آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


تحليل سياسي: بحاح.. رحلة الشتاء والصيف

الأربعاء - 15 يوليه 2020 - 10:40 ص بتوقيت عدن

تحليل سياسي: بحاح.. رحلة الشتاء والصيف

(عدن الغد)خاص:

- ما السر وراء هجومه على الرئيس هادي؟

- لماذا اختار هذا التوقيت.. وهل للأمر علاقة بمشاورات الرياض؟

- هل يريد تقديم نفسه كخليفة لهادي؟

- كيف تنقل بين مربعات الوحدة.. الانفصال.. الشرعية.. ثم الانتقالي؟

مقالته.. هل هي عن قناعة أم دفع من مناهضين للشرعية؟

بحاح..



القسم السياسي بـ(عدن الغد):


تمتلئُ الساحة اليمنية بالعديد من الشخصيات السياسية ممن يمتلكون تاريخاً
سياسياً عريقاً، وخبرةً في مجال إدارة الدولة، بعد أن تقلدوا الكثير من
المناصب على رأس هرم السلطة.

وتتباين قدرات كل شخصية من تلك الشخصيات في الحفاظ على مكانتها ومنزلتها
السياسية، بحسب ذكائها السياسي والإعلامي في التعامل مع الأحداث الكبرى
التي عصف وما زالت تعصف باليمن.

وهذا التباين في التعامل مع الأحداث هو من يصنع مقدار ومكانة هذه الشخصية
أو تلك، أو ينسفها نهائياً، وفق قدراتها على اختيار التوقيت والحديث
المناسبين عند إبداء الرأي تجاه ما يدور في البلاد.

ولدينا في المشهد السياسي اليمني نماذج كثيرة، تكون بعيدة عن مسرح
الأحداث، غير أنها ما تلبث أن تنتهز الفرصة المناسبة للعودة بما تقتضيه
القضايا الجسمية التي تمر بها اليمن.

وأحد تلك الشخصيات والنماذج مستشار رئيس الجمهورية خالد بحاح، ونائب
الرئيس السابق، واحد رؤساء الحكومات السابقين في يمن ما قبل 2015.

ولعل تصريحاته الأخيرة تعليقاً على مفاوضات الرياض الجارية حالياً بين
الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، كانت أكثر تصريحات خالد بحاح
إثارةً للجدل.

مكمن الجدل أن هذا التصريح هو الأقوى في مسيرة تصريحات بحاح ضد الحكومة
الشرعية، بعد خروجه منها، حيث كان واحداً من أبرز أعمدتها ورجالاتها قبيل
وبعد حرب 2015.

كما أن ما منح التصريح الأخير الذي خرج به بحاح قوةً وجدلاً تناوله رئيس
الجمهورية عبدربه منصور هادي، والإشارة إلى أن هذا الأخير ينوي التشبث
بكرسي الرئاسة، وأنه يمثل مشكلة أمام استقرار اليمن.

وهو ما أثار موجةً من ردود الأفعال المتباينة تجاه هذه التصريحات التي
صُنفت ضمن العديد من التصريحات المثيرة للسياسي اليمني خالد بحاح.

ليست الأولى

لم يكن المقال الأخير لبحاح والذي يهاجم من خلاله الرئيس هادي والشرعية
برمتها، هو الأول في سلسلة تلك الهجمات، حيث سبق للرجل نشر تغريدات
ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ خروجه من قوام الشرعية.

وجاءت التصريحات السابقة حاملة في جعبتها كثيراً من الملفات والحسابات
التي لم تتم تصفيتها بعد مع قيادة الشرعية.

وبدأ الرجل في شن هجوم كبير على الشرعية اليمنية، متوعداً بكشف كثير من
الملفات والوثائق التي توضح حجم الفساد والنهب الكبير للمال العام الذي
تم بإشرافها ورعايتها- بحسب ما يزعم- خلال الفترة الماضية.

وتضمنت بعض تلك التغريدات التي كتبها بحاح اتهامات خطيرة للشرعية بنهب
مبلغ 700 مليون دولار من عائدات نفط المسيلة بحضرموت خلال عام واحد،
مضافاً لها مبلغ 400 مليار ريال يمني، مشيراً إلى أن الوثائق التي تثبت
صحة الاتهامات بحوزته.

