آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-09:05م

ملفات وتحقيقات


تقرير يرصد أوضاع محافظة شبوة ومقارنتها بواقع مدينة عدن والجدال الدائر بين المؤيدين والمعارضين

الإثنين - 24 فبراير 2020 - 10:09 ص بتوقيت عدن

تقرير يرصد أوضاع محافظة شبوة ومقارنتها بواقع مدينة عدن والجدال الدائر بين المؤيدين والمعارضين

القسم السياسي بـ(عدن الغد):

الجدل حول شبوة.. إلى متى؟!

القسم السياسي بـ(عدن الغد):


(لم تتواجد الدولة بكامل سلطاتها من قبل كما تتواجد الآن في محافظة
شبوة).. هذه الحقيقة لا يمكننا إغفالها في ظل الجدل المحموم بين مؤيدي
تواجد الدولة في شبوة ومناهضيهم، وبين الموالين لفكرة مغادرة الدولة
لمدينة عدن والرافضين لعودتها، بالرغم من كل السلبيات والمآسي التي ترافق
غياب الدولة عن مدينة هامة ومحورية مثل مدينة عدن.

ما فتئت حمى النقاشات والجدالات بين الموالين للمجلس الانتقالي الجنوبي
والموالين لحكومة الشرعية على أشدها حول ما يدور في شبوة، فالحاصل هناك
يثير الكثير من التساؤلات بشأن حقيقة ما يعتمل في المحافظة التي احتفظت
بموالاتها للحكومة الشرعية.

وربما قد تكون هذه النقطة الأخيرة هي محور القضية برمتها، وأساسها الذي
تدور حوله، لهذا نرى مواقفاً غريبة من قبل أنصار وإعلاميي كل طرف فيما
يتعلق بهذا الشأن.

كما أن ثمة العديد من التساؤلات التي تحتاج إلى الكشف عن إجاباتها،
كعلاقة المجلس الانتقالي بما يدور هناك في شبوة، بدلاً من التركيز على ما
تحتاجه عدن وما تحت سيطرته من محافظات أخرى، وتجنب الخوض في شأنٍ آخر.

ورغم أنها جدالاتٌ عقيمة إلا أنها متواصلة وبوتيرة عالية، فما الذي يدور
هناك ليستحق كل هذا النقاش؟، وهل هناك من يحاول أن يصور الأوضاع بغير
حقيقتها؟ ومن هي القوى المؤثرة في الشأن الشبواني؟.



ما الذي يجري في شبوة؟

أخذت محافظة شبوة بتصدر المشهد وعناوين الأخبار منذ أواخر أغسطس وبداية
سبتمبر الماضيين، حين استعصت حصونها على الانتقالي الجنوبي، الذي سيطر
على عدن ولحج والضالع، ومضى نحو أبين وشبوة في أحداث ومواجهاتٍ عنيفة مع
القوات الحكومية.

حينها توقفت قوات الانتقالي على أعتاب شبوة التي ظلت مواليةً للحكومة
الشرعية، فيما نظر إليها مقاتلو الانتقالي وإعلامييه على أنها أضحت
فريسةً لسيطرة "جماعة الإخوان" وحزب الإصلاح، ومن الواجب التحرك للتعجيل
بخلاص شبوة من تلك الجماعة.

في المقابل لم يكن أمام الحكومة الشرعية بُد من الالتفات نحو شبوة، هذا
المعقل الذي صد محاولات الانتقالي للسيطرة عليها، خاصة بعد خروج الحكومة
من عدن، وباتت بلا مقر أو عاصمة تحتضنها.

وبالفعل.. حظيت شبوة بما لم تحظَ به عدن، أو كما قال العديد من المحللين:
إن عدن خسرت، وكسبت عتق (عاصمة شبوة).

وعلى ما يبدو فإن المشاريع التنموية بدأت بالتدفق نحو شبوة، ففي الوقت
الذي يؤكد مسئولون محليون أنها مشاريع معدة مسبقاً، وكانت ضمن خطط
المحافظ محمد بن عديو، إلا أن كثيرا من المراقبين يذهب للإشارة إلى أن
شبوة تحصلت على ثمار مواقفها وثباتها إلى جانب الحكومة.

ويمكن أن يرجح هذا القول الأخير إذا ما كشفنا عن مشاريع حيوية
واستراتيجية بدأت المحافظة في استقبالها خلال شهري أكتوبر ونوفمبر
الماضيين، كتأهيل مطار عتق المحلي، وتحويله إلى مطارٍ دولي، بالإضافة إلى
العديد والعديد من مشاريع الطرق وتأهيل الموانئ المطلة على بحر العرب.

تواكب كل ذلك مع توجه حكومي وإصرار من السلطة المحلية على إعادة استئناف
تصدير الغاز من ميناء بلحاف، ومطالبة التحالف بتسليم الإشراف على الميناء
لقيادة المحافظة.

يأتي ذلك بعد نجاح استئناف النفط عبر شركات أوروبية، في أواخر 2017،
واستمراره إلى اليوم، وهو ما انعكس على الأوضاع التنموية في شبوة بشكل
واضح.

