الأربعاء - 17 يونيو 2020 - 10:27 ص بتوقيت عدن
(عدن الغد)خاص:
- استمرار الحرب.. كيف أثر على الاقتصاد والحياة المعيشية؟- ما الذي قام به الحوثيون وتسبب بتردي الأوضاع الاقتصادية؟- هل تؤدي خطوات الانتقالي الأخيرة إلى مزيد من التدهور.. أم أنها بداية للتعافي؟- كيف ساهمت الحكومة الشرعية في تهاوي الاقتصاد اليمني؟على حافة الهاوية !القسم السياسي بـ(عدن الغد):تتأثر الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطنين في أي مكان من العالمبالتظاهرات السياسية والعسكرية التي تحدث في هذا البلد أو ذاك.وهذا يعود إلى أن الوضع الاقتصادي هو الحلقة الأضعف التي سرعان من تتدهوربمجرد حدوث مشكلات سياسية أو حروب أو انقلابات، تماماً كما هو حاصل فياليمن.فالتأثيرات الاقتصادية تكون واضحة وجلية وبشكل مباشر على المواطن البسيطالذي يدفع الثمن وحيداً نتيجة ضياع الأمن والأمان، أو اندلاع الحروبوالمواجهات والاشتباكات، الناتجة عن غياب هيبة الدولة وأجهزتها الضبطيةوالسيادية.وبالتالي فإن كل تلك المؤشرات تدفع بالمواطنين إلى التفكير بالنزوح أواللجوء ومن ثَمّ الهجرة النهائية؛ ذلك أن البيئة التي تتسم بعدم الأمانوانتشار السلب والنهب وتواصل الاقتتال لا تساعد على الاستقرار والنمو.وهذا الخيار يكون أكثر إقبالاً عليه من قبل رجال الأعمال والمستثمرين،الذين تدهورت أعمالهم وتراجعت بسبب تردي الوضع الأمني والعسكري واستمرارالاقتتال في عدن والبلاد عموماً؛ فتصبح حينها المدينة ومواطنوها هيالخاسر الأكبر من وضعٍ كهذا.استعراض الوضع الاقتصادي العامعقب ثورة 2011، وتشكيل حكومة الوفاق بناءً على نتائج المبادرة الخليجيةالموقعة بين الأطراف السياسية في اليمن، استقر الوضع الاقتصادي فيالبلاد، وحافظ سعر صرف العملة المحلية على استقراره أمام العملاتالأجنبية، حيث لم يتجاوز 215 ريالا يمنيا للدولار الواحد، و57 ريالاًيمنياً مقابل الريال السعودي.واستمر الوضع على ما هو عليه طيلة ثلاثة سنوات؛ بفعل وجود استقرار نسبيعلى الأقل في الجانب التوافقي السياسي بين الأحزاب اليمنية والأطرافالموقعة على المبادرة الخليجية.غير أن الحال لم يدم طويلاً، فبمجرد اجتياح مليشيات الحوثي للعاصمةاليمنية صنعاء، وسقوطها كاملةً بأيديهم في سبتمبر 2014، بدأت بوادرالانهيار الاقتصادي بالظهور، بعد مصادرة الحوثيين لمستحقات كثير منالمرافق العامة وتأثر المواطنين بهذه الإجراءات.ومضت سياسة المليشيات في التضييق على اليمنيين، حتى وصل بها الأمر إلىقطع مرتبات الموظفين المدنيين؛ مما أدى إلى تفاقم الوضع المعيشي للمواطناليمني، بالتوازي مع استمرار المعارك في مختلف جبهات وأصقاع البلاد.توقف الإنتاج والتصديرفرضت الحرب الدائرة في البلاد منذ 2015، حظراً على الحركة التجارية فيمختلف منافذ ومداخل اليمن البرية والبحرية والجوية، وتوقفت عمليةالاستيراد والتصدير، كما تعرقلت عملية الإنتاج الصناعي المحلي للمعاملوالمشاغل.ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على كثير من الأيدي العاملة في القطاع الخاصالتي وجدت نفسها بين عشية وضحاها بلا عمل، خاصةً وأن دخل أغلب المواطنيناليمنيين هو دخل يومي من الأعمال الخاصة، وليس دخلا شهريا كحال الموظفينالحكوميين الذين لا تقارن أعدادهم بأعداد عمال القطاع الخاص.وفي ظل هذا الوضع كان سعر صرف العملة المحلية يتراجع بشكل ملحوظ بسببالتأثر بفقدان الميزان التجاري بين الاستيراد والتصدير، خاصةً بعد تحريرمدن الموانئ مثل عدن والمكلا، التي بدأت بالاستيراد مقابل انعدام التصديربسبب توقف الإنتاج المحلي.