آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-12:09ص

ملفات وتحقيقات


تقرير يرصد أسباب الصراعات التي تشهدها الساحة الجنوبية

الأحد - 14 يونيو 2020 - 10:09 ص بتوقيت عدن

تقرير يرصد أسباب الصراعات التي تشهدها الساحة الجنوبية

(عدن الغد)خاص:

هل سقط الجنوب في الفوضى بعد خمس سنوات من الحرب؟

- صراعات عدن.. ومعارك أبين وشبوة.. واضطرابات المهرة.. والانفلات الأمني
بحضرموت.. واقتتال سقطرى.. إلى متى؟

- شمال مستقر نسبياً.. وجنوب مضطرب.. لماذا؟

- كيف تحول الجنوب إلى ساحة صراع دولي؟


القسم السياسي بـ(عدن الغد):


يغرق الجنوب منذ أكثر من خمس سنوات في أتون أزمات تتصاعد وتيرتها، وفوضى
عارمة تضرب مفاصله وأركانه، وليس ثمة مؤشرات على تراجع حدتها.

فبعد تحرير مدينة عدن وكافة مدن الجنوب من سيطرة المليشيات الحوثية وقوات
صالح، استبشر الجنوبيون بأن تكون هذه بداية الاستقرار والوصول إلى حلم
الدولة المنشودة.

غير أن ما حدث يشير إلى أن الجنوب تاه في خضم نزاعات وصراعات جعلت منه
مجرد جزر متفرقة، هددت تماسكه الجغرافي وحتى الاجتماعي.

وبحسب مؤرخين فإن الصراعات التي يكتوي بنارها الجنوب اليوم لم تكن حديثة،
وليست وليدة ما بعد تحرير عدن والجنوب أو فترة ما بعد 2015، ولكنها
صراعات تضرب بجذورها إلى أكثر من سبعة عقود.

بل أن بعض المحللين يذهب إلى اعتبار أن صراعات اليوم والتقسيم الذي نتج
عنه ما هو إلا حصاد السنوات الماضية من الصراعات الجنوبية الجنوبية.


صراعات المتحكمين بعدن

لا يخفى الوضع في عدن على كثير من المتابعين الذين يرون أن المدينة باتت
تحت سيطرة المتحكمين بمقدراتها المادية والتجارية والاقتصادية من
المحسوبين على قيادات من خارج عدن.

ولهذا نرى العديد من الشخصيات التاريخية والاجتماعية والسياسية في عدن
تسعى جاهدة لإنشاء كيانات مجتمعية تنادي باسترداد حقوق المدينة وإتاحة
المجال لأبنائها الخُلَّص في إدارتها وتسيير شئونها بعد أن ظلت لعقودٍ
طويلة عقب الاستقلال من الاحتلال البريطاني تحت رحمة المتحكمين بها من
خارجها.

هذا التحكم بالمدينة اتخذ عدة أشكال سياسية وعسكرية، وكانت نتائجه واضحة
على الجانب الخدمي في المدينة، التي افتقدت لكل شيء، وانعدام الاحتياجات
الأساسية فيها وكل ما له علاقة بالحياة الطبيعية.

كما أن هذا التحكم جر مدينة إلى تذوق ويلات المواجهات والاشتباكات
العسكرية المسلحة بشكل يكاد يكون متكررا وثابتا، وجعل من مدينة السلام
عدن بؤرة للصراعات الدموية خلال السنوات الخمس الماضية.

ونتيجة لذلك ظهرت بوادر تذمر أهلي في المدينة، تجسد في تشكيل تكتلات
ومكونات تدعو إلى ترك عدن وشأنها، ومنح أبنائها وكوادرها الفرصة لإدارة
شئون مدينتهم وتسييرها بما يرونه مناسباً، فالمدينة حبلى بالكوادر
المؤهلة والخبيرة، واحتكار المناصب الإدارية على القادمين من خارجها يؤدي
إلى تهميش تلك الكوادر.

بل إن الوضع في عدن لم يقف عند تهميش أبنائها، بل زاد على ذلك لتتحول
المدينة ومواردها إلى (كعكة) كبيرة يتنازعها القادمون من الخارج، كما
تحولت إلى ساحة معركة واسعة لقتال المتنازعين على خيرات المدينة.

