الإثنين - 24 فبراير 2020 - 10:09 ص بتوقيت عدن
القسم السياسي بـ(عدن الغد):
الجدل حول شبوة.. إلى متى؟!القسم السياسي بـ(عدن الغد):(لم تتواجد الدولة بكامل سلطاتها من قبل كما تتواجد الآن في محافظةشبوة).. هذه الحقيقة لا يمكننا إغفالها في ظل الجدل المحموم بين مؤيديتواجد الدولة في شبوة ومناهضيهم، وبين الموالين لفكرة مغادرة الدولةلمدينة عدن والرافضين لعودتها، بالرغم من كل السلبيات والمآسي التي ترافقغياب الدولة عن مدينة هامة ومحورية مثل مدينة عدن.ما فتئت حمى النقاشات والجدالات بين الموالين للمجلس الانتقالي الجنوبيوالموالين لحكومة الشرعية على أشدها حول ما يدور في شبوة، فالحاصل هناكيثير الكثير من التساؤلات بشأن حقيقة ما يعتمل في المحافظة التي احتفظتبموالاتها للحكومة الشرعية.وربما قد تكون هذه النقطة الأخيرة هي محور القضية برمتها، وأساسها الذيتدور حوله، لهذا نرى مواقفاً غريبة من قبل أنصار وإعلاميي كل طرف فيمايتعلق بهذا الشأن.كما أن ثمة العديد من التساؤلات التي تحتاج إلى الكشف عن إجاباتها،كعلاقة المجلس الانتقالي بما يدور هناك في شبوة، بدلاً من التركيز على ماتحتاجه عدن وما تحت سيطرته من محافظات أخرى، وتجنب الخوض في شأنٍ آخر.ورغم أنها جدالاتٌ عقيمة إلا أنها متواصلة وبوتيرة عالية، فما الذي يدورهناك ليستحق كل هذا النقاش؟، وهل هناك من يحاول أن يصور الأوضاع بغيرحقيقتها؟ ومن هي القوى المؤثرة في الشأن الشبواني؟.ما الذي يجري في شبوة؟أخذت محافظة شبوة بتصدر المشهد وعناوين الأخبار منذ أواخر أغسطس وبدايةسبتمبر الماضيين، حين استعصت حصونها على الانتقالي الجنوبي، الذي سيطرعلى عدن ولحج والضالع، ومضى نحو أبين وشبوة في أحداث ومواجهاتٍ عنيفة معالقوات الحكومية.حينها توقفت قوات الانتقالي على أعتاب شبوة التي ظلت مواليةً للحكومةالشرعية، فيما نظر إليها مقاتلو الانتقالي وإعلامييه على أنها أضحتفريسةً لسيطرة "جماعة الإخوان" وحزب الإصلاح، ومن الواجب التحرك للتعجيلبخلاص شبوة من تلك الجماعة.في المقابل لم يكن أمام الحكومة الشرعية بُد من الالتفات نحو شبوة، هذاالمعقل الذي صد محاولات الانتقالي للسيطرة عليها، خاصة بعد خروج الحكومةمن عدن، وباتت بلا مقر أو عاصمة تحتضنها.وبالفعل.. حظيت شبوة بما لم تحظَ به عدن، أو كما قال العديد من المحللين:إن عدن خسرت، وكسبت عتق (عاصمة شبوة).وعلى ما يبدو فإن المشاريع التنموية بدأت بالتدفق نحو شبوة، ففي الوقتالذي يؤكد مسئولون محليون أنها مشاريع معدة مسبقاً، وكانت ضمن خططالمحافظ محمد بن عديو، إلا أن كثيرا من المراقبين يذهب للإشارة إلى أنشبوة تحصلت على ثمار مواقفها وثباتها إلى جانب الحكومة.ويمكن أن يرجح هذا القول الأخير إذا ما كشفنا عن مشاريع حيويةواستراتيجية بدأت المحافظة في استقبالها خلال شهري أكتوبر ونوفمبرالماضيين، كتأهيل مطار عتق المحلي، وتحويله إلى مطارٍ دولي، بالإضافة إلىالعديد والعديد من مشاريع الطرق وتأهيل الموانئ المطلة على بحر العرب.تواكب كل ذلك مع توجه حكومي وإصرار من السلطة المحلية على إعادة استئنافتصدير الغاز من ميناء بلحاف، ومطالبة التحالف بتسليم الإشراف على الميناءلقيادة المحافظة.يأتي ذلك بعد نجاح استئناف النفط عبر شركات أوروبية، في أواخر 2017،واستمراره إلى اليوم، وهو ما انعكس على الأوضاع التنموية في شبوة بشكلواضح.هذا هو ما يدور ويحدث في محافظة شبوة، التي عانت كثيراً طيلة العقودالماضية عقب الاستقلال الوطني وخلال تعاقب الأنظمة الحاكمة في البلاد،ويبدو أنها في طريقها لتجاوز مرارات تلك المعاناة.