السبت - 11 يوليه 2020 - 06:24 م بتوقيت عدن
(عدن الغد) خاص :
- الانتقالي يخلي مسؤوليته ويحمل الحكومة.. فما مصير المرتبات؟- لماذا تطبع الحكومة أموالاً دون أن تدفع المرتبات؟- الإدارة الذاتية.. لماذا لا تصرف المرتبات؟- سنوات الحرمان ومعاناة العسكريين.. إلى متى؟- لماذا لا يتضامن الانتقالي مع العسكريين الجنوبيين؟القسم السياسي بـ(عدن الغد):تقض مشكلة المرتبات، المدنية والعسكرية، مضاجع الموظفين والمنتسبين للجيشوالأمن الجنوبي في عدن وما جاورها، والذين لا يملكون أي دخل مادي منتظمسوى هذه المعاشات الشهرية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.وما يفاقم وضع المرتبات، بل ما يتسبب في تحويلها إلى مشكلة اقتصادية،وكارثة معيشية، هي الصراعات التي لا تنتهي حتى تبدأ غيرها.إضافة إلى أن الصراعات السياسية باتت تستخدم مرتبات البسطاء من المدنيينكورقة ضغط بين الخصوم، يتداولونها ويتبادلون اتهامات توقيفها وعدم صرفهاأو حتى تأخيرها، غير آبهين بما يترتب على هذه الأساليب من معاناة تقع علىكاهل المواطن المطحون وحده، الذي يكتوي بنيران ارتفاع الأسعار والأزمةالاقتصادية وتدهور الوضع المعيشي، الذي يواجهه براتبٍ أقرب إلى الصدقةمنه إلى المعاش.لهذا يصف كثير من الاقتصاديين هذا الوضع المعيشي المتأزم، المنعكس علىحياة آلاف المنتظرين لمرتباتهم وقوت أولادهم، بأنه "قنبلة موقوتة"، لاتقف تأثيراتها-في حالة انفجارها- عند العسكريين أو الموظفين المدنيين ومنيعولون، بل تمتد لتطال المجتمع برمته، بما فيهم السياسيين المتلاعبينبورقة المرتبات والمعاشات؛ لتحقيق مآرب وأغراض ضيقة.سنواتٌ من الحرمانتمتلك قضية مرتبات الموظفين بشكل عام، وخاصةً رواتب العسكريين، إرثاًيمتد لسنواتٍ من المشاكل، فتارةً تتعرض للتوقيف، وتاراتٍ للتأخير، ومراتٍأخرى للنهب والسطو، وكثير من صور الحرمان تلك تأتي بشكل متعمد ومقصود،بحسب ما هو مشاهد.فبعد ثورة 2011، بدأت مشكلة إيقاف المرتبات أو تأخيرها، وساهم الانفلاتالأمني الذي لحق تلك المرحلة في حدوث ووقوع العديد من حالات النهبوالسطو، كانت ضحيتها مرتبات الموظفين المدنيين، نتيجة المماحكات السياسيةوالحزبية حينها.وعند سقوط صنعاء أواخر 2014، شرع الحوثيون بوقف مستحقات كافة موظفيالدولة والبدلات والمكافآت والحوافز، وأبقوا على المرتب الأساسي الذيأوقفته نهائياً مغامرات الانقلابيين الحوثيين، وفرض حرب شاملة على اليمن،استدعت تدخلاً خارجياً.ولا يمكن إغفال تداعيات نقل المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني من صنعاءإلى عدن، وما سبق هذا الإجراء من توقيف مرتبات مئات الآلاف من الموظفينمن قبل المليشيات الحوثية التي سطت على البنك وأفرغته من احتياطاتهالنقدية.حتى أن عملية نقل البنك إلى عدن هي الأخرى رافقتها تداعيات بعض المرافقالعامة، التي تأخرت مرتباتها وتوقفت بسبب هذه الخطوة.ومن المؤكد أن قضية إيقاف المرتبات معضلة قديمة، وليست وليدة اليوم، إلاأن بعض المتابعين يربطها حالياً بما يعيشه المشهد الاقتصادي والسياسي فيعدن من تطورات ومستجدات طرأت خلال عام، وربما خلال الأشهر الثلاثةالأخيرة.والمستجدات التي يقصدها المتابعون ترتبط بكل تأكيد بالأطراف المتسببةبالصراعات والنزاعات، ممثلين بالحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، بدءاًمن مواجهات وأحداث أغسطس 2019، ومروراً بالقرارات الناتجة عنها في الشهورالماضية.