وهي حقيقة يدفع ثمنها أبناء عدن منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان. وما
كل تلك الأحداث إلا ترسيخ لصراعات الرفاق وتجديد لها وإحياء لمسبباتها
التي لم تنجُ مدينة عدن من ويلاتها، ليس عدن فقط، بل والجنوب عموماً الذي
مازال يدفع ثمن تلك الصراعات المتتالية.

وتُصنف الصراعات القائمة على الأبعاد والمسببات المناطقية بأنها أكثر
الصراعات ديمومةً واستمراريةً، وأصعبها مرونةً لتقبل الحلول والمعالجات.

وبغض النظر عن جذور هذه الصراعات إلا أنها تمثل خطراً على تماسك اللُحمة
الجنوبية، ومنح فرصة لاستمرار الفُرقة بين أبناء الجنوب؛ بسبب الولاءات
السياسية والحزبية والسياسية التي تعصف بالمنطقة.

وكما نرى فإن الصراع في أبين وشبوة أدخل المنطقة برمتها (الجنوب) في
تكهنات وتحليلات حول مصير هذه المنطقة الحيوية من العالم.

صراع شرق الجنوب

من المستغرب والمثير للانتباه أن الصراعات التي يعيشها الجنوب لم تبق
محصورةً على الجهة الغربية من الجنوب، ولم تظل حبيسة محافظات عدن ولحج
وأبين والضالع، بل أنها امتدت إلى منطقة شرق الجنوب.

فتاريخيا.. عُرفت محافظات المهرة وحضرموت وحتى سقطرى بأنها مناطق مسالمة،
ولم تدخل صراعات سياسية أو عسكرية طيلة تاريخها المعاصر، بل إنها كانت
تنقاد لكل من يسيطر عليها من الأنظمة اليمنية المتعاقبة.

غير أن اللافت ولوج تلك المناطق في صراعات سياسية عسكرية مؤخراً، إما
رفضاً لبعض المشاريع تارةً، كما يحدث في المهرة، وإما انشغالها بصراعات
ومشاكل أمنية، كما هو حاصل في حضرموت، أو بالوقوع في فخ الاقتتال الأهلي
كما يجري سقطرى.

وهنا.. تثار الكثير من التساؤلات حول المتسبب في مثل هذه الصراعات
والنزاعات المتكررة هنا أو هناك، والتي تزايدت خلال السنوات الخمس
الماضية.

ومثار الأسئلة منطقي، خاصةً وأن تلك المناطق كانت بعيدة عن تواجد قوات
ومليشيات الحوثي فيها حتى يتم التدخل في شئونها الداخلية وشئون الأوضاع
فيها والتي كانت مستقرة إلى حدٍ بعيد قبل أن تتدخل الأطراف المتسببة
بإثارة الفتن والمشاكل.

حيث غرقت المهرة في اضطرابات واعتصامات وتظاهرات استخدمتها أيادٍ مستفيدة
لزعزعة تواجد التحالف العربي هناك، وأدخلتها في صراعات الضحية الوحيد
فيها هو المواطن الذي تضرر من استمرار هذا الصراع العقيم.

بينما تجاهد حضرموت لمقاومة مشروعٍ غامض تنفذه جهات مجهولة لمحاولة جرها
نحو صراعات مناطقية ضيقة، بدأت ملامحها بالظهور من خلال أحداث أمنية
وعمليات اغتيال، بلغت أوجها في استهداف شخص محافظ المحافظة.

بينما تجرعت سقطرى، الجزيرة الوديعة، إحدى عجائب الطبيعة، ويلات الصراع
السياسي عبر إقحامها من قبل الطامعين بعذريتها وبثرواتها وموقعها
الاستراتيجي في قتال محلي بين أبنائها، الذين يبدو أنهم هم الخاسر الأكبر
على هذه الجزيرة.

صراع الطوق الغربي

اشتهرت قبائل الصبيحة، الواقع نطاقها الجغرافي غرب محافظة لحج، بأنها
الطوق الأمني الغربي الأول لمدينة عدن، وخط الدفاع الرئيسي من الغرب.

لهذا.. يبدو أن البعض لم يعجبه الاستقرار والوداعة التي طُبعت بها حياة
أبناء هذه المنطقة المعروف عنهم جسارتهم وشجاعتهم وإقدامهم في المعارك
ومواطن القتال والرجولة.