كما أنه اتهم في تغريدات أخرى الشرعية بسرقة مليارات الريالات شهرياً عبر
تزوير كشوفات المجندين في قوام الجيش اليمني، وإضافة آلاف الأسماء
الوهمية إلى الكشف، مدعياً أن قوام جيش "الشرعية" يبلغ 425 ألف عسكري،
وهو عدد ضخم، يناهز عدد جيش كامل.

ولم يُخفِ الرجل امتعاضه من قرارات الرئيس هادي التي قضت بإقالة عدد من
المسئولين في عدد من المحافظات جنوب اليمن، واصفاً تلك القرارات حينها
بـ"النزقة"، في تطور لافت لحدة الخطاب الذي بدأ بحاح ينتهجه ضد الشرعية،
بعد أن كان سابقاً يغلف مواقفه بقوالب دبلوماسية وغير صريحة.

الظهور اللافت والقوي في الساحة الإعلامية لبحاح دفع كثيرين للتساؤل عن
سر هذا الظهور، وسبب اختيار بحاح هذه الفترة بالذات لشن هجوم كبير على
الشرعية والنيل منها.

ولعل أكثر الآراء انتشاراً في فضاءات النقاش بين ناشطي مواقع التواصل
الاجتماعي حول الأسباب الحقيقة التي دفعت بحاح للتحرك في هذا الوقت
بالذات، هو أن هجومه جاء رداً على التحركات السياسية في مفاوضات الرياض،
والتوقعات بالتوصل لحلول شاملة جنوباً ثم الانتقال نحو تصفية الأزمة
اليمنية شمالاً.

ويرى أصحاب هذا الرأي أن بحاح كان ينتظر سقوطاً مدوياً للشرعية في مدن
الجنوب، لكن ما جرى في الآونة الأخيرة من مكاسب لها، تلوح في الأفق بناءً
على أنباء عن تنفيذ اتفاق الرياض، دفعت رئيس الوزراء المقال إلى الخروج
عن صمته والتصريح بما يحمله من أهداف سياسية خارج إطار المنظومة الشرعية.



بحاح يهاجم هادي

في مقاله الأخير، يرى بحاح أن الرئيس هادي يبذل قصارى جهده لعدم التوصل
إلى نهاية للصراع في اليمن، كما أنه يحرص على عدم تطبيق اتفاق الرياض
الموقع في نوفمبر من العام الماضي بهدف رأب الصدع بينه وبين خصومه في
المجلس الانتقالي الجنوبي جنوب اليمن.

وأشار في مقالٍ له إلى أن هادي يتشبث بكرسي الرئاسة، بحنكةٍ سياسية
طفولية (بحسب وصفه)، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل مضى بحاح في تحميل
هادي مسئولية تفكيك اليمن وإغراقه في حروب ومواجهات عسكرية، وتحويله إلى
ساحة صراعات إقليمية ودولية.

وقدم بحاح توصيفاً لاذعاً للرئيس هادي وقال إن هذا الأخير لم يمتلك صفات
القائد الناجح، حتى أن الراحل علي عبدالله صالح عينه نائباً له بعد حرب
صيف عام 1994 كونه لا يشكل تهديداً على حكمه؛ نظراً لضعف كفاءته الإدارية
وافتقاره إلى الحزم والكاريزما والبصيرة.

كما شكك بحاح بشرعية هادي، وأشار إلى سلسلة من الأحداث منذ 2011، وحتى
2015 والتي أدت إلى تمديد ولاية الرئيس إلى اليوم، معتبراً أن هادي يخطط
للبقاء على كرسي الرئاسة إلى أجل غير مسمى.

ويرى مراقبون أن ما سرده بحاح في مقاله ينطوي على رغبة كبيرة في المطالبة
بإزاحة هادي عن المشهد السياسي في اليمن، حيث ركز على مثالب الرئيس خلال
فترة حكمه.



رسالة بحاح

المحللون لم يتركوا مقال بحاح وشأنه، واعتبروا كلماته وتصريحاته بأنها
هجوم غير مبرر على الرئيس هادي.

وأشار غير واحدٍ منهم إلى أن ثمة رسالة في المقال أراد بحاح أن يوصلها
إلى اللاعبين الفاعلين في الشأن اليمني، وتتمحور تلك الرسالة في أن رحيل
هادي أساس لبناء السلام!.

واعتبر مراقبون أن بحاح لم يُفق بعد من صدمة إقالته في 2016 من منصب نائب
رئيس الجمهورية.

