آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-02:47م

ملفات وتحقيقات


تقرير يتناول مستقبل ما تبقى من معاقل الحكومة الشرعية في الداخل اليمني

الإثنين - 22 يونيو 2020 - 11:14 ص بتوقيت عدن

تقرير يتناول مستقبل ما تبقى من معاقل الحكومة الشرعية في الداخل اليمني

(عدن الغد)خاص:

- ماذا بقي للشرعية بعد سقوط سقطرى؟

- هل ستصمد شبوة وحضرموت ومأرب؟

- ما الذي أخطأت فيه الشرعية لتصبح الحلقة الأضعف؟

- صمت الشرعية وعدم معالجتها لملفات مصيرية.. كيف أغرى خصومها؟

- هل يتم إزاحة الشرعية لتمرير مشاريع وتسويات مرتقبة؟

القسم السياسي بـ(عدن الغد):

تتهاوى معاقل الشرعية الواحد تلو الآخر، في مشهدٍ يشبه كثيراً تهاوي قطع
"الدومينو" في متوالية تراجيدية بالنسبة لأنصار الشرعية، ومليئة بالزهو
والحماسة لمعارضيها. وباتت الشرعية والموالون لها في وضعٍ لا يحسدون
عليه، وهم ينظرون لحصونها تتساقط في أيادي خصومها السياسيين.

فبعد العاصمة المؤقتة عدن التي سيطرت عليها قوات المجلس الانتقالي
الجنوبي في أغسطس 2019، جاء الدور على الحلقة الأضعف، الجزيرة البعيدة عن
البر اليمني، جوهرة المحيط "سقطرى".

وبغض النظر عن أية أطماع سياسية أو اقتصادية لأي قوى خارجية أو إقليمية،
تأتي هذه المتوالية المتكررة في صورة مأساوية بالنسبة للمنتمين للشرعية،
ويبدو أنها لن تتوقف عند عتبة سقطرى، فالعديد من المراقبين يرون أن "قطع
الدومينو"- معاقل الشرعية- ستستمر بالتهاوي والسقوط الحر تباعاً، دون أن
تجد من يوقفها.

ويبدو أن الدور القادم سيطال أعتى قلاع الشرعية في الداخل اليمني، حيث
يتوقع محللون أن تكون مأرب وشبوة وحضرموت هي المرحلة التالية التي ستخوض
المواجهة التالية مع خصوم الشرعية.

ويعتقد المحللون أن الانتقالي لن يكون هو الأداة الوحيدة في إسقاط بقية
حصون الشرعية، فهناك المليشيات الحوثية التي يمكن توظيفها لإسقاط مأرب
القريبة من جبهاتهم.

كما أن محافظتي شبوة وحضرموت، اللتين تصنفان كمناطق خاضعة للشرعية-
نظرياً- يمكن أن تواجه تمدد الانتقالي، في عملية توزيع أدوار، كما يرى
البعض.

مسامير في نعش الشرعية

مثلت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، على مدينة عدن في أغسطس 2019،
مسماراً جديداً في نعش الشرعية اليمنية وضربة موجعة للحكومة، التي ما
انفكت تتقبل "المسامير" في جسدها منذ العام 2014 حين سيطرت مليشيات
الحوثي على العاصمة صنعاء، لتلحق بها عدن، ثاني أهم مدن البلاد و"العاصمة
المؤقتة".

ليصبح الواقع بين سلطتي أمر واقع مركزيتين تمثّلان "انقلابي" صنعاء وعدن،
وفق وصف الشرعية ذاتها، فيما يتبقى للحكومة اليمنية والسلطات المحلية
الموالية لها، العواصم الثانوية، وأبرزها محافظة مأرب إلى جانب شبوة،
وأجزاء من حضرموت وغيرها، لكنها تبدو الحلقة الأضعف على الأرض.

وللمرة الأولى منذ إعادة توحيد اليمن في العام 1990، باتت المدينة
الساحلية الاستراتيجية في أيدي من يعتبرونها عاصمة لـ"الجنوب"، ويرفضون
الاعتراف بكونها جزءاً من "الجمهورية اليمنية"، ومع ذلك، وكإحدى أبرز
المفارقات في الوضع التي تعيشه البلاد، فإن المجلس الانتقالي يعترف بسلطة
الرئيس عبدربه منصور هادي، كضرورة رمزية وسياسية يقتضيها الموقف بالنسبة
للتحالف العربي، الذي يستمد شرعية تدخله من هدفٍ معلنٍ هو دعم الشرعية.

