آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-04:18ص

ملفات وتحقيقات


النفايات الطبية.. الموت داخل مستوعبات و براميل القمامة

الأربعاء - 30 سبتمبر 2020 - 12:03 م بتوقيت عدن

النفايات الطبية.. الموت داخل مستوعبات و براميل القمامة

تحقيق / وليد الحميدي.

الوقاية خير من العلاج جملة ترددها الألسن وتحفظها الآذان غير أنه على أرض الواقع ليس لهذه الجملة محل من الإعراب فى قاموس المسؤولين و قطاع الأعمال خاصة داخل القطاع الصحى.

تتكبد الدولة سنويا عشرات المليارات نتيجة تقديم العلاج لمن يسكن أجسادهم المرض، نتيجة الإصابة بفيروس قاتل أو مرض عضال، ورغم أن فاتورة دعم العلاج تزداد عاما بعد الآخر، فإن المسؤولين بدلا من أن يسعوا لتفعيل آليات الوقاية، راحوا يعبثون بحياة المرضى، تاركين يد الإهمال تفترس الأصحاء، وتقضى على حلم من يبحث عن الشفاء.

النفايات الطبية صورة ماثلة لأوجه الإهمال داخل القطاع الطبى، مخاطر عدم التخلص الآمن من هذه النفايات لا تقتصر على الإنسان، وإنما تمتد للبيئة، نظراً لأن مخاطرها تصاحبها حتى بعد التخلص منها بطرق تقليدية، حيث تتسبب فى انتشار الأمراض والأوبئة.

لم يجن سعيد عبدة احدى عمال النظافة في جمع القمامة وتنظيف الشوارع بمنطقة المنصورة كابوتا سوى المرض، بعد أن قضى ثلاث سنوات عمره الـ٥٥ بين قاذورات الشوارع ومقالب القمامة العمومية.

*النفايات الطبية ترمى مع النفايات العامة

عبدة يقاوم الآن فيروس التهاب الكبد الوبائى (سى) المصاب به منذ وخزته "ابرة ملوثة" بيده أثناء العمل نتيجة ضعف نظام فرز النفايات الطبية الخطرة فى المستشفيات والعيادات الخاصة وغياب معدات السلامة للعمال.

«نحن ضحية، نحن اكثر فئة بنصاب بالأمراض، لأن المستشفيات والعيادات العامة والخاصة ترمى المخلفات الطبية فى القمامة العادية»، كلمات قليلة لخص بها الرجل الخمسينى معاناة عمال القمامة بالمنصورة، حيث يسكن نحو 600000 الف نسمة، تختزل قصة فشل تطبيق قانون البيئة لعام ١٩٧٧م تعديلاته لعام ٢٠٠٥، فيما يخص إدارة النفايات الطبية الخطرة فى المستشفيات الحكومية، والعسكرية والخاصة، من حيث جمعها ونقلها وإعادة تدويرها وِالتخلص الآمن منها.

*عمال النظافة هم العرضى لخطر في مواجهة النفايات الطبية

وتنتشر فى مقالب القمامة بالمحافظات عبوات المحاليل والحقن المستعملة وأكياس الدم الملوثة وبقايا الأنسجة، حيث تملأ القمامة العادية الملقاة فى الشوارع، ناهيك عن أعضاء بشرية مستأصلة وأجنّة وآثار الزئبق السام. 

يرتطم عمال النظافة بهذه الأدوات وسط القمامة، ما يعرضهم – وبالتبعية أسرهم – لخطر الإصابة بأمراض خطيرة مثلما حدث مع عبده سعيد .

وتنذر حالة الفوضى وتداخل الصلاحيات بين وزارات الصحة والتعليم العالى والبيئة بتفاقم المشكلة، ويساهم فى ذلك تجاهل المستشفيات لبنود الدليل القومى لمكافحة العدوى، الذى وضعته وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية عام ٢٠٠٤.

هذه القوانين والتعليمات مثالية على الورق، لكن تطبيقها شبه معدوم. المادة ٢٩ من قانون البيئة تحظر التعامل فى المخلفات الطبية الخطرة دون ترخيص من السلطات الإدارية المسؤولة؛ وهي الإدارة العامة لصحة البيئة بوزارة الصحة والسكان قديما. وتصل عقوبة المخالفين إلى السجن خمس سنوات على الأقل وغرامة لا تقل عن ٥٠الف ريال يمني قديما(لم يجدد الى يومنا هذا) وفق نص المادة ٨٨ من القانون.

*الفوضى تعم الجميع

لكن غالبية المحاضر المحررة حيال المخالفين لم تطبق، وإن طبقت فعقوبتها ضعيفة وبالكاد تصل إلى ٥٠٠٠٠الف ريال ,أى الحد الأدنى لعقوبة إلقاء القمامة العادية- وليست الخطرة – فى الشارع.

يوجد فى العاصمة عدن المؤقتة ٥ مستشفيات طبية حكومية تتبع وزارة الصحة، بين مستشفيات عامة ووحدات صحية، إلى جانب ٦٦ منشأة طبية خاصة أخرى تابعة لهيئة التأمين الصحى و٩ مراكز طبية ومستشفيات تابعة للقطاع الخاصة التجاري، وهناك أيضا ٥٠٠ منشأة صحية خاصة، بحسب بيانات مديرية الصحة للعاصمة عدن المؤقتة.

