آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-04:36م

ملفات وتحقيقات


تقرير يتناول مصير القضية الجنوبية بعد مشاركة الانتقالي في الحكومة الجديدة

الإثنين - 06 يوليه 2020 - 11:07 ص بتوقيت عدن

تقرير يتناول مصير القضية الجنوبية بعد مشاركة الانتقالي في الحكومة الجديدة

(عدن الغد)خاص:

- هل تخلى الانتقالي عن القضية الجنوبية؟

- من سيتكفل بالقضية الجنوبية بعد دخول الانتقالي الحكومة اليمنية؟

- كيف نجحت الحكومة في ترويض الانتقالي؟

- هل أجبرت الدول الكبرى الانتقالي على المشاركة في الحكومة؟

- كيف نجح الانتقالي في ما فشل فيه الآخرون؟

مشاركة الانتقالي في الحكومة.. تكتيك أم تمهيد لتحقيق أهدافه؟


تقرير/ بديع سلطان:



منذ 2007 يناضل الجنوبيون في سبيل نيل حقوقهم واستعادة دولتهم، وقدموا من
أجل هذا الهدف الكثير من التضحيات، التي تؤكد استحالة تخليهم عن حلمهم
هذا.

وعلى مدى عقدٍ كامل من الزمان، كان الجنوبيون يقتربون ويبتعدون عن ملامسة
تطلعاتهم، بحسب حرص كل منهم وإخلاصه للقضية الجنوبية التي أخذوها على
عواتقهم.

ولهذا نرى أن القضية الجنوبية، منذ بدء حراكها السلمي النضالي في صورته
الحقوقية قبل ثلاثة عشر عاماً، مرت بالعديد من المراحل، ما بين الخفوت
والتوهج، وما بين الصعود والترنح.

وتتحكم الكثير من العوامل السياسية والعسكرية، في التقلبات المرحلية تلك،
بل وحتى عوامل شخصية متعلقة بارتباط القضية الجنوبية- ولسنوات طويلة-
بأشخاص وقادة تحكموا بالقضية، وتسببوا بتأرجح مسيرتها.

ولم يتوقف الأمر عند حساباتٍ شخصية أثرت على سير قضية الجنوب، فنوعية
المكونات والكيانات السياسية التي تبنت القضية هي الأخرى لعبت دوراً في
التأرجح.

فبعد عقدٍ من النضال الحراكي السلمي، انتقلت القضية إلى مرحلة مغايرة
"أكثر حدة"، عقب تبني مكونات سياسية "مسلحة" للقضية، وإعلانها توليها
التصدر للقضية الجنوبية.

ولم تكن المرحلة المغايرة هذه سوى قيام وتأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي،
في مايو 2017، وإعلانه تحمل القضية الجنوبية واستعادة الدولة بشكل حصري،
"بتفويض شعبي"، بحسب أدبيات المجلس.

ولعل أبرز ما يميز المجلس الانتقالي عن مكونات الحراك الجنوبي السلمي
الأخرى التي تبنت القضية منذ 2007، هو أنه اتخذ منحى سياسيا أكثر حدة، بل
وصل إلى توظيف قوات وتشكيلات عسكرية وأمنية مسلحة لتحقيق أهدافه.

ورغم أن هذا التحول لاقى تأييداً من كثيرين ممن ملّوا الطريقة السلمية
للمطالبة بحقوق الجنوبيين السياسية، واقتناعهم بضرورة التحول إلى "الخيار
العنيف"؛ لانتزاع الحقوق وليس للمطالبة بها، إلا أن هذا التغير تعرض
للعديد من الانتقادات أيضاً.

ومرد تلك الانتقادات يعود إلى اتهامات طالت المجلس الانتقالي ذاته،
بمحاولة الحصول على مكاسب سياسية ومناصب، واستغلال القضية الجنوبية لهذا
الغرض.

وهو ما أورده عدد غير واحد من قيادات الانتقالي في الداخل والخارج، ضمناً
وتصريحاً، بعضها يؤكد ذلك، والآخر يعتبر ما يقوم به الانتقالي تغييرا في
الوسائل والأساليب، بعضهم تلقاها بالقبول وآخرون بالرفض.


