آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-10:19ص

ملفات وتحقيقات


تقرير يتناول احتمالات وأبعاد التدخلات الدولية عسكرياً وسياسياً في الأزمة اليمنية مع استمرار الصراع في الجنوب

الأحد - 21 يونيو 2020 - 09:58 ص بتوقيت عدن

تقرير يتناول احتمالات وأبعاد التدخلات الدولية عسكرياً وسياسياً في الأزمة اليمنية مع استمرار الصراع في الجنوب

(عدن الغد)خاص:

الأطماع الدولية وحلهما باليمن.. هل يتفاقم؟!

عدن الغد - القسم السياسي:

عُرفت اليمن عبر تاريخها القديم والوسيط بأنها موطأ للتدخلات الخارجية، ويبدو أن التاريخ المعاصر هو الآخر مليء بمثل هذه التدخلات التي نعيشها اليوم واقعاً ملموساً.

فبدءاً من الاحتلال الفارسي، واستنجاد ابن ذي يزن بالفرس لطرد حلفاء الروم من اليمن، ومروراً بالتواجد العثماني الأول الذي منع أطماع البرتغاليين من أن تمتد نحو السواحل اليمنية، وليس انتهاءً بالاحتلال البريطاني والتواجد التركي الثاني لإيقاف تمدد الإنجليز نحو الشمال.

وفي التاريخ القريب والمعاصر كانت البلاد عرضةً للتدخلات أيضاً، بدءاً من التواجد المصري للدفاع عن ثورة الجمهوريين في شمال اليمن، مقابل تدخل ممالك العرب لدعم الملكيين الإماميين.

ولم يكن حال الجنوب بأحسن من الشمال، الذي غرق في غياهب التحكم والتدخل السوفييتي، لأكثر من ربع قرن.

كل تلك المراحل كانت شاهدة على تعرض اليمن لتدخلات خارجية جمة، ليس فقط طمعاً في خيراتها التي اشتهرت بها منذ فجر التاريخ، بل حتى بحثاً عن السيطرة على موقعها الاستراتيجي وطرق التجارة البرية والبحرية المطلة عليها.

ويبدو أن ما لهث وراءه الطامعون والغزاة الأقدمون، يتكرر اليوم في صور متشابهة وإن اختلفت مبرراتها؛ نتيجة الصراعات التي عصفت باليمن، وجعلت من التدخلات مرتبطة بما يدور في البلاد من حروبٍ وأزمات.

تماماً كما حدث للبلاد من تدخلات عقب فوضى 2011، والتي انتهت بالمبادرة الخليجية التي رسمت خارطة ما بعد الرئيس السابق صالح، غير أن هذا التدخل "الناعم" لم يتحول عسكرياً إلا عقب سقوط صنعاء بأيدي الحوثيين وهرولتهم نحو الجنوب.

وتحت دعاوي تدخل إيران ودعمها العسكري العنيف للإنقلابيين الحوثيين؛ كانت "عاصفة الحزم" 2015 إحدى الأشكال العنيفة للتدخل الخارجي في اليمن، والذي تُذكر بتدخل القوات المصرية لنجدة ثورجية جمهورية سبتمبر مطلع ستينيات القرن الماضي.

بمعنى أنه متى ما اندلعت الصراعات في اليمن، كان ذلك مصوغاً لتدخلات خارجية، تبدأ ناعمة عبر التسويات والحوارات والحلول السلمية، قبل أن تتحول إلى شكلها العسكري العنيف.

الصراعات.. كمبرر للتدخل

مثل التدخل العربي عبر تحالف عسكري في اليمن تجديد لأحلام الكثير من اليمنيين في الانعتاق من الحوثيين السلاليين، غير سير مجريات الأمور خلال السنوات الخمس الماضية لم يمنع المليشيات الإنقلابية من الاستمرار في حربها ضد المدنيين الآمنيين في كل أصقاع اليمن.

بل أن هدف التحالف العربي في دعم واستعادة الشرعية اليمنية، واسترداد صنعاء لم يتحقق، واكتفى بتحرير محافظات الجنوب اليمني، ومناطق محدودة في الساحل الغربي وغرب تعز والجوف، دون أن ينجح في إعادة مسئولي الحكومة ورئيس البلاد إلى المناطق المحررة.

حتى أن مراقبين رأوا في اندلاع الصراعات داخل المناطق المحررة، قد يؤدي في النهاية إلى استدعاء مزيد من التدخلات الخارجية إلى اليمن، وهي في هذه الحالة من الفوضى واللاستقرار.

هو أمر لا يوجد ما قد يمنعه، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وتواصلت موجة الصراعات، وتأخرت عودة الشرعية واستعادة مدنها وعواصمها.

ومن هنا كان الضغط كبيراً على قوى التحالف العربي في اليمن، التي بدأت تتنبه إلى خطورة استمرار الصراعات في البلاد، بعد خمس سنوات من تدخلها، وسارعت مؤخراً إلى محاولة رأب التصدعات التي برزت هنا وهناك.

