آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-11:15م

وفيات


#في_وداع_والدي

الأربعاء - 08 يوليه 2020 - 11:57 م بتوقيت عدن

#في_وداع_والدي

عدن ((عدن الغد)) خاص


===========
في مثل هذا اليوم من الشهر الماضي تلقيت خبر هز كياني وكاد أن يفقدني صوابي ويعصف بحياتي لولاء أيماني بأن الله سبحانه وتعالى قد جعل الموت فرضاً على جميع خلقه، وأن أرواحنا بين يديه يأخذها متى شاء، ولا أعتراض على قضاءه وقدره. لقد غيب عنا الموت في مثل هذا اليوم نبراس حياتي ومرشدي ومعلمي الأول والدي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. ومهما حاول الشخص أن يكتب عن والده فلن يفي بحراً من الحبر للخوض في تفاصيل تلك الايام والأشهر والسنوات التي كافح فيها كل أب لأجل أبنائه ومستقبلهم، إلا أن سطوراً قليلة قد يكون لها نوعاً من التعبير عن ما في النفس والتخفيف من عنائها وحزنها.

والدي العزيز منذ أن بلغني نبأ وفاتك لم أستوعب ذلك الخبر المفزع وظللت وألى اليوم يراودني حلم اللقاء بك والحديث إليك في كل لحظة وحين. لم أكن يوماً أتخيل بأنك ستغيب عنا بشكل مبكر ومفاجىء ونحن في بلاد الغربة بعيدين عنك ولم نستطع وداعك وألقاء النظرة الاخيرة الى وجهك البشوش وتقبيله ومواراة الثرى على جثمانك الطاهر.

والدي العزيز رحلت عنا وستظل مبادئك، وسيرتك العطرة، وأخلاقك النبيلة، وشخصيتك الفريدة خالدة في أذهاننا الى أن يتوفانا الله بل وسننقلها لأبناءنا وأحفادنا ليستلهموا منها طريق حياتهم. فقد كنت صوتاً يصدح بالحق ولو على أبنائك، ويرفض الظلم مهما كان جبروت الظالم، كنت محباً للخير، مصلحاً بين الناس، ولقد كان لك من أسمك نصيب فشخصيتك ومبادئك ثابتة لا تتغير ولا تلين، وأفعالك وأقوالك صالحة لا يستطيع أحد أفسادها. لم أزكيك هنا والدي فشهادتي فيك مجروحة، بل هي تلك الكلمات التي سمعتها عنك حياً وميتاً ويعيها جيداً كل من عاش معك أو التقى بك.

لقد كانت حياتك حافلة بالعطاء منذ ألتحاقك بالجيش في سبعينات القرن الماضي، فكنت ذلك الجندي المخلص لوطنه والقائد المحبوب لأفراده، ولقد كان لك الشرف في الدفاع عن الوطن في كافة المراحل والمنعطفات التي مر بها وطننا الحبيب، فلم تستسلم يوماً لليأس، ولم تتخلف عن واجب الدفاع عن الوطن قط، ولم تكن هناك محافظة من محافظات جنوبنا الحبيب إلا وخدمت سنوات من عمرك فيها. لقد كان لك شرف الدفاع عن الوطن في عام 1994م وكنت حينها واحداً من الضباط الذي أصدر نظام صنعاء في حقهم حكم الأعدام. لقد عانيت من الأقصاء والتهميش بعد أحتلال الجنوب وصارعت الحياة وأبيت إلا أن تنتصر لقيمك ومبادئك وأهدافك. كما كنت ايضاً صاحب حضور ومواقف في كافة القضايا الأجتماعية في اطار النطاق الجغرافي الذي تعيش فيه وسباقاً لفعل الخير والأصلاح بين الناس، وبهذا فرحيلك لا يشكل خسارة علينا نحن فحسب بل وعلى كل من عرفك أو التقى بك وعلى وطننا عموماً.

رحمك الله والدي الفاضل فقد كنت يوماً ما ذلك الطفل اليتيم الذي فقد والده وهو في الأشهر الأولى من طفولته، وفقد أمه في سنوات طفولته أيضاً، ولا أخفيك أنني لم أضع نفسي قط في مكانك لأفكر بعمق في حجم المعاناة والظروف والمنعطفات التي مررت بها في طفولتك وشبابك حتى صرت أنا في نفس المكان بفقدي لك ولأمي قبل شهر، فوجدت نفسي تائهاً وحيداً لا أستطيع مجابهة متاعب الحياة ومنعطفاتها، رغم أن الشيب قد خيم على رأسي ولم أعد طفلاً صغيراً على عاتقة مهام جليلة وأسرة كبيرة كما كان حالك بالأمس في طفولتك، حينها عرفت كم كنت رجلاً شجاعاً وحكيماً وأنت طفلاً صغيراً، وكيف صقلت منعطفات الحياة وتجاربها شخصيتك لتكون بهذه الشخصية الفريدة التي عرفناها.

والدي العزيز لقد كنت لي ذلك المرشد السامي الذي لم أقدم قط على شيء دون أستشارته، والمعلم المثالي الذي نهلت منه مبادىء الحياة والقيم والأخلاق والأنسانية، وكنت كذلك ذلك الصديق الحميم الذي لا تطيب لي جلسات الحياة إلا بحضوره، وقبل كل ذلك الوالد الفاضل الذي لم ولن أستيطع أن أفي بحقه عليّ. أعي جيداً والدي بأن صوتك سيغيب عن سماعة تلفوني، ورسائلك الصباحية ستتوقف، وسأعود يوماً اذا اطال الله لنا في العمر ألى بيتاً لن تكن تتواجد فيه، ولن تذهب معي للصلاة ولا تشاركني جلسات أفراحي وأحزاني كما كنت في الماضي! نعم هناك الكثير من الصعوبات والمنعطفات التي قد اواجهها مستقبلاً وحيداً وبكل تأكيد سأكون فيها بأمس الحاجة اليك ولكني لن استطيع أن اتواصل بك لتهمس في أذني ماذا أعمل، وبدونك قد لا أنجح في بعض المواقف لقصوراً عندي، ولكن ثق بأن نصائحك وأدبياتك ستكون هي تلك المفاتيح التي سترشدنا لفتح أبواب المستقبل.

برحيلك والدي ورحيل والدتي قبلك بأيام، والتي كانت أيضاً مدرسة كبيرة تتلمذتُ فيها ونهلت منها معارفي وخبراتي، وصد باباً ألى الجنة في وجوهنا، وأظلمت طريقنا، وعم الحزن في قلوبنا، ولكن ليس لنا إلا أن نحمد الله على قضاءه وقدره ونسأله تعالى أن يجعلنا لكما طائعين وأن يتقبلكما في فردوسه الأعلى مع الشهداء والصديقين. ونعاهدكما بأنكما ستظلا خالدين في أقوالنا وأفعالنا وقلوبنا، فأنتما من أرهقتما أنفسكما كثيراً لأجلنا.

وفي الأخير لا يسعني إلا أن أتقدم بخالص الشكر والأمتنان لكل من قدم لنا واجب العزاء سواءً بالحضور الى منزلنا في مدينة الحبيلين أو المشاركة في مراسيم الصلاة والدفن أو الأتصال الهاتفي ورسائل التواصل الأجتماعي، سائلاً الله أن لا يريكم مكروه في من تحبون.