في المقابل، ينظر الطرف الآخر إلى ما يجري في شبوة بأنه "عبث" يقوده حزبالإصلاح الإخواني، الذي يعمل على استنزاف موارد الدولة والتحكم بالقرارالسياسي ليس في شبوة فقط، بل وحتى في كل مناطق سيطرة الشرعية.ويعتبر معتنقو هذا الطرح أن ما يحدث في شبوة لا يعدو عن كونه "تجميل"لصورة الشرعية وجماعة الإخوان المتحكمة بالأمور هناك، عبر قياداتهاوشخصياتها التي تتقلد مناصب محلية وعسكرية.كما يرى البعض أن الشرعية تحاول معاقبة المناطق الخاضعة لسيطرة المجلسالانتقالي، وتحرمها من الاحتياجات الأساسية، فيما تستمر بالعبث بمواردهافي مشاريع لا أساس لها، ولا تزيد عن كونها للاستهلاك الإعلامي لا أكثر.هذا ما يحدث هناك في شبوة، وهذا ما شكل مادةً دسمةً للجدال والنقاشالمتبادل بين أنصار وإعلاميي وموالي طرفي الصراع من الشرعية والانتقالي.بين عتق وعدنإذا حاولنا تقديم مقارنة موضوعية بين ما يحدث في عتق وبين الوضع في عدن،بحسب رؤية الواقع في المدينتين ستتضح لنا الكثير من الفروقات والمفارقاتأيضاً، في الجوانب الأمنية والعسكرية تحديداً.حيث يرى مراقبون أنه في عتق وبقية مناطق محافظة شبوة، لا يمكن أن نرىتشكيلات أمنية متناقضة الولاءات والانتماءات ويقودها قيادات وشخصياتتأتمر بأمرها، وليس بأمر قيادة موحدة، أو أنها خاضعة للدولة، أو حتىللتحالف العربي.ويشير المراقبون الى أن القوات المسلحة في شبوة خاضعة لقيادات المناطقالعسكرية ووزارة الدفاع اليمنية، وهو ما ظهر خلال مواجهات أغسطس وسبتمبرالماضيين.ويُرجع المراقبون تلك الأوضاع الأمنية والعسكرية المستقرة في عتق ومعظمشبوة إلى رغبة المحافظة "القبلية" والمحافظة "المحافِظة" في الارتماءبحضن الدولة الذي حرمت منه عقوداً طويلة؛ بفعل سياسة الأنظمة المتعاقبة،ما بعد الاستقلال، وما بعد الوحدة.كما أن الشيء اللافت في ما يدور بشبوة، هو عدم تدخل التحالف العربي أوأية قوات أخرى أو سلطات أخرى باستثناء سلطات الجيش اليمني الموحد، وسلطاتالدولة والحكومة اليمنية الشرعية في الشأن الشبواني.بينما يرى المراقبون أن مدينة عدن تغوص في بحورٍ من الفوضى الأمنية؛ بفعلتعدد التشكيلات تحتكم لقيادات شخصية بحكم المنطقة والولاء الضيق، بعيداًعن مصلحة المدينة التي عُرفت بمدنيتها وقيم التعايش والتسامح.بينما تتحكم أكثر من جهة، وفصيل مسلح، وقوى خارجية بشئون عدن، وبما يدورفيها من أحداث أمنية أو عسكرية أو تنموية.كما أن القوات المسلحة هي أيضاً غير موحدة في عدن، وهو ما يضع المدينةتحت تهديدات عودة المواجهات وتجدد الاشتباكات بين الحين والآخر، كما يحدثفي العديد من المناطق الشعبية، وفق مراقبين.حتى على مستوى البنية التحتية والمشاريع التنموية، يبدو أن حظ شبوةومدينة عتق تحديداً أكبر من حظوظ عدن في هذا الجانب، خاصةً في فترة مابعد أغسطس 2019.وهي المشاريع التي غادرت عدن مباشرةً نحو شبوة لتستقر هناك، وتتواصلأعمالها، وهو ما يعطي عتق ميزة إضافية، إلى جانب الاستقرار الأمني وتوحيدالجيش.تجانس إخوانيتلك المقارنة التي تبدو أنها في مصلحة عتق وشبوة على حساب عدن وماجاورها، قد تجد من يفندها ويجد لها ما يبررها، من إعلاميي وأنصارالانتقالي المناهضين للحكومة.وتكمن التبريرات في أن محافظة شبوة بكامل إمكانياتها العسكرية والأمنيةوحتى التنموية خاضعة لتصرف جماعة الإخوان وحزب الإصلاح ومن الطبيعي أنتشهد أي منطقة تحت سيطرتهم الاعتناء والرعاية باعتبار أنه لا وجود لمنينافسهم.