفة، باشراحيل، وغيرهم الكثيرون، تقلدوا العديد من
المراكز القضائية والعسكرية والمالية والسياسية، والثقافية والإعلامية.

وبمجرد تسليم الإنجليز مدينة عدن لمكونات من خارج عدن، سعوا إلى إقصاء كل
تلك الشخصيات وغيرها، من رموز العلم والثقافة، وكانوا رواداً في مختلف
المجالات السياسية والعلمية، وتولوا بالفعل مناصب حكومية في عدن، وكان
يمكن لعملية استيعابهم خلال فترة ما بعد الاستقلال أن تستفيد المدينة من
خبراتهم وجهودهم.

هذا الإقصاء يتحدث عنه العدنيون اليوم، ويشيرون إلى أنه يتكرر مرةً أخرى،
أمام إصرار العديد من المكونات السياسية الجنوبية إلى تجنب التطرق لأي
شيء يتناول مظالم العدنيين، كما يعملون على تهميش الشخصيات العدنية،
وتقديم من ينتمي إلى مناطقهم أو قراهم حتى.

ويعتبرون أن هذه الممارسات تعود اليوم بوجه جديد، لكن بنفس العقلية التي
لا تؤمن سوى بالتهميش والاقصاء، باعتباره سبيلاً لتحقيق مآربهم في
الاستيلاء مجددًا على الحكم والثروة، وفقاً لأنصار القضية العدنية، الذين
استشهدوا بتاريخ طويل من إقصاء الأسر العدنية التي عانت من ويلاتهم،
معتبرين أن مثل هذه الأعمال منهم ستبعد شبح القضية العدنية التي مازالت
تقض مضاجع الكثيرين.

حتى أن بعضاً من المواليين للقضية العدنية يعتبر ما تعرض له الجنوبيون ما
بعد حرب 1994، من إقصاء وتهميش وإبعاد، هو في الأساس بسبب إقصاء العدنيين
وتهميشهم طوال عقد ونصف من حكم الجنوب قبل الوحدة اليمنية.

ولهذا يعتقد أنصار القضية العدنية أن هذه القضية هي مفتاح الحل بالنسبة
للقضية الجنوبية، فمظالم العدنيين تعتبر الجذر الأصيل والعميق، والمحتوى
الأساسي للقضية الجنوبية.

علاقة القضية الجنوبية بالقضية العدنية!

يعتبر عدد كبير من المحللين أن القضية الجنوبية ما هي إلا امتداد للقضية
العدنية، غير أن ثمة إصرار على عدم الاعتراف بهذه الحقيقة، بحسب محللين.

ويضيفون: أن ما لحق بعدن بعد الاستقلال عن الاستعمار البريطاني يشبه إلى
حد كبير ما لحق بالجنوب بعد حرب صيف عام 1994، سواء من حيث المظالم
الحقوقية أو أعمال النهب للممتلكات الخاصة والعامة، أو التهميش المتعمد
لأبناء عدن والإقصاء المباشر لهم من الوظائف العامة والمراكز القيادية في
جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

ويؤكد غير واحد من المحللين أن ما يشعر به غالبية الجنوبيين الآن شعر به
من قبل غالبية أبناء عدن من ظلم وحيف لحق بهم وبهويتهم وأرضهم
وممتلكاتهم؛ بدواعٍ وحجج مشابهة لحجج نظام صنعاء القائم حينها.

حيث كان التبرير أن الوحدة اليمنية تعتبر خط أحمر، وعودة الأصل للفرع وما
إلى هنالك من تبريرات، كما اشتكى أبناء عدن من نفس العنصرية البغيضة التي
يشتكي منها الجنوبيون اليوم، ومن الإحساس بالغربة في مدينتهم وعلى أرضهم؛
مما دفع بعشرات الآلاف من الكوادر وأصحاب الكفاءات إلى الهجرة خارج
مدينتهم.

فعدن، بما كان لديها من مخزون إداري وتعليمي وكفاءات إبداعية في مجالات
عدة وثقافة فريدة اكتسبتها من كونها مستعمرة بريطانية، كان بإمكانها أن
تكون قاعدة انطلاق للعديد من المشاريع النهضوية في جنوب اليمن، بحسب
محللين.

