آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


ماذا سيحدث الآن وغدا لليمن بعد اتفاق الرياض ومخضريّة "الأمر الواقع" ؟

الجمعة - 31 يوليه 2020 - 06:25 م بتوقيت عدن

ماذا سيحدث الآن وغدا لليمن بعد اتفاق الرياض ومخضريّة "الأمر الواقع" ؟

(عدن الغد ) خاص :

تحليل : عبدالقادر الجنيد


إتفاق الرياض، هو إتفاق مبني على مبادئ "الأمر الواقع" بين الشرعية والمجلس الانتقالي.
أولا: أجزاء الأمر الواقع الثلاثة:
صورة الأمر الواقع الحالي، هي كالآتي: (الحركة الحوثية وإيران)، (الشرعية والسعودية)،
(الإمارات والمجلس الانتقالي وعيال صالح).

١- الحركة الحوثية وإيران:

بناء غاية في القوة، قائم على رغبة الحوثيين في إعادة "الإمامة" و"البطنين".
وهم قد استولوا على بيروقراطية الدولة اليمنية وورثوا "الدولة العميقة"، وألوية الجيش "العائلي" وأمنه المركزي.
وهم قد روضوا كل قبائل طوق العاصمة صنعاء بعد أن اكتسحوها بقبائل صعدة وخولان بني عامر واندفعوا شرقاً مؤخرا لإحكام قبضتهم على قبائل الجوف ورداع والبيضاء.
الرمز الواضح لاكتساح قبائل الشرق، هو نشوة أبو علي الحاكم وهو في عاصمة الجوف "الحزم"، وهو يدق على سلاحه الآلي الرشاش وهو يتوعد بأن: "هذا هو ما ينتظر الخلايا النائمة لحزب الإصلاح إذا ظهرت".
أبو علي الحاكم، هو رئيس المخابرات العسكرية للحركة الحوثية، وهو الذي اختار هذا المنصب وهذا اللقب لنفسه، وهو أخطر شخصية في الحركة الحوثية، ودوره ونفوذه هو نسخة طبق الأصل لدور قاسم سليماني في إيران وعماد مغنية في لبنان حزب الله.
كل شيئ في الحركة الحوثية له مرادف في إيران، بدلالة لا تخفى عن الدور الإيراني في هيكلة الحركة الحوثية وفي رسم التكتيكات والعقيدة العسكرية والإستراتيجية طويلة المدى وصنع السياسات وخبرات المفاوضات.
(قاسم سليماني، قصفته أمريكا في بغداد. وعماد مغنية، فجرته إسرائيل في دمشق)..
وهم يستعملون مسميات جمهورية إيران الإسلامية وقوة الحرس الثوري الإيراني والزخم الشيعي الجعفري الذي قد استولى على العراق وسوريا ولبنان.
إيران، هي جزء من هذا "الأمر الواقع"، ولن ترضى بأي حل يتجاوز طموحاتها وأطماعها في استمرار السيطرة على العواصم العربية الأربع حتى تصل لأوضاع مشابهة في الرياض وكل دول الخليج.
يحلم المحللون السياسيون وخبراء "حل النزاعات" بإقناع إيران بالقبول بطرح أحلامها مؤقتا في الثلاجة في الحفظ والصون وتأجيلها حتى وقت لاحق إذا أقنعت الحوثيين بالقبول بوضع مشابه لوضع حزب الله في لبنان.
وقد تقبل إيران إذا توفر شيئان:
أ- ثمن "مناسب" فوري من السعودية.
ب- الحفاظ على الحركة الحوثية لتنقض بها على السعودية في أي ظرف مناسب قد يطرأ بعد عقد أو عقدين من الزمان.
وهذا هو "الأمر الواقع" في المناطق التي تحت سيطرة الحوثي.