وإلى ما قبل سقوط عدن، كانت الشرعية اليمنية، تعتمد إلى حد كبير، على
الدعم الخارجي، إذ إن الضربة الأولى التي لا تقارن بأي تحولٍ آخر، كانت
فقدان السيطرة على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 التي ما تزال تحت سيطرة
الحوثيين يمارسون فيها سلطاتهم إلى جانب سيطرتهم على أغلب المحافظات
الشمالية، والجنوبية الغربية والوسطى، وجميعها تمثل مركزاً للثقل السكاني
حيث يعيش الغالبية من اليمنيين، فضلاً عن كونها تضم البنية التحتية
للدولة ومؤسساتها.

وبعد سنوات من الحرب المدمّرة، والتي سعت فيها الشرعية بدعم من السعودية،
إلى نقل المؤسسات الحكومية إلى عدن، بوصفها "العاصمة المؤقتة"، كما توصف،
وبما في ذلك نقل المصرف المركزي اليمني، تفقد الشرعية وجودها الذي كان
رمزياً وضعيفاً أصلاً في المدينة.

القطار يجر سقطرى

هذا الوضع "السلبي" الذي التصق بالحكومة الشرعية قاد إلى مزيد من التدهور
في مكانة ومواقف الحكومة اليمنية.

فالظهور بموقف الضعيف والمتراخي في قضايا كانت تستدعي مواقف قوية يُغري
الخصوم في الانتقال إلى ما هو أسوأ، وهو بالفعل ما قاد إلى ما حدث مؤخراً
في سقطرى.

السيطرة السريعة لقوات المجلس الانتقالي على الجزيرة، والاستعدادات التي
كانت تجري هناك منذ أكثر من شهر لمثل هذا الإجراء، أكدت أن الشرعية
اليمنية لم تقم بأي عمل لحماية معاقلها وحصونها التي تتحدث أنها حاضنتها
الشعبية والجماهيرية لها.

لهذا باتت سقطرى في أحضان خصوم الشرعية، بعد أن جرها القطار إلى جانب
شقيقتها عدن، في الوقت الذي يتوقع مراقبون أن هناك مدنا أخرى ستكون هي
التالية بعد سقطرى.

هل تدفع شبوة الثمن؟

تبدو محافظة شبوة الأقرب لتكون المحطة الثانية من محطات المواجهة مع خصوم
الشرعية اليمنية، خاصةً وأن شبوة مثلت رأس الحربة في مواجهة تمدد قوات
الانتقالي نحو الشرق.

كما أن شبوة كان الخيار الأول للحكومة بعد خروجها من عدن في أغسطس
الماضي، وتحطمت عليها كل محاولات الانتقالي للانتقال نحو محافظات حضرموت
والمهرة.

وكمعقل وحصن منيع من حصون الشرعية، ونظراً لأنها الأقرب من خطوط التماس
مع قوات الانتقالي في أبين، فإنها من المتوقع أن تكون المحطة التالية
التي يمكن أن يستهدفها خصوم ومعارضو الشرعية التي يبدو أنه لم يبق لها
المزيد من المعاقل.

مأرب.. الصيد الثمين

بينما تعد محافظة مأرب، التي تحولت منذ سنوات، إلى واحدة من أهم
المحافظات والمدن اليمنية المركزية على رأس المحافظات التي ما تزال خاضعة
لسلطة الشرعية بقواها المحلية والعسكرية والأمنية، إلى جانب امتدادات
النفوذ فيها في أجزاء من محافظة الجوف وغيرها.

وعلى الرغم من أن المحافظة تشكل ثقلاً عسكرياً قوياً، بوصفها المحافظة
"الشمالية" الوحيدة غير الخاضعة للحوثيين، إلا أنها مع ذلك، لا يمكن أن
تصمد طويلاً في ظل تصاعد هجمات الحوثيين على تخومها الغربية.

حضرموت.. الإشكالية الكبرى

وإلى الشرق من البلاد، تحتل محافظة حضرموت وضعاً سياسياً وعسكرياً، يمكن
اعتباره حالة فريدة من نوعها، فعلى الرغم من أن "الانتقالي" ينظر إلى
المحافظة، كجزء من "دولة الجنوب" قبل الوحدة، إلا أن المزاج الغالب فيها
يميل إلى تطبيق "الحكم الذاتي" وتأييد خطة الأقاليم التي أقرها مؤتمر
الحوار الوطني منذ سنوات.

وتنقسم حضرموت عسكرياً إلى منطقتين هما الأولى في الوادي والصحراء،
وتنتشر فيها ما تبقى من تشكيلات الجيش اليمني التي حافظت على نفسها من
السقوط خلال الحرب، وهذه المناطق تبدو في وضعها السياسي والعسكري أقرب
لوضع مأرب كمناطق ما تزال خاضعة للشرعية.