وهو ما عبرت عنه الهيئة العسكرية العليا لما يسمى "بالجيش والأمنالجنوبي"، التي أعلنت أن منتسبيها محرومون من مرتباتهم منذ ما يقارب نصفعام، أو خمسة أشهر تحديداً، وشرعوا في الاعتصام أمام بوابة مقر قيادةالتحالف العربي في عدن.كان هذا التصعيد الأخير من العسكريين الجنوبيين معبراً عن الحالة التيوصلت إليه قضية الراتب في عدن والجنوب عموماً، والتي تنذر بمزيد منالتداعيات إن ظلت دون معالجات أو حلول ناجعة.هل هي مسئولية الحكومة؟العسكريون الجنوبيون المعتصمون اتهموا الحكومة الشرعية بالتعمد في تأخيرمرتباتهم، واختاروا الاعتصام أمام قيادة التحالف للضغط على الحكومةالإفراج عن معاشاتهم المتوقفة منذ شهورٍ أربعة.لكن محللين يتساءلون إزاء هذه الاتهامات: هل صحيح أن الحكومة اليمنية هيمن تتحمل مسئولية مرتبات هؤلاء العسكريين؟، أو على الأقل تتحمل جزءاً منتلك المسئولية؟.عقب طرد الحكومة الشرعية من عدن في خريف 2019، انتهجت الحكومة نهجاًعقابياً، تجاه الوحدات العسكرية المقاتلة في صفوف الانتقالي خلال مواجهاتذلك الخريف في عدن، وفق تصريحات قيادات الانتقالي وإعلامييه.والحقيقة أن تلك الاتهامات فيها من الصحة الشيء الكثير، لكن ليس بالصورةالتي ساقها قادة المجلس الانتقالي، فالحكومة كانت مسئولة عن وقف المرتباتحينها بحكم عدم تواجدها في الداخل، أو على الأرض، كما أن مرافقهاومؤسساتها ومعسكراتها كانت تحت سيطرة قوات المجلس الانتقالي.لهذا تبدو الحكومة أنها في صورة المقصر في أداء واجبها الحكومي بصرفمرتبات العسكريين، وحتى الموظفين المدنيين، لكن ليس بمظهر المتعمدة أوالممنهجة، كما صورها إعلام الانتقالي.ويبدو أن هذا السبب هو الذي دفع الانتقالي إلى عودة الفريق الحكوميالمصغر برئاسة رئيس الحكومة إلى عدن أواخر نوفمبر 2019، وبعد أسابيع منتوقيع الشرعية والانتقالي على اتفاق الرياض، وهو البند الوحيد المنفذ منالاتفاق منذ ذاك الحين.وبالفعل.. نجح الفريق الحكومي المصغر حينها بصرف مرتبات العسكريينوالموظفين، بفضل تواجد الحكومة في الداخل، وسارت الأمور طبيعياً حتى ماقبل خمسة شهور، حين بدأت المرتبات بالتوقف.هل هي مسئولية الانتقالي؟فرض المجلس الانتقالي الجنوبي حالة الطوارئ وما أطلق عليها "الإدارةالذاتية للجنوب" في شهر أبريل الماضي، أي قبل أقل من ثلاثة أشهر من الآن،بينما يطالب العسكريون المتوقفة مرتباتهم بصرف مستحقات خمسة شهور.وهذا يوحي بأن المجلس الانتقالي وإدارته الذاتية لم تكن هي السبب في توقفمرتبات العسكريين، على الأقل ما قبل فرض الإدارة الذاتية بشهرين.فمشكلة المرتبات تطول حبالها وأسبابها إلى أبعد من شهر أبريل الماضي حينأعلن الانتقالي الإدارة الذاتية، وتزيد على هذا التاريخ قليلاً.وهذا هو المنطق الذي يبني عليه الانتقالي وأنصاره نفي تورطهم في تأخير أوإيقاف صرف مرتبات العسكريين، وغيرهم من الموظفين المدنيين.فتصريحات قادة الانتقالي وخبرائه في لجانه المتخصصة يعلنون ليل نهار عدممسئوليتهم عن المرتبات، ويقصرون مهامهم على الجوانب الخدمية، التي لمتتحسن هي الأخرى حتى الآن.ويصر الانتقالي على تحميل الحكومة الشرعية كامل المسئولية فيما يتعلقبمرتبات القطاعات العسكرية والمدنية في البلاد.وهو ما أعلن عنه رئيس اللجنة الاقتصادية في الإدارة الذاتية بالمجلسالانتقالي، عبدالسلام حُميد، بحسب ما نشره موقع المجلس، ورصدته (عدنالغد).