٢- الشرعية والسعودية:

مسمى "الشرعية" وكيانها ومصاريفها ومكان إقامتها كلها سعودية ١٠٠٪؜.
مندوب السعودية في الأمم المتحدة، هو الذي اشتغل لشهور في أروقة الأمم المتحدة وانتزع القرار ٢٢١٦ من مجلس الأمن.
وأي قرار يوقعه رئيس الشرعية، فإنه يبدأه بديباجة "بناء على المبادرة الخليجية" وهاتان هما المرجعيتان رقم ١ و ٢ واللتان تولد منهما المرجعية رقم ٣ وهي مخرجات الحوار الوطني.
السعودية، هي التي قامت بـ"عاصفة الحزم" لـ"دعم الشرعية".
الشرعية والسعودية، كلمتان مترادفتان.
لكن الشرعية والسعودية- وبالتدريج- انكشف ضعفهما أمام خصومهما: الحوثي وإيران.
وبدلا من أن تتدارسا أسباب الفشل فإنهما تنافرتا وتباغضتا مع الاحتفاظ بالشكليات والابتسامات والتصريحات التي تحفظ ماء الوجه.

العلامات البارزة على طريق تراجع الشرعية في ٦ سنوات من الأمر الواقع:

أ- عدم قدرة الرئيس هادي ونائب الرئيس علي محسن على تنظيم مكونات الشرعية وعلى إيقاف تناحرها.
هذا سيلتصق برئاسة هادي عندما يجيئ وقت دراسة أخطاء الشرعية.
وفي نفس الوقت، فإن تلاعن وتشاتم مكونات وأحزاب الشرعية وتكالبهم على المناصب والمصالح، هو فضيحة ستلتصق بهم مدى التاريخ مهما كانت أسبابهم ومبرراتهم.
لا نستطيع أن نبحث في أي شيئ أو نتكلم عن أي سوء أو فشل أو انفلات أمني أو نزاعات أراضي أو فساد في النقاط أو فرض إتاوات بدون أن تقفز إلى الوسط أسماء الشلل والجماعات وتعيينات الرئيس ونائب الرئيس مع قفزة روتينية من شتائم أعضاء الأحزاب المؤيدة للشرعية لبعضهم البعض.
هذه أشياء شغل "دولة"، ولم تستطع رئاسة الشرعية ولا حكومتها ولا قيادات الأمن والجيش أن تفرض الاحترام ولا شغل "الدولة" في الأماكن التي تحت سيطرتها.
وتكيفت الأحزاب مع هذا الوضع بالجثوم على مصالحها بينما قام باللعن والشتم من هم بلا مغانم ولا مكاسب ولا مصالح.
وكلهم لا ينسون بأن يرفعوا الشعارات البراقة لمبادئهم السامية بعبارات إنشائية كنا نكتب أفضل منها في دروس التعبير والإنشاء في المرحلة الإعدادية والثانوية.
ب- فشل جيش الشرعية "الوطني":
- لو كان هذا الجيش قد تبلور إلى جيش "وطني" فعليا، لكان معنا شيئا رائعا نحبه ونلتف حوله ونفتخر به ونوفر له الحاضنة الشعبية ونشعر بالأمن والأمان بفضله ونتيقن بأننا سنصل إلى الاستقرار والازدهار بفضله وبفضل حمايته للدستور والقانون بجانب حمايته للحدود.
- لو كان معنا جيشا "وطنيا" فعليا، لكان قد أنهى معاركنا مع الحركة الحوثية؛
ولكان قد نجح وغطى على الكثير من عيوب الشرعية.
ومثل كل الفاشلين- في الرئاسة من هادي ومحسن والجيش والأحزاب والدولة- سترتفع الأصوات بإنكار الفشل أو لكيل التهم وتوزيع التهم على السعودية والإمارات ثم تنتقل إلى شتائم وسب ولعنهم لبعضهم البعض.
وهذا شيئ لا غرابة فيه، فهو جزء من مظاهر الفشل.
الإنكار والدفاع عن النفس، أمر غريزي وجزء من آليات الدفاع عن النفس في تركيبة الإنسان.

* العلامات البارزة على طريق التراجع السعودي خلال ٦ سنوات من تغيرات الأمر الواقع:

أ- نقل الحوثيين للمعارك البرية إلى داخل السعودية مع إخلاء القرى ونزح آلاف السكان بغرامات معنوية واجتماعية واقتصادية ومالية وتعويضات
ب- تغيير إيران لمعادلة الحرب بالصواريخ والمسيرات إلى داخل المملكة التي جعلت سلاح الجو السعودي يتوقف.
ج - ضربة إيران الجوية الغامضة المخيفة القاسية المؤلمة على منشآت أرامكو النفطية في خريص والبقيق.
كانت رسالة صارخة صاخبة من إيران للمملكة السعودية؛
"إنتبهي!.. "أنتِ في اليمن تواجهينني أنا.. أمريكا لن تستطيع إنقاذك مني".
انتهت الرسالة.

