الإثنين - 13 يوليه 2020 - 10:46 ص بتوقيت عدن
(عدن الغد)خاص:
الحق الحضرمي.. الصوت القادم من الشرق- حضرموت.. مخزون من الثروة البشرية والطبيعية لا ينضب- الموقف الحضرمي الأخير.. هل كان صادماً أم مقبولاً؟- هل يسعى الحضارم لإنهاء تبعيتهم وفرض مواقفهم؟- كيف قلب الحضارم الطاولة على الجميع؟- ما الذي يريده الحضارم.. وما هي مطالبهم السياسية؟تقرير/ بديع سلطان:مثلت حضرموت، طوال تاريخها المعاصر، ملاذاً للكفاءات البشرية، ومخزوناًللموارد الإنسانية، ورفدت البلاد بالكوادر السياسية والاقتصادية، وشخصياتوطنية من العيار الثقيل.ولم تنل محافظة حضرموت مقابل ما قدمته من خيرة أبناءها أي امتيازاتسياسية أو حتى تنموية وخدمية، بل العكس من ذلك.حيث يرى الحضارم أن محافظتهم- ورغم عطاءات أبنائها في خدمة اليمن- لمتلقَ التقدير اللازم الذي تستحقه ويستحقه قياداتها وشخصياتها الكفؤةوالمتخصصة.وبعد أن نشرت (عدن الغد) يوم أمس تقريراً عن الموقف السياسي الذي أعلنتهمختلف أطياف المجتمع الحضرمي من حلف القبائل والمؤتمر الجامع، وغيرهما منالمكونات الحضرمية الممثلة لأبناء المحافظة، نحاول اليوم قراءة ما وراءهذا الموقف الحضرمي، وانعكاساته على المشهد السياسي اليمني.فالموقف الذي عبرت عنه المكونات الحضرمية كشف عن تمسك حضرموت (بحقهاالسياسي)، وفق وصف مخرجات اللقاء، واتسم بردود فعل متفاوتة بالنسبةللعديد من الأطراف السياسية اليمنية والجنوبية.فالبعض كان مصدوماً من الموقف الحضرمي، وآخرون رحبوا به واعتبروه حقاًطالما استحقته حضرموت وكوادرها البشرية وثرواتها التي ينعم بخيراتها كلأبناء اليمن.الحق الحضرمي!قد يكون المصطلح جديداً نوعاً ما، لكن الحق الحضرمي تعود جذوره إلى أكثرمن سبعين عاماً، وقبل هذا التاريخ كانت حضرموت تعيش في ظل حكومةالسلطنات، الكثيرية والقعيطية، بسلطاتها الذاتية والمحلية، قبل أن تتحولإلى جزء من جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في 1967.ويبدو أن الحق الحضرمي المشار إليه في لقاءات المكونات الحضرمية قبل أيامكان يشير -ضمناً- إلى تلك السنوات التي فرضت على حضرموت التبعية بعد أنكانت تتمتع بسلطات ذاتية، وحكم مستقل، وإن كان تحت الحماية البريطانية،كما كان حال كل مناطق الجنوب والخليج العربي.ولم تكن الإشارة فقط إلى ذلك التاريخ، بل حتى إلى الوقت الراهن حين دخلتحضرموت ضمن دولة الوحدة، وتأذت من محاولات البعض تقسيمها إدراياً؛ تحتذريعة جغرافيتها الشاسعة.وخلال كلا الحقبتين السياسيتين، ما بعد الاستقلال من بريطانيا وما بعدالوحدة، لاقت حضرموت ما لاقته من صنوف الإقصاء والتهميش حقوقياً قبل أنيكون إقصاءً سياسياً وتنموياً.وعندما نتحدث عن الجانب الحقوقي فهذا يؤكد أن دعوات الحق الحضرمي لم تكنحديثًا ترفاً أو من باب البذخ والترفيه، ولكن الانتهاكات التاريخية خلالالفترة السياسية التي أعقبت الاستقلال من بريطانيا، كانت مأساوية بكلالمقاييس على الحضارم.فصور السحل والقتل التي سجلتها ذاكرة شوارع حضرموت ووديانها، والتي طالتالعلماء ورجال الأعمال والتجار، لم تبارح مخيلة من شارك في اللقاء الموسعلمكونات حضرموت قبل أيام، وربما هذا ما استدعاها للحديث عن (الحقالحضرمي).ولهذا السبب أعلنت المكونات الحضرمية عن تأييدها لكل الخطوات التي تنشدالحق والإنصاف لحضرموت وأهلها، بحسب وثائقيات وأدبيات اللقاء الأخير.