ويشير هذا التفنيد الى أن التجانس الإخواني المتواجد في شبوة يسعى للحديثعن "إنجازات وهمية"، لا وجود لها على الأرض، وإنما هي عبارة عن "تلميعإعلامي" تماماً كما يحدث في مأرب، التي يحاول الإخوانيون تصويرها بأنها"جنة للشرعية"، بينما هي ليست كذلك.أصحاب هذا الرأي من المتابعين والمراقبين المؤيدين للانتقالي يؤكدون أنشبوة ترزح تحت كم هائل من الانتهاكات الأمنية، التي رصدتها المنظماتالحقوقية والإنسانية.كما أشاروا إلى وجود حوادث قتل تتم خارج القانون، وقمع للمظاهرات السلميةالتي يقوم بها مناهضو التواجد الإخواني هناك، وكل ذلك يتم غض الطرف عنه،ويخضع لتعتيم إعلامي ممنهج من قبل الإخوان المسيطرين على السلطة المحليةهناك، بحسب وصفهم.ما بين الوحدة واستعادة الدولةيفسر محللون مستقلون الوضع بين المدينتين، تفسيراً لا علاقة له بما يدورويجري حالياً من أحداث ومستجدات أمنية وعسكرية.بل هو تفسير وتحليل مبني على خلفيات ثقافية ومدنية وربما حتى قبلية.حيث يرى المحللون أن محافظة شبوة، ورغم أنها منطقة قبلية قد تبدو للوهلةالأولى منغلقة وغير متقبلة لفكرة الانفتاح أو فكرة الدولة، إلا أن شبوة"متعطشة"، على ما يبدو للانخراط ضمن قوام الدولة الواحدة.ومرد هذا التحليل يعود ربما إلى اكتفاء المحافظة بالصراعات والحساباتالضيقة والتي كانت شبوة وقودها طيلة ثلاثة عقود.ويبدو أن المحافظة تعلمت أن الصراعات والنزاعات لا تصنع حياةً مستقرة،ولا تمنح تنمية ولا تقدماً، بل أنها تجعل المستقبل قاتماً.على الضفة المقابلة، يرى المحللون أن مدينة عدن- أو أن القائمين عليهاكما يبدو- اقتنعوا بفكرة استعادة الدولة الجنوبية، ولا يمكن لهم العودةمرة أخرى إلى أحضان الوحدة أو الدولة الواحدة.وهذا ما سبب الفروق بين المدينتين، والأوضاع المتباينة والمتضادة هناموهناك تبدو بهذا الشكل وعلى هذه الهيئة المتناقضة بل والمتصادمة.هل خسرت عدن بالفعل؟عند الحديث عما تشهده شبوة من أعمال ومشاريع وتنمية، يتبادر إلى الأذهانواقع مدينة عدن، وما تعيشه من تردٍ لا يخفى على أحد في مختلف الجوانبالخدمية والاحتياجات الرئيسية.وهو ما يجعل البعض للإشارة إلى أن مدينة عدن خسرت كثيرًا بخروجها منعباءة الدولة، وبما قام به الانتقالي من سيطرة على مؤسسات الدولةومعسكراتها ومرافقها العامة.فجميع جهود التنمية تم توجيهها نحو الشرق، في شبوة ومدن الوادي بحضرموت،بالإضافة إلى المهرة، بينما ظلت مدينة عدن تكابد الأوضاع السيئةوالمتردية التي تعاني منها.وهو الأمر الذي تطرق إليه كثير من المتابعين الذين أشاروا إلى المعضلةوالمأزق الذي وضعت فيه مدينة عدن بسبب ممارسات الانتقالي، حد قولهم.بينما الانتقالي وقياداته ترى أن الحكومة تحاول فقط معاقبة مواطني عدن،وتحاربهم في أقواتهم وتقطع مرتباتهم، وتوقف الخدمات العامة والاحتياجاتالأساسية، بسبب وقوف أهالي عدن إلى جانب الانتقالي وحلم استعادة الدولة.هل سيستمر الجدل؟قد يقول قائل إن الهجوم الذي يستهدف محافظة شبوة من قبل البعض يعود إلىفشل المجلس الانتقالي في دخول المحافظة أو اقتحامها؛ ولهذا فهو يستهدفمهاجمة أية أعمال تتم فيها.ويرى البعض أن هذه النقاشات والجدل العقيم بهذا الخصوص يمكن أن يستمر فيحالة عدم وضع أية حلول أو معالجات سياسية وتصالحية تضمن تجنب تصعيدالأمور والتي نشهدها عبر وسائل الإعلام المختلفة.فالتصعيد الخطير الذي يسيء للجميع، سواء للانتقالي أو لأبناء شبوة، يمكنأن نضع له حدا في حالة تبني مشاريع واقعية وعملية تجمع ولا تفرق، وتساعدعلى الالتقاء حول قواسم مشتركة، وليس البحث عن الاختلافات.