آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-07:40م

ملفات وتحقيقات


لماذا عادة حالة البؤس لجزيرة ميون بعد دورها الذي جلب لها الازدهار.. وكيف انتقل هذا الدور إلى موانئ أخرى كميناء عدن؟

الثلاثاء - 11 أغسطس 2020 - 12:59 م بتوقيت عدن

لماذا عادة حالة البؤس لجزيرة ميون بعد دورها الذي جلب لها الازدهار.. وكيف انتقل هذا الدور إلى موانئ أخرى كميناء عدن؟

(عدن الغد)خاص:

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة ( السابعة )

متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :

تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها اللالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات االتي سبق لــ" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة ) للرئيس علي ناصر محمد .

وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .

وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .

حيث يذكر لنا في مذكراته عن وقائع وأحداث وتغيرات المت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م ) حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات نسردها في أثناء السطور وإليكم ما جاء فيها ..

 

منع نابليون من الزحف إلى المحيط الهندي

مذكرات متواصلة مع الرئيس علي ناصر في هذه الحلقة يسرد لنا عن استراتيجية موقع جزيرة ميون وكيف منعت الشركات البريطانية نابليون من الزحف إلى المحيط الهندي نترك المجال لسيادة الرئيس ليكمل تفاصيل الحديث :" بسبب موقع الجزيرة الاستراتيجي، احتلتها الشركة لتتمكن بريطانيا من منع نابليون من الزحف إلى المحيط الهندي من مصر التي استولى عليها. ومن الوصايا المهمة التي أُعطيت لميوري، أمرٌ ببناء تدابير احترازية لفوّهات المدافع في المضيق، تأهباً للحرب الزاحفة بقيادة نابليون، لكن نظراً لافتقار الجيش البريطاني إلى الماء في الجزيرة، أرسل سفنه إلى مكة طلباً للماء. ولكثافتهم وقلة المؤن، اضطر الجند إلى أن يحثّوا زوجاتهم وأولادهم على مغادرة الجزيرة إلى بومباي والهند، وبعدها اضطر ميوري إلى سحب تجهيزاته إلى عدن.

1861م تأسست أول شركة كهربائية في الجزيرة

ويسترسل بالحدث ويقول :" في عام 1861م تأسست أول شركة كهربائية في الجزيرة، وبنت الشركة الهندية لحراسة الجزيرة حصناً عالياً يقيها أيَّ اعتداء خارجي. ولقد أصبحت جزيرة ميون، ومن ثم عدن التي احتلها الإنكليز عام 1839 جزءاً من الإمبراطورية البريطانية.
في حوالى عام 1869، عند افتتاح قناة السويس، نشطت صادرات بريم، لجودة سوقها، وازدهار سمعتها التجارية (1) . وأسّس بعض التجار الهنود منجم فحم. وأطلق على الشركة في البداية "سبانسيل للفحم"، إلا أنّ هذا الاسم لم يدم طويلاً، فغُيِّر عام 1919م إلى "شركة بريم للفحم ـ Perim coaling..co" (2) ، ومن ذلك الحين تطورت جزيرة بريم تطوراً سريعاً (3) : منازل حديثة، معامل، محطة كهرباء، صناعة الثلج، ومحطة لتحلية المياه (4)، ومساكن للبريطانيين القاطنين في الجزيرة، عُمِّرت على غرار البناء الحديث، سلطة للضواحي، آبار أرتوازية، خدمات طبية، مهندسون ومرشدون بحريون. وفي لندن أسّست شركة "لويدس Loyds" شركة لمسح الأراضي وتخطيطها، وصُنِّعَت أطنان من الثلج، واصطيدَت أسماك طازجة قابلة للتصدير، وكانت الخدمات الطبية متوافرة في المستشفيات، ورُتِّبت كل التسهيلات للسياح، مع إمكانية إنزالهم في فنادق حديثة.