حيث أخلى حميد مسئولية الانتقالي من أية التزامات فيما يتعلق بدفعالمرتبات في عدن والمناطق الواقعة تحت سيطرة الانتقالي، وحمّل الحكومةالشرعية كامل المسئولية، وقال: "إن ذلك من صميم مسؤولية الحكومة".وفي بيان له نشر الخميس، قال رئيس اللجنة الاقتصادية للمجلس الانتقاليوعضو الإدارة الذاتية، عبدالسلام صالح حميد: إن مرتبات القوات المسلحةوالأمن والمكاتب التابعة للوزارات والمؤسسات المتعثرة والمتقاعدين تتحملمسؤولية دفعها الحكومة ممثلة بوزارة المالية والبنك المركزي.وأَضاف في البيان الذي نشره الموقع الإلكتروني للمجلس أن "ذلك من صميممسؤوليات والتزامات وزارة المالية والبنك المركزي، مبيناً أن اللجنةالاقتصادية العُليا قد أكدت ذلك في بيان لها فور إعلان الإدارة الذاتية".أين تذهب الإيرادات؟ويحاول معارضو المجلس الانتقالي توريط هذا الأخير في قضية المرتبات،حينما يتساءلون عن مصير الإيرادات التي فتح الانتقالي بموجب قرار الإدارةالذاتية حسابات للمرافق الإيرادية الحكومية في البنك الأهلي اليمني،بدلاً عن حساباتها الرسمية في البنك المركزي.وهو ما رد عن الانتقالي حين أعلن الإدارة الذاتية في أبريل الماضي، حينأشار إلى "أن الإدارة الذاتية ستعمل جاهدة لتنظيم الموارد وتسخيرهالتحسين الخدمات العامة في عدن ومحافظات الجنوب المحررة، على الرغم من أنالموارد المحصلة من الجمارك والضرائب في العاصمة عدن فقط لا تغطي سوىالجزء اليسير من نفقات الخدمات".أي أن الإيرادات المحصلة من قبل الانتقالي ستوجه إلى الخدمات العامة وليسالمرتبات، تحت مبرر أنها كانت تذهب إلى غير قنواتها، قبل فرض الإدارةالذاتية.واستدل الانتقالي بتعثر دفع مرتبات القوات المسلحة لأكثر من سبعة أشهرخلال السنوات 2018 و2019، ونحو أربعة اشهر خلال عام 2020، فضلاً عن أنوقود الكهرباء منذ عودة الحكومة بعد توقيع اتفاق الرياض لم يتوفربالكميات التي تؤمن نوعا من استقرار التوليد وغيرها من المتطلبات. غير أن محللين يرون أن شيئاً لم يتغير فيما يخص الخدمات العامة، التيأشار إليها الانتقالي بأن إيرادات المرافق العامة تذهب لتوفيرها، حيثتقلصت ساعات تشغيل خدمة الكهرباء في عموم عدن إلى أقل من ثمان ساعات فياليوم، مقابل أكثر من 16 ساعة انطفاء، فأين تذهب الإيرادات إذن؟.طباعة الأموال ومصادرتها!كلا الجانبين، ومن خلال أنصارهما، يقومون يشن هجمات متبادلة واتهامات حولمصير المرتبات، فمعسكر الانتقالي يتهم الشرعية بتبديد ونهب أموال طبعتهاالحكومة خلال السنوات الثلاث الماضية، لأكثر من تريليوني ريال يمني، دونأن توفر المرتبات أو الخدمات، بحسب بيان للجنة الاقتصادية في الانتقالي.وفي المقابل يتهم أنصار الشرعية قوات الانتقالي بمصادرة أموال الحكومة فيعدن والمكلا، وبعشرات المليارات دون أن تكشف سلطات الانتقالي عن مصيرها،معتبرين أنها أموال كانت مخصصة لصرف المرتبات، وفق بيان صادر عن البنكالمركزي في حينه.غير أن الخبراء الاقتصاديين للانتقالي يعتبرون أن قضية التحفظ على حاوياتالأموال أصبحت "شماعة" تعلق عليها الحكومة الشرعية فشلها وتبديدهاللأموال المطبوعة خلال السنوات الماضية.وفي ظل هذه الاتهامات المتبادلة يحذر اقتصاديون مما أطلقوا عليه "التلاعبوالاستغلال" لأقوات آلاف المواطنين من المدنيين والعسكريين، وعدم صرفمستحقات أفراد المؤسسات العسكرية والأمنية، مؤكدين أن هذا التلاعبوالاستغلال سيكون له تداعيات وانعكاسات غير محمودة العواقب، وستتحملمسؤوليتها الجهات المعرقلة لصرف تلك المستحقات، سواء الانتقالي أمالشرعية.