آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-02:57ص

ملفات وتحقيقات


لماذا ظل الرئيس قحطان الشعبي"يتمترس"في عدن متمسكاً بالشرعية الحكومية وفي جعار"يتمترس"المعارضون استعداداً للانقضاض على الحكم ؟

السبت - 17 أكتوبر 2020 - 03:12 م بتوقيت عدن

لماذا ظل الرئيس قحطان الشعبي"يتمترس"في عدن متمسكاً بالشرعية الحكومية وفي جعار"يتمترس"المعارضون استعداداً للانقضاض على الحكم ؟

(عدن الغد) خاص

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة ( التاسعة والعشرون ).

متابعة وترتيب / د / الخضر عبدالله :

تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها اللالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات االتي سبق لــ" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة ) للرئيس علي ناصر محمد .

وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .

وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .

حيث يذكر لنا في مذكراته عن وقائع وأحداث وتغيرات المت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م ) حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات نسردها في أثناء السطور وإليكم ما جاء فيه.

تدهور الوضاع

عجبت كثيراً وان اتابع المحطات الذي ذكرها الرئسي الأسبق لجنوب اليمن علي ناصر محمد حيث اتحفنا بمعلومات كنا في جهالة عنها خاصة الأحداث التي مرت بها جنوب اليمن انذاك .. وفي هذه الحلقة يروي لنا كعادته بسرد الذكريات التي عاصرها في تلك الحقبة الزمنية حيث يقول :" استمرت الأوضاع تدهوراً والقيادة تفتتاً. ففي العاصمة "يتمترس" الرئيس قحطان الشعبي ومجموعته، ممسكين بالأطر الشرعية الحكومية، وفي جعار "يتمترس" المعارضون... استعداداً للانقضاض على الحكم.

في 12 أيار/ مايو كنتُ في دار الرئاسة ضمن مراجعاتي العادية لمتابعة الوضع السياسي والحكومي مع الرئيس قحطان الشعبي، وكان حاضراً معه خالد عبد العزيز وبعض القيادات. واستمعتُ إلى ما ذكره خالد عبد العزيز، عضو اللجنة التنفيذية، من أنّ الطريق الصائب للخروج من الأزمة، تشكيل "مجلس قيادة الثورة"، بديلاً من "القيادة العامة" وإعطاؤه صلاحيات ضبط الوضع والسيطرة على الفوضى بعد التطورات التي شهدتها زنجبار وجعار بقيادة سالم ربيع علي. وأكدت له أنّ مثل هذا القرار يعني إبطال نتائج المؤتمر الرابع للجبهة، وإسقاط القيادة العامة المنتخبة. ولم نتوصل إلى اتفاق بشأن هذا الموضوع، وتشكيل مثل هذه الهيئة يتطلب اجتماع للقيادة العامة أو عقد مؤتمر يبتّ في ذلك. وقد طلب مني الرئيس التوجه في اليوم التالي إلى أبين للقاء مع سالم ربيع علي، لإقناعه بالحضور إلى عدن لمقابلة الرئيس ومناقشة كافة القضايا التي لديه، فالبلاد لا تتحمل مثل هذه الخلافات والانقسامات.

ثورة داخل الثورة  

ويتابع حديثه ويقول :" و في صباح اليوم التالي توجهتُ إلى جعار مع كل من محمد سليمان ناصر ومحمد صلاح، بتكليف من القيادة العامة، حيث انتقل فريق من القيادات السياسية المتصلبة إلى هناك ضمن محاولة لتحدي فريق الرئيس قحطان. التقيتُ في أبين العديد منهم، وعرضتُ على سالم ربيع علي الذي كان قطب ذلك التجمع، صورة الوضع الخطر، مؤكداً أنّ البلاد لا تتحمل هزة تزيد من التمزق والتناحر، ولا تتحمل أكثر من رأس، وأنه لا بد من تغليب العقل على ردود الأفعال، وتطويق الانفعالات قبل أن يستثمرها الطرف الآخر والقوى المعادية للثورة. فالقرار الخاطئ يولد دائماً من رحم الانفعالات، وهو الابن الشرعي لها. ونصحته بالعودة معي إلى عدن للقاء رئيس الجمهورية.

ومن بين مَن ردوا عليّ، عبد الله الأشطل الذي قال إننا نقوم الآن بثورة في داخل الثورة، مهما كانت الظروف، ومهما ترتب عليها من آثار. فسألته: ما القدرات البشرية التي تعتمدون عليها في هذه الثورة؟ ومَن القوى التي ستحاربونها؟ وما الأهداف والبرامج التي تريدون تحقيقها؟ ومَن حلفاؤكم في هذه المعركة؟ وهل حددتم النتائج والاحتمالات وانعكاسات الوضع اليمني والإقليمي؟ بدت تساؤلاتي للأشطل وعدد من زملائه أنها محبطة. قال الأشطل: سنقوم بالثورة، وسيدعمنا الحزب الديمقراطي في الشمال، فأكدت له خطأ هذا الاحتمال ومحدودية تأثيره. وقلتُ إنّ العمل الناجح ينبغي أن يكون بين جماهير الشعب، ولا بد من العمل البناء الهادئ لتجاوز المصاعب والخلافات التي تواجهها الجبهة القومية. ثم أخبرتهم بما يجري تداوله داخل القيادة من أفكار، وأجواء الحيرة التي تنعكس سلباً على الثورة وعلى المكاسب التي تحققت. شعرتُ بأنهم لم يدركوا خطورة الوضع في البلاد وحماية السلطة والشعب من المغامرين الذين جاءت بهم الثورة، بين عشية وضحاها من بيروت وغيرها، ولم يُقَدِّرُوا أهمية هذه السلطة التي كان الجميع يناضل من أجل الوصول إليها عبر مراحل النضال المختلفة.