وتراجع العملة المحلية أدى بالتالي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلىمستوى تجاوز الـ300 %، ولأول مرة في تاريخ اليمن الاقتصادي؛ مما أثر علىالمواطن البسيط، خاصةً أولئك الذين يفتقرون لدخل شهري ثابت.إجراءات الحوثيينكانت الخطوات التي اتخذتها المليشيات الحوثية في مناطق سيطرتها أكبرالأثر على الاقتصاد الوطني، حيث قاموا بتجريف الاحتياطي النقدي الأجنبيالموجود في البنك المركزي اليمني، لصالح المجهود الحربي وقتل اليمنيين فيالجبهات.ونتج عن هذه الإجراءات إيصال البنك المركزي إلى حافة الإفلاس؛ مما دفعالحكومة الشرعية إلى بدء عملية نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن فيخطوة وصفها اقتصاديون بأنها "متأخرة"، وكان لا بد من الإقدام عليها منذوقتٍ مبكر.لم تقف إجراءات الحوثيين عند هذا الحد من الإضرار بالاقتصاد الوطني، بحسباقتصاديين، فقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك حين منعوا تداول العملة الجديدةالتي طبعتها الحكومة الشرعية، وبذلك أضاعوا تريليوني ريال يمني هي تكلفةطباعة العملات الجديدة، وهو ما زاد من أوجاع الاقتصاد اليمني.كما تزامنت ذلك مع عملية جرف ممنهجة قام بها الحوثيون للعملات الأجنبيةالمتواجدة في السوق المحلية، وهو ما ضاعف المضاربة بالعملة ورفع أسعارالصرف المحلية أمام العملة الأجنبية لتهوي إلى مستويات متدنية؛ وبالتاليارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وفق خبراء الاقتصاد.حتى المساعدات الإغاثية التي جادت بها المنظمات الأممية والدوليةالإنسانية لم تسلم من بطش الحوثيين، وبدلاً من أن تكون عوناً للمعدمينوممن لا يمتلكون دخلاً ثابتاً، أو حتى للنازحين، وجهها الحوثيون إلىجبهات القتال لمد مقاتليهم بقوت اليمنيين، بحسب تقارير المنظمات الأمميةالتي وصفت هذا الإجراء "بالسرقة ومصادرة قوت المدنيين".ولم تنتهِ أعمال وخطوات الحوثي في هدم الاقتصاد الوطني، بل تواصلت لتفرضعلى شركات ومحلات الصرافة في مناطق سيطرتها إتاوات وعمولات ضخمة دفعثمنها المواطن البسيط.وآخر تقليعات المليشيات المذهبية السلالية كانت مؤخراً، حين أعلنتاللائحة التنفيذية لقانون الزكاة اليمني لعام 1999، والمتضمنة تخصيص"خُمس" من أموال الشركات اليمنية، وأية أعمال تجارية، بالإضافة لمدخراتاليمنيين، ومنحه لمن وصوفوهم بـ"آل البيت" من "بني هاشم"، وهم لا يقصدونبهذا الوصف إلا أنفسهم وأسيادهم وخزائن أموالهم الخاصة التي أثريت نتيجةاستمرار الحرب.كل ذلك ضاعف من معاناة اليمنيين وجعل من حياتهم الاقتصادية والمعيشية لا تطاق.الأوضاع في عدن.. كيف أثرت؟وجنوباً.. في عدن، لم تكن الأوضاع هناك أحسن حالاً، كما لم تكن بمنأى عنالتأثير على الحياة الاقتصادية اليمنية برمتها.فالأزمات التي كانت تشهدها المدينة منذ تحريرها انعكست على الأوضاعالمعيشية للمواطنين، فتوقف الموانئ والمطارات عن العمل بسبب حساباتسياسية من قبل بعض القوى الإقليمية؛ تسبب بركودٍ تجاري واقتصادي؛ وأدىإلى فقدان كثير من العاملين من ذوي الدخل اليومي لوظائفهم.وكل ذلك كان نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية وانتشار الجماعات المسلحةوالتنظيمات المتطرفة في شوارع عدن.ويرى محللون أنه في منتصف 2017 اتخذت الأوضاع في عدن منحى مغايراً، حيثبرز فصيل سياسي بدأ ينافس التواجد الحكومي الشرعي في عدن والجنوب، خاصةًوأنه يمتلك ظهيراً وداعماً خارجياً، كما يمتلك قوات مسلحة.