صدمة العسكريينولعل ما لفت الانتباه مؤخراً هي اعتصامات منتسبي الجيش والأمن الجنوبيأمام مقر التحالف العربي بعدن، للمطالبة بصرف المرتبات المتوقفة من شهورٍخمسة.خاصةً وأنهم في أول بيانٍ لهم اتهموا الحكومة اليمنية بتحمل المسئولية فيتأخير مرتباتهم، ودعوا التحالف للضغط عليها وسرعة صرفها، وتوقع العسكريونتضامناً من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي مع مطالبهم.إلا أن التصريحات الأخيرة من رئيس اللجنة الاقتصادية في الانتقالي كانتصادمة بالنسبة للعسكريين الجنوبيين، الذين لم يتفاجؤوا بتحميل الانتقاليالمسئولية على الشرعية، ولكنهم تفاجؤوا بعدم وقوف الانتقالي مع مطالبهمأو دعم اعتصاماتهم.كان ذلك على لسان رئيس صحيفة (الجيش) الإعلامي علي منصور مقراط، الذي قالإن ما جاء في توضيح أو تصريح رئيس اللجنة الاقتصادية للمجلس الانتقاليالدكتور عبدالسلام حميد لا "يسمن ولا يغني من جوع" بالنسبة لمرتباتالعسكريين المتوقفة منذ خمسة شهور.واعتبر مقراط في تصريح نشرته (عدن الغد) أن اتهام الانتقالي للحكومةوتحميلها المسئولية و"سلخها" بعد أن قام بطردها في أغسطس 2019، ولم يعدلها وجود، غير مبرر.وأضاف: نحن لسنا بحاجة إلى مبررات للهروب من المسؤولية من قبل التحالفالذي سلمته هذه الحكومة الأرض والبر والبحر والجو ومعه الانتقالي الذييسيطر على الأرض وعلى الإيرادات وحاويات الأموال في جبل حديد.وتابع مقراط: إن المجلس الانتقالي خذل أشرف شريحة وطنية على أرض الجنوب،وهم منتسبو الجيش والأمن وأسر الشهداء والجرحى الذين يعتصمون أمام مقرالتحالف لنحو أسبوع، ولم نسمع كلمة من أي مسؤول منهم أو حتى إعلاميمعروف؛ لأنهم مشغولون بتشكيل الحكومة الجديدة، حد وصفه.وكان العسكريون المعتصمون أمام مقر التحالف في البريقة يتوقعون أن يستغلالانتقالي هذا المشهد المأساوي في اعتصامات قادة جيش الجنوب وضباطهومحاربيه القدامى، ويرسل وفوده إلى وسط المعتصمين ليعروا وجه الحكومةالفاسدة، بحسب قوله.واعتبر الصحفي مقراط أن تصريح رئيس اللجنة الاقتصادية في الانتقالي،عبدالسلام حميد، كان توضيحاً "خجولاً"، ولم يقل حتى "نقف نحن فيالانتقالي ونتضامن مع العسكريين لانتزاع حقوقهم المشروعة".وعبر رئيس صحيفة الجيش الإعلامي علي منصور مقراط عن خيبة أمله وصدمته منعدم تحرك الانتقالي لمخاطبة التحالف والضغط على حكومة الشرعية لصرفمرتبات الجيش والأمن، وكشف مصير أموال منتسبي الأمن والجيش التي ترصدلستة أشهر كمرتبات.خيبة أمل جماعيةتعبيرات الصدمة وخيبة الأمل التي أعلن عنها أحد إعلاميي الجيش والمنافحينعن حقوق منتسبيه، لن تقتصر على هذه الشريحة التي أعطت وضحت من أجل الوطن.فالخيبات طالت كافة المواطنين من الموظفين الذي ينتظرون كل شهر دخلهمالوحيد، فيتفاجؤون إما بإيقافه لانعدام السيولة في البنوك، أو بتأخيرهبسبب المعاملات البيروقراطية الروتينية الرتيبة، أو بنهبه والسطو عليهكما حصل مع مرتبات معلمي البريقة بعدن.وكل تلك الهيئات تتحملها الشرعية والانتقالي، وحتى التحالف العربي،جميعهم على صعيد واحد من المسئولية؛ نتيجة صراعاتهم التي أثقلت كاهلالموظفين والمواطنين بشكل عام.فمهما بررت تلك الأطراف، وحاول تبرئة ساحتها، لن تنجو من حقيقة الوضعالمعيشي المتردي يوماً عن آخر، ولا يبدو أن في الأفق بصيص أمل ما دامتالصراعات والنزاعات مستمرة، فالاستقرار والسلام هو الوحيد الكفيل بمنحالحقوق لأصحابها.