تدخلات لا تنتهي

يأتي ذلك في ظل تدخلات خارجية تشهدها المنطقة العربية مؤخراً، فالتدخلات في هذه البقعة من العالم لم تنتهي، بل زادت وتيرتها خلال الأربع السنوات الأخيرة.

ولعل الاستنجاد بالغير كان متجذراً في تاريخ العرب عبر مختلف مراحل امبراطورياتهم ودويلاتهم، لكن أكثر تعليقاً بالذاكرة، التدخل الغربي في حرب الخليج، التي أعقبت احتلال العراق للكويت في 2 أغسطس 1990، بطلب من السلطة الكويتية.

ومع موجة الربيع العربي كان هناك العديد من التدخلات الخارجية في البلاد التي ضربتها موجات الثورات الشبابية والشعبية، بدءاً من اليمن، التي شهدت تدخلاً عربياً عبر عاصفة الحزم والتحالف العربي، بتفويض من الشرعية اليمنية.

ومروراً بالتدخل الروسي في سوريا، بطلب من النظام السوري ذاته، رغم وجود تدخلات عسكرية أخرى لم تكن بشكل رسمي، كالتدخل التركي والإيرانية وحتى تدخل مليشيات حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي.

وآخر تلك التدخلات شهدها المغرب العربي عبر التدخل التركي في دعم حكومة الوفاق الليبية التي واجهت جيشاً مدعوماً هو الآخر من تدخلات خليجية ومصرية.

والحديث عن هذه التدخلات ذات صلة وطيدة وعلاقة وثيقة بتناول التدخلات الخارجية في اليمن؛ وذلك عطفاً على مخاوف التحالف العربي والمملكة العربية السعودية من وجود تدخل خارجي يناوئ تدخلها في البلاد.

الرياض.. ومخاوف تدخل الآخرين

إن استمرار الصراعات في اليمن، وخاصة تلك الدائرة في محافظات الجنوب المحررة، مثل أبين وشبوة وسقطرى والمهرة، يجعل من حالة عدم الاستقرار هذه بوابة ومدخل لتدخل خارجي آخر.

فبحسب محللين للشأن السياسي في البلاد، فإن عدم قدرة التحالف العربي والمملكة العربية السعودية على لجم وإنهاء الخلافات والصراعات بين الشرعية والانتقالي مثلاً، أو حتى تحقيق الانتصار في معارك الشرعية والحوثي يفتح الباب أمام استنجاد هذه الشرعية بقوى أخرى فاعلة إقليمياً ودولياً لتثبيت شرعيتها واستعادة الدولة.

ولعل هذه المخاوف انعكست في تصرفات الرياض وتعاملها الأخير مع ملف المفاوضات الجارية حالياً في العاصمة السعودية بين ممثلين عن الانتقالي والحكومة الشرعية.

حيث كشفت الرياض عن أن المفاوضات أسفرت عن عدة مقترحات تقدمت بها المملكة لطرفي الصراع في الجنوب، معظمها لم تخرج عن بنود اتفاق الرياض المبرم بين الجانبين في نوفمبر 2019، والتي لم تنفذ بنوده حتى اليوم.

التحركات السعودية الأخيرة -والمفاجئة- اعتبرها محللون أنها تعكس مخاوف سعودية من إمكانية تدخل خارجي، في أغلبه يبدو تدخلاً تركياً- لدعم الشرعية.

ما الذي يُغري الدول في اليمن

قد يبدو قضية إمكانية التدخلات الدولية في اليمن وارد، ويختلف باختلاف أهدافها وأمكانياتها وموقعها الجغرافي، فبعضها قريبة تكون صاحبة الحظ الوفر في نجاح تدخلها مثلاها مثل دول التحالف العربي، وبعضها يستبعد تدخلها لعدة نواحٍ، أهمها البعد الجغرافي وصعوبة نقل القوات عبر هذه المسافات الشاسعة، غير أن مراقبين لفتوا إلى أن مياه اليمن، وخاصةً خليج عدن مزدحمة بقواتٍ من شتى دول العالم، جمعتها الحرب ضد القرصنة، أو ما أطلق عليها "مكافحة القرصنة" وحماية خطوط نقل الوقود والطاقة عبر باب المندب، يمكنه أن يسهل وصول بعض الدول الطامعة في اليمن والتي يبتعد عن اليمن جغرافيا.

لكن.. السؤال الأكثر إلحاحا، من يستطيع أن يتدخل في اليمن ويجد له قبولا محليا ودوليا، فالحسابات السياسية القائمة على أساس المصالح المتضاربة أو حتى المتداخلة هي من قد تفرض مثل هذا التدخل في اليمن.

فلو ضربنا مثلا بتركيا وهي إحدى دول العالم الصاعدة، ليس فقط اقتصادياً بل حتى عسكرياً، ولديها الكثير من الألعاب التي تود أن تلعبها مع خصومها الإقليميين في المنطقة، سواءً كانوا من دول الخليج أو الإيرانيين، أو حتى روسيا والولايات المتحدة.