ولكن أولئك المحللين يتحسرون من أن ذلك لم يحدث، بل أن ما حدث كان العكس
تماماً، فهذا التراث والمخزون الحضاري "العدني" هو نفسه ما يفاخر به معظم
الجنوبيون اليوم، على اعتبار أن الجنوب كان دولة نظام وقانون ومؤسسات،
وأن المجتمع الجنوبي كان مجتمعاً متسامحاً، وفي الحقيقة أن ذلك التاريخ
هو تاريخ عدن وإرثها الحضاري، بينما يدرك الكل تفاصيل التاريخ الدموي
لجمهورية الديمقراطية الشعبية.

كذلك القول بأن دولة الجنوب كان بإمكانها أن تصلح دولة اليمن الموحدة
الجديدة لولا تخلف نظام صنعاء ودمويته، في تشابه ليس بغريب بين حالتين
متقاربتين زمنياً.

فمن يطالب بأن تكون القضية الجنوبية هي الأساس لحل كل قضايا اليمن لا
يمكن أن يغفل أن هناك قضية في عدن وقضية أخرى ربما في حضرموت تتشابهان في
حيثياتهما تماماً مع حيثيات القضية الجنوبية وعوامل بروزها.

وينصح المحللون بأنه لا بد من وضع الأمور في نصابها؛ من أجل تصحيح
الأوضاع للأجيال القادمة؛ ولذلك لا ينبغي الخجل من تسمية الأشياء
بمسمياتها، فالقضية الجنوبية هي امتداد طبيعي لقضية قبلها مشابهة لها إلى
حد كبير تسمى القضية العدنية.

لذا يقترح محللون على من أراد أن يعرف ماهية القضية العدنية فأسهل الطرق
لها هو معرفة حيثيات القضية الجنوبية اليوم، واستبدال مصطلح الجنوب بعدن.

فالاختلاف بين القضيتين هو أن القضية العدنية وبسبب تقصير أبنائها توشك
أن توضع على الرف وتُنسى، أما القضية الجنوبية فلها من ينادي من أجل حلها
استناداً على مبدأ القوة والغلبة المشابه هو ايضاً لأسلوب نظام صنعاء في
بداية التسعينيات، وبداية انطلاق الحراك الجنوبي السلمي.

وكما هي الأسباب متشابهة، فإن حل القضيتين والحل أيضاً متشابه إلى حد
التطابق تقريباً، تماماً مثلما ينادي غالبية ابناء الجنوب بضرورة أن يحكم
الجنوب أبناؤه-من غير العدنيين طبعاً- ينبغي كذلك، ونحن في عصر الحكومات
الفيدرالية، أن يعطى نفس هذا الحق لأبناء المناطق الأخرى، مع الإبقاء على
دولة مركزية في نظام فيدرالي تدير الشؤون الخارجية والسياسات النقدية،
وإلى ما هنالك من أمور سيادية.

ويخلص المحللون للقول بأن هنالك بلا شك قضية جنوبية، ولكن أيضاً هناك بلا
شك قضية عدنية وقضية حضرمية وقضايا أخرى.. فهل من معترف؟.

كيف ستفرض القضية العدنية نفسها؟

يرى سياسيون أن ما وصلت إليه الكثير من القضايا على الساحة المحلية من
تحقيق مكاسب سياسية وحتى عسكرية، يستوجب أن تفرض القضية العدنية نفسها
وتتواجد بقوة على طاولة أية مفاوضات أو حوارات سياسية قادمة تخص مستقبل
اليمن.

ويعتقد السياسيون أن القضية العدنية ليس أقل أهمية من القضية الحضرمية
مثلاً التي استطاعت أن تفرض نفسها مؤخراً من خلال مؤتمر حضرموت الجامع،
أو حلف قبائل حضرموت، أو حتى القضية السقطرية والمهرية التي تشير تسريبات
مشاورات الرياض إلى أنها فازت بحقيبة وزارية في الحكومة المقبلة.