عمل الفصيل السياسي الوليد، المتمثل بالمجلس الانتقالي الجنوبي على تقويضأنشطة الحكومة في عدن وغيرها من مدن الجنوب، بحسب المحللين. كما لم تتوانالقوات الموالية للانتقالي في منع عودة أعضاء الحكومة اليمنية إلى عدنلمباشرة مهامهم.وكانت المواجهات التي تندلع بين الفينة والأخرى بين قوات الانتقالي وقواتالحكومة من أبرز الأسباب التي دفعت كثيرا من رؤوس الأموال والتجاروالمستثمرين إلى الفرار من عدن بأموالهم ومشاريعهم، حتى باتت المدينةوكأنها مدينة أشباح خاوية على عروشها.ترافق ذلك مع عمليات بسط ونهب لأراضي المستثمرين والتجار والمواطنين منقبل متنفذين ومسلحين ومحسوبين على قوى وتشكيلات عسكرية وأمنية، وفقتقارير أمنية وصحفية.ما هي تأثيرات الإدارة الذاتية؟ولم يخفِ عدد من خبراء الاقتصاد اليمنيين أن إعلان المجلس الانتقاليالجنوبي لما أسماها "الإدارة الذاتية" للجنوب، ضاعف من التدهور الاقتصاديفي البلاد؛ ذلك أن من شأن هذه الخطوة السيطرة على الإيرادات المالية،وعدم توظيفها التوظيف الأنسب.الخبراء لم يخفوا تحذيراتهم من أن الإدارة الذاتية للجنوب، سينتج عنهاتوقف كامل للحركة التجارية، فمختلف الفعاليات التجارية والاقتصاديةالإقليمية والدولية لا تستطيع التعامل معه كجهة سيادية.كما أن الإجراء الأخير الذي اتخذته قوات المجلس الانتقالي بالتحفظ علىحاويات أموال البنك المركزي اليمني، والتي تحوي نحو 80 مليار ريال، كانتمخصصة لمرتبات الموظفين، سيعمل على تفاقم الأوضاع المعيشية، واحتمال عدمصرف رواتب الموظفين المدنيين، وفق خبراء الاقتصاد.ورغم بيانات اللجنة الاقتصادية في الإدارة الذاتية للجنوب والتي بررتفيها قيامها "بالتحفظ" على أموال البنك المركزي؛ بسبب طباعتها دون غطاء،وبسبب الفساد الذي تتصف به الحكومة الشرعية، ونتيجة تقاعس هذه الأخيرة عنتوفير احتياجات عدن والجنوب من الخدمات العامة.ورغم أن بيان اقتصادية الانتقالي يبدو محقاً في كثير مما ذهب إليه خاصةًفيما يتعلق بالاتهامات التي طالت الحكومة، إلا أن اقتصاديين يؤكدون أنعملية الاستحواذ على أموال البنك المركزي غير مبررة.وذلك لأن هذه الأموال هي أموال سيادية، كما أنها مخصصة لمرتبات الموظفين،ونهبها قد يضر بالاقتصاد المنهار أصلاً، كما أن المصارف التي يمكن أنيقوم الانتقالي بصرف هذه الأموال عليها غير مضمونة أو غير معروفة حتىالآن، الأمر سيتسبب حتماً بمزيد من انهيار الوضع المعيشي والاقتصادي،بحسب الخبراء.الخبراء الاقتصاديون أوضحوا في تحليلاتهم لخطوات الإدارة الذاتية أنالنتائج ستكون سلبية، خاصة فيما يتصل بزيادة تدهور قيمة العملة الوطنية؛نتيجة حالة القلق وعدم اليقين التي ستخلق في السوق، لكن في المقابل يعتقدالخبراء أنه إذا تم صرف جزء منها كرواتب فسيكون الأثر كبيراً.وتوقع الاقتصاديون أن ضخ الأموال في السوق، خاصة رواتب القوات المسلحةوبكميات كبيرة وخلال فترة وجيزة؛ سيؤدي إلى ارتفاع التضخم إلى عنانالسماء.فرصة للحكومةلكن من جهة أخرى يرى مختصون اقتصاديون أن إجراء اللجنة الاقتصادية فيالانتقالي- غير المسوغ- وفّر فرصة سانحة أمام حكومة الشرعية لمكاشفةالأشقاء في دول التحالف، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، والتحدثمعهم بحقيقة الأوضاع الاقتصادية والنقدية.بالإضافة إلى مصارحة الأشقاء أنه لم يعد أمام حكومة الشرعية سوى وسيلةالإصدار النقدي بدون غطاء للوفاء برواتب موظفي الدولة، خاصةً بعد أن حجبتعن الدولة الموارد الضريبية والجمركية، وتوقف الدعم المالي واستنفادالوديعة السعودية تقريباً.