فيما سعت بعض الأطراف إلى نبش الثارات بين أبناء القبيلة الواحدة، من نفس
النطاق الجغرافي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تطور ليحاول البعض إثارة
وتأجيج الصراعات بين أبناء قبيلة الصبيحة وبين غيرهم من القبائل الأخرى
المجاورة سواء في لحج أو تعز.

أطراف من الصبيحة دائماً ما تشير إلى وجود اعتداءات تتعمد استهداف أبناء
القبيلة المتواجدين داخل عدن، خاصةً الشخصيات الأمنية والعسكرية، أو
المسئولين المنتمين للصبيحة.

وهو أمرٌ لم يسكت عنه أبناء القبيلة الذين سعوا إلى استرداد حقوقهم
والذود عن منتسبيهم في عدن ولحج وكافة المناطق، وضغطت بقواتها على
الأطراف المسئولة عن الاعتداءات على أبناء الصبيحة؛ لتؤكد أن حقوقها ليست
محل انتهاك.

غير أن إقدام أبناء الصبيحة ورفضهم لمثل تلك الممارسات دفع بعض الأطراف
إلى الإيقاع بأهالي الصبيحة ومحاولة شق صف ووحدة القبيلة، واجترار
العداءات والثارات واستدعائها لإضعاف شوكة القبيلة وقوتها؛ حتى تستفيد
تلك الأطراف من تفريق جمع القبيلة وتشتتها.

ولا تزال الصراعات والتشققات في جدران القبيلة تضرب أبناء الصبيحة، في ظل
وجود وساطات محلية تحاول رأب الصدع وتجاوز المشكلات.

ولعل صراعات الصبيحة أكبر الدلائل على أن الصراعات ما فتأت تضرب كل نواحي
الجنوب منذ أكثر من خمس سنوات، في إيحاءٍ جلي أن كل محاولات إعادة
الاستقرار إلى البلاد باءت بالفشل، بل على العكس، فقد ازدادت الانشقاقات
والنزاعات خاصةً في المنطقة الجنوبية من اليمن.

جنوب مضطرب وشمال مستقر

الاضطراب الذي يعيشه الجنوب منذ خمس سنوات هي عمر الحرب الدائرة في
اليمن، والتي أشعلها الانقلابيون الحوثيون في الشمال واجتاحوا الجنوب قبل
أن يتم تحريره، لم يكن ذلك الاضطراب في الجنوب متواجداً في الشمال.

هذه المفارقة العجيبة تثير هي الأخرى العديد من التساؤلات حول ما الذي
يدور بالضبط في الجنوب، ومن المتسبب بما وصل إليه الجنوبيون من صراعات؛
تهدد تماسكهم الاجتماعي ووحدتهم الجغرافية حتى.

الشمال الخاضع لسيطرة المليشيات الحوثية المحاصرة براً وبحراً وجواً،
والذي يجوب الانقلابيون مناطقه بكل حرية من شمال صعدة وحتى حدود كرش،
لماذا يبقى مستقراً لا يعاني من أي صراعات داخلية كما هو شأن الجنوب؟.

ولماذا تغفل عنه القوى التي تسعى وتعمل على إثارة الصراعات وتأجيجها في
الجنوب، وتُهمل المناطق التي يحكمها الحوثيون ولا تستهدفها بأي أعمال
تخريبية كما يحدث على الخارطة الجنوبية.

مثل هذه التساؤلات يثيرها مراقبون ومتابعون لسير الأحداث في الشمال
اليمني، الذي تعتبر تركيبته المجتمعية من أعقد التركيبات الاجتماعية؛ ذلك
أنه مجتمع ملئ بالتناقضات، وغير متجانس، لا مذهبياً ولا حتى سياسياً
وحزبياً، ومع كل هذا لا نرى صراعات أو نزاعات أو تصدعاً في تماسكه.

لا يتم طرح مثل هذه الأسئلة حباً في الصراعات، ولكن من شروط الحرب التي
تعيشها البلاد، أن يتم إرباك خصمك داخلياً كما يحدث مع الجنوبيين،
المنشغلين بأنفسهم والمتناسين لعدوهم الخارجي.

غير أننا لا نرى أية توجهات أو سياسات من القائمين على تسيير شئون
البلاد؛ لضرب التماسك المجتمعي في الشمال وإغراقه في المشاكل والصراعات؛
بهدف إضعاف جبهته الداخلية حتى يتم الاستفادة من ذلك على مستوى جبهات
القتال.