حيث بارك اللقاء المشترك ما تم اتخاذه من قرارات من قبل مكونات حلفحضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع ومنظمات وأطياف المجتمع المدني المنعقدمؤخراً، مؤكدًا بأن الحلف سيظل إلى جانب (الحق الحضرمي)، وتحقيق كلالطموحات المشروعة التي يتطلع لها أبناء حضرموت كافة.إنهاء التبعيةمخرجات ونتائج اللقاء الحضرمي المشترك، يُعيد بالذاكرة إلى نحو عامٍ منالآن، وتحديداً عقب أحداث أغسطس 2019، وما نتج عنه من سيطرة قوات المجلسالانتقالي الجنوبي على بعض المحافظاتٍ الجنوبية، ومحاولة تمدده نحوالشرق.كانت رغبة الانتقالي في التقدم نحو شبوة ومن وراءها حضرموت والمهرة،دافعاً لقيادات حضرمية في الخارج والداخل وجعلها تجتمع وتحدد موقفها منرغبات الانتقالي.ويبدو أن طموحات الانتقالي حينها ذكرت الحضارم- أو قياداتهم على الأقل-بسياسة "الضم والإلحاق" التي نالت من حضرموت في 1967، ودفعت ثمنهاغالياً، واستمر دفع هذا الثمن إلى اليوم.لهذا التقت قيادات حضرموت في الخارج والداخل وأعلنت رفضها لأي توسع منقبل قوات الانتقالي نحو المحافظات الشرقية من الجنوب.وتكرر هذا الوضع بعد إعلان المجلس الانتقالي أواخر أبريل الماضي فرض ماأطلق عليه "الإدارة الذاتية للجنوب"، بعد أن رفضت السلطات المحلية فيحضرموت الخضوع لقرارات الانتقالي تلك.وهو أيضاً ما دعت إليه مختلف القوى وأطياف المجتمع في حضرموت، قبل أيام،حيث حثت على "مزيد الاصطفاف والتلاحم لمساندة كل ما يحقق لهم الحياةالكريمة والآمنة والمستقرة وإنهاء صنوف التبعية".وهذه التبعية التي كان اللقاء الحضرمي المشترك يؤكد نيته لإنهائها، هي مايبدو أنها تشكل تخوفاً وتوجساً، يرفضه الحضارم منذ أمدٍ بعيد، ويسعون منقبل قياداتهم داخل حضرموت وخارجها إلى ضمان عدم تكرارها.مخاوف مستمرةالشعور بالإقصاء والتهميش الذي طال أبناء حضرموت لم يكن بسبب خضوعها لحكمدولة الجنوب ما قبل الوحدة، بل أن دولة الوحدة ذاتها هي الأخرى ارتكبتحماقات وانتهاكات بحق حضرموت.فالمخاوف الحضرمية لم تكن مرتبطة فقط بتمدد نفوذ الانتقالي شرقاً،ومحاولة ضم حضرموت لسلطاته الإدارية وحتى العسكرية، فهي تتعداها لتصبحالمخاوف مرتبطة أيضاً من استئثار الحكومة الشرعية بموارد حضرموت، تلكالحكومة التي ما زالت تسيطر على منابع النفط وحقول الثروات الطبيعية شمالالمحافظة، منذ 1990 وحتى اليوم.والثروات التي سيطر عليها نظام دولة الوحدة في حضرموت لم تقتصر على النفطأو الغاز، بل أن تقارير صحفية كشفت مؤخراً وجود ثروات معدنية من الذهبوالأحجار الكريمة، تذهب لمتنفذين عسكريين وقبليين محسوبين على الحكومةالشرعية.كل هذا الضيم الذي تعرضت له حضرموت خلال العقود الماضية، يؤكد المخاوفالمستمرة من يل أبناءها مشايخها وقياداتها السياسية والاقتصادية علىمستقبل المحافظة، وهو ما دعاهم إلى الاجتماع والالتقاء للإعلان عن عدمتبعيتهم لأحدٍ من المكونات أو الأطراف.كيف قلب الحضارم الطاولة على الجميع؟الموقف الحضرمي الأخير في اللقاء المشترك حصل على ردود أفعال متباينة منقبل المكونات السياسية المختلفة في اليمن.فالكثير من المحللين يصفون الموقف الحضرمي الموحد، بأنه أدى إلى "قلبالطاولة على المجلس الانتقالي"، وأنه ساهم في المقابل بتقوية طرف الحكومةالشرعية ومواقفها في مفاوضات الرياض.وذلك من خلال إصرار الحضارم على الفوز بإحدى مناصب الرئاسات الثلاث، التيستتمخض عنها المفاوضات وتنفيذ اتفاق الرياض.