آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-01:45م

ملفات وتحقيقات


تقرير يرصد أبعاد التوظيف المتبادل لأنصار الشرعية والانتقالي.. الصراع السياسي.. كيف أثر على الاستعدادات لمواجهة كورونا؟

الثلاثاء - 07 أبريل 2020 - 05:31 م بتوقيت عدن

تقرير يرصد أبعاد التوظيف المتبادل لأنصار الشرعية والانتقالي.. الصراع السياسي.. كيف أثر على الاستعدادات لمواجهة كورونا؟

القسم السياسي بـ(عدن الغد):

وحّد فيروس “كورونا” المستجد العالم، وفرض على المتخاصمين والمتنازعين في مختلف أنحاء المعمورة نسيان خصوماتهم- ولو مؤقتاً- للتركيز على هذا الوباء الذي بات يهدد الجميع.

تجلى ذلك واضحاً في أنحاء العالم، وخاصةً بؤر صراعاته التقليدية، في الشرق الأوسط وأفريقيا والشرق الأقصى الآسيوي.

حتى أن بعض الأصوات دعت الولايات المتحدة والدول العظمى إلى رفع العقوبات المفروضة على دولٍ كفنزيولا وكوبا وإيران وسوريا وكوريا الشمالية وغيرها؛ لمساعدة تلك البلدان في مواجهة “كورونا”.

الأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو غوتيريس نادى العالم كله والجماعات المتصارعة إلى توحيد جهودها لمحاربة “كوفيد 19”، ووضع حد لانتشاره، ونسيان الخلافات التي جعلت كوكب الأرض مجرد ساحة عملاقة للقتال.

وفي مقابل التداعي العالمي لإنقاذ مصير البشرية المهدد لوجودها والذي أصبح على المحك، وتوفير أية جهود قد تستنزف طاقاته وقدراته، وتوجيهها لكفاح فيروس “كوفيد 19”، يلاحظ أن الأمور تتخذ مساراً مغايراً في بلادنا.

فإنشغال العالم بمواجهة “كورونا” يقابله إنشغال اليمنيين بنزاعاتهم صراعاتهم، حتى أن الصراع طال الاستعدادات التي يدعيها كل طرف لمواجهة احتمالات وصول الوباء إلى بلادنا.

ويبدو أن تعود الأطراف السياسية على الصراع والنزاع أدى إلى انسحاب هذه الثقافة الإقصائية على جهود مواجهة “كورونا” والتي فاحت روائحها مؤخرًا فيما يتعلق بمسئولية إدارة مركز الحجر الصحي المتواجد في مدينة عدن.

كما طال الصراع قضية أحقية الجهة المخولة باستلام مستحقات وأجهزة ومستلزمات المحجر الصحي الذي تم اختيار موقعه غرب عدن.

بل أن التنازع بين سلطات الحكومة الشرعية ومؤسساتها في مدينة عدن من جهة، وبين هيئات المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة أخرى طال حتى أحقية الطرف المخول بالتعامل مع منظمة الصحة العالمية والمنظمات الإنسانية العاملة في البلاد.

 

استثمار سياسي

هذا الوضع الذي أصبح للأسف وضعاً مأسوياً في ظل حالة كارثية تهدد بلادنا، بعد أن تسبب الوباء بسقوط أعتى الأنظمة الصحية العالمية؛ يعود في الأساس إلى تجاذبات واختلالات فرضها الواقع السياسي الذي يُخيّم بظلاله على المشهد العام للبلاد.

وترجع هذه الحالة إلى انتماءات وولاءات أجبرت الأطراف اليمنية على تبني وجهة نظر داعمها وممولها، في مواجهة الطرف الآخر، وهي انتماءات شكلتها أهداف وغايات وربما حتى مصالح الحرب التي نعيشها منذ ما يزيد على خمس سنوات.

وهي مأساة تتشارك فيها الأطراف الداخلية ومن يقف خلفهم من لاعبين دوليين وإقليميين ساهموا بشكل أو بآخر، مباشر وغير مباشر في تكوين مثل هذه الانتماءات التي لم تؤثر فقط على الولاءات السياسية، بل وأثرت أيضاً على الجوانب الإنسانية والصحية التي نرى تجلياتها اليوم في فشل الاستعدادات الخاصة بمواجهة فيروس “كورونا”.

فالاستثمار السياسي من هذا الطرف أو ذاك، وتوظيف الأدوات المحلية لصالحه أدى إلى هذا الوضع المتردي، والذي انتزعت منه أي صفة إنسانية.