*محرقة واحدة للنفايات الطبية في العاصمة عدن..لا تعمل وهذا امر محرج

تفرز هذه المنشآت نحو ١٠ ألف كيلو جرام يومياً من مخلفات الرعاية الصحية، وفق تقرير صادر من جهاز شؤون البيئة بالمحافظة عدن فى نهاية عام ٢٠١٣.

«عدن الغد» تمكنت من توثيق مخالفات منظومة التخلص الآمن من النفايات الطبية الخطرة بزيارات ميدانية شملت ٣مستشفيات وعيادات منها ٩ مراكز طبية تابعة لمديريات المنصورة الشيخ عثمان وصيرة كونهم أكثر مديريات يوجد بهم منشأة طبية  ٣مستشفيات ووحدات صحية تابعة لوزارة الصحة و٨ مستشفيات وعيادات خاصة.

وتركزت المخالفات، وفق الرصد الميدانى، على عدم التزام منشآت طبية بالحصول على تصريح لتداول النفايات، وعدم فرز النفايات من الخطره  وفصلها بغرف وسيطةعن النفايات العادية، يضاف إلى ذلك عدم الاحتفاظ بسجلات بيئية وسجلات تسليم وتسلّم النفايات والتخلص من النفايات الطبية فى أكياس قمامة عادية ثم إلقائها فى المقالب العمومية في الشوارع .

وتبدأ محطة الخلل الأولى فى الأقسام الطبية «غرف المرضى»، حيث يشترط الدليل القومى لمكافحة العدوى وضع المخلفات الصلبة العادية كالورق والصناديق وأوانى الطعام- حوالى ٨٠ % من القمامة- داخل أكياس سوداء، أما النفايات الخطرة والمعدية والملوثة بسوائل الجسم وما ينتج عن غسيل الكلى ومخلفات التشريح والمحاقن والمواد المشعة ومخلفات الزئبق السام، فتلقى داخل أكياس حمراء يكتب عليها اسم المستشفى والقسم ووزن الشحنة.

يضاف لذلك فئة ثالثة من المخلفات الحادة كالمشارط يشترط أن توضع داخل عبوات بلاستيكية أو كرتونية منفصلة ومغلقة بإحكام.

لكن ما يحدث على أرض الواقع يتنافى مع ذلك، وفق ما رصده معد التحقيق بجولات الميدانية؛ إذ تلقى النفايات مباشرة فى مقالب القمامة العامة لتختلط المخلفات الطبية الخطرة والعادية بشكل عشوائى، وتهدد بذلك صحة عمال جمع القمامة وجميع سكان المناطق المحيطة، فى خرق الدليل الجمعية العامة للنفايات الطبية بمكتب صحة عدن.

الدليل  يُلزم المستشفيات والوحدات الصحية بنقل أكياس وعبوات النفايات الطبية الخطرة والحادة إلى غرفة وسيطة داخل كل منشأة طبية فى مكان مستقل جيد التهوية. ويشترط احتواؤها على مصدر مياه ليتم حصر المخلفات وفرزها قبل إقرار كيفية إعدامها، بوجود سجل تسلم تدوّن فيه النفايات الواردة مع بيان الوزن. بعد ذلك تكلف لجان رقابية من جهاز شؤون البيئة ووزارة الصحة بالتأكد مرة كل شهر من تطابق هذه البيانات مع سجلات المحاريق والمفارم بمديرية الشيخ عثمان للتأكد من عدم حدوث تسريب أو مخالفات لكيفية إعدامها، بوجود سجل تسلم تدوّن فيه النفايات الواردة مع بيان الوزن. بعد ذلك تكلف لجان رقابية من جهاز شؤون البيئة ووزارة الصحة بالتأكد مرة كل شهر من تطابق هذه البيانات مع سجلات المحاريق والمفارم بمديرية الشيخ عثمان للتأكد من عدم حدوث تسرب أو مخالفات...هذا كان من الماضي يعني من عام ١٩٨٠ حتى عام ٢٠٠٩..من بعد هذا العام بدا الاهمال.

ولا توجد بمديرية الشيخ عثمان سوى محرقة واحد ١ محرقة في منطقة المحاريق البعض لا يعرفها!!! أنشأتها الحكومة الرئيس السابق "علي ناصر محمد" لا نسئ ان هناك المستشفى الوحيد الذي لديها محرقة هي مستشفى عدن العام" أما للمستشفيات عامة ومحرقة خاصة واحدة أنشأتها جمعية خيرية أهلية؛ جمعية الشباب الأحياء الشعبية بالشيخ عثمان ..هذه المحارق هناك محرقة لا تعمل؛ لأن أهالى المنطقة يرفضون تشغيلها؛ خوفا على السلامة العامة.

*مستشفى عدن العام هي الوحيد الذي لديها محرقة متكامل ..لكنها مغلقة من ٢٠٠٦!!! الى الان..

أما المنشآت الطبية التى لا تحوى محارق فيفترض بها إرسال نفاياتها الخطرة إلى مستشفيات بها محارق مرخصة من وزارة البيئة بسيارات تحمل حاويات محكمة لمنع تطاير المخلفات، وبعد الحرق أو الفرم يدفن الناتج فى مدفن صحى.

ونتيجة لضعف الرقابة وغياب المساءلة، يتجه وسطاء وعمّال مكلفون بالتخلص منها إلى بيعها لجهات تعيد تدويرها مستغلة حالة الفوضى.