ويُرجع محللون أن الانقلاب الحضرمي على الانتقالي جاء من منطلق أن هذاالأخير كان يعتبر الحضارم جزءاً من منظومته ومكوناته.ورغم أن الموقف الحضرمي هذا قد يبدو للوهلة الأولى مؤيداً للحكومةالشرعية إلا أنه لا يخلو من المشاكل التي سببها لهذه الأخيرة.وفي كلا الحالتين، فإن الحضارم فرضوا واقعاً سياسياً مغايراً، من المرجحأن يساهم في تغيير أدوات وقواعد اللعبة السياسية في اليمن، على الأقللمصلحتهم الذاتية ومصلحة ما يريده ويطالبه أبناء المحافظة.ما الذي يريده الحضارم؟يرى محللون أن مطالب أبناء حضرموت لم تكن يوماً بذات السقف المرتفعالمتأثر والمدفوع بأغراض سياسية عنصرية أو مناطقية ضيقة، بقدر تركوها علىالجوانب الخدمية والتنموية.ولعلنا نستعين بتصريحات أحد الشخصيات الحضرمية، المنشورة في موقع (عدنالغد)، لنؤكد هذا البُعد المتواضع والمقبول الذي يكشف عن مسئولية ووعيأبناء حضرموت.حيث أعلن وكيل محافظة حضرموت لشؤون مديريات الساحل والهضبة، الدكتور سعيدعثمان العمودي تعليق عمله تأييدًا لقاء حلف حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامعالمنعقد بالمسيلة قبل أيام، وما سبقه من مطالب.والمطالب التي كان يقصدها العمودي لخصها في بيان صادر عنه، رصدته (عدنالغد) في البناء والتنمية والاستفادة من مواردها، من خلال إدارة أبنائهالها، وهو ما تم الإجماع عليه خلال اللقاء المشترك، وهو مطلب طبيعي تقرهالقوانين شرعاً وعرفاً وقرارات رسمية، بحسب قوله.كما أشار العمودي إلى ما تعانيه حضرموت اليوم من تردٍ مستمر للخدماتومنها الكهرباء في ساحل حضرموت خصوصاً وحضرموت عامة، في ظل غياب الدورالرقابي الحقيقي.ولعل ما تحتاجه وتريده حضرموت بالفعل هو أن يحظى أبناؤها بإدارةمحافظتهم، والحفاظ على ثرواتها ومواردها، وتستفيد من كفاءاتها البشرية فيمختلف القطاعات التنموية والخدمية.وهو ما ركزت عليه مخرجات اللقاء الحضرمي المشترك، وجاء في تأكيدات كافةالمسئولين الحضارم المؤيدين لنتائج اللقاء.ما هي مطالب حضرموت السياسية؟اللقاء الحضرمي كان راصداً ومتابعاً لمجريات المشاورات والمفاوضاتالجارية حالياً في العاصمة السعودية الرياض، بين الحكومة الشرعية والمجلسالانتقالي الجنوبيفالتوجه الحضرمي العام حتى وإن جاءت مخرجات لقاءاته تجسد الاستمرار فيرفض الشخصيات والقيادات الحضرمية السياسية والاقتصادية للانخراط أوالالتحاق بسياسة المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أن الحضارم في نفس الوقتيرفضون استئثار الحكومة الشرعية بموارد وثروات وإدارة المحافظة.وعبرت النخب الحضرمية عن وجهة نظرها تجاه تلك المشاورات، من خلال إشراكأبناء حضرموت في مرحلة تنفيذ اتفاق الرياض، وما بعده.الشخصيات والمسئولون الحضارم أكدوا أن اتفاق الرياض هو "المخرج الآمنوالسليم" لترتيب بيت الشرعية من الداخل؛ ولمواجهة انقلاب مليشيا الحوثيوتحرير العاصمة صنعاء.وبحسب محللين فإن هذه الجزئية الأخيرة تؤكد تمسك الحضارم بخيار الحكومةالشرعية، باعتبارها رأس حربة إنهاء الانقلاب الحوثي، وتوحيد جهود كلالمكونات الجنوبية والمحلية في إعادة الاستقرار إلى البلاد، وعلى رأس هذهالمكونات "الحضارم".ويؤكد مراقبون أن تمسك الحضارم بالمشاركة في رسم ملامح مستقبل اليمن منخلال الاشتراك وعدم تهميشهم في تنفيذ اتفاق الرياض، يأتي بهدف "عدماختطاف أو تزييف صوت حضرموت الأصيل المعبر عن آمال مواطنيها وآلامهم".