حيث لم يعد الناس والمواطنون هم الغاية الأساسية لأي فعل سياسي أو اقتصادي أو أمني، أو حتى صحي، بل أن الهدف يكمن في المصالح والأجندات الخاصة، والعمل من أجل تشويه مواقف الآخر وتلميع المواقف الذاتية.

وهو عملٌ أضر بحياة الناس ومصالحهم، وجعل من حياتهم مجرد أمر هامشي أمام أولويات الساسة ومماحكاتهم ونزاعاتهم التي جاءت على حساب هموم المواطنين.

 

اتهامات متبادلة

ويبدو أن الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي مخلصون جدًا لولاءاتهم السياسية لأطرافٍ خارجية، وهو ما لا يحظى به المواطن في الداخل.

وتجلى ذلك في انصراف كل من موالي وأنصار الشرعية والانتقالي إلى التفنن في اتهام كل طرف ومن يقف خلفه في محاولة إدخال فيروس كورونا إلى البلاد.

ومع أن عملية إدخال الفيروس أو المصابين به إلى الداخل اليمني ليست بهذه السهولة إلا أن هذه القضية أخذت منحنى سياسي ضمن الإطار العام للصراع بين الجانبين، وهو الصراع الذي ما فتئ يتصاعد بين الفينة والأخرى.

حيث تجتهد السلطات المحلية -مهما كان انتماءها- في توفير محاجر صحية في مختلف المنافذ البحرية والبرية والجوية، ورغم الإمكانيات الشحيحة إلا أن هناك إجراءات تحول دون هذا الدخول المفاجئ.

لهذا لا يمكن توقع أن تتورط دولٌ في “تهريب” مصابين بالفايروس، -أو على الأقل- تتقاعس عن إجراءات التأكد من خلو أو إصابة من تنقلهم إلى الداخل محملين بالمرض.

لكن الابتزاز السياسي للقضايا الاجتماعية أو الصحية لن يتوقف ما دام هناك أطراف متصارعة ومتنازعة لا تنظر إلى مصلحة الشعب والجماهير، التي علقت عليهم آمالاً في تغيير واقعها، لكنها لم تفعل!.

 

ابتزاز الرياض وأبوظبي

ما نقصده هنا، هو الاتهامات التي يكيلها موالو المجلس الانتقالي الجنوبي للطائرات القادمة من الأراضي السعودية صوب عدن، وتحمل جنوداً على متنها، بالإضافة إلى الاتهامات التي الصادرة من موالي الشرعية للطائرات الإماراتية المتجهة إلى الداخل اليمني.

ورغم أن هدف الرحلات السعودية والإماراتية يبتعد كثيرًا عن أهداف عدن أو اليمن عموماً بفايروسات “كورونا” إلا أن أن الاتهامات والابتزاز ما زال مستمرًا من قبل مناصري كل طرف للطرف الآخر.

في تأكيد واضح وجلي على انغماس المتنازعين في التجاذبات والصراعات السياسية بعيدًا عن تقديم أية دلالات أو براهين تؤكد تلك التكهنات التي لم تخرج عن الابتزاز والاجابات السياسية المحظة.

فالطائرات الإماراتية التي تحاول تقل اليمنيين العالقين في بؤرة تفشي الفايروس المدينة الصينية “ووهان” تسعى لإعادة مواطنين إلى بلادهم، وهي ذات الدولة التي اتهمها ناشطون بالتقاعس والتخلي عن اليمنيين العالقين هناك.

وها هي اليوم عندما تقوم بهذا العمل يتم اتهامها بأنها تحاول نشر الوباء في اليمن!، الأمر الذي يؤكد لنا أن تلك الأعمال لا تخرج عن إطار المماحكات والابتزاز السياسي.

ونفس الوضع ينطبق على الرحلات السعودية التي نقلت جنودًا مدربين من أبناء عدن وأعادتهم إلى المدينة بعد انتهاء فترة التدريب والتأهيل، لاستلام مرافق ومؤسسات الدولة في عدن والتي سيطرت عليها قوات المجلس الانتقالي.

ويظهر من الهدف الذي من أجله عاد هؤلاء الجنود إلى مدينتهم، السبب الحقيقي لمهاجمة أنصار الانتقالي وصول طائرات سعودية إلى عدن، والحديث عن اتهامات لتعمد الرياض في نشر الفايروس داخل عدن.