مرونة الأساليب والوسائل

أثار قبول المجلس الانتقالي الجنوبي المشاركة في الحكومة الجديدة، التي
تجري مشاورات تشكيلها حالياً في العاصمة السعودية، كأحد بنود الشق
السياسي لاتفاق الرياض- الكثير من اللغط في الأوساط الجنوبية.

فالبعض يرى أن الانتقالي تخلى عن القضية الجنوبية واستعادة الدولة،
بالاشتراك في حكومةٍ كان يتهمها مراراً وتكراراً بأنها فاسدة وإرهابية
وتتعمد تعذيب "الشعب الجنوبي".

بينما يرى البعض مشاركة الانتقالي في الحكومة هو انتصار سياسي، واعتراف
حكومي وإقليمي ودولي بالمجلس كمكون جنوبي أصيل، وند للحكومة لا يقل عنها،
وبهذا المكسب السياسي يستطيع الانتقالي أن يوصل القضية الجنوبية إلى
العالم، بصفته الرسمية والشرعية تلك.

كما يعتقد أصحاب هذا الرأي أن المجلس الانتقالي أكد للجميع أنه عبارة عن
مكون سياسي مرن، قادر على التأقلم مع كل الظروف الصعاب التي تواجهه
وتواجه قضية الجنوب، وأنه بذلك استطاع أن يفرض نفسه-كمتحدث حصري عن
القضية- في مختلف المحافل الوطنية والإقليمية والعالمية.

بالإضافة إلى أن المجلس الانتقالي- بحسب مؤيديه- نجح في الذي فشلت فيه
كافة المكونات والتيارات الحراكية، من خلال فرض فصيل جنوبي بصفته
الجنوبية في حكومة يمنية، يرى الانتقالي بأنها ستكون خطوة نحو الحصول على
الحقوق الجنوبية واستعادة الدولة.

ويبدو أن هذه المكاسب التي تروّج لها قيادات الانتقالي ومناصروه، هي نتاج
المرونة في الوسائل والأساليب التي انتهجها الانتقالي مؤخراً، وتغييرها
متى ما اقتضت الحاجة وبحسب الظروف والمستجدات.

فوفق تغريدات وتصريحات رسمية لكثيرٍ من قيادات الانتقالي وعلى رأسهم ناصر
الخبجي رصدتها (عدن الغد)، فإن القبول بالمشاركة في الحكومة الجديدة ليس
تخلياً عن أهداف القضية الجنوبية واستعادة الدولة، ولكنه تغيير في
الوسائل والأساليب، مع بقاء الهدف الرئيسي ثابتاً.


المبادئ لا تتجزأ

غير أن عدداً من السياسيين والمراقبين، وحتى بعض قادة الانتقالي اعتبروا
أن مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في الحكومة اليمنية تراجعاً عن
مبادئه التي قال إنه متمسك بها.

جاء ذلك على لسان السياسي اليمني الدكتور عبدالرحمن الوالي، الذي وجه
نصيحةً للانتقالي، مفادها أن الاشتراك في الحكومة اليمنية ومن وصفهم
"بأعداء الجنوب" هو "انتحار" للقضية الجنوبية ولحاملها، واضاف أن
"المبادئ لا تتجزأ".

ودعا الوالي، بحسب موقع (عدن الغد)، المجلس الانتقالي إلى عدم تجاوز
الجمعية الوطنية للمجلس، في أية قرارات، خاصةً في مثل هذا القرار
بالمشاركة في الحكومة اليمنية، مؤكداً أن الجنوب "لن يقبل بالتفريط في
قضيته".

كما أن رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالمجلس الانتقالي الجنوبي أحمد عمر
بن فريد العولقي ألمح في تغريدة نشرها على حسابه الرسمي بموقع (تويتر)،
إلى مثل هذا الرأي.

حيث أشار في تغريدته، التي رصدتها (عدن الغد) إلى أن ‏قضايا الأوطان ليست
"أجندة سياسية" وإنما هي موقف وطني ثابت لا يتزحزح.. مضيفاً أن "قضية
الجنوب ليست قضية تخص قيادات الانتقالي وحدهم حتى يمكن أن يساوموا أو
يتنازلوا عنها، بل تخص شعب الجنوب العربي كله، وأن من يتنازل عن هذه
القضية، سيتنازل عنه الشعب ويحوله إلى صفر في المعادلة السياسية".