هذا هو ما يدور ويحدث في محافظة شبوة، التي عانت كثيراً طيلة العقود
الماضية عقب الاستقلال الوطني وخلال تعاقب الأنظمة الحاكمة في البلاد،
ويبدو أنها في طريقها لتجاوز مرارات تلك المعاناة.

في المقابل، ينظر الطرف الآخر إلى ما يجري في شبوة بأنه "عبث" يقوده حزب
الإصلاح الإخواني، الذي يعمل على استنزاف موارد الدولة والتحكم بالقرار
السياسي ليس في شبوة فقط، بل وحتى في كل مناطق سيطرة الشرعية.

ويعتبر معتنقو هذا الطرح أن ما يحدث في شبوة لا يعدو عن كونه "تجميل"
لصورة الشرعية وجماعة الإخوان المتحكمة بالأمور هناك، عبر قياداتها
وشخصياتها التي تتقلد مناصب محلية وعسكرية.

كما يرى البعض أن الشرعية تحاول معاقبة المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس
الانتقالي، وتحرمها من الاحتياجات الأساسية، فيما تستمر بالعبث بمواردها
في مشاريع لا أساس لها، ولا تزيد عن كونها للاستهلاك الإعلامي لا أكثر.

هذا ما يحدث هناك في شبوة، وهذا ما شكل مادةً دسمةً للجدال والنقاش
المتبادل بين أنصار وإعلاميي وموالي طرفي الصراع من الشرعية والانتقالي.



بين عتق وعدن

إذا حاولنا تقديم مقارنة موضوعية بين ما يحدث في عتق وبين الوضع في عدن،
بحسب رؤية الواقع في المدينتين ستتضح لنا الكثير من الفروقات والمفارقات
أيضاً، في الجوانب الأمنية والعسكرية تحديداً.

حيث يرى مراقبون أنه في عتق وبقية مناطق محافظة شبوة، لا يمكن أن نرى
تشكيلات أمنية متناقضة الولاءات والانتماءات ويقودها قيادات وشخصيات
تأتمر بأمرها، وليس بأمر قيادة موحدة، أو أنها خاضعة للدولة، أو حتى
للتحالف العربي.

ويشير المراقبون الى أن القوات المسلحة في شبوة خاضعة لقيادات المناطق
العسكرية ووزارة الدفاع اليمنية، وهو ما ظهر خلال مواجهات أغسطس وسبتمبر
الماضيين.

ويُرجع المراقبون تلك الأوضاع الأمنية والعسكرية المستقرة في عتق ومعظم
شبوة إلى رغبة المحافظة "القبلية" والمحافظة "المحافِظة" في الارتماء
بحضن الدولة الذي حرمت منه عقوداً طويلة؛ بفعل سياسة الأنظمة المتعاقبة،
ما بعد الاستقلال، وما بعد الوحدة.

كما أن الشيء اللافت في ما يدور بشبوة، هو عدم تدخل التحالف العربي أو
أية قوات أخرى أو سلطات أخرى باستثناء سلطات الجيش اليمني الموحد، وسلطات
الدولة والحكومة اليمنية الشرعية في الشأن الشبواني.

بينما يرى المراقبون أن مدينة عدن تغوص في بحورٍ من الفوضى الأمنية؛ بفعل
تعدد التشكيلات تحتكم لقيادات شخصية بحكم المنطقة والولاء الضيق، بعيداً
عن مصلحة المدينة التي عُرفت بمدنيتها وقيم التعايش والتسامح.

بينما تتحكم أكثر من جهة، وفصيل مسلح، وقوى خارجية بشئون عدن، وبما يدور
فيها من أحداث أمنية أو عسكرية أو تنموية.

كما أن القوات المسلحة هي أيضاً غير موحدة في عدن، وهو ما يضع المدينة
تحت تهديدات عودة المواجهات وتجدد الاشتباكات بين الحين والآخر، كما يحدث
في العديد من المناطق الشعبية، وفق مراقبين.

حتى على مستوى البنية التحتية والمشاريع التنموية، يبدو أن حظ شبوة
ومدينة عتق تحديداً أكبر من حظوظ عدن في هذا الجانب، خاصةً في فترة ما
بعد أغسطس 2019.

وهي المشاريع التي غادرت عدن مباشرةً نحو شبوة لتستقر هناك، وتتواصل
أعمالها، وهو ما يعطي عتق ميزة إضافية، إلى جانب الاستقرار الأمني وتوحيد
الجيش.



تجانس إخواني

تلك المقارنة التي تبدو أنها في مصلحة عتق وشبوة على حساب عدن وما
جاورها، قد تجد من يفندها ويجد لها ما يبررها، من إعلاميي وأنصار
الانتقالي المناهضين للحكومة.

وتكمن التبريرات في أن محافظة شبوة بكامل إمكانياتها العسكرية والأمنية
وحتى التنموية خاضعة لتصرف جماعة الإخوان وحزب الإصلاح ومن الطبيعي أن
تشهد أي منطقة تحت سيطرتهم الاعتناء والرعاية باعتبار أنه لا وجود لمن
ينافسهم.