جزيرة ميون على ممر السفن والبواخر البحرية

وحول ازدهار الجزيرة يقول الرئيس ناصر :" بريم التي يتحدث عنها التقرير البريطاني، والتي شهدت كل هذا الازدهار، لم يعد لها من وجود هنا في هذا الواقع الذي أشاهده الآن. فلم أكن أرى أمامي الآن إلا صورة أخرى مختلفة وقاسية. من بعيد، لاحظتُ ما هو أمرّ وأشقى. جلست طائفة من أبناء الجزيرة بأجساد عليلة نحيلة، سقيمة، بملابس بالية على تخوم البحر المترامي أمامهم، يتطلعون إلى قوافل السفن والبواخر وهي تمرّ أمامهم محمَّلة بآلاف الأطنان من الأغذية والملابس والعطور والمياه وأكداس من الآلات والأدوية، مما لا يحتاجون إلا إلى جزء يسير منه.

فكرة الاعتداء والسطو على الجزيرة

ويردف بالقول :" كانت القوافل تنأى، وهي تتجنب التقرب من "ميون"، رغم أنْ لا أحد من مواطنيها فكّر في الاعتداء أو السطو عليها، ولم يسجل التاريخ أنّ سكانها يهددون الملاحة في عرض البحر، بل سُجل ما هو نقيض لذلك. فقد كان الغزاة الأجانب مصدر العدوان على الملاحة وعلى الجزيرة وحياة السكان اليمنيين الآمنين طمعاً بالسيطرة على موقعها الاستراتيجي المهم الذي يتحكم بمدخل البحر الأحمر والبوابة الجنوبية لقناة السويس. تبلغ مساحة الجزيرة نحو 5 أميال مربعة، وفيها سلسلة من الجبال والتلال الصغيرة التي تشكل ثلثي مساحة بريم. أما الثلث الباقي، فهو أرض مسطَّحة صالحة للزراعة. ويبلغ عدد سكانها نحو 250 نسمة فقط، يعمل معظمهم في صيد السمك. وطقس الجزيرة معتدل، فالأمطار خفيفة، تهطل في أشهر أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر، وتهبّ عليها بقوة الرياح الشمالية المصحوبة بالغبار، وتبلغ سرعتها 45 عقدة في الدقيقة في عدة أشهر من السنة. ويكون الجو خلال هذه الرياح حاراً، وغالباً ما تكون درجة الحرارة من 80 إلى 95 درجة فهرنهايت.

ميون وحالة البؤس الشديدة

وحول عودة البؤس لجزيرة ميون بعد ازدهارها يقول الرئيس ناصر :" كانت بريم، للأسف، تعيش حالة بؤس شديدة، بعد انحسار دورها الذي جلب لها الازدهار، وانتقال هذا الدور إلى موانئ أخرى، كميناء عدن.
كان لا بدّ من مساعدة الجزيرة لتجتاز حالة التخلف المريعة التي كانت تمرّ بها.
أول ما فعلتُه، كان الإيعاز بترميم أحد المباني المهدمة ليكون مدرسة للتلاميذ، وآخر ليصبح وحدة صحية. ووزعنا بعض ما حملناه معنا من ملابس وأغذية وأدوية على المواطنين المحتاجين، ووضعنا خطة عاجلة لتوفير المياه الصالحة للشرب. وفي السبعينيات طُوِّرَت محطات التحلية لتلبية حاجة المواطنين والعسكريين من المياه الصالحة للشرب، ثم عكفنا على إعداد دراسة مستفيضة عن احتياجات الجزيرة الملحّة، وتلك البعيدة المدى. كنتُ وأنا أجول بناظريَّ في مشاهد الجزيرة، أجد نفسي مفتوناً بتلك الطبيعة الجميلة، وبالسماحة والشموخ. أتمثل ماذا يعني أن تقع هذه المنطقة الرائعة على مضيق باب المندب، حيث يمكنها أن تكون ضامناً للسلام أو سبباً للحروب؟ ماذا يعني أن تطل على شواطئ القارة السمراء الملتهبة بالأحداث، حيث يمكن أن تكون جسراً للمحبة أو التجارة، أو الراحة من عناء السفر؟! كانت جيبوتي وأسمرا والمخا على مرمى نظر من جزيرة "ميون".

ويستدرك الرئيس ناصر ويقول :" أذكر أنه عند قيام حرب حزيران/ يونيو 1967م، أصدرت الجبهة القومية بياناً تهدد فيه بإغلاق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية، ما أثار مخاوف إسرائيل، ليس من التصريح الذي أُطلق في الهواء، بل على مستقبل هذه الجزيرة التي كانت إسرائيل تعرف أهميتها الاستراتيجية، والتي سيصبح لها شأن ودور مهم في المستقبل بعد الانسحاب البريطاني عام 1967م. وما كانت تخشاه إسرائيل حدث في عام 1973م في الحرب التي خاضتها مصر وسورية ضد إسرائيل لاستعادة أراضيهما المحتلة.