غير أن الطريق الذي يسلكه العدنيون في قضيتهم يختلف كثيراً عن أساليب
القائمين على القضية الجنوبية أو الحضرمية أو غيرهما.

فأبناء عدن مخلصون لهويتهم وثقافتهم المتمسكة بالسلام، والحوار والتعايش،
لهذا من المستبعد أن تلجأ القضية العدنية للعنف مثلاً، أو قوة السلاح، أو
حتى الضغط بالمظاهرات والاحتجاجات لنيل حقوقها، وستمضي في طريق مطالبها
بطرقها الحضارية الخاصة بها، التي تنتصر لقيم مدينة عدن وهويتها.

وكل ذلك يأتي في إطار إعادة الاعتبار لمدينة عدن وإرثها المدني والسلمي
والحضاري، بحسب السياسي عبدالكريم قاسم فرج الذي دعا قبل أيام إلى
الاعتراف بالقضية العدنية، وضرورة إنصاف من أسماهم بـ"العدانية"، ومنحهم
حقهم في السلطة والدولة والثروة.

وأضاف فرج، فيما نقلته (عدن الغد): "في أي تسوية سياسية قادمة يجب أن
تكون القضية العدنية حاضرة وبتمثيل عدني خالص، ومن حق عدن أن تكون لها
مكانة متميزة مثلها مثل حضرموت مثلاً".

واستطرد السياسي فرج: إذا كان لحضرموت مؤتمر جامع فيحق لعدن أن يكون لها
مؤتمرها الجامع أيضاً، ومن أهدافه جعل عدن محافظة مستقلة مالياً و
إدارياً، كما من حقها أن تشكل برلمانها وحكومتها في ظل الدولة اليمنية
الاتحادية.

وأكد فرج أن إعادة الاعتبار لمدينة عدن مهمة كل الشرفاء في اليمن، وليس
في عدن أو الجنوب فقط، ويكفي ما عانته هذه المدينة وأبنائها من ظلم
وإجحاف.

القضية العدنية.. هل ستعالج القضية الجنوبية؟

يؤكد مراقبون أن القضية العدنية هي مفتاح حل القضية الجنوبية، كون القضية
العدنية هي الجذر الأصيل والعميق والمحتوى الحامل للقضية الجنوبية، ويمكن
أن تكون القضية العدنية، عبر أساليب حلها ومعالجتها وتلبية مطالبها
بدايةً لحل قضية الجنوب.

فإذا كانت القضية الجنوبية تحتاج إلى اعتذار من نظام صنعاء، وهو ما حدث
في مؤتمر الحوار، وتشكيل لجان متخصصة لتقصي الحقائق وإعادة المبعدين
والمسرّحين عن وظائفهم، ووضع معالجات لمشكلات وقضايا الأراضي المؤممة
والممتلكات والعقارات، فإن هذا يعتبر أمراً مرتبطاً بالقضية العدنية
نفسها.

وقد يكون ذلك ويتحقق وفق عدد من الخطوات التي اقترحها مراقبون، منها
إنشاء لجان تقصي حقائق والاعتراف والاقرار بالقضية العدنية كقضية وطن
وشعب مظلوم وهوية تم طمسها ومسخها، وأن عدن منكوبة منذ 1967، بالإضافة
إلى الاعتراف بأن القضية العدنية أساس القضية الجنوبية والحراك السلمي
الجنوبي.

كما يقترح البعض تشكيل لجان أخرى خاصة بالقضية العدنية؛ للكشف عن
المعتقلين والسجناء واللاجئين والمشردين العدنيين في الشتات داخل وخارج
اليمن، ومنحهم كامل حقوق المواطنة التي سلبت منهم ودعوتهم رسمياً للعودة،
وتوفير كل ما يلزم لعودتهم إلى عدن كمواطنين أصليين، واستعادة حقوقهم من
هوية وتاريخ وأموال وممتلكات ومكانة اجتماعية.

موقف المكونات الجنوبية واليمنية

تُتهم القضية العدنية بأنها تعمل على شق صف المجتمع الجنوبي، أو أنها
تسعى إلى تمزيق الوحدة الجنوبية، لكن هذه الادعاءات لا تصمد طويلاً بمجرد
الإشارة إلى أن الحضارم لديهم هم أيضاً قضيتهم، التي نالوا من خلالها بعض
المكاسب، ورغم هذا فهم متمسكون بواحدية الجنوب.