أما المنطقة الثانية وتشمل مركز المحافظة مدينة المكلا، فتنتشر فيها قوات
"النخبة الحضرمية"، المدعومة إماراتياً، ولهذا ينظر الانتقالي لهذه
المنطقة بأنها منطلق استرداد الوادي والصحراء الخاضع لقوات موالية
للشرعية.

وهو ما أعلنه عدد من قادة المجلس الانتقالي قبل أسابيع من أن تحضيرات
معركة استعادة الوادي شارفت على الانتهاء.

غير أن حضرموت تعتبر إشكالية غامضة، ومعضلة كبرى لم يتم فك طلاسم
ولاءاتها حتى الآن، ورغم أن الموقف الواضح والعلني يبدو موالياً للحكومة
الشرعية، إلا أن "مزاج" الحضارم مع الحكم الذاتي البعيد عن التحكم من
الغير.

المهرة.. موقف ملتبس

وغير بعيد عن حضرموت، تعد محافظة المهرة البوابة الشرقية لليمن، واحدة من
أبرز المحافظات التي ما تزال خاضعة للشرعية، ولو شكلياً، في ظل النفوذ
السعودي المتنامي في هذه المحافظة، وما يثيره من معارضة محلية.

إلا أن مصير المهرة يبقى مرتبطاً إلى حد كبيرٍ بالشرعية المدعومة
سعودياً، مثلما أن هناك مدناً وأجزاء من محافظات على غرار تعز وجنوب
الحديدة، تمثل وضعاً مختلفاً لا يمكن اعتباره خاضعاً للشرعية أو خارجاً
عن سيطرتها.

شرعية افتراضية

هذا الوضع الذي تعيشه الحكومة الشرعية يعتبره كثيرون وضعاً غير طبيعي،
لكيان يعتبر أنه يفرض نفسه على كل التراب الوطني، بعد أكثر من خمس سنوات
من تدخل التحالف العربي وخمس سنواتٍ من الحرب غير الفاعلة.

حيث يرى محللون أنه- من الجانب العملي- لم يعد للشرعية وجود فعلي على
الأرض في اليمن سوى اسم افتراضي في عالم افتراضي، يستخدم من قبل بعض
الجهات للمزايدات وإضفاء المشروعية على أعمالهم، في صورة أشبه بدعوات
المتمسكين بقميص عثمان، لأغراض سياسية وانتهازية.

وفي الواقع أن الحكومة الشرعية كانت تتواجد على الأرض بالفعل في المناطق
المحررة، حتى قبل تحريرها، واستمرت فاعليتها عقب عملية التحرير، لكنها لم
تستمر طويلاً، بفعل العديد من العوامل.

فبُعيد تحرير عدن ومحافظات الجنوب، تعرضت الحكومة الشرعية للتضييق
الممنهج من قبل قوى عديدة، كان أولها التنظيمات المتطرفة التي راحت
تستهدف مرافق الحكومة ومقرات وزرائها حتى اضطرت الحكومة لمغادرة عاصمتها
المؤقتة.

ولم تكن تفجيرات التنظيمات المتطرفة هي وحدها من قوضت تواجد الحكومة
الشرعية في الداخل المحرر، بل إن عدداً من الكيانات والمكونات السياسية
المستحدثة استخدمت أذرعها المسلحة لطرد الحكومة من مدينة عدن.

ويظن مراقبون أن ما تعرضت له الحكومة الشرعية بداية تحرير الجنوب كان
مقصوداً ومتعمداً، حتى لا يكون لها أي دور حقيقي على الأرض؛ تمهيداً
لمحاكمتها على تقصيرها وعدم تواجدها، وبالتالي إقصاؤها عن المشهد، حتى
أصبح تواجد الحكومة الشرعية اليوم افتراضياً وغير حقيقي البتة، وبات
الأمر رمزياً أكثر منه واقعياً!.

محاصرة الشرعية وإزاحتها

يعتقد خبراء ومحللون أن التواجد الحقيقي للشرعية لم يتجاوز الفترة من
2015 حتى أواخر 2016، لكن ما حدث عقب هذا التاريخ كان أشبه ببداية مخطط
الإقصاء الذي تجلى أكثر منتصف 2017، وتجسدت أولى إجراءاته بداية 2018،
وأخذ ينكشف ويأخذ الإقصاء الفعلي في أغسطس 2019.

ويُصنف هؤلاء العام 2020 بأنه سيكون عبارة عن عملية متواصلة لمخطط
الإقصاء الفعلي للحكومة الشرعية من المناطق الجنوبية.

وما يؤكد هذا التحليل تصاعد وتيرة القتال في مختلف الجبهات سواء مع
الحوثيين أو مع قوات الانتقالي، والتي بدأت تقترب رويداً رويداً من معاقل
الشرعية كمأرب وشبوة، وحتى وادي حضرموت.

