آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-03:38م

ملفات وتحقيقات


هجرة شباب العرب إلى شواطئ أوروبا على بواخر التهريب والموت .. ما هو الهدف منها ؟؟

السبت - 22 فبراير 2020 - 02:19 م بتوقيت عدن

هجرة شباب  العرب إلى شواطئ أوروبا على بواخر التهريب والموت .. ما هو الهدف منها ؟؟

(عدن الغد)خاص:

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات  ( القطار .. رحلة إلى الغرب ) للرئيس علي ناصر محمد   (الحلقة 25)

متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :

مجازفة  شباب العرب

في هذا العدد يروي لنا سيادة الرئيس ناصر من خلال مذكراته  عن هجرة شباب العرب إلى أوروبا ويقول :" يصل العرب بعد مجازفة قد تؤدي بهم الى الموت اليوم إلى شواطئ أوروبا على بواخر التهريب والموت. يأتون من بلدان لم يعد أحد يترجم علومها، ومن مدن وعواصم لم تعد جامعاتها معاهد للعلم وصروحا للمعرفة. نتوقف ونلطم، ماذا حدث لنا؟ بلاد لاجئة في الخارج ومحترقة في الداخل. مدن يحرقها العدو مرة ويحرقها الشقيق كل يوم. وشعب يفر إلى الخارج بالملايين، بأسماله أو أمواله، وعندما يصل إلى الشواطئ يتذكر أسماء أجداده.)

وكتبت الدكتورة المهندسة ريم عبد الغني  (1) عن هجرة الشباب العربي ماسمته "موسم الهجرة الى الهلاك" مايلي:

" مجدعدنان رشا معاذ في الوسط... أنا وزوجي من الجانبين...  

أتامل الصورة...

ابتسامات الأربعة متسعة... رسمها فرح حقيقي..

 حقائب صغيرة فوق ظهورهم فيها قليل من الضروريات..

 أحذية رياضية لسير رحلة طويلة متوقعة..

شلال شمس الصباح أم الإيمان بالآتي الجميل هو ما سكب في عيونهم ذاك البريق الملفت؟.. هو ما جمعهم هنا اليوم على كل حال...

 محفظة تكاد تتسع لجواز سفر مشدودة بحزام حول وسط عدنان... ثلاثيني بارع في مجال الحاسوب... موهوب في مجال صناعة افلام الاطفال، تكاثف عمله حين بدأت سوريا تتسلق قمة الدراما والتلفزيونات العربية.... لكن كل شيء انهار بمجيء الحرب...  توقفت كل المشاريع.. وتفرقت الخبرات.. وهربت رؤوس الأموال.. ومعها أصدقاؤه الذين هاجروا.. شجعوه أن يبحر مثلهم غرباً..

سماعات موسيقى حول رقبة رشا.. ابنة السابعة والعشرين ترى الحياة القادمة بتفاؤل من خلال نظارتها الطبية.. تمنحها مظهراً اكثر جدية من حقيقتها..  فياضة بالامل والحماس... كان صعباً لخريجة الأدب الإنكليزي في ظروف الحرب أن تجد عملاً مناسباً في دمشق... وبعد خيبة أمل من تجربة عمل أشهر في قطر ... قررت أن تتجه غرباً...

معاذ أخوها الأصغر.. خريج اقتصاد.. شاب وسيم.. يرتدي نظارات طبية هو الآخر.. قامته الممشوقة لا تتناسب وبراءة وجهه..... قليل الكلام ...  لكنني فهمت من رشا أنه قرر مرافقتها غربا، لا لأنه لم يجد عملاً في البلد فحسب .. بل خوفا من رصاصة طائشة أو وشاية مغرض أو قذيفة تناست هدفها...

مجد أصغرهم في العشرين ويريد أن يكون رجلا بسرعة...  خريج المعهد الهندسي يجسد بساطة وطيبة أهل اللاذقية... ورغم أن الحرب لم تطل اللاذقية نظرياً بعد والحمدلله.. لكنها لا تمنحه الأمل بأي مستقبل يتيح له تكوين دعامة بيت او أسرة... خاصة وغلاء الحرب الفاحش ..أضف إلى أنه سيطلب قريباً للخدمة العسكرية وهو لا يريد أن يموت الآن ... والأهم أنه لا يريد أن يموت في حرب غبية لن تنتهي إلا فوق أنقاض سورية...إذاً.. مجد قرر أن ييمم شطر الغرب ايضاً..

يبدون سعداء كأطفال على وشك البدء بنزهة تمنوها طويلا..

ولكن .. إلى أين في الغرب؟..

يجيبني عدنان "أي مكان يقبل السوريين الهاربين من هول الحرب وما أكثرهم..  السويد.. الدانمارك.. هولندا.. المانيا.. أوغيرها.. من وصل هناك أخبرنا..