ويشير هذا التفنيد الى أن التجانس الإخواني المتواجد في شبوة يسعى للحديث
عن "إنجازات وهمية"، لا وجود لها على الأرض، وإنما هي عبارة عن "تلميع
إعلامي" تماماً كما يحدث في مأرب، التي يحاول الإخوانيون تصويرها بأنها
"جنة للشرعية"، بينما هي ليست كذلك.

أصحاب هذا الرأي من المتابعين والمراقبين المؤيدين للانتقالي يؤكدون أن
شبوة ترزح تحت كم هائل من الانتهاكات الأمنية، التي رصدتها المنظمات
الحقوقية والإنسانية.

كما أشاروا إلى وجود حوادث قتل تتم خارج القانون، وقمع للمظاهرات السلمية
التي يقوم بها مناهضو التواجد الإخواني هناك، وكل ذلك يتم غض الطرف عنه،
ويخضع لتعتيم إعلامي ممنهج من قبل الإخوان المسيطرين على السلطة المحلية
هناك، بحسب وصفهم.



ما بين الوحدة واستعادة الدولة

يفسر محللون مستقلون الوضع بين المدينتين، تفسيراً لا علاقة له بما يدور
ويجري حالياً من أحداث ومستجدات أمنية وعسكرية.

بل هو تفسير وتحليل مبني على خلفيات ثقافية ومدنية وربما حتى قبلية.

حيث يرى المحللون أن محافظة شبوة، ورغم أنها منطقة قبلية قد تبدو للوهلة
الأولى منغلقة وغير متقبلة لفكرة الانفتاح أو فكرة الدولة، إلا أن شبوة
"متعطشة"، على ما يبدو للانخراط ضمن قوام الدولة الواحدة.

ومرد هذا التحليل يعود ربما إلى اكتفاء المحافظة بالصراعات والحسابات
الضيقة والتي كانت شبوة وقودها طيلة ثلاثة عقود.

ويبدو أن المحافظة تعلمت أن الصراعات والنزاعات لا تصنع حياةً مستقرة،
ولا تمنح تنمية ولا تقدماً، بل أنها تجعل المستقبل قاتماً.

على الضفة المقابلة، يرى المحللون أن مدينة عدن- أو أن القائمين عليها
كما يبدو- اقتنعوا بفكرة استعادة الدولة الجنوبية، ولا يمكن لهم العودة
مرة أخرى إلى أحضان الوحدة أو الدولة الواحدة.

وهذا ما سبب الفروق بين المدينتين، والأوضاع المتباينة والمتضادة هنام
وهناك تبدو بهذا الشكل وعلى هذه الهيئة المتناقضة بل والمتصادمة.



هل خسرت عدن بالفعل؟

عند الحديث عما تشهده شبوة من أعمال ومشاريع وتنمية، يتبادر إلى الأذهان
واقع مدينة عدن، وما تعيشه من تردٍ لا يخفى على أحد في مختلف الجوانب
الخدمية والاحتياجات الرئيسية.

وهو ما يجعل البعض للإشارة إلى أن مدينة عدن خسرت كثيرًا بخروجها من
عباءة الدولة، وبما قام به الانتقالي من سيطرة على مؤسسات الدولة
ومعسكراتها ومرافقها العامة.

فجميع جهود التنمية تم توجيهها نحو الشرق، في شبوة ومدن الوادي بحضرموت،
بالإضافة إلى المهرة، بينما ظلت مدينة عدن تكابد الأوضاع السيئة
والمتردية التي تعاني منها.

وهو الأمر الذي تطرق إليه كثير من المتابعين الذين أشاروا إلى المعضلة
والمأزق الذي وضعت فيه مدينة عدن بسبب ممارسات الانتقالي، حد قولهم.

بينما الانتقالي وقياداته ترى أن الحكومة تحاول فقط معاقبة مواطني عدن،
وتحاربهم في أقواتهم وتقطع مرتباتهم، وتوقف الخدمات العامة والاحتياجات
الأساسية، بسبب وقوف أهالي عدن إلى جانب الانتقالي وحلم استعادة الدولة.


هل سيستمر الجدل؟

قد يقول قائل إن الهجوم الذي يستهدف محافظة شبوة من قبل البعض يعود إلى
فشل المجلس الانتقالي في دخول المحافظة أو اقتحامها؛ ولهذا فهو يستهدف
مهاجمة أية أعمال تتم فيها.

ويرى البعض أن هذه النقاشات والجدل العقيم بهذا الخصوص يمكن أن يستمر في
حالة عدم وضع أية حلول أو معالجات سياسية وتصالحية تضمن تجنب تصعيد
الأمور والتي نشهدها عبر وسائل الإعلام المختلفة.

فالتصعيد الخطير الذي يسيء للجميع، سواء للانتقالي أو لأبناء شبوة، يمكن
أن نضع له حدا في حالة تبني مشاريع واقعية وعملية تجمع ولا تفرق، وتساعد
على الالتقاء حول قواسم مشتركة، وليس البحث عن الاختلافات.