مراقبون اعتبروا أن التوافق الزمني لتصاعد وتيرة الهجمات الحوثية على
مواقع الشرعية في مأرب والبيضاء وحتى الحديدة، مع سيطرة قوات المجلس
الانتقالي على سقطرى يأتي ضمن "اتفاق" أكبر من الشرعية نفسها، الهدف منه
هو التخلص من هذه الأخيرة، وإتاحة الساحة للاعبين سياسيين جدد، وربما حتى
للاعبين عسكريين.

وحتى يتم تحقيق هذه الغاية في التخلص من الشرعية، بحسب مراقبين، كان لا
بد من محاصرة معاقل الحكومة، بل وإسقاطها؛ حتى تكتمل أركان الغياب
الافتراضي والحقيقي للحكومة الشرعية، وتتحقق أهداف إزاحتها عن المشهد.

وبحسب محللين فإن كل تلك المعطيات تبوح بأن ثمة مخططا يجري تنفيذه لتجاوز
الشرعية، بعد أن أثبتت أنها الحلقة السياسية والعسكرية الأضعف التي يمكن
أن يتم الاستغناء عنها في سبيل تحقيق أهداف أخرى.

هل أخطأت الشرعية؟

تبدو الحكومة الشرعية اليوم في أضعف مراحلها، مقارنةً بفترة ما بعد تحرير
عدن ومدن الجنوب، أو بفترة اشتعال جبهات نهم والجوف وحرض والساحل الغربي
التي كانت فيها الشرعية رمزاً من رموز مواجهة مشروع التمدد الإيراني في
اليمن والذي تبنته دول التحالف!.

لكن.. ما الذي جعل من الشرعية بهذا الوضع الذي تخلى فيه الجميع عنها،
وجعل من مدنها التي تمثل حاضنتها الشعبية والمجتمعية تتساقط أو مهددة
بالسقوط في يد خصومها العسكريين؟.

لعل أول ما يتبادر إلى الأذهان للإجابة على مثل هذا التساؤل، هو الأداء
العقيم الذي انتهجته الشرعية على مستوى الملفات الخدمية أو حتى العسكرية
في مختلف جبهات القتال.

فكل الملفات- وبحسب اتهامات وتقارير صادرة عن خصوم الشرعية- مليئة
باحتمالات الفساد المالي الذي جعل من الشرعية عبئا أكثر منها سندا وأداة
في مواجهة انقلاب الحوثيين.

وهو بالفعل ما انعكس على أداء الحكومة على مستوى توفير احتياجات
المواطنين أو حتى في تحقيق نصر عسكري ملموس على جبهات القتال مع الحوثي،
خاصةً في ظل الصمت المريب الذي يصدر من الرئاسة اليمنية والحكومة تجاه
العديد من القضايا السياسية والاجتماعية التي تضرب النسيج المجتمعي
لليمن.

الصمت الشرعي تجاه ما حدث ويحدث من انتهاك لسيادتها عكسه بيان الحكومة
"الهزيل" تجاه ما جرى في سقطرى مؤخراً، وسيطرة قوات الانتقالي على
الجزيرة بشكل كامل، وإعلان خضوعها للإدارة الذاتية.

وكما هو حال مواقف الحكومة تجاه الكثير من القضايا المصيرية التي تسببت
اليوم في تشكيل صورتها المهترئة الحالية.

وهو ما يؤكده مراقبون ومحللون أشاروا إلى أن هذا الصمت المطبق والمواقف
الهزيلة للحكومة هي من دفعت خصومها لاتخاذ مواقف حادة تجاه الشرعية، بل
ومواجهتها ومناوأتها في العديد من الملفات السياسية والاقتصادية
والعسكرية، وفي العديد من المناطق شمالاً وجنوباً.

الانقضاض على إرث الشرعية

ويبدو أن مواقف الحكومة المترنحة تجاه حوادث مصيرية مرت بها البلاد،
وصمتها على ممارسات المليشيات شمالاً وجنوباً جعل منها "فريسةً سهلة".

كما أن مواقفها السلبية تجاه شركائها في التحالف لم تكن مواقف ندية، ولعل
هذا ما أغرى كافة القوى للانقضاض على ما تبقى من الشرعية؛ لعلمهم أن هذه
الأخيرة لن تحرك ساكناً.

وقد يكون كل هذا الانقضاض على ما تبقى من إرث الشرعية اليمنية، مقدمة
لتمرير مشاريع سياسية أو تسوية مرتقبة على حساب الحكومة وعلى حساب وحدة
وتماسك البلاد، بحسب تكهنات وتحليلات المحللين.