لهذا فهو حريص في كل لقاء على سوق مبررات إقالته من نيابة الرئاسة،
ويحاول أن يوحي أن الرئيس هادي أقاله حتى يُفشل مشاورات الكويت بين
الحكومة والحوثيين، والتي توصلت إلى التوافق على شخص بحاح ليخلف هادي
كرئيس لليمن، بحسب وصفه.

وهو ما عبرت عنه مواقفه وتصريحاته التي دائماً ما كانت تهاجم الشرعية،
وتتمثل ما بين مدح خصومها أو الوقوف إلى جانبهم على حساب الحكومة
الشرعية.

كتاب سياسيون شككوا في رواية بحاح تلك، حول أسباب إقالته، ونبهوا إلى أن
بحاح لم يُشر إلى الأطراف المتوافقة على حل الأزمة اليمنية في مشاورات
الكويت بما أن رئيس الطرف الشرعي والحكومي في المشاورات لن يوافق عليها!.

وأكد سياسيون أن ما كشفه بحاح يدينه، وهذا ليس سراً، فالجميع يعلم بسقوط
مسئولين في مستنقع الاستقطابات والعمل ضد الرئيس، بل وقدموا أنفسهم بدلاء
عنه ولم يكونوا يوماً عوناً له.



محاولات استبعاد هادي

مراقبون آخرون وضعوا مقال بحاح وتصريحاته في خانة الخطط والمحاولات
المتكررة لعدد من الشخصيات المدفوعة بأطراف وجهات محلية وإقليمية؛
لاستبعاد الرئيس هادي من المشهد، بل والانقلاب عليه.

ولم يغفل هؤلاء المراقبون الإشارة إلى أن تلك المحاولات لم تقتصر على
شخصيات سياسية، بل جاءت أيضاً على شكل صور كيانات ومكونات سياسية وحزبية
ذات أهداف وغايات ضيقة.

فخطط ومحاولات استبعاد الرئيس والانقلاب عليه، بحسب المتابعين، ليست
بجديدة بل تتجدد مع كل مرحلة سياسية، ورأى المتابعون أن محاولات بحاح
لتولي الرئاسة منذ ما بعد 2015، لو كتب لها النجاح ما كانت اليمن ستشهد
ولادة كيانات ومكونات تحمل أجندات وأهدافا مناطقية وعنصرية، ولن تحتاج
الدول والأطراف الإقليمية الداعمة إلى صناعة مشاريع موازية للدولة،
تنافسها وتحد من نفوذها وهيبتها.

ويرى قراء المشهد اليمني منذ نحو عقد من الزمان أن هناك العديد من
المشاريع والمخططات التي عملت على تفخيخ العمل السياسي في اليمن، وحاربت
الدولة وحاصرتها واخترقتها وشتت وحدة الصف، وأدخلت اليمن في دوامة ولا
تريد لها الخروج منها إلا بما يوافق مشاريعها ومصالحها المحدودة.

ويبدو أن العديد من المقالات والكتابات لسياسيين جنوبيين ويمنيين والتي
سخرت للرد على مقال بحاح حللت ما بين السطور، وكشف أن الرجل لم يكن
ليُقدم على كتابة ما كتبه إلا وهو مدفوع من صناع المشاريع المناهضة
لمشروع الحكومة الشرعية.

وبعض أولئك الكتاب تساءل مخاطباً بحاح: ألم يكن بمقدورك بعد أن سمح لك
الحوثيون بمغادرة صنعاء أن تتخذ قرارك بعدم العمل مع رئيس ترى بأنه غير
شرعي وأساس المشكلة اليمنية؟.



بحاح.. هل يقدم نفسه رئيساً بديلاً؟

التاريخ السياسي لعدد كبير من الشخصيات اليمنية، تحاكمه مواقف ما بعد
خروجهم من السلطة، فالحديث عن مشكلات وصعوبات أو حتى تجاوزات في ظل بقاء
تلك الشخصيات في السلطة يكون حديثاً منطقياً ومقبولاً.

لكن الحديث عن أية سلبيات بعد الخروج من هيكل السلطة يراه المراقبون
والجمهور حتى بأنه حنين إلى المنصب والكرسي أو نكاية بمن بقى واستمر في
السلطة، ويفقد ذلك الحديث أية مصداقية من مصدر الحديث.

هذا المنطق انسحب أيضاً على وضع وحال خالد بحاح، فبحسب محللين، فإن حديثه
ذلك في حق الرئيس هادي وشرعيته ينم عن رغبة لدى الرجل في تقديم نفسه
بديلاً أو خليفةً لهادي.