باعتبار هذه السياسة أو الأسلوب من أساسيات الحرب؛ بهدف تحقيق مكاسب
عسكرية وسياسية والتحكم في الخصم، بعد أن تكون المشكلات والصراعات قد
أنهكته وأخذت كثيراً من جهوده.

وللأسف فإن هذا بالتحديد ما يحدث في الجنوب، ولا يحدث مع عدو الجميع،
الانقلابيين الحوثيين.

وبحسب محللين فإن القبضة الحديدية التي يفرضها الحوثيون على مواطني
الشمال تجعل مجرد التفكير في اختراق جدران الانغلاق الحوثي أمرا غاية في
الصعوبة، رغم تعدد وتشتت الانتماءات هناك.

رأي آخر يرى أن سياسة التجويع والتخويف التي يمارسها الحوثيون بحق
الشماليين جعلت من فكرة الثورة عليهم أو مقاومتهم أمراً لا بد منه، غير
أن غياب الداعم الخارجي لمثل هكذا فعل يمنع اندلاع ثورة أو حتى مقاومة
فاعلة في مناطق سيطرة المليشيات.

في المقابل، نرى أن الفوضى العارمة هي المتسيدة والمسيطرة على الأوضاع في
الجنوب، والجانب الأمني تغيب عنه القبضة الحديدية؛ فلهذا تبدو أية
محاولات لشق الصف سهلة وفي المتناول، وما يساعد على ذلك غياب الدولة
بمؤسساتها وجهودها في تجاوز أية مشاكل.

بالإضافة إلى وجود أطراف خارجية داعمة للفوضى والصراعات لكل الأطراف
المتواجدة في الجنوب، وهذا ما يؤدي إلى استمرار الصراعات في المنطقة
الجنوبية؛ نظراً لتوفر وسهولة تواجد عوامل اندلاعها متى ما اقتضت الحاجة،
وبحسب أجندات المتحكمين بالشأن الجنوبي.


ما الذي يحدث؟

هناك تفسيرات وتحليلات عديدة لما يدور في الجنوب، خاصةً وأنه يحدث بشكل
مثير للريبة، ويهدد النسيج المجتمعي، والتماسك الجغرافي للأرض الجنوبية.

وأبرز تلك التفسيرات تشير إلى وجود تواطؤ دولي، ومؤامرة خارجية لتحويل
الجنوب اليمني إلى منطقة صراع عالمية، تتوافد على أرضها أقطاب الصراعات
الدولية لقضاء أوطار المصالح ونيل ما تسعى إليه من مكاسب سياسية أو
اقتصادية، وذلك عبر أذرعها العسكرية المحلية.

وهذا التحليل قد يبدو منطقياً إلى حدٍ بعيد؛ عطفاً على ما يدور في الجنوب
من صراعات واقتتال ومواجهات متكررة، تتباين فيها الأطراف المتحاربة.

ولعل أبرز أسباب هذا الاستقطاب الدولي للأدوات المحلية قد يعود إلى حجم
الثروات التي يمتلكها الجنوب، أو ربما للموقع الاستراتيجي الهام جغرافياً
وإطلالة الجنوب على منطقة باب المندب الحيوية، وتحكمه بحركة الملاحة
البحرية الدولية.

ولا يعتقد المراقبون أن أياً من الأدوات المحلية الجنوبية التي تتقاتل
فيما بينها جاهل بما يدور في كواليس الصراع الإقليمي والدولي على أرض
الجنوب.

ولكن بعض القيادات تغض الطرف حتى تحقق مصالح شخصية ذاتية، وتضرب عرض
الحائط بمصالح اليمنيين والجنوبيين الذين يموتون كل يوم من الحرب أومن
انعدام خدمات الكهرباء والصحة.

ويبدو أن مثل هذا الصراع والاقتتال سيستمر في الجنوب ما استمر تواجد مثل
هذه العقليات من القيادات اليمنية والجنوبية التي تسلم البلاد للخارج،
غير آبهة بمصالح المواطنين.

ومتى ما انتهت تلك القيادات المهترئة ستنتهي الصراعات، وستعود البلاد
برمتها إلى الوفاق والوئام والمحبة والسلام.