آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:59ص

ملفات وتحقيقات


تقرير يرصد تأثير التطبيع الإماراتي مع إسرائيل على احتمالات تواجد تل أبيب في عدن والجنوب

السبت - 15 أغسطس 2020 - 07:20 م بتوقيت عدن

تقرير يرصد تأثير التطبيع الإماراتي مع إسرائيل على احتمالات تواجد تل أبيب في عدن والجنوب

(عدن الغد)خاص:

- كيف أصبح الجنوب ضحية تجارب ومراهقات سياسية قاصرة؟

- لماذا ينقاد الجنوب نحو أيديولوجيات متناقضة في الماضي والحاضر؟
- ما هي أسباب واحتمالات التواجد الإسرائيلي في عدن والجنوب؟
- كوارث التجارب السياسية من اشتراكية شيوعية إلى وحدة اندماجية.. ما هي أسبابها؟
- لماذا تُرحب قيادات الانتقالي بتطبيع أبوظبي مع تل أبيب؟

الطريق إلى إسرائيل !

تقرير / بديع سلطان:

ذات يوم.. رأى قياديو الأحزاب اليسارية القومية العربية، وعلى رأسهم ميشيل عفلق وجورج حبش وغيرهم، من جنوب اليمن مكاناً مناسباً لتأسيس تجربةٍ ماركسية حمراء، تتبنى قيم ومبادئ الاشتراكية العلمية البحتة.
غير أن التجربة التي بشّر بها البعثيون والقوميون العرب ذبلت بسبب ضربات الصراعات المتلاحقة والتصفيات الدموية بين الرفاق.
ويبدو أن صراعات جنوب اليمن والمذابح التي شهدتها البلاد في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تأثرت بإرث الأنظمة اليسارية والقومية التي اتخذت من الانقلابات والتصفيات سبيلاً للحكم.
ولم يكتشف التقدميون اليمنيون واليساريون العرب أن الجنوب لا يصلح لأي تجربة تقدمية أو أيديولوجية إلا بعد فوات الأوان.
حيث لم يستطع حكام الجنوب تأسيس دولةٍ قوية، ولا اقتصاد يُعتمد عليه، وكيف لهم ذلك وقد أقصوا وذبحوا الخصوم السياسيين، وضيقوا على التجار والمستثمرين وأمّموا ممتلكاتهم، وأوقفوا نشاط أهم موانئ المنطقة والعالم.
لقد كان الجنوب حينذاك مجرد (حقل تجارب) كبير، للأنظمة الأيديولوجية المهترئة ليس على مستوى الوطن العربي، بل وحتى على المستوى الدولي.

الجنوب.. كحقل تجارب
في منتصف خمسينيات القرن الماضي، ألهب الانتصار السياسي الذي حققته مصر عبدالناصر على دول العدوان الثلاثي عقب تأميمه قناة السويس، حماس الشعوب العربية ومنها جنوب اليمن.
فراحت شعارات القومية العربية تجتاح مدينة عدن باعتبارها مركزاً حضارياً واقتصادياً محورياً في ذلك الوقت، خاصةً مع تواجد إحدى دول العدوان الثلاثي في المدينة.
فتبنت العديد من المكونات الحزبية والتنظيمات الوليدة في عدن والجنوب الفكر القومي العربي بنزعاتٍ يسارية، رغم أنها لم تستطع الانعتاق من التأثير الناصري على حركة القوميين العرب.
ولم يمضِ عقدٌ من الزمان حتى باتت مدينة عدن ساحة صراع بين معتنقي هذه الأيديولوجية، الذين رأوا في إقصاء الآخر سبيلاً نحو التفاوض مع الإنجليز تمهيداً لحكم الجنوب والوصول إلى السلطة.
ورغم تبني قيادة الدولة الوليدة عقب الاستقلال من بريطانيا نهجاً معتدلاً في الفكر اليساري المائل نحو اليمين، والمنفتح على محيطه العربي وجيرانه، لم تعجبهم هذه التجربة، فتم الزج بالقيادة في غياهب السجون، وتصفيتها لاحقاً.
كما أن نزعة قيادة الدولة في سبعينيات القرن الماضي نحو التجربة الاشتراكية الصينية لم تعجب الرفاق أيضاً، فتم تصفية القيادة دموياً، بالتزامن مع الإعلان عن تبني تجربة النهج الاشتراكي العلمي الماركسي، الذي أتاح المجال أمام دولة الجنوب للالتحاق بركب المعسكر الشيوعي الشرقي، والدخول رسمياً في معمعة ومعارك الحرب الباردة.