٣- الإمارات والمجلس الانتقالي وعيال صالح:

قبل أن ندخل في الموضوع، يجب أن نذكر نقطتين هامتين في "الأمر الواقع" الإماراتي:
أ- الإمارات، أعلنت رسميا أنها لا تدعم الشرعية.
ب- الإمارات، تلقت "قرصة أذن" صغيرة من إيران بتلغيم سفن نفط بتفجيرات طفيفة أمام ميناء الفجيرة، انسحبت بعدها من معارك تحرير الحديدة وأعلنت رسميا انسحاب قواتها من اليمن ووعدت إيران بأنها لن تحارب ميليشيا الحركة الحوثية أبدا ولن تدعم من يحاربها.
وباختصار، فإن كل يمني يستلم فلوس أو سلاح من الإمارات ويثرثر بأنه سيقاوم الحوثي ويحرر اليمن، فإنه فقط "هُدار" وثرثرة وكلام فارغ.
هذا أمر واقع "شغل يد".
الإمارات، فنانة وبارعة في خلق "الأمر الواقع" بشغل اليد.
"الأمر الواقع" الذي انتهت إليه شرعية اليمن والداعم لها في المملكة السعودية، هي بسبب عوامل ذاتية من الضعف وعدم الانتباه وعدم القدرة وانعدام الندية في مواجهة الحركة الحوثية وإيران، وعدم القدرة على ابتكار وسائل مناسبة- التي هي ممكنة ومتاحة- للتغلب عليهم.
أما "الأمر الواقع" الذي صنعته دولة الإمارات، فهو "شغل يد".
منع طائرة الرئيس هادي من الهبوط في عدن، طرد الرئيس والحكومة من عدن، تخويف اليمنيين من مصير سقطرى وأنها إما لهم أو للصومال.
والأمر الواقع الإماراتي "شغل اليد" يحتاج إلى سلاح وقوات ميليشيا؛
في الجنوب: نخب وعمالقة سلفية وأحزمة جنوبية،
وفي الشمال: مقاومة تهامية وحراس جمهورية ولواء أبو العباس وبسط نفوذ عيال الرئيس السابق صالح عليها مع محاولة "قَبْيَلَة" الحجرية لقضمها تمهيدا للإستيلاء على تعز.
وكانت جوهرة التاج في مصنوعات "الأمر الواقع" "شغل اليد" الإماراتي؛ المجلس الإنتقالي، إعلان حكم الإدارة الذاتي، ثم دخلوا إلى محادثات الرياض- الإمارات وجوهرتهم المجلس الانتقالي- ليحصلوا على ما يقدرون عليه بموجب ورقة "الأمر الواقع".
وأي شيء يحصلون عليه يجب أن يحتوي على "قيمة مضافة" Bonus، وهو تحجيم دور حزب الإصلاح، وإضعاف الرئيس هادي ومكتب رئاسته، وتهميش دور أبين وشبوة، وإلغاء دور نائب الرئيس علي محسن وتعييناته وقادة ألويته. وكلها من نقاط ضعف الشرعية.
وكما اندفع الحوثيون شرقا واستولوا على مدينة الحزم عاصمة الجوف لخلق "أمر واقع" جديد بالقرب من نفط وغاز مارب، وأظهروا فيديو لأبي علي الحاكم يخطب ويتوعد. فإن الإمارات عملت نفس الشيء. زودت طارق صالح بالأموال ليتغلغل بأفراده وضباطه وعائلاتهم في مدينة التربة بالحجرية، ثم زودتهم بإنشاء اللواء العاشر لصاحبه أبو العباس الذي أحضرته من الإمارات ونائبه عادل العزي (الذي ربما يكون حوثيا متنكرا)، ليقوموا كلهم بخلق "أمر واقع" في الحجرية قبل إسقاط تعز، وأظهروا طارق صالح في فيديو من المخاء وهو يخطب ويتوعد.