كما تكال التهم للقائمين على القضية العدنية بأنه يتم دعمهم من قبل أطراف
سياسية يمنية، نكاية بالمجلس الانتقالي أو المطالبين بانفصال الجنوب؛
بهدف خلط الأوضاع وتشتيت جهود الجنوب لاستعادة دولته وتحقيق مطالبه.

لكن هذه التهم تتلاشى هي الأخرى، لسبب بسيط يكمن في أن معظم الكيانات
العدنية المطالبة بإنصاف القضية العدنية ما زالت تنشط بشكل خجول جداً، لا
يرتقي إلى حجم القضية العدنية ومطالبها المنصفة، وأن أي دعم من أي أطراف
يمنية قد يصل هذه الكيانات الصغيرة، والتي في غالبيتها كيانات شابة، من
شأنه إذا توفر أن ينهض بنشاطات الكيانات العدنية التي مازالت جهودها دون
المستوى.

وكل هذا الجدل والخلاف، يقودنا إلى مواقف العديد من الكيانات والأحزاب
اليمنية والجنوبية تجاه القضية العدنية، التي تصاعدت مطالبها مؤخراً،
بالتزامن مع مشاورات الرياض الحكومية.

فالحكومة الشرعية مثلاً، من مصلحتها قيام مثل هذه المطالب التي تنادي بها
القضية العدنية؛ بحكم أنها تؤسس لنظام فيدرالي اتحادي تتبناه الحكومة
اليمنية وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.

وهو ما انعكس على أهم مخرجات مؤتمر الحوار فيما يخص عدن، والتي أفردت
خصوصية مميزة لمدينة عدن، دوناً عن مثيلاتها من المدن اليمنية، بما فيها
صنعاء.

في المقابل، تمثل مطالب القضية الجنوبية، معارضة لجهود ومطالب المجلس
الانتقالي مثلاً أو فصائل الحراك الجنوبي حتى؛ لسبب بسيط يكمن في أن
القضية العدنية تتوجس من الانتقالي أو الحراك بحكم اقتراب انتماء
المتورطين بمظالم العدنيين بانتماءات القائمين على المكونات الجنوبية
والحراكية.

على طاولة المفاوضات

يؤكد غير واحد من المراقبين والسياسيين أن القضية العدنية يجب أن تكون
على طاولة أية مفاوضات أو حوارات سياسية تتحدث عن مستقبل البلاد.

كما شددوا على أن أبناء عدن لهم حق التمسك بالحكم الذاتي لمدينتهم،
وإدارة وتسيير شئونها بأنفسهم، خاصةً وأن عدن لا تنقصها الكفاءات أو
الكوادر المؤهلة.

وحالياً، يؤكد كثيرون أن القضية العدنية أصبحت على طاولة أعلى المستويات
السياسية، محلياً وإقليمياً، بحسب المراقبين، وحان الوقت بأن تدار عدن من
قبل أبنائها أسوة بباقي المحافظات الأخرى.

وكشفت مصادر سياسية في العاصمة السعودية، عن وجود وفد عدني في الرياض،
يعمل على تأكيد أحقية أبناء عدن بإدارة مدينتهم؛ بهدف تجنيبها الصراعات
والحروب والمماحكات السياسية، اعتماداً على النظام الفيدرالي والحكم
الذاتي.

فهناك دول عظمى تدار بنظام حكم فيدرالي معتمد على الأقاليم، كما أن هناك
دولاً نامية حققت مراحل متقدمة من النمو الاقتصادي والتطور التعليمي،
بالاعتماد على نظام فيدرالي بين الأقاليم والمحليات، مثل ماليزيا
والإمارات وغيرهما.

وحتى نستطيع تحويل كل تلك القيم إلى واقع وحقيقة في بلادنا، علينا احترام
خصوصياتنا، والاعتراف بتنوعنا واختلافاتنا، كما فعل غيرنا، حتى ننجح في
النهوض وتحقيق التنمية المنشودة.