الارتماء في أحضان السوڤييت
كانت نهاية السبعينيات إعلاناً رسمياً من دولة الجنوب ومن حزبها المؤسس حديثاً، للتبعية الكاملة للاتحاد السوڤييتي وتنفيذ أجنداته ومصالحه في المنطقة، وسهلت للدب الروسي الوصول والتواجد في باب المندب، واحد من أهم الممرات والمضائق المائية في العالم.
حيث استثمر الاتحاد السوڤييتي بأيديولوجيته الاشتراكية ترحيب الرفاق، وتواجد بقوة في منطقة مهمة من العالم، واستغل هذا الوضع في تمرير مصالحه السياسية على المستوى الدولي.
كما تحكم السوڤييت بمجريات الأمور في جنوب المنطقة العربية والخليج، وأصبح مشرفاً على تحركات تجارة النفط العالمي.
ولم يكتفِ بذلك بل راح يُسلح الدولة الجنوبية بترسانة عسكرية لتهديد دول الجوار، وتقويض السلم الإقليمي، وهو ما ساهم بالدخول في حروبٍ مع الشطر الشمالي، ودعم جماعات يسارية في المناطق الوسطى والحدودية.
كما مضت الدولة الجنوبية مدعومةً بسلاح روسي من تركة الحرب العالمية الثانية في تمويل جماعات انفصالية بسلطنة عمان، الدولة المجاورة شرقاً.
كل ذلك كان يحدث والروس ماضون في نهب الثروات السمكية للجنوب، واستغلال تواجدهم في باب المندب لصالح حربهم الباردة مع الأمريكيين والمعسكر الغربي الرأسمالي.
ولم تستفد دولة الجنوب من الإمكانيات الاقتصادية التي كان يملكها الاتحاد السوڤييتي، الذي لم يساهم في تنمية البلاد النامية، أو توفير بنية تحتية مناسبة، تتناسب مع التنازلات المقدمة.

ضحية تجارب ومراهقات
كل تلك التناقضات الأيديولوجية التي مرّ بها الجنوب، وما رافقها من تصفيات دموية راح ضحيتها خيرة أبناء هذا الوطن، من سياسيين وعلماء وأكاديميين، كانت وبالاً على البلاد.
فلم تقف تأثيرات التجارب السياسية الفاشلة او تقتصر على الزمن الذي حدثت فيه، بل تعدتها لتصل إلى أجيال اليوم، وتكرر صراعات الأجداد مع الأحفاد، في متوالية من الأحقاد التي يبدو أنها لن تنتهي.
وعطفاً على نتيجة كهذه، خلفت الكثير من المآسي والثارات وأربكت المشهد السياسي، وتركت إرثاً كبيراً من الفشل التنموي والاقتصادي والعداوات بين أبناء الوطن الواحد، ارتمى الجنوب في أحضان تجربة لم يكن يعي كيفية إدارة حساباتها السياسية.
كانت الموافقة على الارتماء في أحضان الشقيق القريب، والإعلان عن وحدة (اندماجية) بين شطري اليمن، صادمة بالنسبة للكثير من المتابعين والمحللين المنطقيين.
فإذا استثنينا فرحة العاطفيين بتحقيق ما أطلقوا عليه "حلم الوحدة اليمنية"، فإن المنطقيين يستغربون من قوة ارتطام الجنوب الناتجة عن الارتماء بقوة في جسد الشقيق الشمالي، في وحدة بلا معالم وناقصة الملامح.
لكن إذا أدركنا ما هي أسباب هذا الارتماء المهرول، سيزول الاستغراب، ومرد ذلك أن الجنوب فرّ من تركة ثقيلة أفرزتها تجاربه الأيديولوجية السابقة، والتي كان عنوانها الفشل الذريع، حيث لم تخلف سوى الأحقاد والصراعات والثارات المنسحبة إلى يومنا هذا.
فكان خوض تجربة مراهقة جديدة هو الحل للفرار من مصير الاقتتال والصراعات التي لم تنته يوماً، بسبب تجارب سياسية بائسة.
وهو ما تسبب بأن يحصد الجنوب اليوم ثمار التجارب الحزبية المتعصبة بانقلاباتها وتصفياتها السياسية المؤلمة، ومراهقة السياسيين والعسكريين في تجريب المجرب، فراح الجنوب ضحية تلك التجارب والمراهقات السياسية.
لقد كان بريق الشعارات القومية والتقدمية والوحدوية هو ما يحرك قادة ذلك الزمان، الذين لم يستطيعوا تحويل النظريات إلى واقع، ربما نتيجة المثالية المبالغ فيها لتلك النظريات، أو بسبب عدم تقبل المجتمع لأفكار لم تكن نابعة من ذاته ولم تناسب طبيعته.