قالوا ستصلون وتخبرونهم كيف أتيتم وسيمنحونكم المأوى ورواتب شهرية في مجمعات متواضعة.. كلها بضعة اشهر.. ثم.. ستزهر الدنيا أمامكم... جوازات سفر اجنبية واقامات قد تعقبها جنسية غربية.. وعمل ..و..و.

أقاطعه بقلق ولكن.. الله اعلم كم يكون ذلك حقيقياً.. وكم نسبة من انطبق عليهم هذا ممن هاجروا ووصلوا أرض الميعاد...

ونسبة من" وصلوا" حقاً... ففي الطريق أهوال تبتلع كثيراً منهم ..

عدنان قائد الفريق الذي - بالإضافة لرشا ومعاذ ومجد- يضم اثنين آخرين كنان وخالد ينتظرونهم في مطار بيروت ليغادروا معاً... يتكلم بثقة وكأنها رمية حجر,, "

 أخبرنا الوسطاء -والوسطاء هنا هم مهربو البشر- أن كل شيء مرتب ومدروس.. ولذا سنعطيهم المال الذي طلبوه..

سنستقل الطائرة أولا إلى الجزائر.. ما زالت الجزائر دون غيرها تسمح بدخول السوريين دون تأشيرات دخول وانتظار مذل امام السفارات... الشرط الوحيد أن تملك حداً معلوماً من المال وورقة تثبت حجز فندق ولو كان وهمياً ..

"ومن هناك سينقلوننا بباصات مريحة عبر صحراء ليبيا كي لا نعبر تونس التي لا تمنح تأشيراتها لنا..  ومن ميناء زوارة سنبحر فوق مركب إلى شواطئ إيطاليا.. الصليب الأحمر سينقلنا إلى ميلانو....

ومن هناك سيتجه كل منا إلى البلد الذي يريد...

سمعت جدتي رحمها الله تجيب بصوتي: "ان شالله يجي حساب الحقل عحساب البيدر"

نودعهم عند الباب...الله معكم..  لترافقكم السلامة...

رشا تحضنني بمحبة حقيقية... أشعر بنبضها موجات القلق  ... يتولاني مزيج من الإعجاب بشجاعتها والخوف عليها.. والحسرة على بلدي الذي يفقد المزيد من أولاده كل يوم...

أشد على يد مجد اذكره ان لا ينقاد في طرق لا توصله الى حيث يأمل والديه الذين دفعا كل ما اقتصداه عشرين عاما.. ثمنا لعبوره الى البر الذي سيرمي منه اطواق النجاة لهما ولاخيه الاصغر..

امازح عدنان ان لا يدع شقراوات اوروبا ينسينه زوجته الصغيرة وابنه الذي لم يتجاوز العام وامه واخته .. رجل البيت ليس لهما سواه منذ توفي والده قبل سنوات..

معاذ انتبه على رشا... عدنان اوصيك بهم انت اكبرهم...

السيارة تغيب وراء الدموع.. قبل ابتعادها...

عبثاً احاول التركيز على الكتاب امامي..

لا تفارقني صور وجوههم... ترى أين وصلوا ؟؟

 مضت أيام... أخيرا.. رسالة قصيرة على جوالي طمأنتني ...وصلوا الجزائر...وتحركوا نحو الصحراء الليبية خلسة...

يا لسخرية القدر... نحن؟  أبناء بلد رفض فرض تأشيرات دخول على أي عربي... فتح قلبه لكل العرب...  نتحول إلى جرذان تتسلل خلسة عبر حدودهم؟ وليس للمأوى، بل للعبور فقط.. يا حسرتي..

أتصل بندى.. أم مجد.. لعل لديها اخباراً جديدة.. من بين شهقات بكائها أفهم أنها لم تعرف أكثر هي الأخرى ...

ماذا لو ابتلعتهم الصحراء أو قتلهم الحادي أو غرق بهم المركب ؟  لا

لا...لا اريد أن أتخيلهم يموتون في ذروة الشباب بينما ينتهي ذووهم في قاع الحزن..

روزانات" الموت

ويضيف من القول  على حد قول الدكتوره ريم :" لم أعرف معنى كلمة الروزانا..  إلا قبل سنوات فقط.. واليوم... أشعر بنبض لحنها المتوارث الحزين ..  فقد نكست أخبار رحلة مجد ورفاقه وتداعياتها جرح الروزانا الكامن في لاوعيي.. سكنتني.. ووجدتني أدندن في سري:      عالروزانا ع الروزانا, كل الهنا فيها

                                         شو عملت الروزانا , الله يجازيها

دندنتها ليلة البارحة ودندتها.. بصوت خفيض.. دندنتها حتى بكيت مع  هؤلاء. الذين كانوا ينتظرون بلهفة سفينة "روزانا" الإيطالية تقترب ببطء من شاطيء بيروت.,  قبل اكثر من قرن.. آملين أنها ستحمل الفرج والقمح بعد المجاعة القاسية التي حلت بهم .. وأن اطفالهم سيملؤون أخيراً بطونهم الخاوية .. بكيت معهم  انكسارهم لحظة وصول الروزانا الملأى.. بالتفاح.. ظلوا جياعاً وكسد محصولهم من التفاح.. ومنع أصحاب المصالح تصديره.. فهربوه الى حلب تحت عناقيد العنب..