وفي الوقت الذي يتحدث السياسيون وبعض قادة الانتقالي عن وجود تنازل من
قبل هذا الأخير فيما يتعلق بالقضية الجنوبية، يذهب البعض الآخر إلى أبعد
من ذلك بكثير.

فهذا القيادي في الحراك الجنوبي العميد علي السعدي، يؤكد أن اتفاق الرياض
وما سينتج عنه من تشكيل حكومة توافقية بين الشمال والجنوب، أسقط آخر
"أوراق التوت" وكشفت "عورة" المتاجرين بالقضية الجنوبية.

السعدي كان يشير في مقالٍ نشرته (عدن الغد) إلى أن الانتقالي استغل
القضية الجنوبية وانتهز إخلاص الجماهير لاستعادة الدولة والمزاج الجماعي
في الجنوب للوصول إلى مناصب سياسية ومكاسب شخصية في الحكومة.

وفي ذات السياق اعتبر محللون أن الحكومة الشرعية- بمكوناتها المعادية
للانتقالي- قد حققوا انتصاراً سياسياً وشعبياً، وكسبوا ود واحترام
الإقليم وفي مقدمتهم السعودية والإمارات، وحتى المجتمع الدولي، من خلال
نجاحهم في "ترويض" الانتقالي وإجباره على المشاركة في الحكومة.

وبيّن المحللون أن الشرعية استطاعت فرض "طوق وسياج محكمً" على عنق
الانتقالي، سيمنعه مستقبلاً من المطالبة بأي مطالب جنوبية خارجة عن إرادة
وتوجه وسياسة الحكومة التي هو عضو فيها.

لافتين إلى أن الثروات في الجنوب، والسيادة على أراضيه، وحرية تقرير
المصير ومصطلحات الاستقلال والدولة، لن تكون متاحة لقوى الجنوب، بعد أن
يتم استيعاب الانتقالي وقواته المسلحة في هذه البوتقة الشرعية.

وفي ظل هذه التحليلات الناتجة عن قبول الانتقالي بالمشاركة في الحكومة
الشرعية يؤكد ناشطون حراكيون أنه من الصعوبة بمكان التخلص من القضية
الجنوبية بهذه الطريقة، فالقضية الجنوبية ليست متوقفة على المجلس
الانتقالي، والقضية باقية ما بقيت الجماهير المؤمنة بها، بعيداً عن أية
مكونات أو كيانات سياسية مهما كان شكلها أو اسمها.


تكتيك سياسي وخطط واضحة

ووسط الاتهامات التي طالت الانتقالي بتفريطه بالقضية الجنوبية، يأبى عدد
كبير من المحللين والمراقبين التسليم بهذه التكهنات والاتهامات التي
يصفونها بأنها عبارة عن تحامل من خصوم الانتقالي على هذا الأخير.

فكثير من المراقبين- معظمهم من مؤيدي الانتقالي- يعتقدون أن المجلس يسير
وفق خطط مدروسة، يقوم بها الانتقالي على مختلف الصعد المحلية والإقليمية
والدولية.

وينوه هؤلاء المراقبون بأن الانتقالي لا يمكن أن يسلم قضية الجنوب ولا
مصير شعبه لخصومه، ومن تسببوا بحرمانه كافة حقوقه التاريخية.

لهذا يؤكد مؤيدو الانتقالي أن المجلس يسير وفق رؤية محددة واستراتيجية
بعيدة المدى، ويعمل وفق تكتيكات فورية، قد يراها البعض أنها تصب في صالح
خصوم القضية الجنوبية، لكنها على المدى المنظور تُمهد لاستعادة كافة
الحقوق الجنوبية.

ويرى الانتقاليون أن القبول بالمشاركة في الحكومة الشرعية جاء بعد نقاشات
مع صناع القرار الدولي والإقليمي، في ظل ضغوط دولية للتوصل إلى تهدئة مع
الحكومة الشرعية تمهيداً للتوصل إلى صيغة للحل النهائي والتسوية السياسية
للأزمة اليمنية برمتها.

وحديث مؤيدي الانتقالي عن الضغوط الدولية ربما يشير- بحسب محللين- إلى
اللقاءات التي كان يعقدها رئيس المجلس مع سفراء دول بحكم الولايات
المتحدة وبريطانيا وروسيا، بالإضافة إلى المبعوث الأممي لليمن.