ويتابع حديثه :" في الحرب العالمية الأولى، أدّت الجزيرة دوراً مهماً، بحكم موقعها الاستراتيجي، حيث شهدت اشتباكات بين القوات البريطانية والهندية، من جهة، والقوات التركية من جهة أخرى، التي قصفت الجزيرة بتاريخ 13 حزيران/ يونيو 1915م، وخرّبت الفنار. كان الهجوم على ميون يتفق زمنياً مع التقدم التركي في محمية عدن، وقد ردّت القوات البريطانية بقصف الشيخ سعيد وحصن التربة الذي كان يستطيع، إذا ما سُلِّح تسليحاً جيداً، أن يسيطر على الممرّ المائي بين ميون والساحل، لكنه ليس بذات أهمية هذه الجزيرة (5) . وفي عام 1942، أثناء الحرب العالمية الثانية، وُزِّعت الألقاب التشريفية، وحمل البومباشي أحمد الخضر السياري (ميسري) لقب عضو الإمبراطورية البريطانية. ( للحديث بقية )

هوامش /

1- في عام 1892م أُحصي وجود مدرسة ومستشفى ومركز للشرطة ومسجدين ومقبرة للسكان الأصليين. وكان هناك ضابط صحي للميناء وبقالات تموين ومحكمة. كذلك شُقَّت عدة طرق داخلية، وجرت سفلتة بعضها لأهميتها. وجُهِّزَت عدة أرصفة لتحميل الفحم إلى السفن. وكانت طاقة تحميل الفحم من الميناء في هذا العام قد وصلت إلى معدل 120 طناً يومياً (نحو 60 ألف طن سنوياً)، وقد شكل هذا تحدياً حقيقياً لشركات تحميل الفحم العاملة في ميناء عدن.
2- تحصّل السيد هلتون سبالدينغ في عام 1883م (وهو تاجر من مدينة ليفربول) على عقد إيجار Lease مباشرةً من حكومة الملكة فيكتوريا لأرضية على جزيرة بريم لمدة 30 عاماً قابلة للتجديد، وذلك لإنشاء شركة لتموين البواخر بالفحم، وأسّس «شركة بريم للفحم» Perim Coal Company (د. محمد علي الأكحلي، صحيفة الأيام 20/11/2008).
3- يوجد فيها العديد من المرافق، مثل شركة لويدز، ملعب للغولف، ملعب للتنس، مقر محطة لويدز للإشارة السلكية، مصنع تقطير المياه وهنغارات الأعمال الهندسية، حظائر تخزين الفحم بسعة 16 ألف طن، ومنشآت أخرى. وتوجد رافعة بقوة 10 أطنان وسفينتان للإنقاذ والإرسال في الجزيرة. وبُني مسجد صغير، وأُنشئ فندق جميل من طبقتين. وفي شمال المنطقة توجد مقبرة صغيرة للسكان المحليين. كان عدد السكان في ذلك العام نحو 150 فرداً (د. محمد علي الأكحلي، صحيفة الأيام 20/11/2008).
4-كذلك، أرسل السيد هلتون سبالدينغ Hilton Spalding سفينة من بريطانيا إلى الجزيرة، وعلى متنها مصنع لتقطير المياه بطاقة 60 طناً يومياً، ومصنع للثلج بطاقة 5 أطنان يومياً، وخزانات متنوعة وقداحات للإنارة، حيث عبرت السفينة قناة السويس، وأفرغت حمولتها على الجزيرة في حزيران/ يونيو 1883م (د. محمد علي الأكحلي، صحيفة الأيام 20/11/2008).
5- في الحرب العالمية الثانية لم يتأخر المحور في الهجوم على عدن، لكنّ الأسلحة المضادة للطائرات لجيش محمية عدن صدّت الهجوم وأسقطت طائرة للعدو، واستضاف جيش محمية عدن كتائب من قوات أخرى من المكلا ولحج، اللتين بعثتا بفرق لتساعد جيش محمية عدن.