ثانيا : اتفاق الأمر الواقع في الرياض:

هو إتفاق بين الشرعية والمجلس الانتقالي.
ما حصلت عليه الشرعية، عكس ضعف وفشل قوى "الأمر الواقع" في داخلها وداخل مكوناتها.
وعكس أيضا تبرم وامتعاض المملكة السعودية من الشرعية وعبئها الثقيل.
وإن كانت المملكة مازالت شفهيا ورسميا تؤيدها وهي في الواقع لا تملك ترف التخلي عنها.
وما حصل عليه المجلس الانتقالي من مكاسب، يعكس براعة دولة الإمارات في صناعة "الأمر الواقع" "شغل اليد"، ثم استماتتها وتمترسها ومثابرتها في متابعة أعمالها.
أعجب وأطرف حاجة في إتفاق الرياض، هو أنه حل مشكلة توزيع ال ١٢ حقيبة وزارية التي قالوا إنها من نصيب الجنوب، ولكنهم لم يتطرقوا لكيفية توزيع ال١٢ وزارة التي من نصيب الشمال.
شغل "أمر واقع"، وهو أمر غير مهم فعلا، ويمكن التعامل معه بنفس المعايير الحزبية والمناطقية و "الأمر الواقع".

ثانيا: مخضرية الأمر الواقع:

بأقصى سرعة بشرية ممكنة، سارع مارتين جريفثس والحكومة البريطانية بإعلان تأييدهما لإتفاق الرياض.
يعتبرونه "بروڤة"، يمكن على أساسها وحيثياتها استيعاب الحركة الحوثية ومصالح إيران، كما تم استيعاب المجلس الانتقالي والإمارات.
باستعمال القياس، قد يعرضون على الحوثي أن تخرج قبائل صعدة وخولان بني عامر من صنعاء مقابل ٦ وزارات من نصيب ال١٢ وزارة الشمالية ومنصبي محافظ وإدارة شرطة العاصمة مساواة بالمجلس الانتقالي.
يعني سيعرضون على الحوثي وعلى اليمن؛ مُخَضَّرِيَّة.
ولن تكون هي نفسها مخضرية الأكلة اليمنية التي تحتوي على مكونات كثيرة، ولكنها ستكون مثل مخضرية القصة الطريفة التي رواها أول رئيس جمهورية يمني- المشير عبدالله السلال- عما خرج من جوف ومؤخرة الحصان إلى طبق البرعي في سمسرة عتيقة.
هذا ما قد يعرضه مارتين جريفثس - مفوض الأمم المتحدة - على الحوثي.
ولكن الحوثيون سيأخذون كل ما يستطيعون حلبه من ضرع جريفثس وعصره من ليمونة شعره الفضي، ثم سيسكبون فوق رأسه مخضرية سمسرة عتيقة.
لأن هذا "أمر واقع" آخر بداخله إيران وليس إمارات.
فطلبات الحوثي وإيران كبيرة؛
تبدأ داخل اليمن وتخرج لتنتهي داخل السعودية نفسها في الأحساء ومكة والمدينة المنورة وأرامكو.

ثالثا: الهواء المطلي كأمر واقع:

لا يهتم أحد سواء داخل اليمن أو في السعودية أو في الإمارات أو في إيران أو في الأمم المتحدة أو في مجلس الأمن أو في الدول العظمى بالمشكلة الحقيقية.
١- أسباب فشل نظام ٣٣ سنة من الحكم السابق.
٢- انهيار الطبقة المتوسطة.
٣- كل أسباب التوتر والاعتصامات والمظاهرات والحروب في ٢٠١١.
٤- عدم وجود عقد اجتماعي ودستور (مخرجات الحوار الوطني).
المناطق والقوى والمشاكل التي لم تصنف كأمر واقع لأنه ليست معها سلاح ولا أموال من إيران والسعودية و الإمارات، ستأخذ الهواء المطلي.
والهواء، لا يمكن طلاءه أو دهنه أو ترنيجه.
يعني: نحن واليمن سنأخذ ولا شيئ.
يعني: دورة جديدة من العنف بعد عدة سنين.

* أكاديمي يمني