ويمكن أن تكون تلك اللقاءات مع سفراء الدول الكبرى هي من أرغمت الانتقالي
على القبول بالدخول في شراكة مع الحكومة الشرعية، وفق مراقبين.

وبما أن المجلس الانتقالي هو الحامل السياسي للقضية الجنوبية، فإن
مقتضيات السياسة تلزمه وضع موازنة وترجيح للمصالح جراء مثل هذه التنازلات
التي قد يراها البعض مؤثرة على القضية الجنوبية في الوقت الحالي، لكنها
تؤسس لمكاسب حقيقية على المدى البعيد، بحسب مؤيدي الانتقالي.

هل يتراجع الانتقالي؟

يعتقد البعض أن المجلس الانتقالي يمكنه أن يتراجع عن خطوته بالقبول
بشراكة مع الحكومة الشرعية، لكن بطريقة غير مباشرة.

حيث يرى عدد من السياسيين أن الانتقالي كان بإمكانه القبول بالمشاركة في
الحكومة اليمنية المقبلة، لكن ليس عبر قيادات الصف الأول التي تعبر عن
الانتقالي وتمثل واجهة له.

ولكن عن طريق غير مباشر من خلال تكليف عدد من الكفاءات الجنوبية السياسية
والاقتصادية لتولي الحقائب الوزارية، ويكون ولاؤها المطلق للجنوب وقضيته،
ويشرف عليها الانتقالي ويفرض عليها وجهته وسياسته، بدلاً من تورط قيادات
المجلس في المشاركة بالحكومة.

هذا المقترح أو الرأي تبناه الكاتب والسياسي الجنوبي عبدالناصر الربيعي
الذي قدم نصيحة هامة إلى قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي بشأن الحكومة
الجديدة التي تُشكل في الرياض.

وقال الربيعي في تدوينة له على (تويتر)، رصدتها (عدن الغد): نصيحتي
لقيادات الانتقالي بعدم الدخول بأي مناصب رسمية في اَي تشكيل حكومي مع
الشرعية، بل عليهم الدفع بكفاءات ذات ولاء جنوبي بعيدة عن رئاسة المجلس
الانتقالي.

وأشار الربيعي إلى أن مهام قيادات الانتقالي ستكون أكثر صعوبة وستتضاعف
جهودهم وعليهم توجيه المشهد عن بعد حتى يستطيعون التحكم به.

وفي ذلك تلميح إلى أن مثل هذا الإجراء كفيل بأن يحافظ على صورة الانتقالي
أمام أنصاره ومؤيديه، ويمنع أية اتهامات قد تطال المجلس بسبب مشاركته في
الحكومة الشرعية.


هل نجح الانتقالي في ما فشل الآخرون؟

ويعتقد محللون مستقلون أن الاتهامات التي وُجهت للانتقالي عقب إعلان
قبوله المشاركة في حكومة مناصفة مع الشرعية، قد تكون متحاملة على
الانتقالي للعديد من الأسباب.

أولى تلك الأسباب كانت فشل المكونات الحراكية والجنوبية على تعاقبها
وتعددها خلال ثلاثة عشر سنة ماضية في الوصول إلى ما وصل إليه الانتقالي
من مكاسب سياسية حققها المجلس للقضية الجنوبية، خلال ثلاث سنوات فقط،
استطاع خلالها إيصال صوتها للعالم.

ومن أسباب التحامل على الانتقالي أن هذا الأخير نجح في تجميع الجنوبيين
والاتفاق حول قيادة موحدة ومكون رئيسي يحمل قضيتهم وينافح عنها، بعد أن
ظل الحراكيون مشتتين بين قادة مختلفين ومكونات متباينة.

كما أن الانتقالي استطاع أن يفرض نفسه على بقية مكونات اللعبة السياسية
اليمنية التي تملك الحل والعقد، وأن هذه الشراكة تجعله نداً لغيره من
الأحزاب التي كانت سبباً في حرمان الجنوب من حقوقه.

وبعض النظر عن صحة الاتهامات في تنازل وتخلي الانتقالي عن القضية
الجنوبية، أو في كونه سبباً في إيصال صوتها عالمياً وفرضها سياسياً، تبقى
الأيام القادمة، وربما حتى السنوات الآتية كفيلة بالكشف عن خفايا كل ذلك.