يأتي هذا التحليل في سياق حديث بحاح عن اتفاق الرياض، والمفاوضات الجارية
حالياً بين الشرعية والانتقالي، والتي تمهد- وفق تحليلات- إلى تسوية
شاملة للأزمة اليمنية، يحاول بحاح تقديم نفسه كشخصية سياسية ضالعة في
تحليل مستجدات الأمور السياسية، ومعرفة دهاليزها؛ حتى يحظى بمنصب رفيع في
أية تسوية محتملة.

وبعد تجاربه السابقة كوزير في حكومات يمنية سابقة، وتقلده منصب رئيس
الوزراء بعد أحداث سقوط صنعاء بيد الحوثي في 2014، وتعيينه نائباً للرئيس
عقب ذلك، ربما قد يكون الرجل يرى في نفسه أنه مؤهل لمنصب أكبر من كل تلك
المناصب، ألا وهو منصب رئيس الجمهورية.


تجارب سياسية متعددة

على الضفة المقابلة، يرى مناصرو الرجل أنه يمتلك من الخبرة والدراية
السياسية القدر الكافي ليكون مؤهلاً لأي منصب سياسي رفيع.

خاصة أن خالد بحاح اسم ارتبط بالجانب السياسي والاقتصادي معاً، كونه كان
وزيراً للنفط في العديد من الحكومات المتعاقبة ما قبل 2011 وما بعدها،
وهو بذلك جمع بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي.

كما أن خبرته الحزبية في المؤتمر الشعبي العام لم تكن بذلك الجلاء أو
الوضوح، وهو ما يضع الرجل في خانة السياسيين التكنوقراط، وهو الأساس الذي
تم اختياره وفقاً له كرئيس لحكومة ما بعد سقوط صنعاء بأيدي الحوثيين.

وهذا ما يجعله متاحاً لدى الكثير من المتابعين والسياسيين، ومتوفراً في
أية تسوية سياسية، لكن بعض هؤلاء يجدون أن بحاح لا يمكن أن يقبل بمنصب
رئيس الجمهورية، عطفاً على ما تقلده من مناصب وصلت أعلاها إلى حد رئيس
الحكومة، ونائب الرئيس.

غير أن بقاء هادي ومشاكل بحاح وتصريحاته المناوئة للشرعية قد تمنع الرجل
من تحقيق أحلامه ورغباته.


تقلبات في المواقف

لكن أبرز ما يُؤخذ على خالد بحاح، رغم كفاءته الاقتصادية وخبرته في
الجانب الاقتصادي، النفطي تحديداً، هو تاريخه السياسي ومواقفه المتنقلة
والمتعددة.

فالرجل خاض غمار تجارب سياسية متباينة لدرجة التناقض أحياناً، جعلت
انتماءاته غامضة وضبابية، وغير واضحة.

حيث بدأ بحاح منتمياً لحزب المؤتمر الشعبي العام، هذا التنظيم السياسي
المتمسك بالوحدة اليمنية، والرافض لأي نزعات انفصالية، ومنحه هذا
الانتماء فرصة لتولي حقائب وزارية في حكومات المؤتمر المتلاحقة.

ثم ما لبث أن أصبح كفاءة تكنوقراطية ومرشحاً فوق العادة لتشكيل حكومة
كفاءات بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية، وعلى ما يبدو هذا ما
جعله يفوز بحظوة الحوثيين الذين أطلقوا سراحه بطريقة احتفالية بعد هروب
هادي إلى عدن.

ولم يمر كثير من الوقت حتى عاد منتمياً إلى حضن الشرعية التي منحته منصب
نائب رئيس الجمهورية، ومضى في منصبه ذلك متمسكاً بالشرعية التي سرعان ما
هاجمها عقب إقالته واتهمها بالفساد بعد خروجه منها، رغم أنه لم يقل شيئًا
عن فساد الشرعية حين كان متواجداً على هرمها.

وأخيراً.. كانت الانتماءات للجنوب، والضرب بكل قناعات الوحدة اليمنية،
والميل أكثر نحو الانفصال، والتغني بإنجازات الانتقالي على حساب الشرعية.

كل تلك التقلبات والتنقلات بين المكونات السياسية اليمنية المتناقضة،
رسمت شخصية مبهمة وغامضة للسياسي اليمني خالد بحاح.