فمجرد معرفة خلفيات أية اتهامات يتضح للجميع ما هي أسباب تلك الاتهامات وأبعادها وارتباطاتها بابتزازات سياسية ليس أكثر.

 

كورونا.. قصة صراع جديدة

هذا الفايروس الذي يتخبط فيه العالم، ويهدد اليمن، لم يكن هو الوحيد الذي كان قضيةً أو موضوعاً للصراع بين الفرقاء المتنازعين في اليمن عموماً وعدن خصوصاً.

فثمة الكثير من القضايا التي شكلت محورًا للصراعات المتباينة بين الطرفين (الشرعية والانتقالي)، بدءًا من الكهرباء والمياه والخدمات العامة بشكل عام، مروراً بالمرتبات وليس انتهاءً بالأوضاع الأمنية والعسكرية.

غير أن الشأن الكوروني يختلف عما سبقه من قضايا خضعت للمماحكات السياسية والابتزاز السياسي بين الجانبين؛ لسببٍ وجيه جداً؛ يتمثل في أن خطر هذا الفايروس يهدد وجود الجميع، وليس فئة سياسية بعينها.

فتحول “كورونا” إلى قضية ابتزاز، وساحة للصراع سيضرب المجتمع في مقتل، ولن يسلم منه أحد، بل ربما سيتحول إلى كابوس يفتك بالجميع دون استثناء أو انتقاء.

 

أبعاد أخرى

الأثر الذي يحمله احتمال تفشي “كورونا” لا يقف عند الأبعاد الصحية، وإن كانت هي الأهم والأبرز،. لكنها تتعدى أيضاً لتشمل الحياة الاقتصادية وكل ما يتعلق بها من معيشة.

وفي ظل الأوضاع المعيشية المتدهورة أصلاً للمواطنين اليمنيين يمثل “كورونا” تهديدًا شاملاً للحياة في اليمن.

ذلك أن الدول المتقدمة التي ضربها الوباء وفرت بدائل اقتصادية للملايين من مواطنيها، حتى تجبرهم على البقاء في منازلهم وتقليل فرص انتشار الفايروس.

بينما تنعدم أية بدائل ممكنة في واقعنا، وبدلاً من اتحاد الجميع وتوجيه جهودهم للتفكير في مستقبل البلاد في حالة انتشار الوباء في بلادنا -لا سمح الله- نجدهم يتصارعون ويتمادون في الصراع.

بل وياخذون من مادة الفايروس الفتاك هذا قضيةً للصراع ومنطلقاً لتجدده على أسس مغايرة ومختلفة، فقط لأجل المناكفات والابتزاز ليس إلا

وإذا تمادى المتنازعين في عدن واليمن عموماً في هذا التوجه، واستمر ا في استغلال مصائب وكوارث الناس سياسياً فقد ينعكس ذلك على مستقبل تواجد كل هذه الكيانات السياسية، التي يبدو أنها بدأت في فقد مصداقيتها، والتأكيد للناس على عدم قدرتها وضعف صلاحيتها في تسيير أمور البلاد.

فقد فشلت فيما هو متعلق بحياة الناس وبقائهم، فكيف ستنجح فيما هو دون ذلك؟.

 

مصلحة المواطنين.. أين موقعها؟

ما يجعلنا نقول ذلك، هو ما نشاهده ونلمسه اليوم في عدن من نزاعات حول صلاحيات إدراة وتسيير شئون المحجر الصحي في مديرية البريقة، والذي تعثرت أعمال تجهيزه بسبب صراع تولي المسئولية.

وبحسب مصادر صحية في وزارة الصحة فإن مثل هذه الصراعات منعت وعرقلت الأعمال اللازمة لتجهيز مركز الحجر الذي مازال مجرد جدران فقط، ومجموعو من الأسرة في كراتينها، بينما لم يتم تخصيص سوى سبعة أجهزة خاصة بفيروس “كورونا” فقط.

المصادر أشارت لـ (عدن الغد) إلى أن التجاذبات بين قيادات الانتقالي والمسئولين في وزارة الصحة الحكومية حالت دون تجهيز المحجر الصحي تجهيزاً يتناسب مع خطورة وتهديدات الوباء الذي عصف بالعالم.

كما أن النزاع على مخصصات ومستلزمات المحجر تسبب برسم صورة سيئة لكل طرف لدى الجهات والمنظمات الدولية الممولة والداعمة، وبالتالي تشكل حالة من عدم الثقة يكون ضحيتها الناس والمواطنين، الذين سيُحرمون من أي مساعدات أو دعم قد يتم تخصيصها لليمن.