وتواجدها في اليمن، وفي هذه المنطقة من العالم يجعلها تحظى بورقة ضاغطة تساوم بها من أجل مصالحها في سوريا والعراق وحتى ليبيا، مع عدم الإصرار بمصالح الطرف الذي ستتدخل لمصلحته.

ولا غرو إذا تحدثنا بحديث المصالح، فجميع التدخلات وألعاب الحرب والسياسة مبنية على المصالح المتبادلة، وما سيقدمه كل طرف للآخر، أو سيمنعه عن الآخر.

كيف يمكن أن تتصرف الرياض؟!

يرى كتاب سياسيون أن المملكة العربية السعودية بدأت تتصرف على نحو مغاير بعد مطالبات من قبل سياسيين يمنيين محسوبين على الشرعية بتدخلات دولية.

وقال عدد من الصحفيين: إن التحرك السعودي الأخير لإنهاء الصراع بين قوات الحكومة والانتقالي هو استشعار واضح من قبل السعودية لخطورة اقتراب فرصة تدخل دولي معادٍ لها.

مشيرين إلى أن هذا التحرك السعودي الأخير هو الحل الوحيد لحل الصراع بين قوات الحكومة الشرعية وقوات الانتقالي في المناطق المحررة، كما أن أي تدخل خارجي لن يجد بوابة وكبرى للتدخل أفضل من استمرار الصراع الدائر في الجنوب.

وراى محللون ان المملكة تضغط لأجل التوصل لتسوية سياسية تقطع الطريق على أي احتمال وارد لأي تدخل دولي سيكون بكل تأكيد مناهض للرياض، وأن هذه الضغوطات السعي هي الخيار الوحيد أمام المملكة لإنجاح جهودها لتوصل إلى حل نهائي لإيقاف الصراع في المناطق المحررة.

وتدرك الرياض خطورة تواجد تدخل خارجي في اليمن يقوّض من سيطرتها على أطراف النزاع اليمني، ويهدد مكانتها في الحديث عن مواقف اليمن دولياً وفي المحافل الأممية، والتحكم بمصائرها.

لهذا فهي تحث الخطى سريعاً لتحقيق تسوية سياسية على الأقل في المناطق المحررة؛ حتى تعود الأمور إلى طبيعتها واستقرارها، وتطفئ الحرائق المشتعلة في محافظات الجنوب، وحتى لا تستدعي الظروف تدخلاً مناوئاً يربك حسابات المملكة.

ما مصير الصراع في اليمن؟

يتساءل مراقبون عن مصير البلاد في ظل أي تدخل عسكري خارجي من دولة غير عضوة في التحالف العربي، خاصةً من دولة معروف عنها خلافاتها مع دول التحالف إقليمياً ودولياً.

غير ما يتفق عليه الجميع أن هوة الخلافات بين الرياض وبعض الدول يمكن أن تتسع، فبدلاً من أن يكون الصراع في اليمن ساحة لخلافات الرياض وطهران في نطاقٍ خليجي وإقليمي ضيّق، سيتحول بداية التدخل دولي.

ويرى مراقبون أن التدخلات الدولية يمكن تتسبب بخسارة السعودية الكثير من مصالحها السياسية والعسكرية والأمنية في اليمن، وسيأتي ذلك على حساب جبهات سياسية أخرى تخوضها المملكة مع خصومها الإقليميين في المنطقة.

لأن الأمر لم يبق منوطاً فقط بالسعودية، ولن يصبح مقتصراً عليها فقط، باعتبار أن مثل هذا التدخل سيفتح الباب واسعاً أمام مزيد من التدخلات والتهديدات الدولية في اليمن.

لهذا تبدو الرياض حريصة على تلافي ما تهاونت به من قبل، وهذا نابع من منع أي قوى إقليمية ودولية من الخوض في الصراع اليمني بشكل مباشر.

لكن إذا تم مثل هذا التدخل الخارجي المناهض للسعودية فإن حجم الصراع الذي سيتحول إلى دولي وسيتسع ليشكل دولاً أوروبية وغيرها، بحسب مراقبين ومحللين.

التدخل الناعم!

أكد المراقبون أن هنا دولا متواجدة بالفعل في الصراع اليمني، ويعتبرونه أحد أركانه وأطرافه الرئيسيين، لكن هذا التدخل تدخل "ناعم" وغير عنيف.

وأصحاب هذه الرؤية يشيرون إلى العلاقة والدعم "الخفي" الذي تنفقه تلك الدول لعدد من القيادات السياسية في الحكومة الشرعية، متهمين إياهم بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، فرع اليمن - بحسب معتنقي هذا الرأي - مستدلين بزيارات قام بها عدد من صقور الشرعية.

وأياً كان نوع التدخلات الدولية سواء أكان عسكرياً أم ناعماً، تبقى البلاد والعباد هم الخاسرون الوحيدون من استمرار الصراع، سواءً اكتفينا بالتدخل السعودي الإماراتي، أو استعضنا عنهما بغيرهما.