هل سنشهد تجربة مراهقة أخرى؟
خلال المرحلة السياسية الحالية من عمر البلاد دخل الجنوب تجربةً مغايرة قليلاً، صحيح أنها لم تختلف عن أسلوب التبعية في التجارب السابقة، لكن المتغير اليوم هو أنها تجربة بلا أيديولوجية، ولكنها ذات أبعاد ومصالح وأجندات إقليمية ودولية.
ولن نخرج عن الانصاف إذا أشرنا إلى تورط (بعض) وليس كل الجنوب في هذه التجربة التي نشهدها اليوم بين ظهرانينا.
وهي تجربة لا تخلو من الخطورة بمكان، لأنها تنسف كل ما تربى عليه الشعب الجنوبي، من قيم وثقافة ومبادئ وثوابت وطنية وعربية ودينية، شكلت هويته وتفكيره، ورسمت ملامح كينونته التي تلتقي مع الشعوب المحيطة والمشترك معها بمقومات أساسية، أبرزها الدين واللغة والثقافة، وحتى المصير المشترك.
غير أن قلة قليلة ممن انسلخوا عن كل تلك القيم تأبى إلا أن تجر نفسها إلى ما يفرضه عليها الممولون والداعمون، ولو كان على حساب الثوابت العقائدية والمصيرية.
وهو ما يجعلنا أمام تجربة جديدة، لا تنقصها المراهقة وحتى المغامرة والمخاطرة، لكن المخاطرة هذه المرة غير مقتصرة على السياسة، بل تمس قيم الهوية والعقيدة والمسلمات الوطنية والعربية والدينية.

الانتقالي وتطبيع الإمارات مع إسرائيل
تدخلت دولة الإمارات العربية المتحدة، في اليمن كإحدى دول التحالف العربي لدعم الشرعية، غير أن ممارساتها في تكوين ودعم أطراف ومكونات مناوئة للحكومة الشرعية، دفع هذه الأخيرة للاستشكال حول دور أبوظبي في اليمن.
وتفاقمت العلاقة بين الشرعية والإمارات، حتى وصل إلى إخراج الأخيرة من عدن، غير أن أبوظبي لم تخرج من المدينة إلا وقد صنعت واقعاً جديداً لحلفائها من المجلس الانتقالي في عدن والجنوب عموماً.
هذا الواقع الجديد استفاد منه الانتقالي في فرض نفسه على الحكومة، وهو ما تم في اتفاق الرياض، لذا فهو ممتن لما قامت به أبوظبي، ومن المؤكد أنه سيتبع كل سياساتها وإجراءاتها كما فعل من قبل، وهو أمر طبيعي تفرضه علاقة الداعم والمدعوم.
لكن ما ليس طبيعياً هو الترحيب والمؤازرة التي حظيَ بها قرار الإمارات في إقامة علاقات ثنائية مع الكيان الصهيوني (إسرائيل)، من قبل المجلس الانتقالي وقياداته.
فمن الطبيعي أن تلقى ممارسات الإمارات قبولاً لدى أنصار الانتقالي، بحكم علاقة الدعم، لكن ذلك لا يمكن أن يكون مقبولاً على مستوى العلاقات الدولية بين الدول.
حيث يرتقي الإعلان الإماراتي الخاص بالتطبيع مع إسرائيل إلى مستوى الشئون الدولية الخاصة بين الدولتين، رغم مساسه بمصالح وثوابت الأمتين العربية والإسلامية، غير أن الانتقالي لا ناقة له ولا جمل في قضيةٍ كهذه، ولا ينتظر أحد من الانتقالي أن يعلن موقفه من مثل هكذا إعلان.
محللون يعتقدون أن تبعية الانتقالي للإمارات هي من فرضت عليهم الإفصاح عن تأييدهم لخطوة أبوظبي، إلا أن الأمر بحسب المحللين قد لا يخلو من إشارات سياسية تتعلق بمصالح إسرائيل والإمارات في جنوب اليمن.