ويؤكد الحضارم أنهم لن يقبلوا "الضيم والتجاوز"، بل سيسعون إلى تعزيزالعمل لتحقيق مبادئ العدالة والمساواة، وفق تصريحات مسئوليهم وقادتهمالمحليين، الذي شددوا على ضرورة حصول حضرموت على كافة حقوقها.وأول تلك الحقوق التي يرى الحضارم ضرورة فوزهم بها هي حقهم في التمثيلالسياسي الأصيل "غير المنقوص"، بحسب أدبيات ووثائق اللقاء الأخير، وفقاًلثقل المحافظة الجغرافي والاقتصادي وبعدها التاريخي.طرف أصيل ذو إرثٍ سياسي واقتصاديتلك المطالب، وما يريده الحضارم، لا تعدو عن كونها مطالب طبيعية، عطفاًعلى الإرث السياسي والاقتصادي، والمكانة الجغرافية والتاريخية، وحتىالإرث الحضاري والثقافي والفني والفكري لحضرموت.فعلى مدار تاريخها، قدمت حضرموت ثرواتها الطبيعية والمعدنية لكل اليمن،ولم تبخل عنهم حتى بكوادرها وقياداتها وخبراته السياسية والاقتصادية.فأبرز الوزراء والاقتصاديون في أول حكومة ما بعد الاستقلال الوطني كانوامن حضرموت، وخبراء التنمية والزراعة والاقتصاد كانوا من هناك.واستمروا في تقديم خدماتهم في دولة الجنوب وعلى رأس هرمها السياسيوالاقتصادي حتى تحقيق الوحدة اليمنية، التي كان أول رئيس للوزراء فيها منحضرموت، المهندس حيدر ابو بكر العطاس، وأول كفاءة اقتصادية يختارها البنكالدولي وصندوق النقد الدولي لإدارة شئون البلاد المالية بعد حرب 1994،كان الدكتور فرج بن غانم.بالإضافة إلى كفاءات حزبية واقتصادية كأمثال الدكتور عبدالقادر باجمال،الذي قدم تحديثاً عصرياً لنظام الدولة وعملها الإداري خلال السنواتالأولى من الألفية الثالثة.كما أن المجال يتسع للحديث عن أفضل وزير نفط مر في تاريخ اليمن، والمرشحالرئاسي المهندس فيصل بن شملان، ورجال الدولة كباسندوة وبن دغر، وغيرهممن الكفاءات الحضرمية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية.ولا ننسى البُعد الثقافي والفكري وما أنتجته حضرموت من تأثير فني ليس علىمستوى الوطن اليمني، بل حتى وصل إلى أصقاع العالم العربي.كل ذلك الإرث يجعل حضرموت طرفاً سياسياً أصيلاً لا يقل عن الحكومةالشرعية والمجلس الانتقالي، وشريكاً فاعلاً في صنع القرار، ونداً كفؤاًلكافة المكونات السياسية الأخرى.وإن كان يُستشف من تصريحات النخب الحضرمية وقيادات حضرموت أنها تفضل أنتكون تحت مظلة الحكومة الشرعية، على حساب انتماءها إلى الانتقالي، وفقتحليلات المراقبين.الاستقرار.. ماركة حضرميةالنجاح الحضرمي الذي أشرنا إليه في الجوانب السياسية والاقتصادية، وماحباها الله من موارد طبيعية وثروات، يبدو أنه انعكس على الأوضاع الأمنيةوالتنموية في المحافظة.فما تعيشه حضرموت كن استقرار أمني ضمن وضعاً تنموياً واستقراراً سياسياًنسبياً، أبعدها عن المناكفات السياسية والحسابات المناطقية الضيقة التيأثرت على غيرها من المحافظات، كل ذلك ناتج عن نجاحات أبناءها في لنشملهم، وعدم الانصياع لدعوات الفرقة والكراهية.كما أن الاستقرار الخدمي والتنموي (النسبي) في المحافظة، والذي يعتبرافضل بكثير مما هو متواجد في نظيراتها من المحافظات الأخرى، يؤكد أنالاستقرار ما هو إلا صناعة وماركة حضرمية بامتياز.وهذا ما يجعل حضرموت تستحق أن تنال كل مطالبها واحتياجاتها، التنمويةوحقوقها السياسية والخدمية، حتى يستفيد الوطن من الاستقرار الموجود فيحضرموت، وتستمر في أداء واجبها الوطني كرافدٍ بالكفاءات والكوادروالموارد.