من يومها وسفينة "الروازنا" تعني الغربة، فقد كانت وسيلة  نقل رئيسية لهجرة شبان بلاد الشام إلى الغرب وامريكا... ضمن دفقات هجرة من قبلها وبعدها هرباً من الحروب والمجاعات والفقر...

مات كثيرون قبل أن يصلوا..ومن وصلوا نجحوا غالباً.. فأولاد بلادنا عموماً مشهود لهم بالكفاءة.. حتى ترأس أحفادهم بعض دول أمريكا أو مؤسساتها الضخمة..

 أثمرت بذورهم في أرض الغرباء... وذبلت للأسف في أرضنا أشجارهم الأم....

  من حنين الغربة وحرقة الأشواق وألم الفراق... ولدت مواويل "العتابا" و"الروزانا"، وتجذرت في لاوعينا، حتى صرنا "نشعرها" ولو لم نعرف بدقة معاني كلماتها..

دندنتها كأنني أستحضرهم... مجد وعدنان ورفاقهم ركاب "روزانات" الموت الذين يهربهم تجار البشر كل يوم عبر الجزائر وليبيا ومصر وتونس إلى سواحل أوروبا... في الحلق غصة مستقبلي  ال" روزانا" قبل مئة سنة... مقرونة بالقهر والأسى بعد ما حل بمجد ورفاقه...

تابعت الضغط على مفتاح الحاسوب بتردد... كنت أقلب الصور المنشورة تحت عنوان: "الناجون من غرق مركب للمهاجرين السوريين غير الشرعيين في المياه الإقليمية الإيطالية". 24-8-2014 ".

هل نجوا؟ هل سأجد صورهم يحملون أرقاما كبقية الذين أُنقذوا من الغرق مساء البارحة ؟ غرق 150 شخص... معظمهم من السوريين..

يعلق "لا أحد" بغباء:  " خبر جيد...نجا 350 منهم"... كم صارت حياتنا نحن السوريون رخيصة..

بكيت طويلا عندما عثرت على صورهم أخيراً... وجوههم متورمة من البكاء وساعات الانتظار في مياه البحر... قبل ان تنقذهم البوارج الإيطالية التي استنتجدوا بها...


أصدقاء الرحلة الستة بقي منهم أربعة...  هاهي صور عدنان ومجد ورشا ومعاذ.. أما كنان وخالد وحيد أبويه،  فما زالا في عداد المفقودين... حتى كتابة هذه السطور...

صبر الله أهاليهم...

دموع الفرح لمن وجده أقرباءه

ويقول أيضاً :" بوصول البارجة تعالى الصياح وانهمرت الدموع!! دموع فرح من وجد أقرباءه,,, ودموع حزن من لم يجدهم... وللأسف كنا من الفريق الثاني.... البعض أغمي عليه... كأبي سامر الذي فقد كل أولاده.. والبعض أخذ يضرب نفسه.. كان معنا شاب فقد أخواته البنات... وآخر فقد زوجته... الكثيرون فقدوا أولادهم... حالات يُدمى لها القلب...

لأيام انتظرنا.. لعلّ قوارب أخرى تحمل المزيد من الناجين... لكن... للأسف لم  يأت أحد... وسائل الإعلام تناقلت صور وحكايات الكارثة... لكنها لم ترو إلا القليل.. كقصة الطفلة ميرا التي فقدت كل عائلتها... والرجل الدمشقي الذي فقد زوجته وبناته الثلاث... والطفل عمر كرمو الذي بحث بين الجثث عن الشاب الذي أنقذه قبل أن يبتلعه الموج...  قصص تقشعر لها الأبدان.. روت شجاعة الشباب السوريين، الذين تحول بعضهم إلى فرقة انقاذ... وغرق معظمهم... رحمة الله عليهم.. ما كان أشجعهم..

بعد أن أخذت الشرطة الإيطالية الصور والمعلومات، تم نقلنا إلى مخيم للمبيت... وبعد أيام غادر كل منا حيث شاء... غادرت ورشا ومعاذ إلى روما بالباص (يعتلي الباص عبّارة في البحر بين جزيرة صقلية وشبه الجزيرة الإيطالية) ثم إلى ميلانو بالقطار.. ثم إلى الدانمارك بسيارة أجرة.. وهناك استقر عدنان.. ثم بالقطار إلى السويد حيث نسكن الآن في تجمعات خاصة باللاجئين، نتعلم اللغة.. ونستعد لبدء حياة جديدة.. بإنتظار أن نُمنح في الشهور القادمة إقامة وعملاً.. وحين تنتهي الحرب... بالتأكيد سنعود.. "انتهى الاقتباس "

و(للحديث بقية ) ..

-----------------------------

هوامش /

1-من كتاب شظايا غربة للكاتبة الدكتورة المهندسة ريم عبد الغني.