إسرائيل.. في عدن!
أثارت واقعة الإعلان عن تطبيع العلاقات رسمياً بين دولة الكيان الاسرائيلي ودولة الإمارات العربية المتحدة جدلاً سياسياً واسع النطاق في اليمن.
واشتد الجدل بعد أن انبرت عدد من قيادات المجلس الانتقالي لتأييد الخطوة ووصفها بالشجاعة والهامة، كنائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك، والقيادي في المجلس لطفي شطارة، الذين أشادوا بالإجراء الإماراتي.
وكان قبل أشهر قد أثير جدل سياسي عقب تصريحات لقيادات في المجلس الانتقالي تحدثت عن إمكانية إقامة علاقة بين المجلس الانتقالي والكيان الإسرائيلي.
وأعادت الخطوة الإماراتية الجدل السياسي إلى الواجهة وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تغلغل إسرائيل وبشكل واضح وعلني في مناطق جنوب اليمن وتحديداً مدينة عدن.
خاصةً وأن مصالح الإمارات وإسرائيل قد تلتقي حول باب المندب، الممر المائي الأكثر إغراءً للدول الكبرى والطامعة بالسيطرة على المنطقة.
وندد مدونون من جنوب اليمن بالخطوة وقالوا إنها مرفوضة، وتعتبر ضرباً بثوابت اليمن والأمة للعربية للقضية الفلسطينية التي يرون أنها أم القضايا العربية.
وتثير المواقف غير المدروسة، بحسب وصف المنددين، مخاوف وتحذيرات من أن يكون جنوب اليمن مرةً أخرى ساحة لنفوذ دولي جديد، على غرار النفوذ السوڤييتي، في حقبة سابقة.

النفوذ الإسرائيلي في الجنوب
كانت الإمارات حريصة على تواجدها في موانئ اليمن جنوباً وغرباً، بل وسيطرت عليها بالفعل، كما حدث في عدن منذ 2015، ثم ميناء بلحاف، والمكلا ما بعد 2016، بالإضافة إلى المخا فترة بعد 2018، وسعيها الحثيث نحو ميناء الحديدة.
ولا ننسى سيطرتها مؤخراً على جزيرة سقطرى، بفضل قوات الانتقالي في سيناريو مشابه لما حدث في عدن خلال أحداث أغسطس 2018.
كل تلك السيطرة الإماراتية ستكون عقب التطبيع مع إسرائيل ضمن أطماع تل أبيب، بالتواجد في هذه المنطقة المهمة من العالم، وهو حلم سعت من أجله إسرائيل، وحاولت عبر ارتيريا وعدد من دول المنطقة كثيراً.
وهذا ما يجعل لإسرائيل موطئ قدم في اليمن، وتحديداً في الجنوب، بمساعدة حليف الإمارات العسكري في عدن والجنوب، والمتمثل في قوات المجلس الانتقالي.
وهو خطر كبير يتهدد الأمن القومي العربي والإسلامي بحكم العلاقة غير المستقرة لإسرائيل مع العالمين العربي والإسرائيلي، لا يقل عن تهديد التواجد الصهيوني في فلسطين المغتصبة.
وهو ما يعيد الممارسات التي احترفها بعض الجنوبيين منذ ما قبل الاستقلال عن بريطانيا، والخوض في تحالفات لا تصب سوى في مصلحة الحليف الخارجي، فيما يخسر الوطن كل ثرواته وما يمتلكه من مقومات جغرافية وطبيعية استراتيجية وهامة.
وكل ذلك الخطر المهدد للأمن اليمني والقومي وحتى العالمي يتحمله التواطؤ من قبل بعض قيادات المجلس الانتقالي المؤيدة لخطوة الإمارات المتقاربة مع كيان صهيوني غاصب وقاتل، وطامع بمقدرات الشعوب.

الرفض الشعبي باقٍ
يشير أحد الكتاب المحليين إلى أنه وفي عام 1978 طبَّع الرئيس المصري أنور السادات مع إسرائيل في اتفاقية كامب ديفيد، ولحقه المناضل ياسر عرفات في أوسلو 1994، وملك الأردن الحسين بن طلال، ودون تبرير، لكن للأنظمة دوافع مختلفة لاتخاذ خطوات مماثلة (مصالح، ضعف، أهداف استراتيجية على المستوى القريب أو البعيد وغيرها).
لكن وبعد 42 سنة من التطبيع في مصر لا يمكن أن يرفع علم إسرائيل في أي زقاق فيها! فعلى الرغم من طول أمد حالة التطبيع هناك، لكنه ظل محصورا على مستوى ضيق داخل النظام المصري، وظل مبغوضاً على المستوى الشعبي إلى اليوم- وهذا الأهم!.
لهذا تعول الشعوب الواثقة على ثقافتها وهويتها الصلبة في مجابهة مخططات الدول الطامعة، والساعية إلى تحطيم ثوابت الناس ومبادئهم، أما الأنظمة السياسية فإنها إلى زوال، بسبب تعاملها مع قيم وثوابت مواطنيها بازدراء واستخفاف.