وهذا الوضع هو ذروة ما قد يصل إليه الإضرار بالمواطنين، جراء سلوكيات سياسية غير مسئولة، ضربت بعرض الحائط مصلحة المواطنين المحتاجين لأية مساعدة أو عون، بينما تم الاهتمام بالمصلحة السياسية الضيقة.

فالنزاع على إدارة شئون المحجر الصحي بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي هو نزاع سياسي بامتياز، ولا علاقة له بمصلحة المواطنين، حتى الإدعاء بتحمل “مسئولية” المحجر لا يلقي أي اهتمام من المواطنين أنفسهم.

ولعل ذلك يعود إلى معرفة الناس لطبيعة “المسئولية” التي قد يتكفل بها كل من الشرعية والانتقالي، عطفاً على أداء كل منهما وتوليه ملف الخدمات، وفشلهما فيه، وهذا ما قد ينطبق على مسئولية الحجر الصحي المتنازع عليه.

حيث أن عقوداً من المسئولية التي تولاها كل منهم خلال فترات الدولة اليمنية أكدت للمواطنين مدى قيام واضطلاع كل طرف بمسئولياته، كما أكدت أن الصراع على تولي إدارة المحجر هو صراع للفوز “بالكعكة” ومستحقاتها ومميزاتها المرتبطة بها، وليس من أجل تحقيق النجاح الصحي والحفاظ على على صحة المواطنين.

 

ما الذي يحتاجه كورونا؟

لا يعتبر هذا الفايروس مجرد وباء عابر، لكنه وباء يهدد الحياة البشرية برمتها، بحسب خبراء الصحة العالمية؛ لهذا فهو يحتاج إلى تضافر وليس تنافر، كما أن مواجهته لن تنجح في ظل انقساماتٍ وصراعات.

ويبدو أن هيئة الأمم المتحدة تنبهت لهذا الوضع الذي لا يساعد على محاربة الفايروس، فدعت إلى نبذ الخلافات والصراعات وإيقاف الحروب وتركيز الطاقات للقضاء على هذا الوباء.

وفي حقيقة الأمر فإن الصراع في عدن لم ينجح أبداً في صناعة أي نتائج إيجابية، وهي طبيعة حتمية لمآلات أي صراع سياسي أو عسكري، بل أن خبراء ومختصون يشيرون إلى أن الأوبئة والأمراض تزدهر وتتفشى بشكل أكبر في ظل الصراعات.

 

كورونا.. هل هو فرصة؟

الجانب المظلم لهذه المأساة والتراجيدية الإنسانية التي لن نجدها في أي بقعة من العالم، في ظل هذا الوباء المستشري، هو أن كل هذه الصراعات والنزاعات تأتي على حساب الاستعداد لمواجهة “كورونا”.

فاليمن تعد من الدول التي تمتلك نظاماً صحياً متدنياً وضعيفاً جعلته الحرب أكثر ضعفاً، وفاقمت من أوضاعه، ويعد الصراع على تسيير ومواجهة الوباء أحد العوامل التي تضاعف هذه المأساة.

لأن مواجهة وباء شرس كهذا تحتاج إلى تكاتف كافة الأطراف، ورص الجهود والصفوف لمكافحته، وليس النزاع والصراع الذي تشهده اليوم بين فرقاء العمل الرسمي.

فبدلاً من العداء والتنافس، علينا التعلم من دول العالم، التي بدأت بنسيان خلافاتها وصراعاتها وتوجيه كافة العلمية والبحثية والصحية للحد من هذا الفايروس الخطير.

وهذا ما يجعل المتنازعين في اليمن أمام مساءلة تاريخية، ومسؤولية إنسانية تفرض عليها التغاضي -ولو مؤقتاً- عن خلافاتهم وصراعاتهم، وربما حتى التغافل للتفرغ والتصدي لهذا الوباء.

فكورونا لن يستثني أحدًا، سيهاجم الموالين للشرعية تماماً كما يهاجم الموالين للانتقالي، فالجميع في قاموس هذا المرض سواء، وليس هناك أية وساطات أو حمايات أو حتى مرافقين وحراسات للذود عن القيادات من هذا الفايروس.

وإذا عجزنا عن توحيد جهودنا بشكل ذاتي من قبل من أجل الماس والمواطنين، فإن “كورونا” يمثل فرصة ذهبية لتناسي صراعاتنا، فلننظر إليه وكأنه عامل توحيد وطوق نجاة لنا جميعاً.