وتمثلت هذه الفرصة بمطالبة التحالف بتقديم الحلول أو على الأقل المساعدةفيها، كتجديد الوديعة السعودية لتسهيل عملية استيراد السلع الأساسية، وفيالعموم فإن التحالف لا يبدو أنه غافل عما يدور في عدن من إجراءات وأعمالتضر بالاقتصاد اليمني، خاصةً وأنه قادر على تقديم المعالجات لتجاوز كلالمشكلات والخطوات والإجراءات التي يفعلها هذا الطرف أو ذاك.مسئوليات واتهامات للحكومةإذا كان الحوثي والانتقالي يتحملون مسؤولية ما وصل إليه الوضع الاقتصاديوالمعيشي للبلاد خلال السنوات الخمس الماضية، فإن الحكومة الشرعيةاليمنية ليست بمنأى عن هذه المسئولية.فالحكومة تشترك بنسبة لا تقل عن نسب الحوثي والانتقالي في تدهور العمليةالمحلية، وتردي الوضع الاقتصادي، وتفاقم الظروف المعيشية على المواطنين.ومرد ذلك يعود إلى الأساليب والإجراءات المالية والاقتصادية التيانتهجتها الحكومة في الفترة الأخيرة، وتأخرها في رفع أيدي الحوثيين عنالبنك المركزي، كما أنها لم تحرك ساكناً تجاه منعها من التصرف بمواردهاالمعدنية، النفطية والغازية، من قبل المسيطرين على منافذ التصدير.كما أن مراقبين يؤكدون مسئولية التقاعس الحكومي في التعامل مع الملفالاقتصادي، والذي أدى إلى كل هذه الجرأة من قبل سلطات الأمر الواقع فيكلٍ من عدن وصنعاء.وغير بعيدٍ عن أزمة حاويات وأموال البنك المركزي اليمني، فإن كثيرا منالمتابعين يتهمون الحكومة بالولوغ في هذه الأزمة، من خلال تواطئها معمنفذي الحادثة.وهو ما عبر عنه 25 نائباً من نوّاب مجلس النواب اليمني الذين رفعوا رسالةإلى رئيس المجلس سلطان البركاني بضرورة مساءلة رئيس الوزراء اليمنيالدكتور معين عبدالملك حول قضية أموال البنك المركزي في عدن.وتضمنت الرسالة اتهاماً مبطناً للحكومة بالتساهل في القضية، وأنه منالمستغرب أن يتم تحويل مبالغ بهذه الكمية الكبيرة إلى مناطق غير خاضعةلسيطرة الحكومة، بل إنها تحت نفوذ أعتى خصومها، المجلس الانتقالي، وفي ظلاشتداد المعارك مع هذا الأخير في محافظة أبين.كل تلك العوامل لا تُبرئ ساحة الحكومة الشرعية من المسئولية فيما وصلإليه الاقتصاد اليمني الذي يحتاج إلى عمل الكثير حتى يعود إلى استقراره.الحل الجذريتتداول مقولات عديدة عن أن هناك الكثير من الشخصيات والكيانات المستفيدةمن الأوضاع الحالية للاقتصاد، غير آبهين بما يعانيه المواطن البسيط منمآسٍ بسبب الوضع المعيشي المتردي.ويرى خبراء الاقتصاد أن الحل الأول والجذري لإنهاء هذه المعاناةالاقتصادية والانهيار الشامل الذي أصاب الاقتصاد الوطني يكمن في إنهاءوإيقاف الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، والتي أكلت الأخضر واليابس، وبررتلكثير من الجماعات والمليشيات التلاعب بأقوات المواطنين.وإنهاء الحرب حتى وإن بدا وكأنه الخيار الأوحد والحقيقي لإنهاء معاناةاليمنيين، إلا أنه يصطدم بجشع تجار الحروب المستفيدين من استمرار الحربوالذين بلغوا مراتب خيالية من الإثراء بسبب تواصل القتال، وعلى حسابأوجاع وجوع اليمنيين أياً كانوا في الشمال أو الجنوب.ويرى مراقبون أن التخلص من هؤلاء الانتهازيين المتاجرين بدماء وأقواتالشعب، بينما هم يتمرغون بترف ورغد العيش في فنادق طهران وبيروت والرياضوأبوظبي، يعتبر الخطوة الأولى لعودة الاستقرار الاقتصادي والمعيشي إلىالبلاد، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد الذي بات قريباً من الانهياروعلى حافة الإفلاس.