سالمين وبداية الانفعال

ويسترسل قائلاً :" حين استمع "سالمين" إلى هذا العرض، بدا عليه الانفعال، وردّ عليّ مقاطعاً: "شفنا بانسويها". قلتُ: كم من الأيام ستصمدون؟ أجاب: سنصمد في المطلع هنا 24 ساعة. قلتُ: وبعد ذلك؟ قال: سننتقل إلى المخزن ونصمد لمدة أسبوع. قلتُ: واصل. قال: وأسبوعين في جعار، ثم سنطلع يافع. قلتُ: إذاً، ماذا ستكسب من ذلك كله؟ قال بنوع من التخيل: إذا ما سارت الأمور أفضل، سنحرّر الريف وننتقل إلى تطويق المدن وندخل على كل قائد عسكري وضابط في مكتبه. أمام هذا الطرح أعدتُ على سالم ربيع علي المخاطر المحدقة بنا، وتوقفتُ عند نشاط القوى المعادية للثورة، التي تنتظر الجولة الحاسمة لإلحاق الهزيمة بحكم الجبهة القومية كله، وعندها سيدفع شعبنا ضريبة الهزيمة.

عند هذا الحدّ وقفنا في نقطة الافتراق، لم أجد سبباً يدعوني إلى تأييدهم في الخطة الرومانسية التي ستؤدي - حسب تصورات خيالهم - إلى الدخول على الضباط في مكاتبهم، خاصة أنّ الشعب كان خارجاً من معركة طويلة مع الاستعمار والسلاطين.

وقد شرحتُ لربيع ما دار بيني وبين الأخ عبد القادر سعيد، أحد القياديين في الحزب الديمقراطي، الذي كان قادماً من تعز، فأخبرني بما يمرّ به الحزب من ظروف حرجة، وعبّر لي عن مخاوف جدية من اندلاع الصراع في الجبهة القومية، أو نشوب حرب أهلية. وأكد أنه يرى ضرورة أن تتجنب القيادات السياسية للجبهة القومية مبدأ التقاتل، والعمل على معالجة المشكلات وتسوية الصعوبات بحكمة عالية. مما يؤسف له، أنه استُبعِد من قيادة الحزب، باعتباره وعبد الحافظ قائد، يمثلان الجناح اليميني الذي يرفض الانخراط في المعركة المسلحة. وللتاريخ، فإن عبد القادر سعيد كان الرجل الأكثر نضجاً والأكثر تطوراً في قيادة الحزب الثوري الديمقراطي.

اتجاهات الوضع في الشمال

ويردف بحديثه :" نقلتُ وقائع هذا اللقاء إلى سالم ربيع علي، وشرحتُ له اتجاهات الوضع في الشمال، وكيف أنها لا تسمح بتفجير الأوضاع في الجنوب. فلم يُبدِ أيّ نوع من الاستعداد لاستيعاب ما قلته. وفي هذه الأثناء دخل علينا عبد الله الأشطل() وهو يحمل بياناً باسم "أغلبية القيادة العامة" عرضه على سالم ربيع علي الذي قال لي: سنصدر البيان اليوم. فعلقتُ على ذلك دون حماسة: سيروا، ولكن لن تصمدوا، لأن الأوضاع في غير مصلحتكم، لا داخلياً ولا خارجياً.

لقد عجزتُ حقاً عن فهم الأسباب الحقيقية لهذا الاندفاع اللامسؤول الذي يعرّض الثورة ومصائر الشعب لخطر الضياع. ولاحظ "سالمين" على وجهي أمارات عدم الرضى إزاء البيان والنيات التي تختفي وراءه، وطلب مني قطعة سلاح له، فأعطيته البندقية (رشاش) التي كنتُ أحملها آنذاك، وهممتُ بالمغادرة وأنا أقول بتركيز شديد: أقول لك الكلمة الأخيرة، وأطلب أن تتأملها جيداً، إنّ التغيير لن يتم إلّا من الداخل وعبر القنوات التنظيمية وعبر الحوار، وليس عبر السلاح، وأنتم لا تملكون حتى السلاح الشخصي.

تركته ومضيتُ يخالجني شعور بالخوف من أن نكون مقبلين على جولة جديدة من الصراع تدفع به بعض العناصر الذين لا يهمهم سوى رفع الشعارات المتطرفة وكتابة البيانات مغادرة الساحات بعد الأزمات، تاركين الشعب وحده يدفع الثمن ( للحديث بقية ).